فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب المنثورات والملح

رقم الحديث 1824 ( وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال) قال المصنف: يقال: حثيت أحثي حثياً، وحثوت أحثو حثواً لغتان ( ولا يعده) رأيت بخط ابن الخياط محدث اليمن: الظاهر والله أعلم أنه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد كثر المال في زمنه إلى الغاية حتى بلغ بهم النظر إلى استحلال ذمته وهو في آخر زمان الخلفاء.
قال: كذا أظن والله أعلم بمراد نبيه - صلى الله عليه وسلم - ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1825 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحداً يأخذها منه) وذلك لإِخراج الأرض كنوزها وفيضان المال ( وترى) أيها الصالح للخطاب ( الرجل الواحد) الوصف به لدفع توهم أن المراد جنسه الصادق بالواحد فما فوقه ( يتبعه) بسكون الفوقية ( أربعون امرأة) وذلك إما لقلة الرجال في الحروب، أو لكثرة الإِناث دون الذكور من الأولاد ( يلذن) بضم اللام وسكون الذال المعجمة أي: يعتصمن ( به من قلة الرجال وكثرة النساء) بفتح الكاف والكسر رديء، ويقال هو خطأ.
ومن: تعليلية نحو ( مما خطيئاتهم أغرقوا) ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1826 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اشترى رجل من رجل) وذلك في زمن بني إسرائيل كما يومىء إليه إخراج البخاري له فيه ( عقاراً) بفتح المهملة وبالقاف والراء، وهو في اللغة كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل قال بعضهم: وربما أطلق على المتاع كذا في المصباح ( فوجد الذي اشترى العقار في عقاره) أظهر في محل الإِضمار زيادة في الإِيضاح ( جرة) بفتح الجيم وتشديد الراء وبالهاء قال في المصباح: هي إناء معروف جمعها جرار ككلبة وكلاب، وجرات وجر كتمرة وتمر.
وبعضهم يجعل الجر لغة في الجرة ( فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك) وعلل الأمر على طريق الاستئناف البياني بقوله ( إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب) أي: وليس هو من أجزائها حتى يتناوله الشراء الوارد عليها ( فقال الذي له الأرض) أي: باعتبار ما مضى قبل عقد البيع.
ووقع لأحمد، المراد من ذلك ولفظه: فقال الذي باع الأرض: إنما بعتك الأرض.
ووقع في نسخ مسلم اختلاف، كالأكثر رووه بلفظ فقال الذي شرى الأرض.
والمراد باعها كما قال أحمد.
ولبعضهم الذي اشترى الأرض ووهم فلا وهم ( إنما بعتك الأرض وما فيها) لعله أخبر عن مراده لا عن اللفظ الواقع بينهما حال العقد، ويحتمل أنه أخبر عنه وأنه قال: وأنكر المشتري التعرض له أو لم يره المشتري شاملاً لما وجده فيها، ورآه قاصراً عليها بل على ما يعتاد دخوله في بيع الأرض من المدر والأحجار المبنية فيها.
ثم رأيت الحافظ في الفتح: أشار إلى الاحتمالات المذكورة قال: وحكم اختلافهما فيما ورد عليه العقد التحالف، ويرد المبيع هذا، باعتبار ظاهر اللفظ أنه وجد فيها جرة لكن في أخرى أنه اشترى داراً فعمرها فوجد فيها كنزاً، وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه: ما دفنت ولا علمت.
وأنهما قالا للقاضي ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت فامتنع.
وعليه فحكمه حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دفين الجاهلية.
وإلا فإن عرف أنه من دفين المسلمين فهو لقطة وإن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال.
ولعله لم يكن في شرعهم هذا التفصيل اهـ.
( فتحا كما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد؟ قال أحدهما لي غلام) اسم للولد حال الصغر والشباب واجتماع القوة ( وقال الآخر) بفتح الخاء المعجمة ( لي جارية) أي بنت ( فقال أنكحا) بكسر الكاف ( الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه فتصرفا) وفي نسخة وتصرفا كذا في الرياض بالراء من التصرف.
ولفظ البخاري "بالدال" من الصدقة ولفظ البخاري "فقال أنكحوا الغلام الجارية وانفقوا على أنفسهما منه وتصدقا".
والحكمة في جمع الأولين وتثنية الثالث والرابع كما قال الحافظ: أن الزوجين كانا محجورين وإنكاحهما لا بد فيه مع ولييهما من غيرهما كالشاهدين، وكذا الإِنفاق، قد يحتاج فيه إلى المعين كالوكيل، وأما تثنية النفسين فللإِشارة إلى اختصاص الزوجين بذلك، وأما تثنية التصدق فللإِشارة إلى أن يباشرا الصدقة بأنفسهما بغير واسطة، لما في ذلك من الفضل؛ وأيضاً فهي تبرع لا يصدر من غير الرشيد ولا سيما ممن ليس له فيها ملك ووقع في رواية لمسلم وأنفقا على أنفسكما والأول أوجه اهـ.
كلام الفتح ( متفق عليه) أخرجه البخاري في بني إسرائيل.
وأخرجه مسلم في البيوع.


رقم الحديث 1827 ( وعنه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كانت امرأتان) أي: في زمن بني إسرائيل ( معهما ابناهما) جملة في موضع الخبر، أو الخبر الظرف.
والمثني فاعله لاعتماده على المخبر عنه؛ قال في الفتح: لم أقف على اسم واحدة من هاتين المرأتين ولا على اسم واحدة من ابنيهما في شيء من الطرق ( جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت) المذهوب بابنها ( إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما) وفي رواية الكشميهني: "فتحاكمتا" وعند البخاري في رواية "فاختصما" ( إلى داود - صلى الله عليه وسلم - فقضى به للكبرى) قال القرطبي: الذي ينبغي أن يقال إن قضاء داود به لها لسبب اقتضى ترجيح قولها عنده، إذ لا بينة لإِحداهما، وكونه لم يعين في الحديث اختصاراً، لا يلزم منه عدم وقوعه، فيحتمل أن يقال: إنه كان بيد الكبرى وعجزت الأخرى عن إقامة البينة، قال: وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية، وليس في السياق ما يأباه ولا يمنعه، وسليمان لم ينقضه، إنما احتال للوقوف على حقيقة الأمر فوقف عليه.
ولعل الكبرى لما رأت الجد من سليمان اعترفت بالحق وأقرت به، فحكم به.
ونظير ذلك ما لو حلف منكر على نفي ما ادعى عليه به فحكم ببراءته منه ثم احتيل عليه حتى أقر بأن المحلوف عليه عنده، فإنه يؤاخذ بإقراره ولا يقال فيه: إنه نقض للحكم السابق ( فخرجتا على سليمان بن داود - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتاه فقال) توصلاً للوقوف على حقيقة الأمر ( ائتوني بالسكين) بكسر المهملة والكاف، سميت به لأنها تسكن حركة المذبوح ( أشقه بينهما فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله هو ابنها) أخد من جزعها الدال على عظيم شفقتها، وعدم ذلك في الكبرى مع ما انضاف إليه من القرائن الدالة على صدقها، ما هجم به على الحكم بأنه للصغرى كما قال ( فقضى به للصغرى) ويحتمل كما تقدم إقرار الكبرى حينئذ به، ويحتمل أن يكون سليمان ممن سوغ له أن يحكم بعلمه قال ابن الجوزي: استنبط سليمان لما رأى الأمر محتملاً فأجاد، وكلاهما حكم بالاجتهاد إذ لو حكم داود بالنص لما ساغ لسليمان الحكم بخلافه.
ودلت هذه القصة أن الفطنة والفهم موهبة من الله تعالى لا تتعلق بكبر سن ولا صغره، وفيه جواز حكم الأنبياء بالاجتهاد وإن كان وجود النص ممكناً لديهم بالوحي، ليكون في ذلك زيادة أجورهم ولعصمتهم من الخطأ إذ لا يقرون على الباطل لعصمتهم ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1828 ( وعن مرداس) بكسر الميم وسكون الراء وبالدال والسين المهملتين: ابن مالك ( الأسلمي رضي الله عنه) قال في التقريب: صحابي بايع تحت الشجرة وهو قليل الحديث.
قال في فتح الباري في غزوة الحديبية: وليس لمرداس في البخاري سوى هذا الحديث، ولا يعرف أحد روي عنه إلا قيس بن حازم، وجزم بذلك البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون.
وقال ابن السكن: زعم بعض أهل الحديث: أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي.
قال: والصحيح أنهما اثنان.
قال الحافظ في الفتح ففيه تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة ووضح أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الأسلمي ( قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يذهب الصالحون) أي: تقبض أرواحهم ( الأول فالأول) بالنصب على تأويل مترتبين في محل الحال وبالرفع بدل مفصل من مجمل والظاهر منعه وأنه لا يعطف في هذا البدل إلا بالواو ونظير عطف الصفات المعرفة مع اجتماع منعوتها من خصائص الواو والعاطف هنا الفاء.
ثم قال الزركشي: ويجوز النصب على الحال، أي: مترتبين.
قال: وجاز وإن كان فيه أل لأن الحال ما يستخلص من التكرار أي: مترتبين قاله أبو البقاء وهل الحال الأول أو الثاني أو المجموع منهما فيه الخلاف في الخبر في هذا حلو حامض.
لأن الحال أصلها الخبر.
قال الدماميني: قيل قوله بأن الخبر في هذا حلو حامض هو الثاني لا الأول.
غريب لم أقف عليه فحرر اهـ.
( وتبقى حثالة كحثالة العشير أو التمر) كذا في نسخ الرياض بالمهملة والمثلثة وفي رواية بالفاء بدل المثلثة قال الخطابي: الحفالة بالفاء وبالمثلثة: الرديء من كل شيء.
وقيل آخر ما يبقى من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الأكل ( لا يباليهم الله بالة) بالموحدة فيهما قال الخطابي أي: لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزناً وقال ابن بطال: وفي الحديث: "أن موت الصالحين من أشراط الساعة".
وفيه الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم، خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به، وفيه انقراض أهل الخير آخر الزمان حتى لا يبقى إلا أهل الجهل صرفاً، ويؤيده حديث: "إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً اهـ.
ملخصاً من الفتح ( رواه البخاري) في المغازي في غزوة الحديبية موقوفاً عليه.
وفي الرقاق مرفوعاً.
وأحمد.


رقم الحديث 1831 ( وعن جابر) بن عبد الله ( رضي الله عنه قال: كان جذع) بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وبالعين المهملة، هو ساق النخلة ( يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: مائلاً إليه ( يعني في الخطبة) تفسير لوقت قيامه إليه مدرج في الحديث ( فلما وضع المنبر) قيل: وذلك في عام سبع، وبه جزم ابن سعد.
وقيل: سنة ثمان.
وجزم به ابن النجار، ونظر في كل منهما الحافظ في باب الجمعة من الفتح، وفي الكلام حذف، أي: وصعد عليه - صلى الله عليه وسلم - كما صرح به في الرواية بعده ( سمعنا للجذع) صوتاً ( مثل صوت العشار) بكسر المهملة وتخفيف المعجمة: جمع عشراء بضم ففتح الناقة التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر ووقع في رواية للنسائي في الكبرى من حديث جابر اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج وهي بفتح المعجمة وضم اللام الخفيفة آخره جيم الناقة التي انتزع ولدها، وفي حديث أنس عند ابن خزيمة "فحنت الخشبة حنين الوالد".
وعند الدارمي وابن ماجه: "فلما جاوزه خار ذلك الجذع كخوار الثور".
وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجه: "فلما جاوزه خار الجذع حتى انصدع وانشق" ( حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكن) وفي حديث بريدة عند الدارمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت يعني قبل أن تصير جذعاً وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر، فيأكل منك أولياء الله تعالى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اختار أن اغرسه في الجنة".
وهذا اللفظ عند البخاري في أبواب الجمعة وهو عنده من حديث ابن عمر أخرجه في باب علامات النبوة بنحوه ( وفي رواية فلما كان يوم الجمعة) بالرفع فاعل كان، وبالنصب خبرها.
واسمها عائد إليه - صلى الله عليه وسلم - ( قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فصاحت النخلة) أي: جذعها، مجاز مرسل من إطلاق اسم الكل على الجزء أو من مجاز الحذف مثل واسأل القرية ( التي كان يخطب عندها حتى كادت) أي: قاربت ( أن تنشق) انفعال من الشق، وفيه إدخال أن في خبر كاد وهو قليل جداً ( وفي رواية) هي للبخاري ( فصاحت) أي: النخلة كما صرح بها في الرواية وحذفها المصنف اكتفاء لذكرها في الحديث قبل، والضمير المؤنث يدل عليها ( صياح الصبي) أي: في غاية الشدة ( فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: من على المنبر وسارّ لها ( حتى أخذها فضمها إليه) تسكيناً لما قام بها من الشوق لحضرته وسماع خطبته ( فجعلت تئن أنين الصبي) قال في المصباح: أن الرجل يئن أنيناً وأناناً بالضم: صوت ( الذي يسكت حتى استقرت) أي: سكنت.
زاد الإِسماعيلي فقال: "لو لم أفعل لما سكن".
وفي رواية للإِسماعيلي أيضاً بلفظ: "لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة".
ولأبي عوانة وابن خزيمة وأبي نعيم من حديث أنس: "والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة" حزناً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم أمر به فدفن وأصله في الترمذي بدون الزيادة.
قال الحافظ: ووقع في حديث الحسن عن أنس قال: كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه ( قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بكت على ما كانت تسمع من الذكر) قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي نقلها الخلف عن السلف، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكليف، قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكاً كالحيوان بل كأشرف الحيوان.
وفيه تأكيد لقول من يحمل ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده) على ظاهره.
وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فقد أعطي عيسى إحياء الموتى وأعطي محمداً حنين الجذع، حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك اهـ.
( رواه البخاري) في أماكن من صحيحه، وأورده بهذا اللفظ الأخير بنحوه في علامات النبوة من حديث جابر وأخرجه في أبواب أخر كما تقدمت الإِشارة إليه.


رقم الحديث 1832 ( وعن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة واللام والموحدة وسكون العين المهملة ( الخشني) بضم المعجمة الأولى وفتح الثانية بعدها نون قال في لب اللباب: منسوب إلى الخشين بن النمر بن وبرة ( جرثوم) بضم الجيم والمثلثة وسكون الراء ( بن ناشر) بالنون والشين المعجمة والراء وقيل: اسمه جرثومة بزيادة هاء، وقيل: جرثم بحذف الواو، وقيل: جرهم بإبدال المثلثة هاء وبحذف الواو، وقيل: لاشق، وقيل: لاشوية، وقيل: ياسب، وقيل: ياسر، وقيل: عروف، وقيل: سق، وقيل: زيد، وقيل: الأسود.
واختلف في اسم أبيه أيضاً.
مات سنة خمس وسبعين.
وقيل: بل قبل ذلك بكثير في أول خلافة معاوية بعد الأربعين خرج حديثه الجميع كذا في التقريب للحافظ روي له ( رضي الله عنه) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعون حديثاً اتفق الشيخان على ثلاثة أحاديث منها وانفرد مسلم بالرابع ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها) بالإِخلال بها إما بتركها أو بترك ركن من أركانها أو شرط من الشروط المتوقف صحتها عليه ( وحد حدوداً) وذلك ككون الصبح مثلاً ركعتين وكل من الظهرين والعشاء أربعاً وككون الصوم فيما بين طلوع الشمس وغروبها ( فلا تعتدوها) بالزيادة في ذلك ومن ثم حرم الوصال لدخوله في المنهي عنه؛ وفي الكشاف حدود الله أحكامه وأوامره ونواهيه، وعليه فمعنى لا تعتدوها أي: لا تتجاوز عنها وتتركها ( وحرم أشياء) التنكير للتكثير ( فلا تنتهكوها) بالوقوع وكان التحريم كالحجاب الحائل بين المكلف وبينها فلا يصل إليها إلا بانتهاكه وخرقه ( وسكت عن أشياء) أي: لم يحكم فيها بوجوب أو حل أو حرمة ( رحمة لكم) مفعول له ( غير نسيان) هو ترك الفعل بلا قصد وبعد حصول العلم، بخلاف السهو.
وكل منهما محال في حقه تعالى، لأن عمله بالذات؛ وما كان بالذات لا يتغير البتة ( فلا تبحثوا عنها) أي: لا تسألوا عن حالها لأن السؤال عما سكت الله عنه يفضي إلى التكاليف الشاقة، بل نحكم بالبراءة الأصلية والحل في المنافع، والحرمة في المضار، والبحث بعد التفتيش ( حديث حسن رواه الدارقطني وغيره) قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأربعين حديثاً: جمع المصنف بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن وقد أخرج مسلم لرواته عن آخرهم لكن مكحولاً كثير الإِرسال، فلا يحتج بعنعنته إلا إذا صرح بالتحديث.
وقد قيل: إنه لم يسمع من أبي ثعلبة ففيه انقطاع والله أعلم.
قال أبو حاتم: سألت أبا مسهر هل سمع مكحول من أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما صح عندنا إلا أنس بن مالك.
قلت: فواثلة بن الأسقع فأنكره.
وقال أبو زرعة: مكحول عن ابن عمر مرسل ولم يسمع من واثلة.
وقال الدارقطني: لم يلق إلا أبا هريرة وإلا شداد بن أوس.
وقال أبو حاتم: لم يسمع من معاوية ولا من واثلة ولم ير أبا أمامة وقال البخاري: لم يسمع من عبسة بن أبي سفيان إذا قلت لم يصح سماعه من أبي أمامة وواثلة وهما ممن تأخرت وفاتهما وكان معاصراً لهما فيبعد صحة سماعه من أبي ثعلبة أيضاً، وإن كان بحضرته والله أعلم اهـ.
ومن خطه نقلت وقال السخاوي في تخريج الأربعين المذكورة هذا حديث حسن، أخرجه ابن أبي شيبة ومن طريقه الطبراني في معجمه الكبير ورواه الدارقطني في سننه وأبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك ثم ذكر كلام شيخه أن مكحولاً كثير الإِرسال أرسل عن جماعة من الصحابة.
قال: وقال الحافظ أبو سعيد العلائي في المراسيل له إنه معاصر لأبي ثعلبة في السن والبلد، فيحتمل أن يكون لقيه وأن يكون أرسل عنه قلت: وبالثاني جزم أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم وجماعة وحكاه المزي ممرضاً، وأيده شيخنا بقول أبي حاتم إنه لم يسمع من واثلة ولم ير أبا أمامة وقال: إنه إذا لم يصح سماعه عن أبي أمامة إلى آخر كلامه السابق، ولكن قد جزم غير واحد بسماعه من واثلة خلافاً لأبي حاتم منهم البخاري والترمذي وابن يونس، وليس ذلك بلازم، وعلى كل حال فمن يكون كثير الإِرسال لا يحتج من حديثه إلا بما يصرح فيه، على أنه قد اختلف في رفعه ووقفه.
بل رواه بعضهم عن مكحول من قوله إلا أن الدارقطني قال: الأشبه بالصواب المرفوع وهو أشهر اهـ.
وقد حسنه أبو بكر بن السمعاني في أماليه ثم المصنف والعراقي وشيخنا في أماليه وله شواهد ثم بينها وأطال فيه.


رقم الحديث 1833 ( وعن عبد الله بن أبي أوفى) بالفاء وهو كنية علقمة بن خالد بن الحارث ( رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد) بفتح الجيم اسم جنس جمعي واحدته جرادة يطلق على الذكر والأنثى قاله الجوهري.
وقال ابن النحوي في شرح البخاري: قال ابن دريد، سمي جراداً لأنه يجرد الأرض فيأكل ما عليها.
وأطال الحافظ في تعريفه.
ونقل الأصمعي أنه إذا خرج من بيضه فهو يرباه ثم قال: ولعابه سم على الأشجار لا يقع على شيء إلا أحرقه.
وفي الغريب المصنف للأصمعي: الذكر من الجراد وهو الحنطب والعنطا زاد الكسائي: والعنطوب وقال أبو حاتم في كتاب الطير: "قالت العرب للذكر الجراد وللأنثى كذلك، وهي نثرة حوت يؤكل ولا يذبح.
وقال أبو يعلى: والجندب ضرب منه" وقال أبو حاتم، وأبو حجارب: شيخ الجنادب وسيدهم قال ابن خالويه: وليس في كلام العرب للجراد اسم أقرب من العصفور، وللجراد نيف وستون اسماً فذكرها، والجراد حلال بالإِجماع ويؤكل عند الكوفيين وإمامنا الشافعي، كيف كان ولو صاده المجوسي.
وعند المالكي فيه تفصيل وأقوال، أطال ابن النحوي في بيانها وذكر أحاديث وآثاراً كثيرة في حل أكله، وأجاب عما توهم من الأحاديث من عدم حله وأورد فيه عن جابر قال: قال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله خلق ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمة الجراد فإذا هلك الجراد تتابعت الأمم مثل سلك النظام" ( متفق عليه) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ( وفي رواية نأكل معه والجراد) بزيادة الظرف.


رقم الحديث 1834 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) بالدال المهملة وبالغين المعجمة، وهو بالرفع خبر بمعنى الأمر أي: لكون المؤمن حازماً حذراً لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر.
وقال أبو عبيد: معناه لا ينبغي للمؤمن إذا نُكب من وجه أن يعود إليه.
هذا ما فهم الأكثر، ومنهم الزهري راوي الحديث.
وحمل أبو داود على أن معنى أنه من عوقب في الدنيا بذنب لا يعاقب عليه في الآخرة.
فإن أراد أنه معناه المراد فيأتي أنه له سبباً يعني حمله على الأول قيل: المراد بالمؤمن الكامل أي: الذي وقفته معرفته على غوامص الأمور حتى صار يحذرها.
وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مراراً وقوله: "من جحر" زاد بعض رواة البخاري "واحد" ووقع في بعض النسخ من "حجر حية" وهي رواية شاذة قال ابن بطال: وفيه أدب شريف أدب به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته ونبههم كيف يحذرون مما يخافون من سوء عاقبته ( متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود.


رقم الحديث 1835 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة) أي: من الأصناف أي: أصناف ثلاثة ( لا يكلمهم الله يوم القيامة) كلام بروإلطاف وقيل: المراد لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ( ولا ينظر إليهم) نظر رحمة وإسعاف، وإلا فعلمه لا يغيب عنه شيء ( ولا يزكيهم) أي: لا يطهرهم من الذنوب ولا يثني عليهم ( ولهم عذاب أليم) أي: مؤلم ( رجل على فضل ماء) أي: ماء فضل عن حاجته ( بالفلا) بالفاء واللام والألف المقصورة جمع فلاة: وهي الأرض لا ماء فيها، ونظيرها في الجمع المذكور حصاة وحصى وجمع الجمع أفلاء كسبب وأسباب ( يمنعه من ابن السبيل) أي: المسافر وسمي بذلك ترفقاً به قاله البيضاوي أي: من المسافر المحتاج له ويستثنى من الوعيد، ما لو كان المسافر المحتاج للماء حربياً أو مرتداً، وأصراً على الكفر، فلا يجب بذل الماء له ( ورجل بايع رجلاً بسلعة) بالباء مزيدة في المفعول للتأكيد أو ضمن بايع معنى قابل أو عوض وهي بكسر المهملة الأولى وسكون اللام: البضاعة وجمعه سلع نحو سدرة وسدر ( بعد العصر) خص بالذكر لشرفه باجتماع ملائكة الليل والنهار فيه ( فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا) كناية عن ثمن ( فصدقه) أي: المشتري ( وهو) أي: الحالف ( على غير ذلك) الذي حلف عليه بأن أخذها بأقل أو وهو أي: الثمن، المكنى عنه على غير ذلك أي: أقل وتحريم الحلف المذكور والوعيد الشديد غير مقصور على العصر بل عام لكل من أتى بذلك أي: زمن كان، وتخصيص العصر بالذكر لما ذكر.
وقيل خص لعظيم الإِثم فيه وإن حرمت اليمين الفاجرة كل وقت إلا أن الله سبحانه عظم شأن هذا الوقت لاجتماع الملائكة، ووقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فغلظت فيه العقوبة لئلا يقدم عليها فيه تجرؤاً، فإن من تجرأ عليها فيه أعادها في غيره وكان السلف يحلفون بعد العصر تغليظاً لليمين ( ورجل بايع) أي: عاهد ( إماماً) على النصرة له والدخول في طاعته ( لا يبايعه إلا لدنيا) أي: فإن أعطي منها دام على الطاعة وإلا نكث وأفسد كما قال: ( فإن أعطاه منها وفى) بتخفيف الفاء أي: بما التزمه ( وإن لم يعطه منها لم يف) هو تصريح بما يفهم مما قبله زيادة في تقبيح كل من فعليه والسعي بذلك عليه قال في الفتح: واستحقاقه هذا الوعيد لكونه غش إمام المسلمين، ومن لازم غشه غشهم لما ليه من التسبب إلى إثارة الفتنة ولا سيما إن كان ممن يتبع على ذلك اهـ.
( متفق عليه) ورواه أحمد.