فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب في الاقتصاد في العبادة

رقم الحديث 152 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله) وفي نسخة النبي ( يخطب إذ) وفي نسخة: إذا ( هو برجل قائم فسأل عنه) أي: عن اسمه وعن سبب قيامه ( فقالوا: هذا أبو إسرائيل) وهو كنية، واسمه: يسير مصغر يسر ضد العسر، وهو أنصاري ( نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد) ضد القيام ( ولا يستظلّ) ضد كونه في الشمس أي بارزاً لها وصرح بهما تأكيداً ( ولا يتكلم) أي: بغير الذكر ( ويصوم، فقال النبي: مروه فليتكلم) أي: فليس النذر بالسكوت قربة من شريعتنا ( وليقعد) أي: في غير الصلاة، وإلا فمن نذر القيام في صلاة النفل لزمه ( وليستظلّ وليتمّ صومه) إذ الصوم قربة «ومن نذر أن يطيع الله فليطعه» بخلاف أخواته.
( رواه البخاري) .
قال ابن رجب في شرحه للحديث الخامس من الأربعين للمصنف: من تقرّب إلى الله تعالى بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، ثم قال: وليس كل ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً، فقد رأى النبي رجلاً قائماً في الشمس، الحديث.
وقد روى أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي وهو على المنبر، فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ما دام يخطب إعظاماً لسماع خطبته، ولم يجعل النبيّ ذلك قربة يوفي بنذره، مع أن القيام عبادة في مواضع أخر كالصلاة، والأذان والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها: أي كما توهمه الناذر بل إنما يتبع في ذلك الوارد به الشريعة في مواضعها اهـ.


رقم الحديث -13 أي: التوسط ( في) أداء ( العبادة) إبقاء على النفس ودفعاً للملل عنها.
ونفس الإنسان في الطريق المعنوي كدابة في الطريق الحسي؛ فكما أنه إذا جد على دابته الحسية وكدها بالأحمال الثقيلة وقطع المسافات الطويلة انقطعت به في أثناء الطريق ولم يصل إلى مقصده، وإذا رفق بها وماشاها وصل إلى المراد وهان عليه ببلوغه لمقصده ما لقيه من مشقة السفر كذلك هنا، قال ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود» : قال الحسن: نفوسكم مطاياكم فأصلحوا مطاياكم توصلكم إلى ربكم، فمن وفى النفس حقها من المباح بنية صالحة كالتقوى به على صالح العمل ومنعها من شهواتها وحظها كان مأجوراً في ذلك كما قال معاذ: إني احتسبت نومتي كما احتسبت قومتي، ومتى قصر في حقها حتى ضعفت وتضررت كان ظالماً لها، وإلى هذا أشار النبيّ بقوله لعبد ابن عمرو «إنك إذا فعلت ذلك نفهت له النفس وهجمت له العين» ومعنى نفهت بكسر الفاء: أعيت وكلت، هجمت العين: غارت.
وقال لأعرابي جاءه وأسلم ثم أتاه من عام قابل وقد تغير فلم يعرفه فلما عرفه سأله عن حاله فقال: «ما أكلت بعدك طعاماً بنهاري، فقال: ومن أمرك أن تعذب نفسك؟» فمن عذب نفسه بأن حملها على ما لا تطيق من الصيام ونحوه فربما أثر ذلك في ضعف بدنه وعقله فيفوته من الطاعات أكثر مما حصله بتعذيب نفسه بالصيام ونحوه اهـ.
والعبادة غاية الذلل فهي أبلغ من العبودية إذ هي إظهار التذلل.
( قال الله تعالى: { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} ( طه: 1، 2) .
وقال الله تعالى: { يريد الله بكم اليسر} )
( البقرة: 185) بسكون المهملة، وقرىء بضمها لغتان وكذلك العسر كما تقدم ذلك ( { ولا يريد بكم العسر} ) هو بمعنى «يريد الله بكم اليسر» كررت تأكيداً، قال القرطبي في «التفسير» : قال مجاهد والضحاك: اليسر الفطر في السفر، والعسر الصوم فيه؛ والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين كما قال تعالى: { وما جعل عليكم في الدين من حرج} ( الحج: 78) روي عنه «دين الله يسر» وقال «يسروا ولا تعسروا» واليسر من السهولة، ومنه اليسار للغني، وسميت اليسر تفاؤلاً، أو لأنه يسهل له الأمل بمعاونتها لليمنى اهـ.
.