فهرس الكتاب

الماء من الماء .

الحديث السابع والعشرون : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم الماء من الماء . قلت :

رواه مسلم . وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الماء من الماء ، انتهى . ولفظ مسلم : إنما الماء من الماء

وأخرجه مسلم في قصة من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ، قال : خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الإثنين إلى قباء ، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به ، فخرج يجرُّ إزاره ، فقال عليه السلام : أعجلنا الرجل فقال عتبان : يا رسول اللّه أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ، ولم يُمْنِ ماذا عليه ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنما الماء من الماء ، انتهى . وهذا السياق يدفع رواية من روى عن ابن عباس أن قوله عليه السلام : الماء من الماء إنما كان في الاحتلام ،

رواهما الترمذي في كتبه فقال : حدثنا علي بن حجر نا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : إنما الماء من الماء في الاحتلام ، انتهى . وأسند عن وكيع ، قال : لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك ، واسم أبي الجحاف داود بن أبي عوف قال الثوري : كان مرجئاً ، انتهى .

ورواه الطبراني في معجمه حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن الصباح ثنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : إنما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : الماء من الماء في الاحتلام انتهى . الكلام على نسخ هذا الحديث ، اعلم أن حديث الماء من الماء حديث منسوخ ، لأن مفهومه عدم الغسل من الإكسال ، بل ورد في الصحيحين صريحاً من حديث أبيّ بن كعب ، ومن حديث أبي سعيد ، أما حديث أبيّ بن كعب ،

فرواه البخاري . ومسلم من رواية أبي أيوب عنه ، قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة ، ثم يكسل ، فقال : يغسل ما أصابه من المرأة ، ثم يتوضأ ويصلي ، انتهى . وأما حديث أبي سعيد ،

فرواه البخاري . ومسلم أيضاً من رواية ذكوان عنه : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ على رجل من الأنصار فأرسل إليه ، فخرج ورأسه يقطر ماءاً فقال : لعلنا أعجلناك ؟ فقال : نعم يا رسول اللّه ، فقال : إذا عجلت أو أقحطت فلا غسل عليك ، وعليك الوضوء انتهى . وهذه الأحاديث كلها منسوخة ، وللناس في الاستدلال على نسخها طريقان : أحدهما : بالأحاديث . والثاني : رجوع من روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم الحكم الأول . أما الأحاديث : فمنها ما ذكر فيها النسخ ، ومنها ما لم يذكر فيها ، فالتي لم يذكر فيها النسخ ، بل فيها الغسل فقط ، حديثان : أحدهما : من رواية أبي هريرة ، والآخر : من رواية أبي موسى ، فحديث أبي هريرة ،

رواه البخاري . ومسلم من حديث أبي رافع عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع ، ثم جهدها فقد وجب الغسل . زاد مسلم في رواية : وإن لم ينزل ، انتهى . وأخرج مسلم قبل ذكره حديث أبي هريرة بهذا عن أبي العلاء بن الشخير رضي اللّه عنه ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضاً ، كما ينسخ القرآن بعضه بعضاً ، انتهى . وحديث أبي موسى

رواه مسلم من حديث أبي بردة عنه ، قال : اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار ، فقال الأنصاريون : لا يجب الغسل إلا من الدفق ، أو من الماء ، وقال المهاجرون : بل إذا خالط فقد وجب الغسل ، فقال أبو موسى : أنا أشفيكم من ذلك ، فقمت واستأذنت على عائشة ، فأذن لي ، فقلت لها : يا أماه إني أريد أن أسألك عن شيء وأني أستحييك ، فقالت : لا تستح أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك ، فإنما أنا أمك ، قلت : فما يوجب الغسل ؟ قالت : على الخبير سقطت ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ، انتهى . وأما الأحاديث التي صرح فيها بالنسخ ، فهي ثلاثة : أحدها : ما

أخرجه أبو داود . والترمذي وابن ماجه عن يونس عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب ، قال : إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم نهي عنها ، انتهى . قال الشيخ تقي الدين في الإمام : وأعلّ هذا الحديث بأن فيه انقطاعاً بين الزهري . وسهل ، يدل عليه رواية ابن ماجه ، قال : قال سهل بن سعد الساعدي : فلم يذكر الإخبار ، وعند أبو داود ، وقال ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث # عن ابن شهاب ، قال : حدثني بعض من أرضى : أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبيَّ بن كعب أخبره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكره ، وهذا يقتضي أن الزهري لم يسمعه من سهل ، وقد جزم بذلك البيهقي ، فقال : وهذا الحديث لم يسمعه الزهري من سهل إنما سمعه من بعض أصحابه عن سهل ، قال ابن خزيمة : وهذا الرجل الذي لم يسِّمه عمرو بن الحارث # يشبه أن يكون أبا حازم بن سلمة بن دينار ، لأن مبشر بن إسماعيل روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب قال الشيخ : قلت : قد رواه بهذا السند أبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه عن أبي جعفر الجمال عن مبشر بن إسماعيل بالسند المذكور . ولفظه : عن أبيّ بن كعب أن الفُتيا # التي كانوا يفتون : أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بدء الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعد ، انتهى . وأخرجه البيهقي في سننه من طريق أبي داود ، وقال قبل إخراجه : وقد رويناه بإسناد آخر صحيح موصول عن سهل بن سعد ، ثم ذكره ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن أحاديث : الماء من الماء فقال : كلها منسوخة بحديث سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب ، قال الشيخ : وقد وقع لي رواية عن محمد بن جعفر من جهة أبي موسى عنه عن معمر عن الزهري ، وفيها قال : أخبرني سهل بن سعد ، فعليك بالبحث عنها ، فإنها مخالفة لما ذكره عمرو بن الحارث # ، واللّه أعلم ، انتهى .

الحديث الثاني : أخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسين بن عمران عن الزهري ، قال : سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل ، قال : على الناس أن يأخذوا بالآخر ، فالآخر من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حدثتني عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل ، وذلك قبل فتح مكة ، ثم اغتسل بعد ذلك ، وأمر الناس بالغسل ، انتهى . وأخرجه الحازمي في كتابه من جهة ابن حبان ، وقال : هذا حديث قد حكم ابن حبان بصحته ، غير أن الحسين بن عمران كثيراً ما يأتي عن الزهري بالمناكير ، وقد ضعفه غير واحد من أهل الحديث . وعلى الجملة ، فالحديث بهذا السياق فيه ما فيه ، ولكنه حسن جيد في الاستشهاد قال الشيخ : الذي وجدته في كتاب الضعفاء للعقيلي أنه روى هذا الحديث ، ثم أعله بالحسين بن عمران ، وقال : لا يتابع على حديثه ، ولا يعلم هذا اللفظ عن عائشة إلا في هذا الحديث ، انتهى . وذكر العقيلي عن آدم بن موسى ، قال : سمعت البخاري يقول : حسين بن عمران الجهني لا يتابع على حديثه وكذلك ذكر أبو العرب القروي عن أبي بشر ، قال : ولم أقف على أكثر من هذا في حسين بن عمران ، وهو أخف من قول الحازمي ، وقد ضعفه غير واحد ، بل لو قيل : ليس فيه جزم بالتضعيف لم يبعد ذلك ، انتهى .

الحديث الثالث : رواه أحمد في مسنده حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب الغافقي عن بعض ولد رافع بن خديج عن رافع بن خديج ، قال : ناداني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ، ولم أُنزل فاغتسلت وخرجت ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا عليك ، إنما الماء من الماء قال رافع : ثم أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك بالغسل ، انتهى . وذكره الحازمي في كتابه وقال : هذا حديث حسن ، انتهى . وهذا فيه نظر ، فإن فيه رشدين بن سعد أكثر الناس على ضعفه . وبعض ولد رافع مجهول العين والحال ، وحديث يشتمل سنده على ضعيف ومجهول كيف يكون حسناً ؟ ! قال الشيخ تقي الدين : وقد وقع لي تسمية ولد رافع في أصل سماع الحافظ السلفي ، وساق الشيخ سنده إلى رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهل بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج ، فذكره . الطريق الثاني : في الاستدلال على النسخ ، وهو أن بعض من روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم الحكم الأول أفتى بوجوب الغسل ، أو رجع عن الأول ، فروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد اللّه بن كعب مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ، ثم يكسل ولا ينزل ، فقال زيد : يغتسل ، فقال له محمود : إن أبيّ بن كعب كان لا يرى الغسل ، فقال له زيد : إن أبيّ بن كعب نزع عن ذلك قبل أن يموت ، قال الشافعي : لا أحسبه تركه ، إلا أنه ثبت له أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال بعده ما نسخه ، وقال البيهقي : قول أبيّ بن كعب : الماء من الماء ثم نزوعه عنه بعد ذلك يدل على أنه ثبت عنده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال بعده ما نسخه ، وكذلك عثمان بن عفان . وعلي بن أبي طالب . وغيرهما ،

وروى مالك أيضاً عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب . وعثمان بن عفان . وعائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا يقولون : إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل واللّه أعلم ، انتهى .