فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الرجاء

رقم الحديث 432 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا كان) أي وجد ( يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً) يحتمل أن يقال إنهما مقيدان لمطلق الكافر الوارد في رواية أخرى لمسلم عن أبي موسى مرفوعاً «إذا كان يوم القيامة أعطي كل رجل من هذه الأمة رجلاً من الكفار» ويحتمل أن لا يقيد، بل هو من ذكر بعض الأفراد وهي لا تقيد ( فيقول) أي عزّ وجل ( هذا فكاكك من النار) وعند مسلم في الحديث الذي ذكرناه عنه «هذا فداؤك من النار» قال المصنف: الفكاك بفتح الفاء وكسرها، والفتح أفصح وأشهر، وهو الخلاص والفداء.
( وفي رواية) هي لمسلم أيضاً ( عنه) أي عن أبي موسى ( عن النبي قال: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) أي عظيمه كما يؤخذ من قوله ( أمثال الجبال يغفرها الله لهم) اقتصر المصنف على هذا القدر من الحديث لحصول غرض الترجمة، وهي الرجاء به، وتتمته «ويضعها على اليهود والنصارى» فهو بمعنى الحديث الذي قبل.
قال المصنف: ومعناه أن الله يغفر ذنوب المسلمين بفضله ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بعملهم، وهذا التأويل لا بد منه لقوله: { ولا تزر وازرة وزر أخرى} ( الأنعام: 164) فقوله يضعها مجاز: أي يضع مثلها عليهم بذنوبهم لكن لما أسقط تعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو آثامهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاماً كان الكفار سبباً فيها بأن سنوها فيسقط عن المسلمين بعفو الله ويوضععلى الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعلم بها ( رواه مسلم.
قوله دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً)
ليس هو على ظاهره من وضع أعمال المؤمنين على الكافرين لأن الله تعالى يقول: { ولا تزر وازرة وزر أخرى} ( الأنعام: 164) لكن ( معناه ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لكل أحد) أي سواء كان مسلماً أو كافراً ( منزل من الجنة ومنزل من النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة) أي منزله فيها ( خلفه الكافر في النار، لأنه مستحق لذلك) أي دخول النار ( بكفره، ومعنى فكاكك) من النار ( أنك كنت معرّضاً لدخول النار) أي لو كنت خذلت ( وهذا فكاكك) أي بمنزلته صورة ( لأن الله تعالى قدر للنار عدداً يملؤها، فإذا دخلها الكافرون بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين) من حيث إن بهم تم عدد أهل النار فأمنها المسلمون، قال المصنف: قال عمر بن عبد العزيز والشافعي: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين، وهو كما قالا لما فيه من التصري بفداء كل مسلم وتعميم الفداء، والحمد اهـ.


رقم الحديث 433 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يدنى) بالبناء للمفعول: أي يقرب ( المؤمن يوم القيامة من ربه) قرب مكانة لا قرب مكان قال المصنف هو دنو كرامة وإحسان لا دنو مسافة، وا تعالى منزه عن المسافة ( حتى يضع عليه كنفه) بفتح الكاف والنون أي ستره ( فيقرره بذنوبه) ويسترها عن سائر أهل المحشر ( فيقول: ألا تعرف ذنب كذا) تقدم أنه من ألفاظ الكنايات، ويكنى به عن المجهول وما لا يراد التصريحبه ( فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا) بأن لم يطلع عليها أحد من الناس ويحتمل سترها حتى عن الملكين مبالغة في الستر ( وأنا أغفرها لك اليوم) عطف على الجملة المحكية بالقول ( فيعطى صحيفة) أي كتاب ( حسناته.
متفق عليه)
أخرجه البخاري في الرقاق ومسلم في صفة الجنة والنار ( كنفه) بفتح أوليه كما تقدم ( ستره ورحمته) قال في «شرح مسلم» : ستره وعفوه اهـ.
فالرحمة هنا مجاز عن الإحسان.


رقم الحديث 434 (وعن) عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً) عند ابن أبي خيثمة زيادة «من الأنصار يقال له معتب» وقد جاء اسمه كعب بن عمرو وهو أبو اليسر بفتح التحتية والسين المهملة الأنصاري، أخرجه الترمذي والنسائي والبزار عن أبي اليسر بن عمرو نفسه، وذكر بعض الشراح أن اسمه نبهان التمار وقيل عمرو بن عزبة وقيل عامر بن قيس وقيل عباد.
قال الحافظ بعد ذكر قصتي نبهان وعمرو ومن أخرجهما، فإن ثبت حمل أيضاً على التعدد قال الحافظ العسقلاني: وظن الزمخشري أن عمرو بن عزبة اسم أبي اليسر فجزم به فوهم، وعباد اسم جد أبي اليسر فلعله نسب ثم سقط شيء وأقوى الجميع أنه أبو اليسر اهـ.
ملخصاً (أصاب من امرأة قبلة) أخرج قصته الترمذي ومن معه عنه قال «أتته امرأة وزوجها قد بعثه في بعث فقالت له بعنى تمراً بدراهم، قال وأعجبتني فقلت لها: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فانطلق بها معه فغمزها وقبلها ثم فزع حتى قالت له اتقالله، فخرج فلقي أبا بكر فقال: تب ولا تعد، ثم أتى النبي» الحديث (فأتى النبي فأخبره، فأنزل الله تعالى) : { أقم الصلاة} ) كذا هو بحذف الواو في الصحيحين والتلاوة بإثباتها ( { طرفي النهار} ) أي غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لأنه مضاف إليه ( { وزلفاً من الليل} ) أي ساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلف إذا قربه وهو جمع زلفة قال المصنف: ويدخل في صلوات طرفي النهارالصبح والظهر والعصر وفي زلفا من الليل المغرب والعشاء، وقرىء زلفا بضمتين وبضمة فسكون كبسر باللغتين في بسرة وزلفى بمعنى زلفة كقربى وقربة ( { إن الحسنات يذهبن السيئات} ) يكفرنها، وفي الحديث «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» قال الإمام الرازي: وفي تفسير الحسنات قولان قال ابن عباس: معناه الصلوات الخمس مكفرة سائر الذنوب إذا اجتنبت الكبائر، وقال مجاهد: الحسنات قول: سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله وا أكبر.
وقد حكاهما المصنف في «شرح مسلم» (فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله) يعني خاص بي: أي أن صلاتي تذهب معصيتي، وظاهر هذا أن القائل هو السائل.
وعند أحمد والطبراني من حديث ابن عباس «فقال: يا رسول الله ألي خاصة أم للناس عامة فضرب عمر بصدره فقال لا ونعمة عين بل للناس عامة، فقال: صدق عمر» وهذا من اجتهاد عمر الموافق للصواب لكن جاء عند مسلم في رواية «فقال معاذ: يا رسول الله أله وحده أم للناس؟» ووقع مثله عند الدارقطني، قال الحافظ: ويحمل على تعدد السائلين، وقوله ألي بفتح الهمزة استفهام والظرف بعده خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر وقدم عليه خبره لإفادة التخصيص (قال لجميع أمتي كلهم) والمكفر بالحسنات صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى كما قاله المصنف (متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير ومسلم في التوبة.


رقم الحديث 435 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل) قال الشيخ زكريا في تحفة القارىء هو أبو اليسر ( إلى النبي فقال: يا رسول الله أصبت حدا) أي مقتضيه والمراد من الحد ما فيه التعزير أوتوهم أن فيه حداً مخصوصاً ( فأقمه عليّ وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله، فلما قضى الصلاة) أي أتمها معه ( قال يا رسول الله إني أصبت حدافأقم فيّ كتاب الله قال: هل حضرت معنا الصلاة؟ قال نعم، قال قد غفر لك) قال المصنف: هذا المقتضي للحدّ في كلامه معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة، ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لما كفرتها الصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحد لا تسقط الحدّ بالصلاة وهو معنى قول المصنف هنا.
( قوله أصبت حداً: معناه معصية توجب التعزير وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحدّ الزنا والخمر وغيرهما فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة) أي بعد تعينها كما يعلم من الوجه الآتي ( ولا يجوز للإمام تركها) قال المصنف في «شرح مسلم» : وهذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث، وحكى القاضي عن بعضهم أن المراد به الحدّ المعروف، قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد ولم يستفسره عنه إيثاراً للستر، بل استحب تلقين الرجوع عن الإقرار بموجب الحد صريحاً ( متفق عليه) أخرجه البخاري في المحاربين ومسلم في التوبة.


رقم الحديث 436 ( وعنه قال: قال رسول الله: إن الله ليرضى) المراد منه في حقه تعالى غايته من القبول أو إرادته ( عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها) يحتمل أن يكون قبل أن لام التعليل: أي لأجل أو يسب أكله.
ويحتمل أن يكون أن ومدخولها بدل من العبد بدل اشتمال والمرضي منه هو الحمد على الأكل والشرب، ويحمد روي بالرفع والنصب قال بعض شراح «الشمائل» والظاهر من حيث العربية الأول أن يرضى أكله المسبب للحمد مع أن نفعه لنفسه فكيف بالحمد على ما لا نفع له فيه بوجه ( أو يشرب الشربة فيحمده عليها) يعني يرضى لأحد هذين الفعلين أياً كان وليس هو بشك من الراوي خلافاً لزاعمه، وفي الحديث حصول أصل سنة الحمد بأي لفظ اشتق من مادة «ح م د» بل بما يدل على الثناء على الله تعالى ( رواه مسلم) في باب الحمد، ورواه أحمد والترمذي في جامعه وشمائله، والنسائي كلهم من حديث أنس ( الأكلة بفتح الهمزة: وهي المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء) وبضمها اسم للقمة، قال بعض شراح «الشمائل» ويرجحه ملاءمته للشربة «قلت» بل هو ملائم للفتح ( والله أعلم) .


رقم الحديث 437 ( وعن أبي موسى) وهو الأشعري ( رضي الله عنه عن النبي قال: إن الله يبسط) بضم السين ( يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل) قال المصنف: معناه يقبل التوبة من التائبين نهاراً وليلاً ( حتى تطلع الشمس من مغربها) ولا يختص به قبولها بوقت، وبسط اليد استعارة في قبول التوبة، قال المازري: المراد به قبول التوبة، وإنما ورد لفظ بسط اليد، لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله وإذا كرهه قبضها عنه، فخوطبوا بأمر يفهمونه وهو مجاز فإن اليد بمعنى الجارحة محال عليه تعالى.
( رواه مسلم) في باب التوبة وكذا أحمد.


رقم الحديث 438 (وعن أبي نجيح) ضبطه صاحب «المغني» بفتح النون وكسر الجيم وسكون التحتية بعدها حاء مهملة، وقيل كنيته أبو شعيب (عمرو بن عبسة بفتح العين) المهملة (والباء) الموحدة ثم سين مهملة على وزن عدسة قال المصنف في «التهذيب» : هذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث والأسماء والتواريخ والسير والمؤتلف وغيرهم من أهل الفنون ورأيتجماعة ممن ضبط ألفاظ «المهذب» يزيد فيه نوناً وهو غلط فاحش ومنكر ظاهر نبهت عليه لئلا يغتّر به، وعبسة هو ابن عامر بن خالد بن عاصرة بن عتاب ويقال بن غفار بن امريء القيس بن بهثة بموحدة مضمومة ثم هاء ساكنة ثم مثلثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ابن قيس عيلان بالمهملة ابن مضر بن نزار (السلمي) الصحابي الصالح، أسلم عمرو (رضي الله عنه) رابع أربعة، وحديث هجرته هو الحديث المذكور وقدم المدينة بعد الخندق فسكنها ثم نزل الشام، روي له عن النبي ثمانية وثلاثون حديثاً روى مسلم منها الحديث المذكور؛ روى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو أمامة وسهل بن سعد وجماعة من التابعين، سكن حمص وتوفي بها اهـ.
ملخصاً (قال كنت وأنا في الجاهلية) هي ما قبل الإسلام سموا به لكثرة جهالاتهم والجملة حال من اسم كان، وخبر كان جملة (أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء) ينفعهم عند الله تعالى (وهم يعبدون الأوثان) جملة حالية من اسم ليس والأوثان جمع وثن قيل هو والصنم بمعنى، وعليه اقتصر «المصباح» في مادة وثن وزاد في مادة صنم قوله: وقيل الصنم المتخذ من الجواهر المعدنية، والوثن المتخذ من حجر أو خشب.
وقال ابن فارس الصنم ما يتخذ من خشب أو نحاس أو فضة اهـ.
(فسمعت برجل بمكة) الباء الثانية ظرفية (يخبر أخباراً) بفتح الهمزة: أي أخباراً عجيبة الشأن عظيمة الموقع فالتنوين فيه للتعظيم (فقعدت على راحلتي) أي ركبت عليها مسافراً (فقدمت) بكسر الدال (عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً) حال من ضمير خبر المبتدأ المحذوف تقديره كائن: أي هو حال كونه مستخفياً: أي مستتراً من الكفار الأشرار (جرآء) بضم الجيم وتشديد الراء بعدها همزة ممدودة جمع جرىء: من الجرأة وهي الإقدام والتسلط وسيأتي فيه بسط عند ذكر المصنف الاختلاف في ضبطه وهو حال مترادفة أو متداخلة، وقوله (عليه قومه) الظرف متعلق به وقومه فاعله لأنه وصف اعتمد على ذي الحال (فتلطفت) أي ترفقت في الأمر مع قرشي (حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟) قال البيضاوي كما تقدم نقله عنه «ما» يسأل به عن كل شيء ما لم يعرّف فإذا عرف خص العاقل إذا سئل عن تعيينه وإن سئل عن وصفه يل ما زيد فقيه أم طبيب؟ اهـ.
ولما كان مسؤول عمرو عن وصف النبي قال ما أنت؟ ويدل لهقوله له (قال أنا نبي) وكذا قال المصنف في «شرح مسلم» قال ما ولم يقل من لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته وما لصفات من يعقل اهـ.
(فقلت وما نبي؟) أي ما حقيقة النبي المميزة له عن سواه (قال أرسلني ا) أي أرسل الله إياي (قلت: بأي شيء أرسلك؟) لما عمم النبيّ بحذف معمول أرسل استهفمه عمرو عنه وسأل بيانه (فقال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد ا) بالمضارع المبني للمفعول وكذا في قوله (لا يشرك) بالرفع ونائب فاعله شي من قوله (به شيء) قال المصنف: هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث عل صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد ولم يذكر له جزئيات الأمور وإنما ذكر مهمها وبدأ بالصلة.
فإن قلت: ما الحكمة في أنه أتى بالمصدر في الأولين وبأن والفعل في الثالث.
قلت: الإشارة إلى تجديد ذلك الثالث كل آن ذكرا بقول لا إله إلاالله، فقد ورد الأمر بالإكثار منها مع ما فيه من التفنن فجمع التعبير المورث للكلام نظرية وتحسيناً (قلت: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد ومعه يومئذٍ) المراد باليوم فيه مطلق الحين أي حينئذٍ (أبو بكر وبلال رضي الله عنهما) وكان الاقتصار عليهما مع تقدم إسلام خديجة على إسلامهما إذ هي أول الناس إسلاماً وإسلام على أيضاً قيل إنه أسلم قبل الصديق وإن كان الراجح خلافه لأنهما كاملان في الرجولية والبلوغ فقد كان على حينئذٍ صبياً (فقلت: إني متبعك) أي على إظهار الإسلام هنا وإقامتي معك (قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا) أي في هذا الزمن الحاضر وذلك لضعف شوكة الإسلام فيخاف عليك من أذى كفار قريش (ولكن ارجع إلى أهلك) قال القاضي عياض: ليس معناه أنه رده دون إسلام وإنما رده عن صحبته واتباعه لأنه كان في أوّل الإسلام وقبل قوته فخاف عليه لغربته أن تهلكه قريش أو تفتنه اهـ.
وحينئذٍ فتقدير الكلام كما أشار إليه المصنف، لكن قد حصل أجرك فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمرّ على إسلامك حتى تعلمني ظهرت.
(فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتنى) فيه معجزة للنبي هي إعلامه بأنه سيظهر فكان كما أخبر (فذهبت) أي رجعت (إلى أهلي وقدم) بكسر الدال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة) منصوب على التوسع كدخلت المسجد أو على حذف الجار (وكنت في أهلي) أي مقيماً فيهم (فجعلت) من أفعالالشروع (أتخبر الأخبار) أي أتكلف الوقوف عليها وأعاني ذلك (وأسأل الناس حين قدم المدينة) أي وقت قدومه لها (حتى قدم نفر من أهل المدينة) غاية لتخبره وسؤاله، والنفرك ما تقدم مراراً بفتح أوليه: ما بين الثلاثة والتسعة، وقيل السبعة من الرجال، ومعنى قوله من أهل المدينة: أي المقيمين بها القاطنين فيها (فقلت ما فعل هذا الرجل؟) أتى باسم الإشارة الموضوع لأن يستعمل في المشار إليه الحاضر إليه تفخيماً لشأن المصطفى وأن حقه لكمال مجده أن لا يغيب عن القوس بل لا تزال مشاهدة بعين لبها لجمال كماله (الذي قدم المدينة فقالوا: الناس إليه سراع) بكسر السين أي مسرعين (وقد أراد قومه) أي كفار قريش (قتله) بأنواع من المكر والخديعة المذكورة عنهم في كتب السير (فلم يستطيعوا ذلك) بل رد الله كيدهم في نحرهم وحفظ نبيه من ذلك (فقدمت المدينة) أي امتثالاً لقوله «فإذا بعت بي ظهرت فأتني» (فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني؟ قال: نعم) وسؤاله لطول مدة غيبته ثم هو في نسخ الرياض هكذا ووقع في مسلم بلفظ «قال بلى» قال المصنف في «شرحه» : فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يكن قبلها نفي وصحة الإقرار بها وهو صحيح في مذهبنا وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها نفي أو نهي وبه يعلم أن ما هنا إن لم يكن في بعض نسخ مسلم اختلاف من تحريف الكتاب.
قلت: ولمن اعتبر تقدم النفي أن يقول: تقدير الكلام أما تعرفني ويكون قرينة تقديرها قوله في الجواب بلى، والله أعلم (قال: فقلت: أخبرني عما علمك ا) العائد ضمير نصب محذوف أي علمكه، قال المصنف هكذا هو وهو صحيح، ومعناه أخبرني عن حكمه وصفته وبينه لي اهـ.
قلت: ويحتمل أن يكون عن للتعليل كما قيل به في قوله تعالى { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} (هود: 53) أي لأجله، وقوله (وأجهله) يحتمل أن يكون أتى به على وجه الإطناب، ويحتمل أن يكون الاحتراز عما علمه منه في اجتماعه السابق به (أخبرني عن الصلاة) أي النافلة (قال:صلّ الصبح ثم اقصر) بضم الصاد أي اقعد (عن الصلاة) أي النفل المطلق الذي لا سبب له أو له سبب متأخر (حتى تطلع الشمس حتى ترتفع) يحتمل أن يكون بدلاً مما قبله ويحتمل أن يكون غاية بعد غاية لتحريم النفل المذكور قال المصنف: فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يرتفع بنفس الطلوع بل لا بد من الارتفاع والمراد ارتفاعها كرمح في رأي العين ثم النافلة تحرم من صلاة الصبح إلى ارتفاعها على من صلى الصبح، أما من لم يصلها فلا تحرم عليه إلا من طلوع الشمس لا قبل، إلى الغاية المذكورة (فإنها) أي الشمس (تطلع) بضم اللام (حين تطلع) أي وقت طلوعها (بين قرني شيطان) سيأتي بيان معناه وتنكير شيطان لتحقيره، وقرناه: ناحيتا رأسه، قال المصنف: وسمي شيطاناً لتمرده وعتوه وكل ما رد عات شيطان، والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير والرحمة، وقيل من شاط إذا هلك واحترق: أي فالمصلي حينئذٍ كالساجد للشيطان (وحينئذٍ يسجد لها الكفار) أي وحين تطلع بين قرنيه، قال القاضي عياض: هذا يدل على صحة تأويل من جعله على ظاهره وأن الشيطان يفعل ذلك ويتطاول لها ليخادع نفسه أن السجود له (ثم صل) أي ما شئت من النفل (فإن الصلاة مشهودة محضورة) أي يحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة.
قال في «فتح الإله» : أي تحضرها ملائكة النهار لتكتبها وتشهد بها لمن صلاها فهي بمعنى رواية مشهودة مكتوبة خلافاً لمن زعم أن بينهما فرقا أو أن هذه أحسن (حتى يستقل) من القلة لا من الإقلال الذي هو الارتفاع وهو غاية لقوله صلّ (الظل بالرمح) المغروس بالأرض هذا من باب القلب كطينت الطين بالقصر وعرضت الناقة على الحوض أي حتى يستقل الرمح بالظل أي يبلغ ظله أدنى غاية النقص ففيه محسن القلب من المبالغة المتولدة عنه لإفادة كون الرمح صار بمنزلة الظل في القلة، والظل صار بمنزلة الرمح في عدم وجود شيء في الأرض إلا بمقدار مركزه وذلك لأن ظل الشاخص يكون أوّل النهار طويلاً إلى جهة المغرب، ثم ما زاد يتناقص إلى أن يصل إلى غايته وذلك وقت الاستواء أو يزول بميل الشمس إلى ناحية المغرب وتحول الظل إلى جهة الشرق وهذا هو وقت الزوال الذي به يدخل وقت الظهر ويزول وقت النهي، والظل الموجود عند الاستواء يسمى ظل الزوال لوجوده في أكثر البلاد قبل ظهور الزيادة.
وأقول لا يحتاج إل هذا التكلف لأن الباء للإلصاق، والرمح كناية عن الشاخص والتقديرحتى يقل الظل الملصق بالشاخص: أي ينتهي إلى غاية قلته، أو حتى ينتهي: أي يرتفع الظل الملصق بالشاخص عما حواليه حتى لا يبقى على الأرض منه إلا قدر لا يظهر ببادي الرأي، وما ذكر هو ما في نسخ مسلم المعتمدة، وفي بعض نسخه «حتى يستقل الرمح بالظل» وقال القاضي عياض: معنى قوله يستقل الظل بالرمح: أي يكون ظله قليلاً كأنه قال حتى يقل ظل الرمح، والباء زائدة جاءت لتحسين الكلام، وقد جاء في رواية أبي داود «حتى يعدل الرمح ظله» قال الخطابي: هذا إذا قامت الشمس وتناهى قصر الظل، ولا أدري موافقة هذا ليعدل، ولعل معنى يعدل هنا يكون مثله في الظل لا يزيد كما لا يزيد الرمح في طوله، أو يكون يعدل بمعنى يصرف كأن الرمح صرف ظله عن النقص إلى الزيادة ومن الميل إلى المغرب إلى المشرق وأضافها إلى الرمح لأنه سبب، فالمصنف لا يرتضي هذا الكلام منه، وقال القاضي عياض: كلام عجيب في تفسير الحديث نبهت عليه لئلا يغتر به اهـ.
وفي هذه الجملة حجة على مالك في تجويزه الصلاة عند الاستواء مطلقاً مستدلاً بأنه لم يزل يرى الناس يصلون حينئذٍ يوم الجمعة، وما استدل به لا ينهض له لأن يوم الجمعة مستثنى (ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تسجر) أي تهيج بالوقود (جهنم) وتسجر بتقدير أن المصدرية قبله اسم إن على حد قوله تعالى: { ومن آياته يريكم البرق} (الروم: 24) أو اسمها ضمير شأن، وما قيل إنه لا تحذف لأن القصد به التعظيم وهو يفوت بحذفه مردود بأن سبب دلالته على التعظيم إبهامه وحذفه أدل على الإبهام، ومن ثم حذف في قوله تعالى: { من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} (التوبة: 117) (فإذا أقبل الفيء) أي: إلى الجهة المشرق.
والفيء مختص بما بعد الزوال، وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده.
وفي «التهذيب» للمصنف نقلاً عن ابن قتيبة في «أدب الكاتب» إنما سمي بعد الزوال فيئاً لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب: أي رجع والفيء الرجوع (فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر) قال المصنف: فيه دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير الإنسان، وإنما يكره لكل بصلاته حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل اهـ.
ومراده أخرها عن أول الوقت لما تقرّر أنها من الإصفرار يكره لمن صلى ولغيره (ثم اقصر عن الصلاة) أي النافلة التي لا سبب لها أو لها سبب متأخر (حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان)في تنكيره ما مر (وحينئذٍ يسجد لها الكفار) هذه حكمة النهي وليست بعلة لعدم اطرادها وإلا لنهي عن ذات السبب وفي مكة أيضاً.
وقال العز بن عبد السلام: التعليل لذلك لا يظهر لأن تعظيم الله في وقت يسجد فيه لغيره أولى لما فيه من إرغام أعدائه، ولو صح التعليل فأي فرق بين ذي السبب وغيره اهـ.
وأجيب بأنها حكمة فلا يلزم اطرادها ووجه اختصاصها بغير ذي السبب وبوقتي الطلوع والغروب أن إنشاء صلاة لا سبب لها في هذا الوقت فيه نوع تشبه بالكفار في عبادتهم للشمس حينئذٍ وقد نهينا عن التشبه بهم، بل وعما يؤدي إليه أو يوهمه ولا شك أن إيقاع ذلك حينئذٍ يستلزم ذلك بخلاف ذات السبب كالعيد والضحى بناء على دخول وقتهما بالطلوع، فإن ظهور السبب الحامل عليها ينفي ذلك، وقد ذكر ابن الأثير ما يؤيد ذلك وهو أن كلا من هذين وقت لظهور سلطانها وانفصالها فكره لئلا يتوهم تعظيم شأنها كما هي عادة الملوك عند قدومهم وانفصالهم.
فإن قلت: إنما يتضح ذلك إذا كان السبب غير نفس الطلوع، أما إذا كان هو الطلوع كما في المثالين المذكورين فكيف يظهر ما ينفي ذلك.
قلت: الظهور وعدمه إنما هو بالنسبة إلى نية المصلي فحيث نوى سبباً انتفى ذلك عند من علم بنيته وحيث لا فلا، وبه يتضح الجواب عما يقال الصلاة عندنا للقبلة وسجود الكفار إنما هو لجهة الشمس فكيف يتأتى التشبه أو إيهامه؟ وجوابه ما تقدم أن نية الصلاة حينئذٍ لا لسبب يوهم أن للشمس باعتبار ظهور سلطانها وانفصالها حينئذٍ دخلا في ذلك فامتنعت لذلك، وإنما حرمت النافلة من بعد صلاتي الصبح والعصر قبل طلوعها وغروبها مع انتفاء الحكمة أو العلة لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه كما حرمت مباشرة ما بين سرة الحائض وركبتها لأنه حريم الفرج، وأيضاً فعباد الشمس ربما تهيئوا لتعظيمها من أول ذينك الوقتين فيرصدونها إلى أن تظهر فيخروا لها سجداً، فلو أبيح التنفل حينئذٍ لكان فيه تشبه بهم أو إيهامه أو التسبب إليه (قال: فقلت يا رسول الله فالوضوء حدثني عنه) أي من حيث الفضيلة بدليل الجواب (فقال: ما منكم رجل يقرب وضوءه) بفتح الواو أي يحضر ما يتوضأ به، وخص بالذكر لأنه يترتب عليه من الثواب ما لا يترتب على من يزاول مشقة في تحصيل الماء وإحضاره (فيتمضمض) سكت عما يسن قبلها من نحو التسمية لعله لعلمه أنه يعلم ذلك أو لأن الغرض ذكر ما فيه ثواب عظيم من أعمال الوضوء لا سيما ما اختلف في وجوبه كالمضمضة (ويستنشق) الواو بمعنى ثم (فيستنثر) أي يجذب الماء بخياشيمه ثم يدفعه ليزيل ما في أنفه من الأذى (إلا خرت خطايا وجهه، وفيه) «خرت» بالخاء المعجمة على المختار كما يأتي أي سقطت صغائر خطاياه ثم يحتمل أن يراد خطايا جميع وجهه، وإن لم يظهر إلا بعضه لأنه أقذر ما فيه فخرت خطاياه الآني بعد كناية عن مزيد التطهير،ويحتمل أن يراد بعضه لذكر كله الآني فعطف (وخياشيمه) بيان لذلك البعض المبهم، والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الأنف، وقيل عظام رقاق، في أصل الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك (ثم إذا غسل وجهه كما أمره ا) أي بقوله عزّ وجل: { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} (المائدة: 6) وفائدة قوله كما أمره الله الإيماء إلى وجوب الترتيب في الوضوء عند من يوجبه كإمامنا الشافعي المأخوذ وجوبه من الآية لما فيه من الفصل بالمسح بين مغسولين، والعرب سيما الفصحاء منهم لا توسط أجنبياً بين متجانسين إلا لحكمة هي هنا وجوب الترتيب لا ندبه، لأن الآية لبيان واجبات الوضوء والإيماء إلى المبادرة بامتثال هذا الأمر والمسارعة إليه عند من لا يقول بوجوب الترتيب لأن كونه أمر الله يحمل العاقل على امتثاله والإتيان به على الوجه الأكمل، وذكر هذا في أول فروضه فيه للتنبيه على أنه مراعى في باقيها فلم يحتج لتكرير (إلا خرت خطايا وجهه) إن قلت: الوجه لا يتصور منه خطايا في العادة إلا باعتبار منافذه وقد غفرت خطايا منفذين فلم يبق إلا خطايا البصر قلت: يحتمل أن يراد هنا بعضه الباقي، وهو العينان، ويحتمل أن يراد الثلاثة، وفائدته أن الأولين لو لم يطهرا بأن غسل وجهه أو لاكفرت خطاياهما وإن لم يغسلا بواسطة غسل ظاهر الوجه (من أطراف لحيته) عبر بها للغالب وإلا فمن لا لحية له كالأمرد والمرأة كذلك (مع الماء ثم) في العطف بها دلالة لوجوب الترتيب (بغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من) أطراف (أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء) ذكره للغالب أيضاً (ثم يغسل قدميه إلى الكعبين) فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجب غسل الرجلين، وقالت الشيعة: الواجب مسحهما، وقال ابن جرير: هو مخير، وقال بعض الظاهرية يجب الغسل والمسح حكاه المصنف في «شرح مسلم» (إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء) وما بعد إلا الأولى مستثنى من مقدر هو خبر ما، أي ما منكم رجل متصف بذلك كائناً على حال من الأحوال إلا على حال خروج خطايا وجهه، وما واسمها مقدران فيما بعد ثم الأولى وفيما بعد ثم الثانية، وهكذا كما دل عليه العطف: أي ثم ما منكم رجل متصف يغسل وجهه كائناً على حال إلا على حال خروج خطايا وجهه وهكذا (فإن) شرطية(هو) أي المتوضىء الدال عليه سياق الكلام وسياقه ورافعه فعل الشرط محذوف تفسيره (قام) ولحذفه برز ضميره المستكن فيه (فصلى فحمد الله) أي أثنى عليه بالصفات الثبوتية (وأثنى عليه) بالتنزيه عما لا يليق به، وقيل هما بمعنى والعطف للتأكيد (ومجده) بتشديد الجيم أي وصفه (بالذي هو) سبحانه (له أهل) من أوصاف المجد وهو العز والشرف كما في «المصابح» ، وقدم الخبر أي له على المبتدأ لإفادة الاهتمام والاختصاص (وفرغ قلبه تعالى) هو بتشديد الراء للمبالغة في تنظيف القلب وتنزيهه من دنس التعلق بغير المول سبحانه والركون إلى سواه، ومن سائر الشواغل والخواطر تعالى دون غيره ولو ثواباً لأنه ربط القصد به ينافي مقام الكمال المشار إليه بقوله تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف: 11) وجواب إن الشرطية مقدر: أي فلا ينصرف خارجاً من شيء من الأشياء (إلا انصرف) خارجاً (من خطيئته) : أي صغائره فيصير متطهراً منها (كهيئته) أي طهارته من كل خطيئة (يوم ولدته أمه) وقصرنا التشبيه على ما ذكرنا لقيام الأدلة عليه وكون التطهير من الذنوب بمعنى إزالتها بعد وقوعها ومن المدلول بمعنى عدم وجودها لا ينافي التشبيه، وقدرنا الجواب نفياً لأنه في سياق النفي بما وإلا لا لوجوبه، لجواز قرأت إلا يوم كذا (فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله) وأبو أمامة كنيته، واسمه صدى بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وتشديد التحتية ابن عجلان وتقدمت ترجمته في باب التقوى (فقال له أبو أمامة يا عمرو) يجوز ضمه وفتحه لوصفه بقوله (ابن عبسة) المتعين فيه النصب لكونه مضافاً (انظر) بضم الظاء: أي تفكر وتأمل (ما تقول في مقام) بفتح الميم: أي مكان (واحد يعطى هذا) الثواب العظيم (الرجل) ؟ وليس ذلك منه استبعاداً ولا استعجاباً من سعة الفضل إنما هو استكشاف للقبن وحذراً من وهل عمرو في ذلك (فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت) بكسر الباء الموحدة: أي تقدمت (سني) أي عمري.
قال في «المصباح» : السن واحد الأسنان، وقد يعبر بالسن عن العمر.
قلت: وعليه فتأنيث الفعل لأنها بمعنى المدة (ورق عظمي) أي تحف ونحل (واقترب أجلي) أيقرب والإتيان بالتاء مبالغة في ذلك (وما بي حاجة) أي داعية (أن أكذب على الله تعالى ولا على رسول الله) أي فيّ أو إلى أن أكذب (لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً) منصوبات على الظرفية (حتى عدّ سبع مرّات) أي بأن قال أو أربعاً إلى أن قال أو سبع مرات (ما حدثت به أبداً ولكني سمعته أكثر من ذلك) قال المصنف: هذا الكلام قد يستشكل من حيث إن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمع أكثر من سبع مرات، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية، بل تجب عليه إذا تعين لها وجوابه أن معناه: لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت به، وذكر المراتب بياناً لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط، والله أعلم (رواه مسلم) قبيل باب صلاة الخوف وبعضه عند النسائي وابن ماجه.
(قوله جرآء عليه قومه، هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء) لأن واحدة جرىء فهو كعليم وعلماء وشريف وشرفاء (أي جاسرون مستطيلون) من الاستطالة لكن في «شرح مسلم» من الجرأة: وهي الإقدام والتسلط وقضيته أن يكون جاسرون متسلطون وكذا هو في «المشارق» للقاضي عياض أي جرآء متسلطون عليه (غير هائبين) أي له لعدم معرفتهم بعظيم قدره لعمى بصائرهم عن مشاهدة أنواره: لكن نور الله جل فلا يرى إلا بتوفيق من الله الصمد (هذه الرواية المشهورة) وعليها اقتصر عياض في «المشارق» ولم يحك الثانية، وفي «شرح مسلم» هكذا في جميع الأصول (ورواية الحميدي) أي في الجمع بين الصحيحين (وغيره) ولم يذكر في «شرح مسلم» هذه الرواية عن غير الحميدي (حرآء عليه بكسر الحاء المهملة) أما الراء المهملة والمد ففيهما معاً فلذا سكت عنه المصنف (وقال معناه: غضاب) بكسر الغين المعجمة (ذوو غم) هو الحزن على فوات أمر (وهم) هو الخوف من أمر يترقب وقوعه (قد عيل صبرهم به) قال في «النهاية» : في أثناء كلام له يجوز أن يكون من عاله يعوله إذا غلبه، ومنه قولهم عيل صبرك اهـ: أي غلبهم صبرك عنه (حتى أثر) أي الصبر (في أجسامهم) مأخوذ (من قولهم حرى جسمه يحري) قال في «شرح مسلم» : كضربيضرب (إذا نقص من ألم أو غم ونحوه.
والصحيح أنه) أي قوله جرا لا جرى جسمه يجري كما قد يتوهم من قربه (بالجيم قوله بين قرني شيطان أي ناحيتي رأسه) كما تقدم (والمراد) منه (التمثيل) وبينه بقوله (معناه) أي المراد منه في الحديث (أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشعيته ويستلطون) فشبه تحركهم وانتشارهم وتمكنهم من الأذى واستعير للحاصل من ذلك قوله بين قرني شيطان فهي ستعارة تمثيلية وقال القاضي عياض قيل إن ذلك استعارة وكناية عن أضراره لما كانت ذوات القرون تتسلط بقرونها على الأذى استعير للشيطان اهـ.
وفي «شرح مسلم» قيل المراد بقرني شيطان حزبه وأتباعه، وقيل قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذٍ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين فكرهت الصلاة حينئذٍ صيانة لها عن ذلك، وهذا الأخير هو الظاهر لما فيه من السلامة من تأويل الخبر عن ظاهره الذي لا يعارضه معارض (وقوله يقرب وضوءه: معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به) ويطلق الوضوء لغة على الماء المغسول به أعضاء الوضوء بضم الواو.
وعلى الباقي في الإناء بعد تمام الوضوء (وقوله إلا خرت خطاياه هو بالخاء المعجمة أي سقطت، ورواه بعضهم) هو ابن أبي جعفر أحد رواة مسلم كما نقله عنه القاضي عياض (جرت) أي (بالجيم) وتخفيف الراء معناه على هذا ظاهر (والصحيح بالخاء) أي المعجمة (وهو رواية الجمهور) قال في «شرح مسلم» : وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر (وقوله فيستنثر: أي يستخرج ما في أنفه من أذى) بعد أن يجذب الماء بالنفس إلى الخيشوم والانتشار افتعال من النثرة (والنثرة بفتح النون وسكون المثلثة (طرف الأنف) .


رقم الحديث 439 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال: إذا أراد الله رحمة أمة) أي الإحسان إليهم واللطف بهم ولا يصح تأويلها هنا بإرادة ذلك لأن الإرادة لا تتعلق بالإرادة كما سبق عن الدماميني ( قبض) بفتح الموحدة أي توفي ( نبيها قبلها) ليكون صبرهم على المصاب به واحتسابهم ذلك زيادة في أجورهم قال تعالى: { وبشر الصابرين} ( البقرة: 155) الآية.
وقال: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ» أو كما قال، دل مجموع الحديث والآية على أن المؤمن إذا صبر على مصيبته على فقد المصطفى واحتسب ذلك عند مولاه أجر، كما أن الإنسان إذا ذكر مصابه بمن تقدم له من القرابة فاحتسب عند ذلك يؤجر فكذا ما ذكرنا وهو ظاهر والله أعلم ( فجعله لها فرطاً) الفرط بفتح الفاء والراء، والفارط الذي يتقدم الورّاد يصلح لهم الحياض والدلاء ونحوهما من أمور الاستقاء أي إنه المهيىء لمصالحها في عقابها من مزيد رحمته ( وسلفاً) قال في «النهاية» قيل هو من سلف المال كأنه قد أسلفه وجعله ثمناً للأجر والثواب الذي يجازى به على الصر عليه، وقوله ( بين يديها) ظرف مستقرّ متعلق بمحذوف صفة لهما: أي كاثنتين بين يدي الأمة، أو حال من مفعول جعله: أي كائناً بين يديها أو ظرف لغو متعلق بجعل ( وإذا أراد هلكة) بفتح حروفه مصدر هلك الشيء هلكاً من باب ضرب وهلاكاً وهلوكاً ومهلكاً بفتح الميم وتثليث اللام، وأهلكه بوزن أتبعه والهلكة بوزن القصبة مثل الهلاك: أي في كونه مصدراً كذا في «المصباح» : أي وإذا أراد هلاك ( أمة عذبها ونبيها حيّ) جملة حالية من فاعل عذب والمراد منه الرسول لأنه الذي له أمة لكونها مأمورة بالتسلي، بخلاف النبي هذا هو المشهور ( فأهلكها وهو) أي نبيها ( ينظر) هلاكها والجملة الإسمية حالية ( فأقر) أي الله تعالى ( عينه) أي عين نبيه لتلك الأمة ( بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره) أي وقت تكذيبهم له وعصيانهم أمره ( رواه مسلم) في باب فضائل النبيّ فقال: وحدثت عن أبي أمامة قال المازري والقاضي: هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في مسلم لفظاً لجهل الذي حدثه عن أبي أمامة، قال المصنف: قلت: ليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية مجهول قلت: هو وإن كان كذلك إلا أن المحدثين المتقدمين يعبرون عنه بالمنقطع، وبعضهم بالمرسل قال العراقيفي «ألفيته» : 6 ورسموا منقطعاً عن رجل وفي الأصول رسمه بالمرسل قال الشيخ العراقي في «شرحها» : قلت وفي كلام غير واحد من أهل الحديث: إنه متصل في سنده مجهول، وحكاه الرشيد العطار في الغرر المجموعة عند الأكثرين واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب «جامع التحصيل» قال المصنف: وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الخلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرعياني حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده اهـ.
وفي «النكت على الأطراف» للحافظ: وقع لنا أن مسلماً لم يسمعه من إبراهيم إنما سمعه من محمد بن المسيب عن إبراهيم، وأخرجه البزار في «مسنده» عن إبراهيم بن سعيد، وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي يعلى وغيره عن إبراهيم بن سعيد اهـ.
قال الشيخ العراقي في «شرحها» : قلت وفي كلام غير واحد من أهل الحديث: إنه متصل في سنده مجهول، وحكاه الرشيد العطار في الغرر المجموعة عند الأكثرين واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب «جامع التحصيل» قال المصنف: وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الخلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرعياني حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده اهـ.
وفي «النكت على الأطراف» للحافظ: وقع لنا أن مسلماً لم يسمعه من إبراهيم إنما سمعه من محمد بن المسيب عن إبراهيم، وأخرجه البزار في «مسنده» عن إبراهيم بن سعيد، وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي يعلى وغيره عن إبراهيم بن سعيد اهـ.
52

رقم الحديث -52 بفتح الراء وبالمد: هو ضد الخوف، وعرف بأنه تأمل الخبر وقرب وقوعه.
ويطلق على الخوف ومنه قوله تعالى: { مالكم لا ترجون وقاراً} (نوم: 13) وقال الراغب في «مفرداته» : قيل مالكم لا تخافون؟ ووجه ذلك أن الرجاء والخوف يتلازمان.
وفي «الرسالة القشيرية» : الرجاء تعليق القلب بمحبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني أن التمني يصاحبه الكسل ولا يسلك صاحبه طريق الجد وضده صاحب الرجاء، وقدم المصنف الخوف عليه لأنه باعتبار نتائجه من باب التخلية بالخاء المعجمة إذ ينتج ترك المخالفة، والرجاء من باب التحلية بالمهملة إذ يبعث على صالح العمل إذ لولا الرجاء لما وجد عمل، أما تمني الثواب لا مع صالح العمل فذلك أمنية وليس من الرجاء في شيء.
وفي الحديث عن شداد بن أوس عن النبيّ «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم في «المستدرك» .
(قال الله تعالى) : { قل يا عبادي} ) إضافتهم إليه إضافة تشريف وتكريم ليذهب عنهم ما عداهم من خشية المعصية وبعد المخالفة، وتخصيصهم بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن ( { الذين أسرفوا على أنفسهم} ) أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعصية ( { لا تقنطوا من رحمة ا} ) لا تيأسوا من مغفرته أوّلاً وتفضله ثانياً ( { إن الله يغفر الذنوب جميعاً} ) عفوا ولو بعد بعدا وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به} (النساء: 48) الآية والتعليل بقوله ( { إنه هو الغفور الرحيم} ) للمبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في عبادي من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم، والنهي عن القنوط مطلقاً عن الرحمة فضلاً عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب، ووضع اسم الله موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد، وما روي من خصوص نزولها بعياش أو الوليد بن الوليد بن جماعة فتنوا فافتتنوا، أو في وحشي لا ينفي عمومها إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(وقال تعالى) : { وهل يجازى إلا الكفور} ) أي هل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر، وفيه إيماء إلى أن المؤمنين لا يجازون كذلك للغفران الكائن لهم بشرف الإيمان.
(وقال تعالى) مخبراً عن موسى وهارون ( { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب} ) وهو عبارة عن الألم مع الإماتة ( { على من كذب وتولى} ) وفيه إيماء إلى سلامة من أمن من ذلك، ولا ينافيه ما ورد من تعذيب قوم من أهل التوحيد لأنه ليس لإهانتهم بل لتطهيرهم لما حصل لهم من دنس المخالفة حتى يتأهلوا لدخول الجنة والحلول بها.
e جعلنا الله من أهل الجنة بمحض الفضل والمنة.
(وقال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء} ) (الأعراف: 156) المؤمن والكافر.
قال البيضاوي: وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة قوله: { فسأكتبها للذين يتقون} (الأعراف: 156) الآية.