فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل السماحة في البيع والشراء

رقم الحديث 1369 ( وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من سره) أي: أفرحه ( أن ينجيه الله) أي: يجعله ذا نجاة ( من كرب) بضم ففتح، جمع كربة، وهي غم يأخذ بالنفس لشدته وفي نسخة من كرب بفتح فسكون، وهو بمعنى الكربة قاله الجوهري ( يوم القيامة فلينفس) بتشديد الفاء ( عن معسر) أي: ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر.
وقيل: معناه يفرج عنه ( أو يضع عنه) أي: يحط عنه وهذا مقتبس من مشكاة قوله تعالى: ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم) ( رواه مسلم) قال في الجامع الكبير: ورواه الطبراني عن أنس، وعن أبي قتادة بلفظ "من سره أن يأمن من غم يوم القيمة فلينظر معسراً أو ليضع عنه ".
وفي فتح الباري بعد ذكر حديث الباب، ولأحمد عن ابن عباس نحوه، وقال: وقاه الله من فيح جهنم.


رقم الحديث 1370 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان رجل) أي: ممن قبلكمِ ( يداين الناس) صيغة المفاعلة؛ للمبالغة لا للمغالبة ( وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً) أي: لمطالبة ما عنده ( فتجاوز عنه) يدخل في التجاوز الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي ( لعل الله أن يتجاوز عنا) فيكون الجزاء من جنس العمل ( فلقي الله) كناية عن الموت أو لقيه بعده ( فتجاوز) أي: عفا عنه.
( متفق عليه) .


رقم الحديث 1371 ( وعن أبي مسعود البدري) واسمه عقبة بن عامر، ونسب لبدر؛ لكونه نزلها وإلا فلم يشهد وقعتها كما تقدم في ترجمته ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حوسب رجل ممن كان قبلكم) أي: من الأمم الكائنة قبلكم ( فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس) أي: يعاملهم بالبيوع والمداينة ( وكان موسراً) جملة حالية من فاعل يخالط ( وكان يأمر غلمانه) بكسر الغين المعجمة، وفي رواية لمسلم: فتيانه ( أن يتجاوزوا عن المعسر) بالإنظار وبالوضع ( قال الله عز وجل: نحن أحق) أي: أولى ( بذلك) أي: بالتجاوز ( منه) وهذا تقريب للأذهان، وإلا فلا مشاركة بين الخالق والمخلوق في وصف بالحقيقة، حتى يفاضل بينهما فيه ( تجاوزوا عنه) سهل عليه في معاملته معه، كما سهل هو في معاملته مع الخلق ( رواه مسلم) .
ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.


رقم الحديث 1372 ( وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتى الله بعبد من عباده آتاه) بالمد أي: أعطاه ( مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال:) أي: حذيفة ( ولا يكتمون الله حديثاً) وجملة القول، والمحكى به معترضة بين السؤال والجواب؛ لكونها كالدليل على تحقق ما يجيب به وأن لا شبهة فيه؛ لأن ذلك الموقف الحق ليس فيه إلا الصدق ( قال: يا رب آتيتني مالاً) أتى بهذه الجملة تلذذاً بالخطاب، وإلا فذكرها في السؤال مغن عن إعادتها ( فكنت أبايع الناس وكان من خلقي) بضم الخاء المعجمة، وهو ملكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولة ( الجواز) أي الصبر على المعسر وقبول ما جاء به الموسر، وإن كان فيه بعض النقص، وقد فسر ذلك الإِبهام بقوله: ( فكنت أتيسر على الموسر) بقبول ما قد يتوقف في قبوله من نقص يسير أو عيب في المأتي به ( وأنظر) أي: أمهل ( المعسر) إلى سعة ( فقال الله تعالى: أنا أحق بذا) أي: التخفيف والتجاوز، وفي نسخة بذلك، وأشير إليه بما يشار به للبعيد؛ تفخيماً نحو قوله تعالى: ( ذلك الكتاب) ( منك تجاوزوا عن عبدي) خطاب للآيتين به، وفي قوله عبدي غاية التشريف، وإيماء إلى حكمة التجاوز ( فقال عقبة بن عامر) الجهني ( وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنهما) وهو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، السابق حديثه بنحوه ( هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال المصنف: هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود، وقال الحفاظ: هذا الحديث إنما هو محفوظ لأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري وحده، وليس لعقبة بن عامر فيه رواية، قال الدارقطني: والوهم في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر قال: وصوابه فقال عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري.
كذا رواه أصحاب أبي مالك سعد بن طارق، وتابعهم نعيم بن أبي هند، وعبد الملك بن عمير ومنصور وغيرهم عن ربعي عن حذيفة فقالوا في آخر الحديث: فقال عقبة بن عمرو أبو مسعود.
اهـ وفي الأطراف للمزي قال: خلف قوله عقبة بن عامر وهم لا أعلم أحداً قاله غيره يعني أبا سعيد الأشج، والحديث إنما يحفظ من حديث عقبة بن عمرو أبي مسعود اهـ ( رواه مسلم) فالحديث عن حذيفة موقوف عليه، وله حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال رأياً.


رقم الحديث 1373 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أنظر معسراً) أي: أخر مطالبته ( أو وضع) أي: حط ( له) أي لأجله أوعنه ( أظله الله) من حر الشمس التي تدنو من العباد قدر ميل ( يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) ففيه غاية التشريف، وقد تقدم عدة من يظلهم الله تحت ظله، وأنها تسعة وثمانون خصلة في باب فضل الحب في الله ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) وفي الجامع أن الحديث باللفظ المذكور أخرجه أحمد، ومسلم من حديث أبي اليسر، فكان ذكر كونه في الصحيح أولى.


رقم الحديث 1374 ( وعن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه بعيراً) وكان ذلك في رجوعه معه من غزوة.
رجح الحافظ في الفتح في أبواب الشروط أنها غزوة ذات الرقاع.
قال القاضي عياض: وجمع بين الروايات المختلفة في قدر ثمنه بأن سبب الاختلاف أنهما رووا بالمعنى، وهو جائز فالمراد أوقية من الذهب والأربع الأواق والخمس، أي: من الفضة وهي بقدر قيمة الأوقية من الذهب والأربعة دنانير مع العشرين ديناراً محمولة على اختلاف الوزن والعدد.
وكذا رواية أربعين درهماً مع المائتين.
قال: وكان الإِخبار بالفضة عما وقع عليه العقد، وبالذهب عما حصل به الوفاء، أو بالعكس.
اهـ ملخصاً قال الحافظ بعد نقل نحوه عن أبي جعفر الداودي: ولا يخفى ما فيه من التعسف.
قال القرطبي: اختلفوا في ثمنه اختلافاً لا يقبل التلفيق، وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق والذي تحصل من مجموع الروايات أنه باعه الجمل بثمن معلوم عندهما، وزاده عند الوفاء زيادة معلومة، ولا يضر عدم العلم بحقيقة ذلك ( فوزن له) أي الثمن: أي: أمر بذلك بلالاً وأن يرجح له ( فأرجح) جاء أنه زاده قيراطاً قال جابر: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث، وفيه ذكر أخذ أهل الشام له يوم الحرة: رواه مسلم ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1375 ( وعن أبي صفوان) بفتح المهملة وسكون الفاء ( سويد) بضم المهملة وفتح الواو وسكون التحتية فدال مهملة ( ابن قيس) قال ابن الأثير: ويكنى بأبي مرحب ( رضي الله عنه) وقال الحافظ في التقريب: نزل الكوفة خرّج حديثه الأربعة، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً أوحى إليه أن وار عورتك عن أهل الأرض، فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحداً إلا السراويل، فإنه كان يتخذ سروالين، فإذا غسل أحدهما لبس الآخر لئلا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة.
وروى أبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث مالك بن عتاهية مرفوعاً: أن الأرض لتستغفر للمصلي بالسراويل.
وروى أحمد عن أبي أمامة قال: قلنا: يا رسول الله أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون؟ قال: تسرولوا واتزروا، وخالفوا أهل الكتاب.
اهـ ملخصاً.


رقم الحديث 1367 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً) لعله زيد بن شعبة الكناني وأسلم بعد وحديثه مذكور في الشفاء إلا أن ذاك في حب وفي رواية لأحمد "جاء أعرابي يتقاضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيراً له " ( أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه) أي: يطلب منه قضاء ماله عنده ( فأغلظ) أي: الدائن كعادة الأعراب ( له) اللام فيه للتبليغ والضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - ( فهم به أصحابه) أي: أرادوا أن يفعلوا به جزاء إغلاظه ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه) أي: اتركوه وعلل الأمر بقوله: ( فإن لصاحب الحق مقالاً) أي: نوعاً خاصاً من المقال، وهو ما فيه علو على المدين ( ثم قال: أعطوه سناً مثل سنه) طلباً للمماثلة في القضاء.
قال الحافظ في الفتح: المخاطب بذلك أبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخرجه مسلم ( فقالوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل) أي: إلا سناً أعلى ( من سنه قال: أعطوه) أي: الأعلى ( فإن خيركم أحسنكم قضاء) منصوب على التمييز، وفي رواية "فإن من خيركم أو خيركم" على الشك، والمراد خيركم في المعاملة أو يكون من مقدرة، ويدل عليه الرواية المذكورة.
وفي رواية "فإن أفضلكم أحسنكم قضاء".