فهرس الكتاب

أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قضى في قتيل الخطأ بالدية

- الحديث الثالث : روى ابن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قضى في قتيل الخطأ بالدية أخماسًا : عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن مخاض ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ، قلت :

أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حجاج بن أرطأة # عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن عبد اللّه بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : في دية الخطأ عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون بني مخاض ذكر ، انتهى . بلفظ أبي داود ، وابن ماجه ، ولفظ الترمذي ، والنسائي : قضى ، كلفظ المصنف ، قال الترمذي : لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن عبد اللّه موقوفًا ، انتهى . قلت : هكذا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن علقمة بن قيس عن عبد اللّه أنه قال : في الخطأ أخماسًا ، فذكره . وبسند السنن رواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم ، والدارقطني ، ثم البيهقي في سننيهما ، وأطال الدارقطني الكلام عليه ، وملخصه أنه قال : هذا حديث ضعيف ، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث ، من وجوه : أحدها : أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه ، ولا تأويل عليه أنه قال : دية الخطأ أخماسًا : عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ، لم يذكر فيه بني مخاض ، ثم أسنده عن حماد بن سلمة ثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة أن ابن مسعود قال ، فذكره . وهذا إسناد حسن ، ورواته ثقات ، وقد روي نحوه عن علقمة عن عبد الله ، ثم أسنده كذلك ، قال : وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه ، وبمذهبه ، وبفتياه من خشف بن مالك ، ونظرائه ، وابن مسعود أتقى لربه ، وأشح على دينه من أن يروي عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم حديثًا ، ويفتي بخلافه ، ألا تراه كيف فرح الفرح الشديد حين وافقت فتياه قضاء رسول الله صلى اللّه عليه وسلم في بروع بنت واشق ، ومن كانت هذه حاله كيف يظن به خلاف ذلك ؟ ومما يشهد لرواية أبي عبيدة ما رواه وكيع ، وعبد اللّه بن وهب ، وغيرهما عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال : دية الخطأ أخماسًا ، فذكره نحو أبي عبيدة ، ثم أسنده كذلك ، قال : وهذه الرواية وإن كان فيها إرسال - يعني بين إبراهيم ، وابن مسعود - ولكن إبراهيم النخعي من أعلم الناس بعبد اللّه بن مسعود وبرأيه ، وبفتياه ، قد أخذ ذلك عن أخواله : علقمة ، والأسود ، وعبد الرحمن ابني يزيد ، وغيرهم من كبار أصحاب عبد اللّه ، وهو القائل : إذا قلت لكم : قال عبد اللّه بن مسعود ، فهو عن جماعة من أصحابه ، وإذا سمعته من رجل واحد سميته لكم . الوجه الثاني : أن هذا الخبر المرفوع الذي فيه ذكر بني المخاض لا نعلمه رواه عنه إلا خشف ابن مالك عن ابن مسعود ، وهو رجل مجهول ، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمي ، وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف ، وإنما يثبت العمل عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلًا مشهورًا ، أو رجلًا قد ارتفع عنه اسم الجهالة ، فصار حينئذ معروفًا ، فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد ، وانفرد بخبر ، وجب التوقف عن خبره ذلك ، حتى يوافقه عليه غيره . الوجه الثالث : أن خبر خشف بن مالك لا نعلم أحدًا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطأة # ، وهو رجل مشهور بالتدليس ، وبأنه يحدث عمن لم يلقه ، ولم يسمع منه ، قال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة : كنت يومًا عند الحجاج بن أرطأة # ، فقال لي : لم أسمع من الزهري شيئًا ، ولا من إبراهيم ، ولا من الشعبي ، ولا من فلان ، ولا من فلان حتى عد سبعة عشر ، أو بضعة عشر ، كلهم قد روى عنه الحجاج ، ثم زعم بعد روايته عنهم أنه لم يلقهم ، ولم يسمع منهم ، وأيضًا فقد ترك الرواية عنه سفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعيسى بن يونس ، بعد أن جالسوه وخبروه ، وكفاك بهم علمًا بالرجال ونبلًا . الوجه الرابع : أن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج بن أرطأة # ، فاختلفوا عليه ، فرواه عبد الرحيم بن سليمان عن الحجاج على اللفظ المتقدم ، ووافقه عليه عبد الواحد بن زياد ، وخالفهما يحيى بن سعيد الأموي ، وهو ثقة ، فرواه عن الحجاج عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك ، قال : سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول : قضى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم في الخطأ أخماسًا : عشرون جذاعًا ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بني # مخاض ذكورًا ، فجعل مكان الحقاق بني لبون ، ثم أسنده كذلك ، قال : ورواه إسماعيل بن عياش عن الحجاج بهذا الإسناد : بني لبون ، ثم أسنده كذلك ، قال : ورواه إسماعيل بن عياش عن الحجاج بهذا الإسناد ، فقال : خمسًا جذاعًا ، وخمسًا حقاقًا ، وخمسًا بنات لبون وخمسًا بنات مخاض ، وخمسًا بني لبون ذكورًا ، فجعل مكان بني المخاض بني اللبون ، موافقًا لرواية أبي عبيدة عن أبيه ، ثم أسنده كذلك ، قال : ورواه أبو معاوية الضرير ، وحفص بن غياث ، وعمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي ، وأبو خالد الأحمر كلهم عن الحجاج بهذا الإسناد ، قال : دية الخطأ أخماسًا لم يزيدوا على ذلك ، ثم أخرج رواياتهم ، ثم قال : ويشبه أن يكون هذا الصحيح ، لاتفاقهم على ذلك ، وهم ثقات ، ويشبه أن يكون الحجاج ربما كان يفسر الأخماس برأيه بعد فراغه من الحديث ، فيتوهم السامع أنه من الحديث ، ويقويه أن يحيى بن سعيد حفظ عنه : عشرين بني لبون ، مكان الحقاق ، وعبد الواحد ، وعبد الرحيم حفظا عنه : عشرين حقة ، مكان بني لبون ، كما قدمناه . الوجه الخامس : أنه قد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعن جماعة من المهاجرين ، والأنصار في دية الخطأ أقاويل مختلفة ، لا نعلم روي عن أحد منهم في ذلك ذكر بني مخاض ، إلا في حديث خشف بن مالك هذا ، والله أعلم ، انتهى . وحكى ابن الجوزي في التحقيق كلام الدارقطني هذا ، ثم قال : ويعارض قول الدارقطني هذا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، فكيف جاز له أن يسكت عن ذكر هذا ، ثم إنما حكى عنه فتواه ، وخشف روى عنه عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، ومتى كان الإنسان ثقة ، فينبغي أن يقبل قوله ، وكيف يقال عن الثقة مجهول ؟ واشتراط المحدثين أن يروي عنه اثنان لا وجه له ، انتهى وقال صاحب التنقيح وكلام الدارقطني هذا لا يخلو من ميل ، وخشف وثقه النسائي ، وابن حبان ذكره في الثقات ، وقال الأزدي : ليس بذاك ، وقال البيهقي : مجهول ، وزيد بن جبير هو الجشمي ، وثقه ابن معين ، وغيره ، وأخرجا له في الصحيحين ، انتهى . والمصنف استدل بهذا الحديث على الشافعي في أنه يقضي بعشرين ابن لبون ، مكان ابن مخاض ، ومالك مع الشافعي ، وأحمد معنا ، واستدل ابن الجوزي في التحقيق لمالك ، والشافعي .

بما أخرجه الدارقطني عن حماد بن سلمة ثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة أن ابن مسعود ، قال : دية الخطأ خمسة أخماس ، عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ذكور ، انتهى . قال الدارقطني : إسناده حسن ، ورواته ثقات ، ثم ضعف حديث خشف بما تقدم ، وقال ابن المنذر : إنما صار الشاففعي إلى قول أهل المدينة ، لأنه أقل ما قيل فيها ، والسنة وردت بمائة من الإبل مطلقًا ، فوجدنا قول عبد الله أقل ما قيل ، لأن بني المخاض أقل من بني اللبون ، وكأنه لم يبلغه ، واحتج الشافعي بحديث سهل بن أبي حثمة في الذي وداه النبي صلى اللّه عليه وسلم بمائة من إبل الصدقة ، أخرجه الأئمة الستة وبنو المخاض لا مدخل لها في الصدقات ، وأجاب أصحابنا بأنه عليه السلام تبرع بذلك ، ولم يجعله حكمًا ، قال النووي في شرح مسلم : المختار ما قاله جمهور أصحابنا ، وغيرهم ، أن معناه أنه عليه السلام اشتراها من أهل الصدقات بعد أن ملكوها ، ثم دفعوها تبرعا إلى أهل القتيل ، انتهى . والحديث له طرق أخرى ضعيفة :

أخرجه البيهقي في المعرفة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود أنه قال في الخطأ أخماسًا : عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بني مخاض ، قال : وكذلك رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد اللّه ، وعن منصور عن إبراهيم عن عبد اللّه ، وكذلك رواه أبو مجلز عن أبي عبيدة عن عبد اللّه ، قال البيهقي : وكلها منقطعة أبو إسحاق لم يسمع من علقمة شيئًا ، وكذلك أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، وإبراهيم عن عبد اللّه منقطع بلا شك ، انتهى .