فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الرجاء

رقم الحديث 422 ( وعنه قال؛ قال رسول الله: والذي نفسي بيده) أي بقدرته، والقسم أتى به لتأكيد المقام وتقويته عند السامع ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى) أي عقب الذنب فوراً ( فيغفر لهم.
رواه مسلم)
.


رقم الحديث 423 ( وعن أبي أيوب الأنصاري) واسمه زيد بن خالد وتقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب برّ الوالدين وصلة الأرحام، قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
رواه مسلم)
وأحمد والترمذي كما في «الجامع الصغير» ، ورواه مسلم أيضاً بلفظ «لو أنكم لم يكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم»وبهذا اللفظ أورده الصغاني في المشارق ورمز بالقاف التي هي للمتفق عليه، وقد رواه أحمد عن ابن عباس بلفظ «لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ليغفر لهم» قال ابن ملك: ليس هذا تحريضاً للناس على الذنوب بل كان صدوره لتسلية الصحابة وإزالة شدة الخوف عن صدورهم، لأن الخوف كان غالباً عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء، وبعضهم النوم، وفي الحديث تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى وتحقق أن ما سبق في علمه كائن لأنه سبق في علمه تعالى أنه يغفر للعاصي فلو قدر عدم عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له.


رقم الحديث 424 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كنا قعوداً) بضم أوله جمع قاعد مع رسول الله، معنا» بفتح العين مع مع، فيها على الظرفية هذه هي اللغة المشهورة ويجوز تسكينها في لغة حكاها صاحب «المحكم» و «الجوهري» وغيرهما، وهي المصاحبة قال صاحب «المحكم» مع اسم معناه الصحبة ( أبو بكر وعمر في نفر) بفتح أوليه جمع الرجال من الثلاثة إلى التسعة، وقيل إلى السبعة ( فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا) أي من بيننا بإقحام المضاف وزيد لظهور كونه بينهم ( فأبطأ علينا) أي تأخذ مجيئه عنا كما في «المصباح» ( وخشينا أن يقتطع) بالبناء للمفعول، أي يؤخذ ( دوننا) ولعل ذلك كان قبل نزول قوله تعالى: { وا يعصمك من الناس} ( المائدة: 67) أو بعده وخافوا أن يصيبه من الضرر ما دون القتل ( ففزعنا) بكسر الزاي، الفزع يأتي بمعنى الروع ويأتي بمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به وبمعنى الإغاثة.
قال القاضي عياض: فتصح هذه المعاني الثلاثة: أي ذعرنا باحتباسه عنا، ألا تراه كيف قال: وخشينا أن يقتطع دوننا، ويدل على الوجهين الأخيرين قوله: أي خفنا أي حصل لنا خوف، وحذف المعمول لأن القصد حصول الفعل دون تعلقه بمعمول ( فقمنا فكنت أول من فزع) : أي خاف ( فخرجت أبتغي) أطلب ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطاً للأنصار) حتى فيه للغاية لمقدر تقديره فسرت.
والحائط البستان وجمعه حوائط.
قال المصنف: سمي حائطاً لأنه لا سقف له ( وذكر الحديث بطوله) أي مما لا يتعلق غرضالترجمة به فلذلك حذفه، ويؤخذ منه كما تقدم التنبيه عليه جواز تقطيع الحديث إذا كان لا تعلق للمأتي به بالمحذوف بأن لا يكون غاية ولا استثناء ولا نحو ذلك ( إلى قوله فقال رسول الله) مخاطباً لأبي هريرة ( اذهب فمن لقيته) بكسر القاف ( وراء هذا الحائط) أي البستان ( يشهد أن لا إله إلا ا) أي مع قرينتها التي لا يعتد بها إلا معها، وهي: محمد رسول الله كما تقدم نظيره ( مستيقناً بها قلبه) أي موقناً بها قلبه والسين فيها للمبالغة لأن كثرة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً، وخرج بها المنافق ( فبشره بالجنة) إما ابتداء إن مات عقب الإسلام قبل التلبس بكبيرة أو بعد الإسلام بمدة ولم يفعل معصية أو فعلها وكانت صغائر وله حسنات لم تغلب عليها المعاصي أو كانت كبائر فتاب منها، أو بعد إدخال النار مدة إن مات على صغائر زائدة على حسناته أو على كبيرة ولم يتب منها، ويجوز أن يتفضل الله عليه فيدخله الجنة ابتداء، قال تعالى: { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ( النساء: 48) وحذف المصنف ما أشار به عمر من ترك هذا التبشير مخافة مما يترتب عليه من ترك صالح العمل المقتضي لفوات المراتب العلية في الجنة فوافقه على ذلك لعدم تعلق غرض الترجمة به ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 425 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ تلا) أي قرأ ( قول الله تعالى في قصة إبراهيم،) { رب} أي يا رب بكسر الموحدة وحذف حرف النداء لمزيد الشهرة المستغني به عن النداء الكائن للبعيد عادة ( { إنهن} ) يعني الأصنام ( { أضللن} ) أي أوقعن في الضلال ( { كثيراً من الناس} ) وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله: { وغرتهم الحياة الدنيا} ( الأنعام: 7) ( { فمن تبعني} ) على ديني ( { فإنه مني} ) أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين ( { ومن عصاني فإنك غفور رحيم} ) تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة، قال البيضاوي: وفيه دليل على أن كل ذنب فللَّه أن يغفر حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينهوبين غيره اهـ.
وهذا مذهب الأشعري، وذهب الماتريدي إلى استحالة ذلك عقلاً وعدم إمكانه أصلاً، قال: لأن ذنبه لقبحه منع من جواز العفو ( وقال) مصدر معطوف على قول الله تعالى، قال القاضي عياض: قال هو اسم للقول لا فعل، يقال قال قولاً وقالاً وقيلاً كأنه قال وتلا ( عيسى: { إن تعذبهم فإنهم عبادك} ) أحقاء بالتعذيب لأنك المالك المتصرف ( { وإن تغفر لهم} ) أي للمؤمنين منهم ( { فإنك أنت العزيز الحكيم} ) تلخيصه إن تعذب فعدل وإن تغفر ففضل ( فرفع) ( يديه وقال: اللهم أمتي أمتي) أي ارحمهم أو الحظهم أو نحو ذلك فهو مفعول به بعامل محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأ: أي أمتي عبادك فنعمتك فيهم فضل وعقابك عدل ( وبكى) خضوعاً وتذللاً له ( فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد) وقوله ( وربك أعلم) جملة معترضة أتى بها لدفع توهم أن الاستفهام منه تعالى على حقيقته، وهو استكشاف ما يجهله المستفهم، بل علمه تعالى محيط بجميع المعلومات قبل وجودها فيه وفيه وبعد انقضائها وقوله ( فسله ما يبكيك) معطوف على جملة اذهب، وهو هكذا في الأصول سله بحذف همزة الوصل والهمزة عين الفعل والأصل اسأله فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها والمزة المنقول حركتها لالتقاء الساكنين والاستفهام معلق للسؤال عن الجملة بعده ( فأتاه جبريل) إظهاراً لشرف المصطفى وأنه بالمحل الأعلى عند مولاه فيسترضى ويكرم بما يرضيه ( فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال) أي من قوله: أمتي أمتي ( وهو) أي الله ( أعلم) أي بما قال نبيه ( فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك) هو موافق لقوله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك فترضى} ( الضحى: 5) ( ولا نسوءك) قال صاحب التحرير: هو تأكيد للمعنى: أي لا نخزيك لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار، فقال تعالى: نرضيك ولا ندخل عليك خزياً بل ننجى الجميع ( رواه مسلم) قال المصنف: في الحديث أنواع منالفوائد: منها بيان كمال شفقته على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله شرفاً بقوله: سنرضيك في أمتك، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة، ومنها بيان عظمة النبي.


رقم الحديث 426 ( وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف) بكسر الراء وسكون الدال المهملة، هذه الرواية المشهورة وهي التي ضبطها معظم الرواة، وحكى القاضي عياض أن أبا علي الطبري الفقيه الشافعي أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدار، قال: والرديف: هو الراكب خلف الراكب، يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال في الماضي وفتحها في المضارع: إذا ركبت خلفه، قال القاضي عياض: ولا وجه لرواية الطبري إلا أن يكون فعل هذا اسم فاعل مثل عجل إن صحت رواية الطبري اهـ.
( النبي على حمار) جاء في رواية أخرى لمسلم «على حمار يقال له عفير» بضم المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية: قال المصنف: وهو يقتضي أن يكون في مرة غير المرة المتقدمة في الحديث السابق فإن الرجل يخص البعير، قال: ويحتمل أن يكونا قصة واحدة.
قلت وتجوز بالرحل عما يرحل عليه على مطلق الدابة والله أعلم ( فقال يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على ا) قال صاحب «التحرير» : اعلم أن الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، وا سبحانه هو الحق الموجود الأزلي الباقي الأبدي، والموت والجنة والنار حق: أي إنها واقعة لا محالة، فحق الله على العباد ما يستحقه عليهم وحقهم عليه معناه محقق لا محالة اهـ.
ملخصاً.
وقال غيره: قول الرجل: حقك واجب عليّ: أي متأكد قيامي به قاله المصنف ( قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد) أي واجبه الثابت عليهم ( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) من المعبودات ( وحق العباد) بالنصب عطفاً على ما قبله ويجوز الرفع على الابتداء والواو عاطفة للجملة أو مستأنفة ( على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) أي وإدخال بعض عصاة المؤمنين النار ليس من العذاب، لأن العذاب فيما قال بعضهم الألم مع الإهانة والإذلال، وا تعالى إذا أدخل المؤمن النار فهو لتطهيره حتى يتأهل لمنازل الأخيار ( فقلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس) أي أسكت عن نشر ذلك فلا أبشرالناس ( قال: لا تبشرهم فيتكلوا) رجح مصلحة ترك التبليغ لما فيه من الحثّ على الإكثار من صالح العمل على التبليغ لما قد يؤدي إليه من التعطيل ( متفق عليه) رواه البخاري في التوحيد ومسلم في الإيمان.


رقم الحديث 427 ( وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبيّ قال: المسلم) الحقيقي ( إذا سئل في القبر) على وجه الامتحان وحذف السائل للعلم به، وهما الملكان المولان بذلك منكر ونكير والمسؤول عنه للعلم به: أي سئل عن ربه ونبيه ( يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولالله، فذلك قوله تعالى: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} ) أي الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم ( متفق عليه) رواه البخاري في التفسير ومسلم في صفة النار ورواه النسائي في الجنائز.


رقم الحديث 428 ( وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الكافر) بأي نوع من أنواع الكفر ( إذا عمل حسنة) أي طاعة لا تتوقف على نية كإعتاق وتصدق وإطعام محتاج، أما المتوقفة عليه كالصيام والصلاة فلا تصح منه لفقد شرط النية المتوقفة عليه من الإسلام، وإنما حكم بصحة غسل الكتابية من نحو الحيض فحلت لحليلها للضرورة ولذا تجب إعادته إذا أسلمت ( أطعم) بالبناء للمجهول ( بها طعمة) بضم الطاء وسكون العين المهملتين، وهوالرزق وجمعه طعم كغرفة وغرف قاله في «المصباح» ( من الدنيا) في محل الصفة لطعمة فيكون ذلك حظه من عمله الذي جاء به ( وأما المؤمن) ظاهره وإن كان فاسقاً، ويحتمل تخصيصه بكامل الإيمان ( فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة) أي ثوابها إلى الآخرة وقد يجزى بها مع ذلك في الدنيا أيضاً كما قال ( ويعقبه) بضم التحتية: أي يعطيه من ذلك ( رزقاً في الدنيا على طاعته) ولا مانع من جزائه بها فيهما، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده، قاله المصنف.
( وفي رواية) هي لمسلم أيضاً ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة) أي لا يترك مجازاته بشيء من حسناته، والظلم يطلق بمعنى النقص وحقيقته الظلم محالة في حقه تعالى ( يعطى) بالبناء للمفعول ( بها في الدنيا) أحد الظرفين نائب الفاعل والآخر في محل الحال ( ويجزى بها) أي ثواباً مع ذلك ( في الآخرة) وجملة يعطى الخ استئنافية جواب ما، يقال ماذا يكون له بها ( وأما الكافر فيطعم) بالبناء للمفعول: أي يرزق ( بحسنات ما عمل بها) الباء الأولى للسببية والثانية للبدل: أي بدلها، وقوله ( ) في محل الحال من فاعل عمل وفيه تنبيه على أن جزاء الكافر على عمله بالحسنة الدنيوية إنما هي فيما إذا كان العمل الصالح لا لرياء أو سمعة، وفيه إيماء إلى إحباطهما ثواب العمل وصفة الثواب دنيا وأخرى ( حتى إذا أفضى) أي صار ( إلى الآخرة) أي وقد مات على كفره ( لم يكن له حسنة يجزى بها) أما إذا أسلم الكافر على مثل هذه الحسنات فيثاب عليها في الآخرة على المذهب الصحيح ( رواه مسلم) في آخر أبواب صفة الجنة والنار.


رقم الحديث 429 ( وعن جابر رضي الله عنه قال قال: رسول الله: مثل) بفتح أوله وثانيه المثلث تقدم معناه ( الصلوات الخمس كمثل) الكاف زائدة ( نهر) بسكون الهاء ويجوز فتحهاوهما لغتان في كل ما كان هكذا وعينه حرف حلق كشعر ونحر ( جار) جاء في رواية عند أحمد بزيادة «عذب» قال في «النهاية» : الماء العذب هو الطيب الذي لا ملوحة فيه ( عمر) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم، أي يغمر من دخله ويغالبه ( على باب أحدكم) أشار به إلى سهولته وقرب تناوله ( يغتسل منه كل يوم خمس مرات) زاد في رواية أحمد: فما يبقي ذلك من الدنس، وما فيه استفهامية والدنس الوسخ: أي كما أن الغسل المكرر كذلك يذهب الدنس الحسي كذلك الصلوات الخمس مذهبة للدنس المعنوي ( رواه مسلم) في كتاب الصلاة والإمام أحمد في «مسنده» بزيادة نبهت عليها ( الغمر: الكثير) كما في النهاية.


رقم الحديث 430 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من) زائدة لتأكيد العموم المستفاد من ( رجل مسلم) لكونه نكرة في سياق النفي، وذكره لشرفه وإلا فالمرأة كذلك في ذلك ( يموت فيقوم) بالرفع عطفاً على يموت، ويجوز النصب لأنه في جواب النفي ( على جنازته أربعون رجلاً) أي يصلون عليه ( لا يشركون با شيئاً) من الإشراك ( إلا شفعهم الله فيه) أي بأن يغفر له، ولا ينافيه حديث الطبراني وأبي نعيم في «الحلية» عن ابن عمر مرفوعاً «ما من رجل يصلي عليه مائة إلا غفر له» إما لأن العدد لا مفهوم له، وعلى الاعتداد بمفهومه فما في الصحيح مقدم على غيره، وإن جمع فيحمل ما عند الطبراني على أنه أخبر بما فيه، فأخبر به، ثم تفضل الله على عباده بحصول ذلك العدد المذكور في الصحيح فأخبر به ثانياً ( رواه مسلم) في الجنائز.


رقم الحديث 431 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة) بضم القاف وتشديد الموحدة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب قاله في «النهاية» ( نحواًمن أربعين) يجوز أن يكون نحواً حالاً والظرف قبله خبر كان ويجوز عكسه ( فقال: أترضون أن تكونوا ربع) بضم أوليه وكذا ثلث ( أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال) أي بعد أن أخبر بثبوت ذلك ( أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال: والذي نفس محمد بيده) أتى بالقسم وباسمه مظهراً تأكيداً للأمر وتفخيماً له ( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) قال العلماء: كل رجاء جاء عن الله تعالى أو عن النبي فهو كائن البتة، وإنما أتى فيه بصيغة الرجاء دون صيغة الجزم على عادة الملوك في وعد ما يقطعون بفعله، يقولون: عسى تعطي ذلك وهم جازمون.
% قال القرطبي: وهذه الطماعية قد حققت له بقوله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك فترضى} ( الضحى: 5) وبقوله: «إنا سنرضيك في أمتك» كما تقدم، ولكن عللوا هذه البشرى بالطمع أدباً مع الحضرة الإلهية ووقوفاً مع أحكام العبودية.
قال المصنف: والحكمة في قوله: «ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر» ولم يقل أولاً شطر أهل الجنة أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وأن ذلك فيه تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه حملهم على تجديد شكره تعالى وحمده عل كثرة نعمه.
قال المصنف: وقد جاء في الحديث الآخر «إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً هذه الأمة منها ثمانون صفاً» فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة، ولا يشكل ذلك على حديث الباب بل يكون أخبر بما في حديث الباب أولاً ثم زاده الله في العطاء فأخبر به بعد، وله نظائر كحديث «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين، وفي رواية سبع وعشرين» ثم بين وجه ذلك بقوله ( وذلك) أي التبشير المشار إليه ( أن الجنة) أي لأن الجنة ( لا يدخلها إلا نفس مسلمة) ، هذا نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلاً وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين ( وما أنتم في أهل الشرك) في سائر الأمم ومنهم يأجوج ومأجوج ( إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو) شك من الراوي ( كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) يعني الأبيض( متفق عليه) أخرجه البخاري في الرقاق، ومسلم في الإيمان ورواه الترمذي وابن ماجه في الجنة.