فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم

رقم الحديث 213 ( وعن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف كنى بذلك لأنه دلى نفسه ببكرة من حصن الطائف لما حاصرهم النبيّ كما تقدم ( نفيع) بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها مهملة ( ابن الحارث رضي الله عنه عن النبيّ قال) : في خطبة يوم النحر في حجة الوداع ( إن الزمان) هو عند المتكلمين من أهل السنة مقارنة متجدد موهوم لمتجدد معلوم إزالة للإبهام من الأول لمقارنة الثاني، والمراد بالزمان هنا السنة كما يدل عليه قوله على وجه الاستئناف لبيان ذلك: السنة اثنا عشر شهراً، وإن الزمان ( قد استدار) هو كدار الطواف حول الشيء والعود إلى الموضع الذي ابتدأ منه وهو المراد من قوله ( كهيئته) أي: استدارة مثل هيئته وهي صورة شكله وحالته التي كان عليها ( يوم خلق الله السموات والأرض) أي: النيرين فيهما لأن حقيقة الزمان المشتمل على الأعوام والشهور والأيام إنما وجدت من حين خلق النيرين، وأما قبل ذلك فالأمر فيه كهو في الجنة، إذ ما فيها لا يسمى زماناً: أي: إن الزمان عاد في انقسامه إلى الأعوام والعام في انقسامه إلى الأشهر المعودة إلى الموضع الذي اختار الله وضعه عليه ( السنة اثنا عشر شهراً) جملة مستأنفة كما تقدم لبيان الاستدارة المذكورة ( منها أربعة حرم ثلاث) حذف التاء هنا دون أربع تغليباً لليالي هنا وللأيام ثمة، أو إيماء إلى جواز تأنيث العدد وتذكيره عند حذف المعدود ( متواليات) هي ( ذو القعدة) بفتح القاف وقد تكسر وقد يحذف «ذو» منه ومما بعده ( وذو الحجة) بالكسر وقد تفتح ( والمحرم) بصيغة المفعول ( ورجب مضر) عطف على ثلاث وأضيف إلى مضر بوزن عمروضاده معجمة لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من سائر العرب ( الذي بين جمادي وشعبان) زيادة تأكيد في بيانه لعظم شأنه وإزاحة للريب الحادث فيه من النسىء وأنه عاد كما كان بين جمادي وشعبان، فأشار بهذا الحديث إلا بطلان النسىء الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية، وذلك أنهم إذا احتاجوا إلى الحرب في شهر محرم استحلوه وأخروا حرمته للشهر بعده ونادوا بذلك في قبائل العرب وجعلوا حساب الحج تابعاً لذلك، مثلاً إذا احتاجوا للحرب في رجب جعلوه حلالاً وجعلوا شعبان رجباً وبنوا عليه حساب حجهم، فاتفق في ذلك العام الذي وقع فيه حجة الوداع استدارة الزمن على الوضع الأصلي، فكان آخر ذلك العام ذا الحجة في نفس الأمر وأوّل ما بعده المحرم، فأشهر هذا الكلام في هذا المقام في ذلك الجمع العام إبط لا للنسىء كي يذيع إبطاله ولا يرجع إليه بوجه، والراجح أن الاستدارة من سنة فتح مكة ولذا أمر عتاباً أن يحج بالناس في تلك السنة والصديق أن يحج بهم في السنة التاسعة ولولا ذلك لكان الحج باطلاً لوقوعه في غيره زمنه، والشارع لا يأذن فضلاً عن أن يأمر في تعاطي نسك باطل، والله أعلم ( أيّ شهر هذا) الاستفهام فيه لتقرير حرمة الشهر في نفوسهم فيصح بناء ما سيذكره عليها ( قلنا: الله ورسوله أعلم) فيه مراعاة الأدب وتوقف عما لا يعلم الغرض من السؤال عنه ( فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه) أي: توهموا أن طول سكوته لتردده في وضع اسم مناسب له غير اسمه المشهور يضعه عليه بدله وما ذكر في الاستفهام وجوابهم فسكت الخ يجري في نظيره الآتي ( قال: أليس) أي: اسمه ( ذا الحجة) وما قدرناه هو ما يدل عليه السياق ( قلنا بلى) أي: هو ذو الحجة ( قال: أي: بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فكست حتى ظنتا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس) أي: هذا المكان ( البلدة) وفي نسخة البلد ( الحرام) وجه تخصيص مكة بها مع شمولها لسائر البلدان فصار علماً عليها بالغلبة، الإشارة إلى أنها البلدة الجامعة لسائر الفضائل المتفرقة في غيرها مع زيادات لا توجد في غيرها ( قلنا بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟قلنا بلى، قال: فإن دماءكم) الفاء فيه فصيحة: أي: فإذا علمتم ما ذكر فتيقظوا إلى حرم أخرى هي أعظم منها وهي الدماء وما بعدها، وتقدم أن وجه التشبيه مع أنها في الحرمة أفضل من المشبه به كون المشبه به أشهر، وتشبيه ما لم يشتهر وإن كان أفضل بما اشتهر وإن كان مفضولاً واقع جعل منه قوله صلّ على محمد كما صليت على إبراهيم، ولاحتياج المقام إلى التأكيد زاد فيه فأتى بإن المفيدة له وبدأ بالدماء، مع أن الأعراض أخطر لأن الابتلاء بها أكثر وخطرها أكبر، ومن ثم كان أكبر الكبائر بعد الشرك القتل على الأصح ( وأموالكم) قدمها على الأعراض لأن ابتلاء الناس بالجناية فيها أكثر ( وأعراضكم) قال في «فتح الإله» المراد منه تحريم التعرض للإنسان بما يعير أو ينقص به في نفسه أو أحد من أقاربه، بل يحلق به كل من له به علقة بحيث يئول تنقيصه أو تعييره إليه، وهذا أعم من قول النهاية: العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه اهـ ملخصاً ( عليكم حرام كحرمة يومكُمْ هذا) أي: المعصية فيه حال كون اليوم على جهة التجوز ( في بلدكم هذا) وحرمة المعصية بها عظيمة إجماعاً إنما اختلف في تضاعفها كالحسنات وعدمه والراجح عدمه كما لاكيفا كما يدل عليه عموم قوله تعالى: { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} ( الأنعام: 160) ولا مخصص له ( في شهركم هذا) وهو لعظم شرفه تعظم المعصية فيه ( وستلقون ربكم) في الدار الآخرة ناظرين إليه على وجه منزه من الحلول والاتحاد والجهة والتحيز والإحاطة بالذات الأعلى ( فيسألكم عن أموالكم) وفي نسخة «أعمالكم، والنار عن شمائلكم والجنة عن أيمانكم، والموازين قد نصبت، والصراط قد نصب على متن جهنم، والرسل شعارهم يومئذٍ سلم سلم/ والشهود الجوارح والحاكم الأعظم قد تجلى وغضب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله» ( ألا) أداة استفتاح فلما حذرتم وبين لكم ( لا ترجعوا) أي: لا تصيروا ( بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) تقدم الكلام عليه في الثالث من أحاديث الباب ( ألا ليبلغ) بتشديد اللام وتخفيفها والتبليغ واجب عيناً على من انحصر فيه وإلا فكفاية ( الشاهد منكم) لما قلته العالم به سماعاً أو رواية ( الغائب) عنه بأن لم يحصل علمه ( فلعل بعض من يبلغه) بالبناء للمجهول ونائب فاعله الضمير المستتر والبارز مفعول لهثان: أي: فلعل المبلغ لجودة فهمه وقوّة استعداده وتوجهه لذلك الأمر ( أن يكون أوعى له) أي: أفهم لمعناه ( من بعض من سمعه) فيستفيد من الخبر الذي يبلغه ويفيد الناس ما لا يحصل لمن سمعه مني، لا لقصور فهمه عنه بل لاشتغاله عنه بما هو أهم منه من الجهاد الأعظم الذي وقع لأكثر الصحابة بعده، فلا يقال: كيف يكون في التابعين أو من بعدهم من هو أعلم من الصحابي؟ وهو كان إذا وقع نظره الكريم للبدوي والخلف صار ينطق بالحكمة لوقته وعدوا ذلك من خصائصه العلية، ولا يعترض بالمنافقين لأن الكلام فيمن لا مانع فيه للتلقي من الحضرة النبوية وأولئك فيهم موانع صيرتهم كالجماد.
ويمكن أن يقال: قد يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل، فنحن وإن قلنا بالأصح إن جميع الصحابة أفضل ممن بعدهم يجوز أن يكون عند غير الصحابي من الفهم والاستنباط ما ليس عنده وإن كان الصحابي أفضل وأجلّ بمراتب، وهذا أوفق بظاهر قوله: «فلعل من يبلغه» الخ، ثم ذكر بعض ثمرات التبليغ ومنها انتشار العلم وعموم النفع به وحفظه على توالي الأزمة إلى قبيل القيامة كما أخبر به ( ثم قال: ألا هل بلغت) أي: ما أمرت به ( ألا هل بلغت) والتكرير للتأكيد ( قلنا: نعم) أي: بلغت الرسالة والأمانة، فقد بلغ الرسالة والأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه وأفضل على كل ما هو له أهل ( ثم قال: اللهم اشهد.
متفق عليه)
قال المزي: ورواه النسائي، زاد الحافظ في «النكت الظراف» : ورواه أبو داود في كتاب الحج وابن ماجه في «السنة من سننه» اهـ.


رقم الحديث 214 ( وعن أبي أمامة) بضم الهمزة وميمين بينهما ألف ( إياس) بكسر الهمزة بعدها تحتية وآخره سين مهملة ( ابن ثعلبة) بفتح المثلثة وسكون المهملة وبعد اللام موحدة هذا هو المشهور في اسمه.
وقال أبو حاتم الرازي: اسمه عبد ابن ثعلبة، ويقال ثعلبةبن عبد الله، ذكره المصنف في «شرح مسلم» ، الأنصاري ( الحارثي) أحد بني الحارثبن الخزرج، وقيل: إنه بلوى، وهو حليف بني حارثة، وهو ابن أخت بردةبن دينار ( رضي الله عنه) قالالذهبي في «التجريد» : روي له ثلاثة أحاديث.
قلت: ذكر ابن حزم في سيرته وابن الجوزي في «المستخرج» المليح أبا أمامة الحارثي فيمن له حديثان، وانفرد مسلم عن البخاري بالرواية عنه فروي له حديث الباب، توفي منصرف النبيّ من أحد فصلى عليه.
قال ابن الأثير في «أسد الغابة» : على أن الصحيح أنه لم تكن وفاته مرجع النبي من أحد، وإنما كانت وفاة أمه عند منصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فأراد الخروج معه فمنعه مرضها من شهود بدر.
ومما يقوي أنه لم يقتل بأحد أن مسلماً يروي في «صحيحه» بإسناده عن عبد ابن كعب عن أبي أمامةبن ثعلبة «من اقتطع حق مسلم» الحديث، فلو كان مات بأحد لكان منقطعاً: أي: لأن عبد ابن كعب لم يدرك النبيّ ولم يخرّجه مسلم في «الصحيح» اهـ.
قال المصنف في «شرح مسلم» : ولقد أحسن أبو البركات الجزري المعروف بابن الأثير في كتاب معرفة الصحابة حيث أنكر هذا القول في وفاته ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من اقتطع) أي: أخذ ( حق امرىء مسلم بيمينه) دخل فيه من حلف على غير مال كجلد ميتة وسرجين وغير ذلك من النجاسات التي ينتفع بها، وكذا سائر الحقوق التي ليست بمال كحد القذف ونصيب الزوجة في القسم، والتقييد بالمسلم لا يدل على عدم تحريم مال الذمي، بل إنما يدل على هذا الوعيد المذكور في قوله: ( فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة) فاقتطاع مال الذمي حرام؛ لكن لا يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة، هذا على مذهب من يقول بالمفهوم، أما من لا يقول بالمفهوم فلا يحتاج إلى تأويل، ثم قوله: «فقد أوجب ا» الخ محمول على المستحل لذلك وقد مات كذلك فإنه يكفر ويخلد في النار، ومعناه: أنه استحق هذا ويجوز العفو عنه وحرّم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين، قاله المصنف، قال: وهذا الوعيد لمن مات قبل التوبة: أما من تاب توبة صحيحة فندم على فعله وردّ الحق إلى صاحبه فقد سقط عنه الإثم ( فقال) أي: أبو أمامة، ويحتمل أن يكون فقال بعض من حضر ( وإن كان) أي: المقتطع ( شيئاً يسيراً يا رسولالله، فقال) ( وإن كان قضيباً من أراك) قال المصنف: هكذا هو في بعض الأصول أو أكثرها، يعني وإن قضيت بالرفع، وفي كثير منها «وإن قضيبا» على أنه خبر كان المحذوفة أو أنه مفعول الفعل محذوف تقديره: وإن اقتطع اهـ والأراك: شجر معروف يستاك بأعواده بل هو أفضل ما يستاك به كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب فضل السواك، وما أحسن قول من قال:با إن جزت بوادي الأراك وقبلت أغصانه الخضر فاك فابعث إلى المملوك من بعضها فإنني وا مالي سواك ( رواه مسلم) قال المزي: ورواه النسائي وابن ماجه.


رقم الحديث 215 ( وعن عديّ) بفتح أول مهملية وكسر ثانيهما ( ابن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم، قال المصنف: لم يأت هذا الاسم في الرجال إلا بفتح العين، وجاء في النساء بالفتح والضم، وعميرة هو ابن زرارة، أبو زرارة الكندي، ذكر له الحافظ المزي في الأطراف ثلاثة أحاديث، انفرد مسلم بالرواية عنه دون البخاري فروي هذا الحديث عنه ( رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من استعملناه منكم على عمل) من جمع مال الزكاة أو الغنائم أو نحو ذلك ( فكتمنا) بميم مفتوحة والفاعل مستتر يعود إلى من وأفرده باعتبار لفظها، وقوله: ( مخيطاً) بكسر الميم وسكون المعجمة: هو الإبرة ( فما فوقه) في الصغر، وهذا في الكلام كقولك أتراه قصيراً؟ فيقول القائل أو فوق ذلك: أي: هو أقصر مما ترى ( كان) أي: المكتوم المدلول عليه بقوله كتمنا نظير { أعدلوا هو أقرب للتقوى} ( المائدة: 8) ( غلولاً) بضم الغين المعجمة ( يأتي به يوم القيامة) يحمله كما تقدم في أحاديث الباب وفي رواية أبي داود «فهو غلّ يأتي به يوم القيامة» قال ابن رسلان: الغلّ الحديدة التي يجمع بها يد الأسير إلى عنقه يأتي به يوم القيامة إلى المحشر وهو حامل له كما ذكر مثله في الغالّ، ويحتمل أن يكون الغلّ في يده يوم القيامة في جهنم.
وفيه وعيد شديد وزجر أكيد في الخيانة من العامل في القليل والكثير وأنه من الكبائر العظام اهـ.
وعلى رواية مسلم ففيه أن ما أخفاه العامل غلول والغلوم حرام وإن قل، وهو من الكبائر ويجب عليه رده بالإجماع؛ فإن كان قد غله من الغنيمة وتفرق الجيش وتعذر إيصال حق كل واحد إليه ففيه خلاف للعلماء، وقال الشافعي وطائفة: يجب تسليمه للإمام كسائر الأموال الضائعة وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاويةوالحسن والزهري ومالك والثوري والليث وأحمد والجمهور: يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي ( فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه) لم أر من ذكر اسمه لا المصنف في «شرح مسلم» ولا ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود» ( فقال: يا رسول الله اقبل عني عملي) .
قال ابن رسلان: النزول عن العمل الذي هو ولاية لا يحتاج إلى قبول، بل لو قال عزلت نفسي انعزل، فيحمل هذا على الاستئذان فإن فيه نوع استشارة ( قال: ومالك) كذا هو في الرياض وكذا رأيته في أصل من «صحيح مسلم» بالظرف خبر عن ما الاستفهامية، لكن قال ابن رسلان في «سنن أبي داود» بعد أن ذكر لفظه: «وما ذلك» اسم إشارة مقرون بكاف الخطاب وقبلها اللام، ولفظ مسلم «وما ذاك» أي: بحذف اللام: أي وأيّ شيء لك داع ( قال: سمعتك تقول كذا وكذا) من ألفاظ الكنايات مثل كيت وكيت، ومعناه مثل ذا، ويكنى بها عن المجهول وعما لا يراد التصريح به كما في «النهاية» وقد تقدم ( قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل) يدخل فيه القضاء والحسبة وسائر الأعمال ( فليجىء بقليله وكثيره) اللام في فليجىء لام الأمر، وهذا كما قال القرطبي يدل على أن العامل لا يقتطع منه شيئاً لنفسه أجرة ولا غيرها ولا لغيره إلا أن يأذن له الإمام الذي تلزمه طاعته.
قال ابن رسلان: ويدخل في عموم ما أهدي له الحديث ابن اللتبية، إذ لو كان في بيت أمه لم يهد له، وما تحت يده من صدقة فرض ونفل، فمتى اقتطع منه شيئاً خانه في أمانته وولايته ( فما أوتي) بالبناء للمفعول ( عنه انتهى) أعطى ( منه أخذ) بالبناء للفاعل: أي: امتنع العامل عن أخذه.
قال ابن رسلان: فيذكر العامل الجهات التي قبض منها المال وصفتها، فيأخذ ما جاز أخذه ويترك ما لم يجز أخذه بل يرده على دافعه ويفعل ما تقتضيه الشريعة، وهذا ما ظهر لي ولم يتكلم عليه النووي ولا القرطبي ( رواه مسلم) في كتاب الجهاد وأبو داود في كتاب الأقضية.


رقم الحديث 216 ( وعن عمربن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر) يجوز فيها الصرفباعتبار المكان ومنعه باعتبار البقعة، وعدم الصرف أكثر في ألسنة المحدّثين، وكانت وقعة خيبر سنة ست من الهجرة عقب مرجعهم من الحديبية، ثم ما ذكر من أنها خيبر بالمعجمة أولها والراء آخرها هو الصواب.
وذكر القاضي عياض أن أكثر رواة «الموطأ» رووه هكذا، وأن بعضهم رواه حنين بالحاء المهملة والنون، والله أعلم ( أقبل نفر) اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه، كذا في «النهاية» ( من أصحاب النبيّ فقالوا: فلان) قال ابن السراج: كناية عن اسم يسمى به المحدث عنه خاص غالباً كما تقدم ( شهيد وفلان شهيد حتى مرّوا على رجل) يحتمل أن يكون المراد انتهوا في الذكر، ويحتمل أن يكون المراد المرور عليه ميتاً والأول أقرب ( فقالوا) عنه ( فلان شهيد.
فقال النبيّ: كلا)
أي: انته وانزجر عن هذا القول والحكم له بالشهادة المتضمنة الحكم له بالسعادة الأبدية والمنازل العلية الشاهد بذلك قوله تعالى: { بل أحياء عند ربهم} ( آل عمران: 169) الآية.
( إني رأيته في النار في بردة) بضم الموحدة: ثوب مخطط ( غلها) أي: أخذها من الغنيمة قبل أن تقسم ( أو) شك الراوي ( عباءة) تقدم في الباب ضبطها ( رواه مسلم) في كتاب الإيمان، ورواه الترمذي في السير من جامعه بنحوه «قيل: يا رسول الله إن فلاناً استشهد قال: كلا» الحديث، وقال: حسن صحيح.


رقم الحديث 217 ( وعن أبي قتادة) بالقاف فالمثناة الفوقية ( الحارثبن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة ابن بلرمةبن حناسبن عبيدبن غنمبن كعببن سلمة ابن سعد الأنصاري الخزرجي السلمي، فارس رسول الله، وقيل: اسمه النعمان ( رضي الله عنه) اختلف في شهوده بدراً وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد كلها، أصابه سهم بوجهه يوم ذي قرد فبصق على محله النبي، فما ضرب عليه بعد قط ولا قاح، ودعا له فيذلك اليوم فقال: «اللهم بارك في شعره وبشره» وفي سفر آخر قال له: «حفظك الله كما حفظت نبيه» أخرجه أبو داود.
توفي سنة أربع وخمسين، قيل: بالمدينة وقيل بالكوفة في خلافة عليّ فصلى عليه عليّ فكبر سبعاً.
وعن الشعبي أن علياً كبر عليه ستاً، قال: وكان بدرياً، روي هل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وسبعون حديثاً، اتفقا منها على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثمانية ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه) بفتح الهمزة وكسرها كما سبق ( قام فهم) أي: خطيباً ( فذكر لهم) أي: بعد حمد الله والثناء عليه ( أن الجهاد في سبيل الله) أي: لإعلاء كلمة الله كما يدل عليه قوله في سبيل الله ( والإيمان با) والواو لمطلق الجمع، فلا يرد ما قد يتوهم من أن محل الاعتبار بصالح العمل تقدم الإيمان عليه ( أفضل الأعمال) أما بالنظر إلى المجموع فهو على إطلاقه، وكذا بالنظر إلى الأفراد بالنظر إلى الإيمان؛ وأما بالنسبة إلى الجهاد فبالنسبة إلى ذلك الوقت أو هو على تقدير من، وهذا يجري فيما ورد في الحديث أنه أفضل الأعمال، وهو من أفضلها كالصلاة أوّل الوقت ونحو ذلك.
قال القرطبي: وإنما قرن الجهاد بالإيمان هنا في الأفضلية ولم يجعله من مباني الإسلام في حديث ابن عمر لأنه لا يتمكن من إقامة تلك المباني على تمامها وكمالها ولم يظهر دين الإسلام على الأديان كلها إلا بالجهاد، فكأنه أصل في إقامته والإيمان أصل في تصحيح المباني فجمع بين الأصلين في الأفضلية ( فقام رجل فقال: أرأيت) بفتح التاء أي أخبرني ( إن قتلت) بالبناء للمجهول ( في سبيل ا) أي: لإعلاء كلمة الله واستغنى عنه لظهور «إنما الأعمال بالنيات» ولما تقدم ( تكفر) مبني للمجهول والهمزة قبله مقدرة: أي أتكفر ( عني خطاياي) يشمل ما يتعلق بحق الله وما يتعلق بحق العباد ( فقال له رسول الله: نعم) بفتح أوليه حرف جواب ( إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر) أي: على ملاقاة القرن وجراحات السيوف وطعن الرماح وغير ذلك من أتعاب الحرب ( محتسب) أي: مخلص تعالى، فإذا قاتل لمعصية أو لغنيمة أو لصيت فلا يحصل له ما ذكر في الخبر من الثواب ولا غيره ( مقبل غير مدبر) أي: على وجه الفرار، أما لو أدبر ليكرّ على العدو بعد أو ليأتي بالفئة فالظاهر حصول الثواب المذكور، ويحتمل على بعد أن ذلك مسقط للإثم لا محصل للأجر والله أعلم.
وجواب إنالشرطية محذوف اكتفاء بوجوده في السؤال ( ثم قال رسول الله) مستدركاً للدين ومثله سائر حقوق العباد من عموم كلامه السابق ( كيف قلت؟) أي: أيها السائل ( قال) أي: السائل ( قلت: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله: نعم وأنت صابر) جملة حالية حذف صاحبها وعاملها لدلالة وجودهما في الكلام السابق: أي: إن قتلت وأنت صابر ( محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين) .
قال المصنف: فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة لا تكفر حقوق الآدميين إنما تكفر حققوق الله: أي: الصغائر منها اهـ.
قال القرطبي: لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه، وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلاً فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده وصحت توبته أن يرضي عنه خصومه كما قد جاء نصاً في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا ( قال لي ذلك جبريل) قال المصنف: يحمل على أنه أوحى إليه به في الحال ( رواه مسلم) في كتاب الجهاد، وكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب الجهاد، وقال الترمذي: حسن صحيح، ثم هذا الحديث مقدم على الحديث بعده في نسخة مصححة، وفي نسخة أخرى بالعكس.


رقم الحديث 218 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتدرون) أي: أتعلمون من الدراية، قال البيضاوي هي علم فيه احتيال وخداع ( من المفلس؟ قالوا) بحسب ما يعرفونه فيه عرفاً ( المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) قال في «النهاية» : هو كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها ( فقال) مشيراً إلى أن هذا لانقطاع أمور الدنيا ونصبها لا ينبغي أن يعدّ حقيقة المفلس وقدلا يزول عنه لعارض من يسار ونحوه ( إن المفلس) مفلسالدرجات العلى في الدار الأخرى ( من أمتي) أي: أمة الإجابة: أي من المؤمنين ( من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام) بهذا ردّ قول سفيانبن عيينة إن وجه إضافة الصوم في حديث «الصوم لي» أن أصحاب التبعات إنما يأخذون من حسنات الظالم حتى يبقى الصيام فعند ذلك يقول الله: «الصوم لي وأنا أجزي به» ، ويرضي عنه الخصوم ( وزكاة) أي: وغيرها من عمل البرّ ( ويأتي) عطف على يأتي الأوّل ( وقد شتم هذا) أي: سبه كما في «الصحاح» ( وقذف هذا) أي: رماه بالزنى مثلاً ( وأكل مال هذا) أي: بغير رضاه ومثله سائر الإتلافات بأيّ وجه كان، وخص الأكل لأنه أغلب وجوه إتلاف المال ( وسفك) أي: أهرق ( دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا) أي: أحد المجنيّ عليه ( من حسنته) أي: من ثوابها، ويحتمل أن يعطاها بنفسها ويجازى عليها حينئذٍ وهو مثل ما تقدم في الحديث السابق في الباب «إن كان له عمل صالح أخذ منه» ( ويعطي هذا) أي: الآخر بفتح الخاء ( من حسناته، فإن فنيت حسناته) بأخذ الغرماء لها.
( قبل أن يقضي ما عليه) من التبعات ( أخذ) بالبناء للمفعول كالمضارع قبله والماضيين بعد ( من خطاياهم) أي: ذنوبهم، وظاهر عمومه يشتمل ما كان متعلقاً بالخلق، ويحتمل أن يخص ما يتعلق بالحق ( فطرحت عليه ثم طرح في النار) قدر عمله السيء وما طرح عليه ( رواه مسلم) قال ابن الرصاع في كتاب ( تذكرة المحبين في «شرح أسماء» سيد المرسلين) قال بعض العارفين عند هذا الحديث: إنه فيه تشديد وفيه للعقلاء غاية الوعيد فإن الإنسان قلّ أن تسلم أفعاله وأقواله من الرياء ومكايد الشيطان، وإن سلمت له خصلة فقلّ أن يسلم من أذية الخلق، فإذا كان يوم القيامة وقد سلمت له حصلة مع قلة سلامتها طلب خصمك تلك الحسنة وأخذها منكم بحكم مولاك عليك، فإنه لا مال يوم القيامة تؤدي منه ما عليك، بل من حسناتك يا مغبون إن كنت صائماً بالنهار قائماً بالليل جاداً في طاعة الرحمن، وقلّ أن تسلم من غيبة المسلمين وأذيتهم وأخذ مالهم، هذا حال من كان جاداً في الطاعات فكيف من كان مثلنا جاداً في جمع السيئات من أكل الحرام والشبهاتوالتقصير في الطاعات والإسراع إلى المخالفات اهـ.


رقم الحديث 219 ( وعن) أم المؤمنين ( أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومي ( رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما أنا بشر) من الحصر الخاص الذي دلت عليه قرينة الحال، قال التوربشتي: وإنما ابتدأ الحديث بهذه الجملة تنبيهاً على أن السهو والنسيان غير مستبعد من الإنسان، وأن الوضع البشري يقتضي ألا يدرك من الأمور إلا ظواهرها.
فإن قلت أو لم يكن النبيّ معصوماً في سائر أحواله؟ قلت: العصمة تتحقق فيما يعد عليه ذنباً ويقصده قصداً، أما ما نحن فيه مما يسمعه من الخصم فيتوهم صدقة فليس بداخل فيه، فإن الله تعالى لم يكلفه فيما لم ينزل عليه إلا ما كلف غيره وهو الاجتهاد في الإصابة قال: ويدل عليه ما روي في حديث أم سلمة أي من غير هذا «إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ» ( وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن) قال الطيبي زائدة تشبيهاً للعمل بعسى: أي لعله ( يكون ألحن) أفعل تفضيل من لحن بالحاء المهملة كفرح إذا فطن بما لا يفطن به غيره: أي: أفصح أو أفطن ( بحجته من بعض) فيزين كلامه بحيث أظنه صادقاً في دعواه ( فأقضي له على نحو ما أسمع) .
قال الراغب: اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه إما بإزالة الإعراب والتصحيف وهو مذموم وذلك أكثر استعمالاً، وإما بإزالته عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى وهو محمود، وإياه قصد الشاعر بقوله: وخير الحديث ما كان لحناً ومنه قوله تعالى: { ولتعرفنهم في لحن القول} ( محمد: 3) ومنه قيل للفطن لما لا تقتضي فحوى الكلام لحن، ومنه الحديث ألحن بحجته: أي ألسن وأفصح وأبين كلاماً وأقدر على الحجة.
قال العاقولي: وفي الحديث أنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز على غيره: وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، وهذا لطف من الله تعالى ليستنّ الناس به ويبقوا في ستر من الفضيحة العظمى، إذ لو أطلع أحد على الغيب لم يحتج أحد إلى شاهد في دعواه ولظهر من كل مبطل ما قصده ونواه، وهذا إنما هو في الحكم المستند إلى الشهادة، أما الأحكام الشرعية فلا يقر على ما أمله أن يقع فيه الخطأ منها بخلاف الأوّل، لأنه لا يسمى خطأ إنما يسمى حكماً بالظواهر لم يوافق الباطن، وهو صحيح لكونه مبنياً على القاعدةالشرعية لكونه مرتباً على شهادة الشاهدين ( فمن قضيت له بحق أخيه) لظاهر بيانه وحجته وهو يعلم أنه مبطل في نفس الأمر فلا يأخذه ( فإنما أقطع له) أي: أعين له بناء على ظاهر الأمر ( قطعة من النار) أي: فهو حرام يؤول به إليها كقوله تعالى: { إنما يأكلون في بطونهم ناراً} ( النساء: 1) أي: جزاؤهم ذلك إن لم يعف الله عنهم ( متفق عليه) في «الجامع الصغير» بلفظ «من قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» رواه مالك وأحمد والستة عن أم سلمة، وفي رواية «فإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر» ( ألحن) المذكور في الحديث ( أي أعلم) .


رقم الحديث 220 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: لن يزال المؤمن في فسحة) بضم الفاء وسكون السين وبالحاء المهملتين: أي: سعة ( من دينه) ورجاء رحمة من ربه وإن ارتكب الكبائر ( ما لم يصب) بضم أوله وكسر ثانيه أي يباشر ( دماً حراماً) فإذا قتل نفساً بغير حق ضاقت عليه المسالك ودخل في زمرة الآيسين من رحمةالله، كما ورد في حديث أبي هريرة مرفوعاً «من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة ا» قيل: المراد بشطر الكلمة قول «أق» وهو من باب التغليظ ( رواه البخاري) وروى أبو داود عن أبي الدرداء عن رسول الله «لا يزال المؤمن معنقاً» بكسر النون بعد العين المهملة: أي: مسرعاً «في صالح عمله ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً تلج» وفي «الجامع الصغير» وروى الطبراني عن قتادةبن عياش مرفوعاً «لن يزال العبد في فسخة من دينه ما لم يشرب الخمر، فإذا شربها خرق الله عنه ستره، وكان الشيطان وليه وسمعهوبصره ورجله، يسوقه إلى كل شرّ ويصرفه عن كل مرقاة» قال الهروي في «المرقاة» : وهذا يدل على أن المراد الانتهاء عن الكبائر مطلقاً وخص في كل موضع ما ذكر فيه لأمر يقتضيه اهـ.


رقم الحديث 221 ( وعن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ويقال لها خويلة ( بنت ثامر) بالمثلثة وكسر الميم ( الأنصارية وهي) أم محمد ( امرأة حمزة) بن عبد المطلب ( رضي الله عنه وعنها) وفي نسخة «عنهما بضمير التثنية وهي أخصر.
قال المزي في كتاب الأطراف: خولة بنت قيسبن قهد بالقاف ابن قيسبن ميسربن ثعلبة الأنصارية، وقيل: امرأة حمزة خولة بنت ثامر الخولانية.
وقيل: إن ثامراً لقب قيس بت قهد.
قال عليبن المديني: خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر.
قلت: وبذلك قال أبو عمر.
قال ابن الأثير: وقد ذكر ترجمة خولة بنت ثامر وأورد فيها حديث الباب، وترجمة خولة بنت قيسبن قهدبن قيسبن ثعلبةبن غنمبن مالكبن النجار الأنصارية النجارية زوج حمزة تكنى أم محمد، وقيل: إن امرأة حمزة خولة بنت ثامر وقيل: إن ثامراً لقب لقيسبن قهد، والأول أصح قاله أبو عمر.
تكنى أم محمد، وقيل: أم حبيبة وصحفه ابن منده بأم صبية، قتل عنها حمزة يوم أحد فخلف عليها النعمانبن عجلان الأنصاري الذرقي، ثم قال ابن الأثير: قلت ما أقرب أن يكون ثامر لقب قيسبن قهد فإن الحديث في الترجمتين واحد وهو «إن هذا المال حلوة خضرة» والله أعلم اهـ.
ونقل الحافظ في «فتح الباري» قول من فرق بينهما وقول ابن المديني السابق.
قال ابن الجوزي: فيمن له ثمانية أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خولة بنت قيس.
وقال في «رواة الصحيحين» من الصحابة: انفرد البخاري بخولة ( بنت) ثامر، روي عنها حديثاً واحداً ( قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن رجالاً يتخوّضون) بالخاء والضاد المعجمتين: أي: يتصرفون ( في مال الله بغير حق) أي: يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل.
ففيه أن التصرف فيها لا يجوز بمجرد التشهي ( فلهم النار يوم القيامة) .
قال الحافظ في «الفتح» : هذا حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مالالله، ففيه إشعار بالعلية ( رواه البخاري) ورواه الترمذي منحديث خولة بنت قيس وزاد أوله «إن هذا المال حلوة خضرة من أصابه بحقه بورك له فيه، وربّ متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار» قال الترمذي: حسن صحيح.
27 - «باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم» .
( باب تعظيم حرمات) بضمتين جمع حرمة بضم فسكون، وهي ما لا يحلّ انتهاكه من أهل ومال ( المسلمين وبيان حقوقهم) على إخوانهم المسلمين ( والشفقة) معطوف على تعظيم ويصح عطفه على حرمات أو حقوق ( عليهم والرحمة) عطف تفسير ( بهم) .
( قال الله تعالى: { ومن يعظم حرمات ا} ) أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه أو المراد به الحرم أو ما يتعلق به الحج من التكاليف ( فهو) أي فالتعظيم ( خير) أي قربة وزيادة في الطاعة ( له عند ربه) ثم قيل الظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
( وقال تعالى: { ومن يعظم شعائر ا} ) دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده، وعليه فتعظيمها أن يختارها سمانا غالية الأثمان.
«روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برّة من ذهب.
وأن عمر أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار» ( { فإنها من تقوى القلوب} ) أي فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي القلوب فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من، وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور والإمرة بهما.
( وقال تعالى) مخاطباً لنبيه: ( { واخفض جناحك للمؤمنين} ) وتواضع لهموارفق بهم.
( وقال تعالى { من قتل نفساً بغير نفس} ) أي بغير نفس توجب القصاص ( أو) بغير ( فساد في الأرض) كالشرك وقطع الطريق.
وثبت بالسنة رجم الزاني المحصن وقتل تارك الصلاة ( فكأنما قتل الناس جميعاً) من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه أو من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم ( ومن أحياها) أي تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنفاذ من بعض أسباب الهلكة ( فكأنما أحيا الناس جميعاً) أي كأنه فعل ذلك بهم جميعاً والمطلوب منه تعظيم قتل النفس وإحياؤها في القلوب ترهيباً من التعرض لها وترغيباً في المجافاة لها.