فهرس الكتاب

إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس

قال ابن أبي حاتم في عللّه : سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن اللّه وضع عن أمتي الخطأ . والنسيان . وما استكرهوا عليه ، وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله ، وعن الوليد عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر مثله ، فقال أبي : هذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة ، ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده ، انتهى . الحديث السابع والسبعون : قال عليه السلام : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، قلت :

رواه مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي ، قال : بينا أنا أصلي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت له : يرحمك اللّه ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ، ما شأنكم تنظرون إليَّ ؟ ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتوني ، لكني سكت ، فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، - فبأبي هو وأمي - ، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فواللّه ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ، الحديث بطوله ، وللبيهقي إنما هي ، قال النووي في الخلاصة : سنده صحيح ، وفي لفظ

للطبراني في معجمه : إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس ، وبوَّب عليه مسلم باب نسخ الكلام في الصلاة : والمصنف استدل بهذا الحديث على أن الكلام مبطل للصلاة . وللخصم عنه جوابان : أحدهما : إن قوله : لا يصلح ليس دالاً على البطلان ، ولكن معناه أنه محظور ، وليس كل محظور مبطلا . الثاني : قالوا : إنه لم يأمره بالإِعادة ، وإنما علمه أحكام الصلاة ، انتهى . أحاديث الباب :

أخرج البخاري ومسلم من طرق عن جابر ، قال : أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو منطلق إلى بني المصطلق ، فأتيته ، وهو يصلي على بعيره ، فكلمته ، فقال لي بيده ، وأومأ زهير بيمينه . ثم كلمته ، فقال لي : هكذا ، وأنا أسمعه يقرأ يومئ برأسه ، فلما فرغ ، قال : ما فعلت في الذي أرسلتك له ؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه الدارقطني في سننه عن أبي شيبة عن يزيد أبي خالد الدالاني عن أبي سفيان عن جابر ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الكلام ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء ، انتهى . وهو حديث ضعيف فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان جد الإمام أبي بكر بن أبي شيبة ، وقد ضعفه غير واحد . وفيه يزيد الدالاني أيضاً ، قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به ، إذا انفرد ، قال البيهقي : والصحيح في هذا الحديث موقوف ، ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ، فرفعه ، وهو ضعيف ، انتهى . أحاديث الخصوم : حديث ذي اليدين ، وقد روى : من حديث أبي هريرة ومن حديث عمران بن حصين ، ومن حديث ابن عمر . فحديث أبي هريرة

أخرجه البخاري ومسلم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، قال : صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إحدى صلاتي العشي # : إما الظهر . وإما العصر ، فسلم في ركعتين ، ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد ، فاستند إليها مغضباً ، وفي القوم أبو بكر . وعمر ، فهابا أن يتكلما ، وخرج سرعان الناس ، فقام ذو اليدين ، فقال : يا رسول اللّه أقصرت الصلاة ، أم نسيت ؟ فقال : ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : صدق ، لم تصل إلا ركعتين ، فصلى ركعتين ، وسلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم ، وفي رواية للبخاري ، قال : لم أنس ، ولم تقصر ، وفي رواية لهما ، قال : كل ذلك لم يكن ، قال : قد كان بعض ذلك ، وفي

رواية للبخاري ، فقام رجل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوه ذو اليدين ، فقال : يا رسول اللّه أنسيت ، أم قصرت ؟ ، وفي لفظ لهما : صلى لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة العصر ، وفي لفظ لهما : صلى ركعتين من صلاة الظهر ، ثم سلم ، فأتاه رجل من بني سليم .

ورواه ابن حبان في صحيحه في النوع السابع عشر ، من القسم الخامس ، ولفظه : قال : صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الظهر . أو العصر ، فسلم في الركعتين ، فقال ذو الشمالين ابن عبد عمرو ، حليف لبني زهرة : أخففت الصلاة ، أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال عليه السلام : ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : يا نبي اللّه ، صدق ، قال : فأتم بهم الركعتين اللتين نقصهما ، ثم سلم ، قال الزهري : كان هذا قبل بدر ، ثم استحكمت الأمور بعدُ ، انتهى .

ورواه مالك في الموطأ مالك عن ابن شهاب الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، قال : بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار : الظهر . أو العصر ، فسلم من اثنتين ، فقال له ذو الشمالين ، رجل من بني زهرة بن & كلاب : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما قصرت الصلاة ، وما نسيت ، فقال له ذو الشمالين : قد كان بعض ذلك يا رسول اللّه ، فأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الناس ، فقال : أصدق ذو اليدين ؟ قالوا : نعم ، فأتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما بقي من الصلاة ، ثم سلم ، انتهى . قال ابن عبد البر في التقصي : هذا مرسل ، إلا أنه يتصل من وجوه صحاح ، انتهى . وأما حديث عمران بن حصين :

فأخرجه البخاري . ومسلم أيضاً عنه : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى العصر ، فسلم في ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله ، فقام إليه رجل ، يقال له : الخرباق ، وكان في يديه طول ، فقال : يا رسول اللّه ، فذكر له صنيعه ، فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعة ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم ، وفي لفظ لهما : فقام رجل بسيط اليدين ، الحديث . وأما حديث ابن عمر .

فأخرجه أبو داود . وابن ماجه عن أبي كريب الهمداني عن أبي أسامة عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعني صلاة فسها فيها ، فسلم في الركعتين ، فقال له رجل ، يقال له ذو اليدين : يا رسول اللّه أقصرت الصلاة ، أم نسيت ؟ فقال : ما قصرت ، ولا نسيت ، قال : إنك صليت ركعتين ، قال : أكما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : نعم ، فتقدم ، فصلى ركعتين ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتي السهو ، انتهى . وأخرجه أبو داود أيضاً عن أحمد بن محمد بن ثابت عن أبي أسامة به ، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي كريب . وبشر بن خالد العسكري عن أبي أسامة به ، وأخرجه الدارقطني عن أحمد بن سنان القطان - وهو من الثقات الأثبات - ثنا أبو أسامة به ، قال الدارقطني : ولا نعلم حدث به غير أحمد بن سنان القطان - وهو من الثقات الأثبات - والعجب من الدارقطني ، وعلو مرتبته ، كيف يقول مثل هذا ، وقد رواه أبو كريب . وأحمد بن ثابت . وبشر بن خالد ، كما قدمناه ، ولكن تخلص بقوله : لا نعلم ، واللّه أعلم ، ولأصحابنا عن حديث ذي اليدين جوابان : أحدهما : أنه منسوخ بحديث زيد بن أرقم ، وحديث ابن مسعود . فحديث زيد بن أرقم :

أخرجه البخاري ومسلم عنه ، قال : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه ، وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتى نزلت : { وقوموا للّه قانتين } ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، انتهى . وحديث ابن مسعود أيضاً

أخرجاه عنه ، قال : كنا نسلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول اللّه ، كنا نسلم عليك ، فترد علينا ، فقال : إن في الصلاة شغلا ، انتهى . أخرجاه عن إبراهيم عن علقمة عنه .

وأخرجه أبو داود عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عنه ، قال : كنا نسلم في الصلاة ، ونأمر بحاجتنا ، فقدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو يصلي ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي السلام ، فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى الصلاة ، قلت : يا رسول اللّه ، إنك كنت ترد علينا ، قال : إن اللّه يحدث من أمره ما يشاء ، وأنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ، انتهى . وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، قال البيهقي : ورواه جماعة من الأئمة عن عاصم بن أبي النجود ، وتداوله الفقهاء ، إلا أن صاحبي الصحيح يتوقيان رواية عاصم ، لسوء حفظه ، فأخرجاه من طريق آخر ببعض معناه ، انتهى . قال أصحابنا : وذو اليدين قتل يوم بدر ، وقد قال الزهري : إن قصة ذي اليدين في الصلاة كانت قبل بدر ، وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر بعد بدر بخمس سنين ، ولا يمتنع كون أبي هريرة رواه ، وهو متأخر الإِسلام عن بدر ، لأن الصحابي قد يروى مالا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أو من صحابي آخر ، وأجاب البيهقي في المعرفة بأن أبا هريرة شهد قصة ذي اليدين في الصلاة ، وحضرها ، كما ورد في الصحيحين عنه ، قال : صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفي لفظ : بينا نحن نصلي مع رسول اللّه إحدى صلاتي العشي ، قال والذي قتل ببدر إنما هو ذو الشمالين ، اسمه عمير بن عمرو خزاعي ، قال : وقد أجمعوا على أن إسلام أبي هريرة كان عام خيبر سنة سبع ، بعد بدر بخمس سنين ، انتهى . وقال البيهقي في المعرفة أيضاً : وهَم الزهري في قوله : ذو الشمالين ، وإنما هو ذو اليدين ، وذو الشمالين تقدم موته فيمن قتل ببدر ، وذو اليدين بقي بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيما يقال وقال في موضع آخر : وذو الشمالين ، هو ابن عبد عمرو بن نضلة ، حليف لبني زهرة ، من خزاعة ، استشهد يوم بدر ، هكذا ذكره عروة بن الزبير ، وسائر أهل العلم بالمغازي ، قال ابن إسحاق : لا عقب له ، وأما ذو اليدين ، فقال يحيى بن أبي كثير : في حديثه رجل من بني سليم ، وشعيث بن مطير يروى عن أبيه عن ذي اليدين ، قال البيهقي : وليس في حديث زيد بن أرقم ، كنا نتكلم في الصلاة ، دلالة على أنه بعد حديث ذو اليدين ، لأن زيد بن أرقم من متقدمي الصحابة ، روى عنه أنه قال : غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبع عشرة غزوة ، وأبو هريرة إنما صحب النبي صلى اللّه عليه وسلم بخيبر ، وصحبه ثلاث سنين ، أو أربعاً ، روى عن قيس بن & أبي حازم ، قال : سمعت أبا هريرة ، يقول : صحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث سنين ، وابن مسعود فقد شهد بدراً ، لأنه هاجر إلى الحبشة ، ثم رجع إلى مكة ، ثم رجع إلى المدينة ، وشهد بدراً .

ذكره موسى بن عقبة في مغازيه ، وهي أصح المغازي عند أهل الحديث : روى عبد اللّه بن عتبة عن عبد اللّه بن مسعود ، قال : بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى النجاشي ، وهم ثمانون رجلاً ، فذكر القصة ، وفي آخرها : فبادر ابن مسعود ، وجاء فشهد بدراً ، وحديث أبي هريرة ، في قصة ذي اليدين ، كان بعد ذلك ، وعمران بن حصين ، قال الحميدي ، وهو أحد أركان الحديث : كان إسلامه بعد بدر ، وقد حضر صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقوله : الخرباق ، ومعاوية بن حديج كان إسلامه قبل وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم بشهرين ، وقد حضر قصة طلحة بن عبيد اللّه ، وروينا عن الأوزاعي ، قال : كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر ، فلم يأمره عليه السلام بإِعادة الصلاة وقوله : إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، أي الكلام العمد الذي يمكن الاحتراز منه ، وحديث ذي اليدين في كلام السهو ، قال : والدليل على عدم النسخ ما أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ ، وأسند إلى عطاء أن ابن الزبير صلى بهم ركعتين من المغرب ، ثم سلم ، ثم قام إلى الحجر ليستلمه ، فسبح به القوم ، فالتفت إلينا ، وقال : ما أتممنا الصلاة ؟ فقلنا برؤوسنا : لا ، فرجع فصلى الركعة الباقية ، ثم سجد سجدتين ، فذكر ذلك لابن عباس ، فقال : ما أماط عن سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، انتهى كلامه . وقال السهيلي في الروض الأنف :