فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضلِ الصفِّ الأوَّلِ والأمرِ بإتمامِ الصفوفِ الأُولِ، وتسويِتها، والتراصِّ فِيهَا.

رقم الحديث 1092 ( وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: رصوا صفوفكم) أي حتىلا يبقى فيها فرجة ولا خلل ( وقاربوا بينها) بأن يكون ما بين كل صفين ثلاثة أذرع تقريباً، فإن بعد صف عما قبله أكثر من ذلك كره لهم وفاتهم فضيلة الجماعة حيث لا عذر من حر أو برد شديد وهذا في غير النساء، أما هن فيسن لهن التأخر عن الرجال كثيراً ( وحاذوا بالأعناق) ينبغي تفسيره بالمحاذاة بالمناكب التي سبق الأمر بها قولاً وفعلاً، إذ يلزم في المحاذاة بالأعناق بأن لا يتقدم عنق أحدهم ولا يتأخر المحاذاة بالمناكب ( فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصفوف) أي فرجها أو تباعدها عن بعضها بأكثر مما مرّ ( كأنها الحذف) ببه بهذا الإقسام العظيم على تأكيد التراص والتقارب لعظم فائدتهما وهي منع دخول الشيطان بينهم المستلزم لتسلطه وإغوائه ووسوسته حتى يفسد عليهم صلاتهم وخشوعهم الذي هو روح الصلاة وعود بركة ما فيها من الأنفاس الطاهرة على البقية، ولا مذهب للشيطان وكيده أعظم من الذكر الصادر من القلب الصالح ثم تأنيث ضمير كأنها الراجع إلى الشيطان صحيح لأنه اسم جنس بمعنى الشياطين فيجوز تذكير ضميره رعاية للفظه كما ورد به أيضاً وتأنيثه رعاية لمعناه وفيه أوجه أخر هذا أحسنها ( حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح) فرواه عن مسلم بن إبراهيم عن أبان، عن قتادة، عن أنس ( على شرط مسلم) أي برجال روى مسلم حديثهم في الصحيح، وإلا فليس لأحد من الشيخين شرط منصوص عليه في كتابيهما المذكورين، ورواه النسائي في الصلاة أيضاً من «سننه» عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن أبي هشام المخزومي عن قتادة.
( الحذف بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين ثم فاء: وهي غنم سود صغار تكون باليمن) أو بالحجاز واحده حذفة بالتحريك سميت بذلك لأنها محذوفة عن مقدار غالب جنسها، وتقدم تفسيرها في حديث أحمد مرفوعاً بنحوه.


رقم الحديث 1093 ( وعنه أن رسول الله قال: أتموا الصف المقدم) أي الأول وذلك بسد فرجهحتى لا يبقى منها ما يسع واحداً ( ثم) أي بعد تمام الأول أتموا الصف ( الذي يليه) وهو الثاني وهكذا ( فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أي الأخير ( رواه أبو داود) في الصلاة من سننه ( بإسناد حسن) فرواه عن محمد بن سليمان الأنباري عن عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس، ومن هذا الحديث الصريح في إتمام الصف الأول والثاني أخذ أصحابنا قولهم يسن إتمام الصف الأول ثم الذي يليه حتى لا يبقى نقص في غير الأخير، وفيه أن من وقف قبل إتمام ما قبله كان مقصراً تاركاً للسنة فيفوته فضل الجماعة.


رقم الحديث 1094 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي الصفوف التي في ميمنة الإمام، ومنه أخذ أئمتنا أفضلية الوقوف عن يمين الإمام ولو تعارض مع القرب من الإمام ما استوجهه أئمتنا، والمراد أنه يسن إذا وصل المأموم المسجد ووجد الناس متوسطين الإمام ووجد فرجة على يمينه وأخرى عن يساره أن يسد فرجة اليمين، فلا يلزم من تفضيل التيامن فوات سنة توسيط الإمام المطلوب أيضاً، ومحل طلب التيامن إذا كانت جهته تسع جميع الجاءين وإلا سن التسابق إليها والباقون يصلون في اليسرى، كما أن السنة إتمام الصف الأول ثم الثاني وهكذا ( رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم) فرواه عن عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة ( وفيه رجل مختلف في توثيقه) هو معاوية بن هشام، قال في «الكاشف» : قال ابن معين: معاوية بن هشام صالح وليس بذاك في «التهذيب» للذهبي: وقال فيه أبو داود إنه ثقة، وقال يعقوب ابن أبي شيبة: كان من أعلمهم بحديث شريك هو إسحاق الأزراق اهـ.
e قال المصنف في «الخلاصة» : وفيه رجلمختلف فيه، وصححه أبو القاسم الطبراني، وأشار البيهقي إلى تضعيفه والمختار تصحيحه فلم يذكر ما يقتضي ضعفاً اهـ.
وعبارة البيهقي التي أشار إليها في «الخلاصة» هي قوله بعد إيراد الحديث باللفظ المذكور لك المحفوظ بهذا الإسناد عن النبيّ «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف» ثم ذكر له طرقاً متنها كما ذكره ثم قال: قال الطبراني: كلاهما صحيحان، قال البيهقي: يعني الإسنادين، أما المتن الأول فإن معاوية بن هشام انفرد به، ولا أراه محفوظاً فقد رواه عبد الله بن وهب وغيره عن أمامة نحو رواية الجماعة «يصلون على الذين يصلون الصفوف» اهـ.
وكأن وجه عدم تضعيف ذلك الحدث المذكور أنه لا يلزم من روايتهم بهذا الإسناد ذلك المتن أن لا يروي به غيره متناً آخر، والسكوت عن الشيء لا ينقيها والله أعلم.
قال في «الجامع الصغير» : والحديث رواه ابن حبان في «صحيحه» وأبو نعيم في «حليته» أيضاً، والحديث رواه ابن ماجه بهذا الإسناد.


رقم الحديث -192 هو الصف الذي يلي الإمام على الصحيح وإن تخلله نحو منبر أو مقصورة وإن تأخر أصحابه، وهو في المسجد الحرام من بحاشية محل الطواف دون من تقدم عليه إلى الكعبة، بل قرب المأموم إليها على الإمام في غير جبهته مكروه مفوت لفضل الجماعة كما في «التحفة» لابن حجر.
وقيل الأول ما لم يتخلله شيء وإن تأخر أصحابه، وقيل هو من جاء أولاً وإن صلى في صف متأخر.
قال المصنف في «شرح مسلم» : وهذان القولان غلط صريح: أي وإن جرى الغزالي على أولهما ( والأمر بإتمام الصفوف الأول) أي لا يصف الثاني حتى يتم الأول والثالث حتى يتم الثاني وهكذا ( وتسويتها) أي عدم تقدم بعض من بالصف على بعض ( والتراص فيها) بحيث لا يكون فيها فرجة تسع مصلياً.


رقم الحديث 1095 ( وعن البراء رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف النبيّ) فيه الإيماء إلى ندب تأخر المأموم عن الإمام وإن كانت المساواة له في الموقف لا تبطل الصلاة ( أحببنا أن نكون عن يمينه) أي واقفين بجهة يمناه، وعلل حبهم ذلك على طريق الاستئناف البياني بقوله ( يقبل علينا بوجهه) ولا مخالفة بين هذا الحديث وحديث ابن ماجه «من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر» لاختلاف زمنهما كما قال المحدثون، وذلك أنه لما حث على التيامن عمرت جهة اليمين وازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك، ذكره الدميري في «الديباجة» ( فسمعته يقول) خضوعاً لربه وتعظيماً لأمته ( رب قنى عذابك يوم تبعث، أو) شك من الراوي ( تجمع عبادك) والمراد منه عليهما يوم القيامة وطلب الوقاية من عذابه لأنه أشد العذاب وأعظمه ( رواه مسلم) ورواه ابن ماجه أيضاً مقتصراً على قوله تبعت من غير شك.


رقم الحديث 1096 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: وسطوا الإمام) أي