فهرس الكتاب

أخر إقامة الحد ، إلى أن تم الإِقرار منه أربع مرات

أخرجه أبو داود عن بقية عن صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد اللّه أن قوماً سرق لهم متاع ، فاتهموا أناساً من الحاكة ، فأتوا النعمان بن بشير ، صاحب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فحبسهم أياماً ، ثم خلى سبيلهم ، فأتوا النعمان ، فقالوا : خليت سبيلهم بغير ضرب ، ولا امتحان ، فقال النعمان : إن شئتم ضربتهم ، فإن خرج متاعكم فذاك ، وإلا أخذت من ظهوركم مثله ، فقالوا : هذا حكمك ؟ قال : هذا حكم اللّه ، وحكم رسوله ، انتهى . قال عبد الحق في أحكامه : أحسن حديث بقية ما كان عن يحيى بن سعيد ، انتهى . الحديث الخامس : في حديث ماعز أنه عليه السلام أخر إقامة الحد ، إلى أن تم الإِقرار منه أربع مرات ، قلت :

أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة ، قال : أتى رجل من المسلمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو في المسجد ، فناداه ، فقال : يا رسول اللّه ، إني زنيت ، فأعرض عنه ، فتنحى تلقاء وجهه ، فقال : يا رسول اللّه إني زنيت ، فأعرض عنه ، حتى ثنى ذلك أربع مرات ، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : أبك جنون ؟ قال : لا ، قال : فهل أحصنت ؟ قال : نعم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اذهبوا به فارجموه ، فرجمناه بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة هرب ، فأدركناه بالحرة ، فرجمناه ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة ، قال : رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، رجل قصير أعضل ليس عليه رداء ، فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى ، فقال عليه السلام ، فلعلك كذا ؟ قال : لا واللّه ، إنه قد زنى ، قال : فرجمه ، ثم خطب ، فقال : ألا كلما نفرنا في سبيل اللّه تخلف أحدهم ، له نبيب كنبيب التيس ، يمنح إحداهن الكبثة ، أما واللّه إن يمكني من أحدهم لأنكلنه ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه مسلم أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : لقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ماعز بن مالك ، فقال : أحق ما بلغني عنك ؟ قال : وما بلغك عني ؟ قال : بلغني أنك فجرت بأمة آل فلان ؟ قال : نعم ، فرده حتى شهد أربع مرات ، ثم أمر برجمه ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه مسلم أيضاً عن بريدة ، قال : كنت جالساً عند النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ جاء ماعز بن مالك ، فقال : يا رسول اللّه إني زنيت ، وأنا أريد أن تطهرني ، فقال عليه السلام : ارجع ، فلما كان من الغد أتاه أيضاً فاعترف عنده بالزنا ، فقال له : ارجع ، ثم عاد الثالثة ، فاعترف عنده بالزنا ، ثم رجع الرابعة فاعترف ، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم فحفر له حفرة ، فجعل فيها إلى صدره ، ثم أمر الناس فرجموه ، قال بريدة : كنا نتحدث أصحاب نبي اللّه أن ماعزاً لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يطلبه ، وإنما رجمه عند الرابعة ، انتهى . وعند أبي داود ، والنسائي فيه : قال : كنا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نتحدث أن الغامدية ، وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما ، وإنما رجمهما بعد الرابعة ، انتهى . - حديث آخر :

أخرجه البخاري ، ومسلم عن جابر بن عبد اللّه أن رجلاً من أسلم جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واعترف بالزنا ، فأعرض عنه ، ثم اعترف ، فأعرض عنه ، حتى شهد على نفسه أربع شهادات ، فقال له عليه السلام : أبك جنون ؟ قال : لا ، قال : هل أحصنت ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم ، زاد البخاري : فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم خيراً ، وصلى عليه ، انتهى . أخرجاه عن أبي سلمة عن جابر ، وسيأتي في حديث الصلاة على الغامدية . - حديث آخر :

أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وأحمد في مسنده عن هشام بن سعد ، أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال عن بيه ، قال : كان ماعز بن مالك في حجر أبي ، فأصاب جارية من الحي ، فقال له أبي : ائت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره بما صنعت ، لعله يستغفر لك ، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج ، فأتاه فقال : يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليّ كتاب اللّه ، فأعرض عنه ، إلى أن أتاه الرابعة ، فقال له : إنك قد قلتها أربع مرات ، فبمن ؟ قال : بفلانة ، قال : هل ضاجعتها ، قال : نعم ، قال : هل باشرتها ؟ قال : نعم ، قال : هل جامعتها ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم ، فوجد مس الحجارة ، فخرج يشتد ، فلقيه عبد اللّه بن أنيس ، فنزع له بوظيف بعير ، فقتله ، وذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب اللّه عليه ، انتهى . وزاد فيه أحمد : قال هشام : فحدثني يزيد بن نعيم عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال له حين رآه : واللّه يا هزال لو كنت سترته بثوبك لكان خيراً لك مما صنعت به ، قال في التنقيح : إسناده صالح ، وهشام بن سعد روى له مسلم ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه ، ويزيد بن نعيم روى له مسلم أيضاً ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وأبوه نعيم ذكره في الثقات أيضاً ، وهو مختلف في صحبته ، فإن لم تثبت صحبته ، فآخر هذا الحديث مرسل ، انتهى . - حديث آخر :

رواه أحمد في مسنده حدثنا يزيد بن هارون ثنا الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن مغيرة عن عبد اللّه بن المقدام عن ابن شداد عن أبي ذر ، قال : كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتاه رجل ، فقال : إنه زنى ، فأعرض عنه ، ثم ثنى ، ثم ثلث ، ثم ربع ، فأمرنا فحفرنا له ، فرجم ، انتهى . قال في التنقيح : وحجاج فيه كلام ، وعبد الملك هو الطائفي ، وثقه ابن حبان ، وروى له الترمذي حديثاً ، وعبد اللّه بن المقدام بن المورد طائفي أيضاً ، لم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ، انتهى . حديث آخر :

رواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه في مسنديهما ، وابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بكر قال : أتى ماعز بن مالك النبي صلى اللّه عليه وسلم فاعترف ، وأنا عنده مرة ، فرده ، ثم جاء فاعترف عنده الثانية ، فرده ، ثم جاء ، فاعترف عنده الثالثة ، فرده ، قال : فقلت له : إن اعترفت الرابعة رجمك ، قال : فاعترف الرابعة فحبسه ، ثم سأل عنه ، فقالوا : لا نعلم إلا خيراً ، فأمر به فرجم ، انتهى . أحاديث الخصوم : فيه حديث العسيف ،

أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة ، و زيد بن خالد الجهني أنهما قالا : إن رجلاً من الأعراب أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا رسول اللّه أنشدك اللّه إلا قضيت لي بكتاب اللّه ، فقال الخصم الآخر ، وهو أفقه منه : نعم اقض بيننا بكتاب اللّه ، وأذن لي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قل ، قال : إن ابني هذا كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته ، وإني أخبرت أن على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة ، وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللّه ، الوليدة والغنم ردُّ عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، قال : فغدا عليها ، فاعترفت ، فأمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجمت ، انتهى . وفي لفظ لهما : وجلد ابنه مائة ، وغربه عاماً ، قالوا : فعلق رجمها باعترافها ، ولم يشترط الأربع . حديث آخر : وهو حديث الغامدية ،

أخرجه مسلم عن بريدة في حديث ماعز ، قال : أتت امرأة من غامد من الأزد ، فقالت : يا رسول اللّه طهرني ، قال : ويحك ارجعي ، فاستغفري اللّه ، وتوبي ، قالت : أتريد أن ترددني ، كما رددت ماعزاً ؟ قال : وما ذاك ، قالت : إني حبلى من الزنا ، فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، ثم أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : قد وضعت الغامدية ، قال : إذاً لا نرجمها ، وندع ولدها صغيراً ، ليس له من يرضعه ، فقام رجل من الأنصار ، فقال : إليّ رضاعه يا نبي اللّه ، فرجمها ، انتهى . قالوا : وليس فيه إقرارها أربع مرات ، قالوا : وإنما ردد النبي صلى اللّه عليه وسلم ماعزاً أربع مرات ، لأنه عليه السلام ظن أن في عقله شيئاً ، لا لكونه شرطاً في وجوب الحدّ ، قالوا : وقد جاء في

صحيح مسلم عن جابر بن سمرة 5425 ، قال : أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجل قصير أشعث ذي عضلات ، عليه إزار ، وقد زنى ، فرده مرتين ، ثم أمر به فرجم ، وفيه أيضاً عن أبي سعيد الخدري أنه اعترف بالزنا ثلاث مرات ، قالوا : وهذا يضعف القول باشتراط الأربع ، والجواب : أما حديث العسيف ، فمعناه : واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت ، الاعتراف المعهود بالتردد أربع مرات ، وأما حديث الغامدية : فالراوي قد يختصر الحديث ، ولا يلزم عن عدم الذكر عدم الوقوع ، وأيضاً فقد ورد في بعض طرقه أنه ردها أربع مرات ،

أخرجه البزار في مسنده عن زكريا بن سليم ثنا شيخ من قريش عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكره ، وفيه أنها أقرت بالزنا أربع مرات ، وهو يردها ، ثم قال لها : اذهبي حتى تلدي ، الحديث ، ويراجع ، وأما قولهم : إنه عليه السلام ردد ماعزاً أربع مرات ، لأنه ظن أن بعقله شيئاً ، فليس بشيء ، لأنه عليه السلام سأل عن عقله بعد اعترافه الرابعة ، كما تقدم في حديث أبي هريرة ، وحديث جابر المخرجين في الصحيحين ، فلو كان تكرار الأربعة إنما هو لاختبار عقله ، لما كان في السؤال عنه بعد الرابعة فائدة ، وكيف ! وقد رده عليه السلام بعد أن أخبر بعقله ، كما أورده مسلم من حديث بريدة ، أن ماعزأ أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فرده ، ثم أتاه الثانية من الغد ، فرده ، ثم أرسل إلى قومه ، هل تعلمون بعقله بأساً ؟ فقالوا : ما نعلمه إلا وفيّ العقل ، من صالحينا ، فأتاه الثالثة ، فأرسل إليهم أيضاً ، فسأل عنه ، فأخبروه أنه لا بأس به ، ولا بعقله ، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ورجمه ، مختصر . فظهر من هذا أن الأربعة معتبرة ، ويؤيد ذلك ما تقدم عند أبي داود في حديث هزال أنه عليه السلام ، قال لماعز : إنك قد قلتها أربع مرات ، وفي لفظ له عن ابن عباس : إنك شهدت على نفسك أربع مرات ، وفي لفظ لابن أبي شيبة : أليس أنك قد قلتها أربع مرات ؟ فرتب الرجم على الأربع ، وإلا فمن المعلوم أنه قالها أربع مرات ، ويدل عليه ما تقدم في مسند أحمد عن أبي بكر أنه قال له بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد اعترافه ثلاث مرات : إن اعترفت الرابعة رجمك ، وهذا أصرح في الدلالة على اشتراط الأربع ، لولا أن في إسناده جابرا الجعفي ، وأما قولهم : إنه ورد في الصحيح أنه رده مرتين ، وثلاث مرات ، فالجواب أنه رده مرتين بعد 5427 مرتين ، واختصر الراوي منها مرتين ، يدل على ذلك

ما أخرجه أبو داود ، والنسائي عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم بماعز بن مالك فاعترف مرتين ، فقال : اذهبوا به ، ثم قال : ردوه ، فاعترف مرتين ، حتى اعترف أربعاً ، فقال : اذهبوا به ، فارجموه ، انتهى . فتبين بهذا أن المرتين المذكورتين في الصحيح هما من الأربع ، وكذلك رواية الثلاث ، أي معها رابعة ، وتتفق بذلك الأحاديث ، واللّه أعلم . الحديث السادس : روي أنه عليه السلام طرد ماعزاً في كل مرة حتى توارى عليه بحيطان المدينة ، قلت : غريب بهذا اللفظ ، وبمعناه