فهرس الكتاب

أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا يجهر بالتسمية ،

الحديث الحادي عشر : روى أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا يجهر بالتسمية ، قلت :

أخرجه البخاري . ومسلم في صحيحيهما عن شعبة عن قتادة عن أنس ، قال : صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وخلف أبي بكر . وعمر . وعثمان ، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وفي لفظ لمسلم : فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد للّه رب العالمين لا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ، انتهى . ورواه النسائي في سننه . وأحمد في مسنده . وابن حبان في صحيحه في النوع الرابع ، من القسم الخامس . والدارقطني في سننه ، وقالوا فيه : فكانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم وزاد ابن حبان : ويجهرون بالحمد لله رب العالمين ، وفي لفظ للنسائي . وابن حبان أيضاً : فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في مسنده : فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين ، وفي لفظ للطبراني في معجمه . وأبي نعيم في الحلية . وابن خزيمة في مختصر المختصر : وكانوا يسرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات ، مخرج لهم في الصحيح . جمع أقوال العلماء في البسملة والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة : طرفان . ووسط ، فالطرف الأول قول من يقول : إنها ليست من القرآن ، إلا في سورة النمل ، كما قاله مالك . وطائفة من الحنفية ، وقاله بعض أصحاب أحمد مدعياً أنه مذهبه ، أو ناقلاً لذلك رواية عنه . والطرف الثاني المقابل له قول من يقول : إنها آية من كل سورة ، أو بعض آية ، كما هو المشهور عن الشافعي . ومن وافقه ، فقد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة ، وإنما يستفتح بها في السور تبركاً بها ، والقول الوسط : إنها من القرآن حيث كتبت ، وإنها مع ذلك ليست من السور ، بل كتبت آية في كل سورة ، وكذلك تتلى آية مفردة في أول كل سورة ، كما تلاها النبي صلى اللّه عليه وسلم حين أنزلت عليه : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } رواه مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس أنه عليه السلام أغفى إغفاءة ، ثم استيقظ ، فقال : نزلت علي سورة آنفاً ، ثم قرأ : { بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إنا أعطيناك الكوثر } إلى آخرها ، وكما في قوله : إن سورة من القرآن ، هي ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي { تبارك الذي بيده الملك } ، وهذا قول ابن المبارك . وداود . وأتباعه ، وهو المنصوص عن أحمد بن حنبل ، وبه قال جماعة من الحنفية ، وذكر أبو بكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة ، وهذا قول المحققين من أهل العلم ، فإن في هذا القول الجمع بين الأدلة ، وكتابتها سطراً مفصولاً عن السورة يؤيد ذلك ، وعن ابن عباس كان النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بسم اللّه الرحمن الرحيم } وفي رواية : لا يعرف انقضاء السورة ، رواه أبو داود . والحاكم ، وقال : إنه صحيح على شرط الشيخين ، ثم لأصحاب هذا القول في الفاتحة قولان ، وهما روايتان عن أحمد : أحدهما : أنها من الفاتحة دون غيرها ، تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة . والثاني ، وهو الأصح : أنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك ، وأن قراءتها في أول الفاتحة كقراءتها في أول السور ، والأحاديث الصحيحة توافق هذا القول ، وحينئذ الأقوال في قراءتها في الصلاة أيضاً ثلاثة : أحدها : أنها واجبة وجوب الفاتحة ، كمذهب الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، وطائفة من أهل الحديث ، بناءاً على أنها من الفاتحة . والثاني : أنها مكروهة سراً وجهراً ، وهو المشهور عن مالك . والثالث : أنها جائزة بل مستحبة ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والمشهور عن أحمد ، وأكثر أهل الحديث ، ثم مع قراءتها هل يسن الجهر بها أو لا ؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : يسن الجهر ، وبه قال الشافعي . ومن وافقه . والثاني : لا يسن ، وبه قال أبو حنيفة . وجمهور أهل الحديث . والرأي . وفقهاء الأمصار . وجماعة من أصحاب الشافعي ، وقيل : يخير بينهما ، وهو قول إسحاق بن راهويه . وابن حزم ، وكان بعض العلماء يقول بالجهر سداً للذريعة ، قال : ويسوغ للإنسان أن يترك الأفضل لأجل تأليف القلوب واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير ، كما ترك النبي صلى اللّه عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى تقديم مصلحة الاجتماع على ذلك ، ولما أنكر الربيع على ابن مسعود إكماله الصلاة خلف عثمان ، قال : الخلاف شر ، وقد نص أحمد . وغيره على ذلك في البسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك ، مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول مراعاة لائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنة ، وأمثال ذلك ، وهذا أصل كبير في سد الذرائع . هذا تحرير أقوال العلماء في هذه المسألة ، واللّه أعلم ، وقد اعتمد غير واحد من المصنفين على وجوب قراءتها ، وكونها من القرآن بكتابة الصحابة لها في المصحف بقلم # القرآن ، قال النووي في الخلاصة : قال أصحابنا : وهذا أقوى الأدلة فيه ، فإن الصحابة جردوا القرآن عما ليس منه ، والذين نازعوهم دفعوا هذه الحجة بغير حق ، فقالوا : إن القرآن لا يثبت إلا بقاطع ، ولو كان هذا قاطعاً لكفر مخالفه ، وقد سلك أبو بكر الباقلاني ، وغيره هذا المسلك ، وادعوا أنهم يقطعون بخطأ # الشافعي في جعله البسملة من القرآن ، معتمدين على هذه الحجة ، وأنه لا يجوز إثبات القرآن إلا بالتواتر ، ولا تواتر هاهنا # ، فيجب القطع بنفي كونها من القرآن ، والتحقيق أن هذه حجة مقابلة بمثلها ، فيقال لهم : بل يقطع بكونها من القرآن حيث كتبت ، كما قطعتم بنفي كونها منه ، ومثل هذا النقل المتواتر عن الصحابة بأن ما بين اللوحين قرآن ، فإن التفريق بين آية وآية يرفع الثقة بكون القرآن المكتوب بين لوحي المصحف كلام اللّه ، ونحن نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين كتبوا المصاحف نقلوا إلينا أن ما كتبوه بين لوحي المصحف كلام اللّه الذي أنزله إلى نبيه صلى اللّه عليه وسلم لم يكتبوا فيه ما ليس من كلام اللّه ، فإن قال المنازع : إن قطعتم بأن البسملة من القرآن حيث كتبت فكفروا النافي ، قيل لهم : هذا معارض بمثله ، إذا قطعتم بنفي كونها من القرآن فكفروا منازعكم ، وقد اتفقت الأمة على نفي التكفير في هذا الباب ، مع دعوى كثير من الطائفتين القطع بمذهبه ، وذلك لأنه ليس كل ما كان قطعياً عند شخص يجب أن يكون قطعياً عند غيره ، وليس كل ما ادعت طائفة أنه قطعي عندها يجب أن يكون قطعياً في نفس الأمر ، بل قد يقع الغلط في دعوى المدعي القطع في غير محل القطع ، كما يغلط في سمعه . وفهمه . ونقله . وغير ذلك من أحواله ، بل كما يغلط الحس الظاهر في مواضع ، وحينئذ فيقال : الأقوال في كونها من القرآن ثلاثة : طرفان . ووسط ، كما تقدم ، والذي اجتمع عليه الأدلة هو القول الوسط ، وهو أنها من القرآن حيث كتبت ، وأنها ليست من السور ، بل تكتب قبل السورة ، وتقرأ كما قرأها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال النووي في شرح مسلم في حديث بدء الوحي ، في قوله : فجاءه الملك ، فقال له : اقرأ ، فقال : ما أنا بقارئ ، ثلاث مرات ، ثم قال له : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } : استدل بهذا الحديث من يقول : إن البسملة ليست آية في أوائل السور لكونها لم تذكر هنا ، قال : وأجيب عنه : أن البسملة أنزلت في وقت آخر ، كما نزل باقي السور في وقت آخر ، انتهى . وحجة الخصوم المانعين من الجهر بالبسملة في الصلاة أحاديث : أقواها حديث أنس ،

رواه البخاري . ومسلم في صحيحيهما من حديث شعبة ، سمعت قتادة يحدث عن أنس ، قال : صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وخلف أبي بكر . وعمر . وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وفي لفظ لمسلم : فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، ولا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ، انتهى . ورواه النسائي في سننه . وأحمد في مسنده . وابن حبان في صحيحه . والدارقطني في سننه ، وقالوا فيه : وكانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وزاد ابن حبان : ويجهرون بالحمد لله رب العالمين ، وفي لفظ لابن حبان . والنسائي أيضاً : لم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في مسنده : فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين ، وفي لفظ للطبراني في معجمه . وأبي نعيم في الحلية . وابن خزيمة في مختصر المختصر . والطحاوي في شرح الآثار : فكانوا يسرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات ، مخرج لهم في الصحيحين . ولحديث أنس طرق أخرى دون ذلك في الصحة ، وفيها من لا يحتج به ، وفيما ذكرناه كفاية ، وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا ، وهي سبعة ألفاظ : - فالأول : كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم اللّه الرحمن الرحيم . والثاني : فلم أسمع أحداً يقول أو يقرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم . والثالث : فلم يكونوا يقرءون بسم اللّه الرحمن الرحيم : والرابع : فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم . والخامس : فكانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . والسادس : فكانوا يسرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . والسابع : فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وهذا اللفظ هو الذي صححه الخطيب ، وضعف ما سواه لرواية الحفاظ له عن قتادة ، ولمتابعة غير قتادة له عن أنس فيه ، وجعله اللفظ المحكم عن أنس ، وجعل غيره متشابهاً ، وحمله على الافتتاح بالسورة لا بالآية ، وهو غير مخالف للألفاظ المنافية بوجه ، فكيف يجعل مناقضاً لها ؟ ، فإن حقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية جهراً أو سراً ، فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب ؟ ! ، ويؤكده قوله في رواية مسلم : لا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم . في أول قراءة ولا في آخرها ، لكنه محمول على نفي الجهر ، لأن أنساً إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتفائه ، فإنه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا ، وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن فيه القراءة سراً ، ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها من لم ير هنا سكوتاً كمالك . وغيره ، لكن ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول اللّه ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : كذا وكذا ، إلى آخره ، وفي السنن عن سمرة . وأبيّ . وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة ، وأنه كان يستعيذ ، وإذا كان له سكوت لم يمكن أنساً أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت ، فيكون نفيه للذِّكر . والاستفتاح . والسماع ، مراداً به الجهر بذلك ، يدل عليه قوله : فكانوا لا يجهرون ، وقوله : فلم أسمع أحداً منهم يجهر ، ولا تعرض فيه للقراءة سراً ، ولا على نفيها ، إذ لا علم لأنس بها حتى يثبتها أو ينفيها ، وكذلك قال لمن سأله : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه فإن العلم بالقراءة السرية إنما يحصل بإخبار أو سماع عن قرب ، وليس في الحديث شيء منهما ، ورواية من روى : فكانوا يسرون كأنها مروية بالمعنى من لفظ لا يجهرون ، واللّه أعلم ، وأيضاً فحمل الافتتاح بالحمد لِلَّه رب العالمين على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة وتمجه الأفهام الصحيحة ، لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه العام والخاص ، كما يعلمون أن الفجر ركعتان . وأن الظهر أربع . وأن الركوع قبل السجود . والتشهد بعد الجلوس ، إلى غير ذلك ، فليس في نقل مثل هذا فائدة ، فكيف يجوز أن يظن أن أنساً قصد تعريفهم بهذا ، وأنهم سألوه عنه ، وإنما مثل هذا مثل من يقول : فكانوا يركعون قبل السجود ، أو فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر ، ويخافتون في صلاة الظهر والعصر ، واللّه أعلم ، وأيضاً فلو أريد الافتتاح بسورة الحمد لقيل : كانوا يفتتحون القراءة بأمّ القرآن . أو بفاتحة الكتاب ، أو بسورة الحمد ، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم ، وأما تسميتها بالحمد لله رب العالمين فلم ينقل عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . ولا عن الصحابة ، والتابعين . ولا عن أحد يحتج بقوله ، وأما تسميتها بالحمد فقط فعرف متأخر ، يقولون : فلان قرأ الحمد ، وأين هذا من قوله : فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لِلَّه رب العالمين ؟ ! ، فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة ، إلا بدليل صحيح ، وأنى # للمخالف ذلك ؟ ! ، فإن قيل : فقد روى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أنس الاستفتاح بأمِّ القرآن ، وهذا يدل على إرادة السورة ، قلنا : هذا مروي بالمعنى ، والصحيح عن الأوزاعي ما رواه مسلم عن الوليد بن مسلم عنه عن قتادة عن أنس ، قال : صليت خلف أبي بكر . وعمر . وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لِلَّه رب العالمين لا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ، ثم أخرجه مسلم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ، أخبرني إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك ، هكذا رواه مسلم في صحيحه عاطفاً له على حديث قتادة ، وهذا اللفظ المخرج في الصحيح هو الثابت عن الأوزاعي ، واللفظ الآخر : إن كان محفوظاً ، فهو مروي بالمعنى ، فيجب حمله على الافتتاح بأمِّ القرآن ، رواه الطبراني في معجمه بهذا الإسناد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبا بكر . وعمر . وعثمان كانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . حديث آخر ، رواه الترمذي . والنسائي . وابن ماجه من حديث أبي نعامة الحنفي ، واسمه قيس بن عباية ثنا ابن عبد اللّه بن مغفل ، قال : سمعني أبي وأنا أقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني ! إياك والحدث ، قال : ولم أر أحداً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه ، قال : وصليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم . ومع أبي بكر . ومع عمر . ومع عثمان ، فلم أسمع أحداً منهم يقولها ، فلا تقلها أنت ، إذا صليت فقل : الحمد لِلَّه رب العالمين ، انتهى . قال الترمذي : حديث حسن . والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم . ومن بعدهم من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري . وابن المبارك ، وأحمد . وإسحاق لا يرون الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة ، ويقولها في نفسه ، انتهى . قال النووي في الخلاصة : وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث ، وأنكروا على الترمذي تحسينه ، كابن خزيمة . وابن عبد البر . والخطيب ، وقالوا : إن مداره على ابن عبد اللّه بن مغفل ، وهو مجهول ، انتهى . ورواه أحمد في مسنده من حديث أبي نعامة عن بني عبد اللّه بن مغفل ، قالوا : كان أبونا إذا سمع أحداً منا يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم يقول : أي بني ! صليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبي بكر . وعمر ، فلم أسمع أحداً منهم يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، انتهى . ورواه الطبراني في معجمه عن عبد اللّه بن بريدة عن ابن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه مثله ، ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه ، قال : صليت خلف إمام ، فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، فلما فرغ من صلاته ، قلت : ما هذا ؟ ! غُيِّب عنا هذه التي أراك تجهر بها ؟ ! فإني قد صليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم . ومع أبي بكر . وعمر ، فلم يجهروا بها ، انتهى . فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه ، وهم : أبو نعامة الحنفي ، قيس بن عباية ، وقد وثقه ابن معين . وغيره ، وقال ابن عبد البر : هو ثقة عند جميعهم ، وقال الخطيب : لا أعلم أحداً رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته . وعبد اللَّه بن بريدة ، وهو أشهر من أن يثنى عليه . وأبو سفيان السعدي ، وهو إن تكلم فيه ، ولكنه يعتبر به ، ما تابعه عليه غيره من الثقات ، وهو الذي سمى ابن عبد اللّه بن مغفل يزيد ، كما هو عند الطبراني فقط ، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد اللّه بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه ، وقد تقدم في مسند الإمام أحمد عن أبي نعامة عن بني عبد اللّه بن مغفل ، وبنوه الذي يروي عنهم : يزيد . وزياد . ومحمد . والنسائي . وابن حبان ، وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء ، مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية ، ولم يرو واحد منهم حديثاً منكراً ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه ، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات ، فأما يزيد فهو الذي سمى في هذا الحديث ، وأما محمد ، فروى له الطبراني عنه عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : ما من إمام يبيت غاشاً لرعيته إلا حرم اللّه عليه الجنة ، وزياد أيضاً روى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعاً : لا تحذفوا ، فإنه لا يصاد به صيد ، ولا ينكأ العدو ، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين ، انتهى . وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية ، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح ، فلا ينزل عن درجة الحسن ، وقد حسنه الترمذي ، والحديث الحسن يحتج به ، لاسيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته ، والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد اللّه بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه ، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع ، ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث ، إذ قال بعد أن رواه في كتاب المعرفة من حديث أبي نعامة بسنده المتقدم ومتن السنن : هذا حديث تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية ، وأبو نعامة . وابن عبد اللّه بن مغفل ، فلم يحتج بهما صاحبا الصحيح ، فقوله : تفرد به أبو نعامة ليس بصحيح ، فقد تابعه عبد اللّه بن بريدة . وأبو سفيان ، كما قدمناه ، وقوله : وأبو نعامة . وابن عبد اللّه بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح ، ليس هذا لازماً في صحة الإسناد ، ولئن سلمنا ، فقد قلنا : إنه حسن ، والحسن يحتج به ، وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثاً عن نبيهم صلى اللّه عليه وسلم يتوارثه خلفهم عن سلفهم ، وهذا وحده كاف في المسألة ، لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحاً ومساءاً ، فلو كان عليه السلام يجهر بها دائماً لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه ، ولكان معلوماً بالاضطرار ، ولما قال أنس : لم يجهر بها عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا قال عبد اللّه بن مغفل ذلك أيضاً ، وسماه حدَثاً ، ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي صلى اللّه عليه وسلم ومقامه على ترك الجهر ، يتوارثه آخرهم عن أولهم ، وذلك جارٍ عندهم مجرى الصَّاعِ وَالمُدِّ ، بل أبلغ من ذلك ، لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة ، ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة ، وكم من إنسان لا يحتاج إلى صَاع ولا مُدَّ ، ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه ، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة ، والتابعين . وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعله . حديث آخر ، أخرجه مسلم في صحيحه عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لِلَّه رب العالمين ، انتهى . وهذا ظاهر في عدم الجهر بالبسملة ، وتأويله على إرادة اسم السورة يتوقف على أن السورة كانت تسمى عندهم بهذه الجملة ، فلا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه ، إلا بدليل ، واعترض على هذا الحديث بأمرين : أحدهما : أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة . والثاني : أنه روي عن عائشة أنه عليه السلام كان يجهر ، قلنا : يكفينا أنه حديث أودعه مسلم صحيحه ، وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد اللّه الربعي ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة ، وقد احتج به الجماعة ، وبديل بن ميسرة تابعي صغير ، مجمع على عدالته وثقته ، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار ، وتلقاه العلماء بالقبول ، ولم يتكلم فيه أحد منهم ، وما روي عن عائشة من الجهر فكذب بلا شك ، فيه الحكم بن عبد اللّه بن سعد ، وهو كذاب دجال ، لا يحل الاحتجاج به ، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح ، والاحتجاج بالباطل . حديث آخر ، مما يدل على أن البسملة آية وليست من السورة فلا يجهر بها ، ما

رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد بن المعلى ، قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلم أجبه ، فقلت : يا رسول اللّه إني كنت أصلي ، فقال : ألم يقل اللّه عز وجل : { استجيبوا لِلَّه وللرسول إذا دعاكم } ؟ ، ثم قال لي : لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ، قلت : ما هي ؟ قال : الحمد لِلَّه رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ، فأخبر أنها السبع المثاني ، ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانياً ، لأنها سبع آيات بدون البسملة ، ومن جعل البسملة منها إما أن يقول : هي بعض آية ، أو يجعل قوله : { صراط الذين أنعمت عليهم } إلى آخرها ، آية واحدة . حديث آخر ، ومما يدل أيضاً على أن البسملة ليست من السورة ما

أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي { تبارك الذي بيده الملك } ، انتهى . قال الترمذي : حديث حسن ، ورواه أحمد في مسنده . وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه وصححه ، وعباس الجشمي ، يقال : إنه عباس بن عبد اللّه ، ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يتكلم فيه أحد فيما علمنا ، ووجه الحجة منه أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة ، بلا خلاف بين العادِّين ، وأيضاً فافتتاحه بقوله : { تبارك الذي بيده الملك } دليل على أن البسملة ليست منها . حديث آخر ، قال الإمام أبو بكر الرازي في أحكام القرآن : أخبرنا أبو الحسن الكرخي ثنا الحضرمي ثنا محمد بن العلاء ثنا معاوية بن هشام عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن عبد اللّه ، قال : ما جهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صلاة مكتوبة ببسم اللّه الرحمن الرحيم . ولا أبو بكر . ولا عمر ، انتهى . وهذا حديث لا تقوم به حجة ، لكنه شاهد لغيره من الأحاديث ، فإن محمد بن جابر تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، وإبراهيم لم يلق عبد اللّه بن مسعود ، فهو ضعيف ومنقطع ، والحضرمي : هو محمد بن عبد اللّه الحافظ المعروف بمطين ، وشيخه ابن العلاء : هو أبو كريب الحافظ ، روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة ، واللّه أعلم . ملخص ما ذكره ابن عبد الهادي في الجهر بالبسملة مستدركاً على الخطيب ، قال : وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف جماعة : منهم ابن خزيمة . وابن حبان . والدارقطني . والبيهقي . وابن عبد البر . وآخرون ، وللقائلين بالجهر أحاديث : أجودها حديث نعيم المجمر ، قال : صليت وراء أبي هريرة ، فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأمِّ القرآن ، حتى قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، قال : آمين ، وفي آخره ، فلما سلم ، قال : إني لأشبهكم صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

رواه النسائي في سننه ، فقال : باب الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكيم ثنا شعيب ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر ، فذكره ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه . وابن حبان في صحيحه . والحاكم في مستدركه وقال : إنه على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، والدارقطني في سننه ، وقال : حديث صحيح ، ورواته كلهم ثقات . والبيهقي في سننه ، وقال : إسناده صحيح ، وله شواهد ، وقال في الخلافيات : رواته كلهم ثقات ، مجمع على عدالتهم ، محتج بهم في الصحيح ، انتهى . والجواب عنه من وجوه : أحدها : أنه حديث معلول ، فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة ، وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع ، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة ، وقد أعرض عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة صاحبا الصحيح ، فرواه البخاري من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع اللّه لمن حمده ، ثم يقول : ربنا لك الحمد ، ثم يقول : اللّه أكبر حين يهوي ساجداً ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين ، وذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، ثم يقول حين ينصرف : والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهاً بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا ، ورواه مسلم بنحو ذلك هذا هو الصحيح الثابت عن أبي هريرة ، قال ابن عبد البر : وكأنه كان ينكر على من ترك التكبير في رفعه وخفضه ، قال : ويدل على أنهم كانوا يفعلون ذلك ، ما

رواه النسائي من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أنه قال : ثلاث كان يفعلهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تركهن الناس ، كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً ، وكان يقف قبل القراءة هنيهة ، وكان يكبر في كل خفض ورفع ، ورواه ابن أبي ذئب في موطئه كذلك باللفظ المذكور ، ورواه البخاري في القراءة خلف الإمام ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ، وهذا حديث حسن ، ورواته ثقات ، وسعيد بن سمعان الأنصاري صدوق ، وثقه النسائي . وابن حبان ، ولا التفات إلى قول أبي الفتح الأزدي فيه : ضعيف ، فإن الأزدي متكلم فيه ، والنسائي أعلم منه ، وليس للتسمية في هذا الحديث . ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر ، وهذا مما يغلب على الظن أنه وَهَم على أبي هريرة فإن قيل : قد رواها نعيم المجمر ، وهو ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، قلنا : ليس ذلك مجمعاً عليه ، بل فيه خلاف مشهور ، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً ، ومنهم من لا يقبلها ، والصحيح التفصيل ، وهو أنها تقبل في موضعٍ دون موضعٍ ، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً ، والذي لم يذكرها مثله ، أو دونه في الثقة ، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس ، قوله : من المسلمين في صدقة الفطر ، واحتج بها أكثر العلماء ، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها ، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط ، بل كل زيادة لها حكم يخصها ، ففي موضع يجزم بصحتها ، كزيادة مالك ، وفي موضع يغلب على الظن صحتها ، كزيادة سعد بن طارق في حديث : جعلت الأرض مسجداُ ، وجعلت تربتها لنا طهوراً ، وكزيادة سليمان التيمي في حديث أبي موسى : وإذا قرأ فأنصتوا ، وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة ، كزيادة معمر ، ومن وافقه ، قوله : وإن كان مائعاً فلا تقربوه ، وكزيادة عبد اللّه بن زياد ذكر البسملة في حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وإن كان معمر ثقة . وعبد اللّه بن زياد ضعيفاً ، فإن الثقة قد يغلط ، وفي موضع يغلب على الظن خطأها ، كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه ، رواها البخاري في صحيحه ، وسئل هل رواها غير معمر ؟ فقال : لا ، وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر ، وقال فيه : ولم يصل عليه ، فقد اختلف على معمر في ذلك ، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق وقد اختلف عليه أيضاً ، والصواب أنه قال : ولم يصل عليه ، وفي موضع يتوقف في الزيادة ، كما في أحاديث كثيرة ، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه ، بل يغلب على الظن ضعفه ، وعلى تقدير صحتها ، فلا حجة فيها لمن قال بالجهر ، لأنه قال : فقرأ ، أو فقال : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وذلك أعم من قراءتها سراً أو جهراً ، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها ، فإن قيل : لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة ، ثم جهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولاً واحداً ، ولقال : فأسر بالبسملة ، ثم جهر بالفاتحة ، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه ، وتأمين المأمومين ، قلنا : ليس الجهر فيه بصريح ولا ظاهر يوجب الحجة ، ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإِسرار ، ولو أخذ الجهر من هذا الاطلاق لأخذ منه أنها ليست من أمِّ القرآن ، فإنه قال : فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ثم قرأ أمِّ القرآن ، والعطف يقتضي المغايرة . الوجه الثاني : أن قوله : فقرأ ، أو قال ، ليس بصريح أنه سمعها منه ، إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيماً بأنه قرأها سراً ، ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافته لقربه منه ، كما روى عنه من أنواع الاستفتاح ، وألفاظ الذكر في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ،

فلمسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب أنه عليه السلام كان يقول إذا قام في الصلاة : وجهت وجهي ، إلى آخرها ، وإذا ركع قال : اللّهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ، ويقول في سجوده نحو ذلك ، وإذا تشهد ، قال : اللّهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، إلى آخره ، ولم يكن سماع الصحابة ذلك منه دليلاً على الجهر ، وكان يُسْمِعنا الآية أحياناً ، وأيضاً فلو ساغ التمسك على الجهر بمجرد قوله : فقرأ ، لساغ لمن لا يرى قراءتها بالكلية ، الاعتماد على ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد للَّه رب العالمين ولم يسكت ، قال الطحاوي : في هذا الحديث دليل على أن بسم اللّه الرحمن الرحيم ليست من فاتحة الكتاب ، ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأها في الثانية كما قرأ فاتحة الكتاب ، والذي استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى ، لأنها عندهم من فاتحة الكتاب ، استحبوا ذلك أيضاً في الثانية ، فلما انتفى بهذا أن يكون قرأها في الثانية انتفى أن يكون قرأها في الأولى ، وعارض هذا حديث نعيم المجمر ، بل هو أولى لاستقامة طريقه ، وفضل صحته على حديث نعيم ، فإن قيل : إنما أراد أبو هريرة الاستفتاح بالسورة لا بالآية ، قلنا : هذا فيه صرف اللفظ عن حقيقته وظاهره ، وذلك لا يسوغ إلا لموجب ، وأيضاً فلو أراد اسم السورة لقال : بفاتحة الكتاب . أو بسورة الحمد ، أو بأمِّ القرآن ، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم ، كما في البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً : أمُّ القرآن هي السبع المثاني ، وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت مرفوعاً : لا صلاة لمن لم يقرأ بأمُّ القرآن ، وفي رواية : بفاتحة الكتاب ، وأما تسميتها بجملة الحمد لله رب العالمين . فلا يعرف ذلك عندهم ، فدل على أنه أراد استفتاحه بهذه الآية دون البسملة ، وهذا الحديث أصح إسنادا وأصرح دلالة من حديث نعيم ، واللّه أعلم . الوجه الثالث : أن قوله : إني لأشبهكم صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إنما أراد به أصل الصلاة ومقاديرها وهيئاتها ، وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه ، بل يكفي في غالب الأفعال ، وذلك متحقق في التكبير وغيره ، دون البسملة ، فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة ، وكان مقصوده الرد على من تركه ، وأما التسمية ، ففي صحتها عنه نظر ، فلينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره ، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل وجه ما في الصحيحين ، عن ثابت عن أنس ، قال : إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل : قد نسى ، وإذا رفع من السجود مكث حتى يقول القائل : قد نسى ، فهذا أنس قد أخبر بشبه صلاته بصلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فكان يطيل ركعتي الاعتدال والفصل إلى غاية يظن به النسيان ، ومع ذلك ، فالشافعية يكرهون إطالتهما ، وعندهم وجهان في بطلان الصلاة بها ، فهلا كان حديث أنس هذا دليلاً على وجوب إطالتهما مع صحته وموافقته للأحاديث الصحيحة ، كما كان حديث أبي هريرة دليلاً على وجوب قراءة البسملة والجهر بها ، مع علته ومخالفته للأحاديث الصحيحة ، وأيضاً ، فيلزمهم أن يقولوا بالجهر بالتعوذ ، لأن الشافعي روى : أخبرنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن عثمان عن صالح بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة ، وهو يؤم الناس رافعاً صوته في المكتوبة إذا فرغ من أمّ القرآن : ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ، فهلا أخذوا بهذا ، كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في الصحيحين عنه ، فما أسمعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى عنا أخفينا عنكم ، وإن لم تزد على أمّ القرآن أجزأت ، وإن زدت فهو خير ، وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة ، وهو الراوي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : يقول اللّه تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي . ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : { الحمد للَّه رب العالمين } قال اللّه : حمدني عبدي ، وإذا قال : { الرحمن الرحيم } قال اللّه : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال الله : مجدني عبدي ، وإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } قال اللّه : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : { إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال اللّه : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، انتهى . أخرجه مسلم في صحيحه عن سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، فذكره ، وعن مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب عن أبي هريرة ، وعن ابن جريج عن العلاء بن عبد الرحمن به ، وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة ، وإلا لابتدأ بها ، لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة ، حتى أنه لم يخل منهما بحرف ، والحاجة إلى قراءة البسملة أمسُّ ليرتفع الإشكال ، قال ابن عبد البر : حديث العلاء هذا قاطع تعلق المتنازعين ، وهو نص لا يحتمل التأويل ، ولا أعلم حديثاً في سقوط البسملة أبين منه ، واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بأمرين : أحدهما : قال : لا يغتر بكون هذا الحديث في مسلم ، فإِن العلاء بن عبد الرحمن تكلم فيه ابن معين ، فقال : الناس يتقون حديثه ، ليس حديثه بحجة ، مضطرب الحديث ، ليس بذاك ، هو ضعيف ، روى عنه جميع هذه الألفاظ ، وقال ابن عدي : ليس بالقوي ، وقد انفرد بهذا الحديث ، فلا يحتج به ، الثاني : قال : وعلى تقدير صحته ، فقد جاء إلى بعض الروايات عنه ذكر التسمية ، كما أخرجه الدارقطني عن عبد اللّه بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أمّ القرآن فهي خداج غير تام ، فقلت : يا أبا هريرة ، إني ربما كنت مع الإمام ، قال : فغمز ذراعي ، فقال : اقرأ بها في نفسك ، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : قال اللّه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها له ، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة : { بسم اللّه الرحمن الرحيم } فيذكرني عبدي ، ثم يقول : { الحمد لله رب العالمين } فأقول : { حمدني عبدي } إلى آخره ، وهذه الرواية ، وإن كان فيها ضعف ، ولكنها مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية ، وهذا القائل حمله الجهل ، وفرط التعصب على أن ترك الحديث الصحيح وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه ، وقال : لا يغتر بكونه في مسلم ، مع أنه قد رواه عن العلاء الأئمة الثقات الأثبات ، كمالك . وسفيان بن عيينة . وابن جريج . وشعبة . وعبد العزيز الدراوردي . وإسماعيل بن جعفر . ومحمد بن إسحاق . والوليد بن كثير . وغيرهم . والعلاء نفسه ثقة صدوق ، كما سيأتي ثناء الأئمة عليه ، وهذه الرواية انفرد بها عنه ابن سمعان ، وهو كذاب ، ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة ، ولا في المصنفات المشهورة . ولا المسانيد المعروفة ، وإنما رواه الدارقطني في سننه التي يروي فيها غرائب الحديث ، وقال عقيبه : وعبد اللّه بن زياد بن سمعان متروك الحديث ، وذكره في علله وأطال فيه الكلام ، وملخصه : أنه رواه عن العلاء جماعة أثبات يزيدون على العشرة ، ولم يذكر أحد منهم فيه البسملة ، وزادها ابن سمعان ، وهو ضعيف الحديث ، وحسبك بالأول قد أودعه مسلم في صحيحه ، والاختلاف الذي فيه ليس بعلة ، فإن بعضهم يقول : عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، ومنهم من يقول : عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة ، فإن العلاء سمعه من أبيه ، ومن أبي السائب ، ولهذا يجمعهما تارة ، ويفرد أباه تارة ، ويفرد أبا السائب تارة ، وكل ذلك عند مسلم ، وزيادة البسملة في حديث العلاء باطلة قطعاً ، زادها ابن سمعان خطأ أو عمداً ، فإنه منهم بالكذب ، مجمع على ضعفه ، قال عمر بن عبد الواحد : سألت مالكاً عنه ، فقال : كان كذاباً ، وقال يحيى بن بكير : قال هشام بن عروة فيه : لقد كذب عليّ ، وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها ، وعن أحمد بن حنبل : متروك الحديث ، وسئل يحيى بن معين عنه ، فقال : كان كذاباً ، وقيل لابن إسحاق : إن ابن سمعان يقول : سمعت مجاهداً ، فقال : لا إله إلا اللّه ، أنا واللّه أكبر منه ما رأيت مجاهداً ، ولا سمعت منه ، وقال ابن حبان : كان يروي عمن لم يره ، ويحدث بما لم يسمع ، وقال أبو داود : متروك الحديث ، كان من الكذابين ، وقال النسائي : متروك ، وقال البخاري : سكتوا عنه ، وقال أبو زرعة : لا شيء ، وأيضاً ، فلا ريب أن الخلفاء الراشدين ، وغيرهم من أئمة الصحابة كانوا أعلم بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأشدَّ تحرياً لها من أبي هريرة ، وقد كان أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وابن مسعود . وغيرهم من أئمة الصحابة لا يرون الجهر بالبسملة في الصلاة ، قال الترمذي : في جامعه بعد ذكره ترك الجهر : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم ، ومن بعدهم من التابعين ، وكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني ؟ ! وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف ، ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجباً لرده ؟ ، إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح ، كما فعلنا نحن . الأحاديث التي استدل بها الخطيب : فمنها حديث أخرجه عن أبي أويس ، واسمه عبد اللّه بن أويس قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أمَّ الناس جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وهذا الحديث

رواه الدارقطني في سننه وابن عدي في الكامل فقالا فيه : قرأ عوض : جهر ، وكأنه رواه بالمعنى ، ولو ثبت هذا عن أبي أويس ، فهو غير محتج به ، لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به ، فكيف إذا انفرد بشيء ، وخالفه فيه من هو أوثق منه ، مع أنه متكلم فيه ، فوثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وممن ضعفه أحمد بن حنبل ، وابن معين . وأبو حاتم الرازي ، وممن وثقه الدارقطني . وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه ، وروى له مسلم في صحيحه ، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة ، إذ لم يسلم من كلام الناس ، إلا من عصمه اللّه ، بل خرجا في الصحيح لخلق ممن تكلم فيهم ، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي . والحارث بن عبيد الأيادي وأيمن بن نابل الحبشي . وخالد بن مخلد القطواني . وسويد بن سعيد الحدثاني . ويونس بن أبي إسحاق السبيعي . وغيرهم ، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما اللّه إذا أخرجا لمن تكلم فيه ، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه ، وظهرت شواهده ، وعلم أن له أصلاً ، ولا يروون ما تفرد به ، سيما إذا خالفه الثقات ، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ، لأنه لم يتفرد به ، بل رواه غيره من الأثبات ، كمالك . وشعبة . وابن عيينة ، فصار حديثه متابعة ، وهذه العلة راجت على كثير ممن استدرك على الصحيحين فتساهلوا في استدراكهم ، ومن أكثرهم تساهلاً الحاكم أبو عبد اللّه في كتابه المستدرك ، فإنه يقول : هذا حديث على شرط الشيخين ، أو أحدهما ، وفيه هذه العلة ، إذ لا يلزم من كون الراوي محتجاً به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث ، كان ذلك الحديث على شرطه ، لما بيناه ، بل الحاكم كثيراً ما يجيء إلى حديث لم يخرج لغالب رواته في الصحيح ، كحديث روي عن عكرمة عن ابن عباس ، فيقول فيه : هذا حديث على شرط البخاري يعني لكون البخاري أخرج لعكرمة ، وهذا أيضاً تساهل ، وكثيراً ما يخرج حديثاً بعض رجاله للبخاري ، وبعضهم لمسلم ، فيقول : هذا على شرط الشيخين ، وهذا أيضاً تساهل ، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا الصحيح عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به ، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه ، أو لعدم ضبطه حديثه ، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه ، أو لغير ذلك ، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ ، ثم يقول : هذا على شرط الشيخين ، أو البخاري . أو مسلم ، وهذا أيضاً تساهل ، لأن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين ، لا في غيره ، فلا يكون على شرطهما ، وهذا كما أخرج البخاري . ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال . وغيره ، ولم يخرجا حديثه عن عبد اللّه بن المثنى ، فإن خالداً غير معروف بالرواية عن ابن المثنى ، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى : هذا على شرط البخاري . ومسلم كان متساهلاً ، وكثيراً ما يجيء إلى حديث فيه رجل ضعيف أو متهم بالكذب ، وغالب رجاله رجال الصحيح ، فيقول : هذا على شرط الشيخين . أو البخاري . أو مسلم ، وهذا أيضاً تساهل فاحش ، ومن تأمل كتابه المستدرك تبين له ما ذكرناه ، قال ابن دحية في كتابه العلم المشهور : ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد اللّه ، فإنه كثير الغلط ظاهر السقط ، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده ، وقلده في ذلك ، والمقصود من ذلك أن حديث أبي أويس هذا لم يترك لكلام الناس فيه ، بل لتفرده به ، ومخالفة الثقات له ، وعدم إخراج أصحاب المسانيد . والكتب المشهورة . والسنن المعروفة ، ولرواية مسلم الحديث في صحيحه من طريقه ، وليس فيه ذكر البسملة ، واللّه أعلم . طريق آخر

أخرجه الدارقطني عن خالد بن الياس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : علمني جبرئيل الصلاة ، فقام فكبر لنا ، ثم قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة ، انتهى . وهذا إسناد ساقط ، فإن خالد بن الياس مجمع على ضعفه ، قال البخاري عن الإمام أحمد : إنه منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، ولا يكتب حديثه ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال البخاري : ليس بشيء ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، وقال الحاكم : روى عن المقبري . ومحمد بن المنكدر . وهشام بن عروة أحاديث موضوعة ، وتكلم الدارقطني في العلل على هذا الحديث ، وصوب وقفه . طريق آخر

أخرجه الدارقطني أيضاً عن جعفر بن مكرم ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا قرأتم الحمد ، فاقرءوا بسم اللّه الرحمن الرحيم إنها أمَّ القرآن . وأمَّ الكتاب . والسبع المثاني ، و بسم اللّه الرحمن الرحيم أحد آياتها ، قال أبو بكر الحنفي : ثم لقيت نوحاً فحدثني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ، ولم يرفعه ، قال عبد الحق في أحكامه الكبرى : رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر ، وهو ثقة ، وثقه أحمد . وابن معين ، وكان سفيان الثوري يضعفه ، ويحمل عليه ، ونوح ثقة مشهور ، انتهى . وهذا ليس فيه دلالة على الجهر ، ولئن سلم فالصواب فيه الوقف ، كما هو في متن الحديث ، وقال الدارقطني في علله : هذا حديث يرويه نوح بن أبي بلال ، واختلف عليه فيه ، فرواه عبد الحميد بن جعفر عنه ، واختلف عنه ، فرواه المعافي بن عمران عن عبد الحميد عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً ، ورواه أسامة بن زيد . وأبو بكر الحنفي عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة موقوفاً ، وهو الصواب ، فإن قيل : إن هذا موقوف في حكم المرفوع ، إذ لا يقول الصحابي : إن البسملة أحد آيات الفاتحة إلا عن توقيف ، أو دليل قوي ظهر له ، وحينئذ يكون لها حكم سائر آيات الفاتحة من الجهر والإِسرار ، قلت : لعل أبا هريرة سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأها فظنها من الفاتحة ، فقال : إنها إحدى آياتها ، ونحن لا ننكر أنها من القرآن ، ولكن النزاع وقع في مسألتين : إحداهما : أنها آية من الفاتحة . والثانية : أن لها حكم سائر آيات الفاتحة جهراً وسراً ، ونحن نقول : إنها آية مستقلة قبل السورة ، وليست منها ، جمعاً بين الأدلة ، وأبو هريرة لم يخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : هي إحدى آياتها ، وقراءتها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك ، وإذا جاز أن يكون مستند أبي هريرة قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم لها ، وقد ظهر أن ذلك ليس بدليل على محل النزاع ، فلا يعارض به أدلتنا الصحيحة الثابتة . وأيضاً فالمحفوظ الثابت عن سعيد المقبري عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة ، كما

رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الحمد للَّه هي أمَّ القرآن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، ورواه أبو داود . والترمذي ، وقال : حسن صحيح ، هذا ، مع أن عبد الحميد بن جعفر ممن تكلم فيه ، ولكن وثقه أكثر العلماء ، واحتج به مسلم في صحيحه ، وليس تضعيف من ضعفه مما يوجب رد حديثه ، ولكن الثقة قد يغلط ، والظاهر أن غلط في هذا الحديث ، واللّه أعلم ، قال الخطيب : وقول الخصم : إن الجهر بالبسملة انفرد به عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أبو هريرة ، غير صحيح ، بل رواه غيره من الصحابة . حديث آخر عن علي بن أبي طالب ، وله طريقان : أحدهما :

رواه الحاكم في مستدركه عن سعيد بن عثمان الخراز ثنا عبد الرحمن بن سعيد المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي . وعمار أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وقال : صحيح الإسناد ، ولا أعلم في رواته منسوباً إلى الجرح ، وتعقبه الذهبي في مختصره ، فقال : هذا خبر واهٍ ، كأنه موضوع ، لأن عبد الرحمن صاحب مناكير ، ضعفه ابن معين ، وسعيد إن كان الكريزي فهو ضعيف ، وإلا فهو مجهول ، انتهى . وعن الحاكم رواه البيهقي في المعرفة بسنده ومتنه ، وقال : إسناده ضعيف ، إلا أنه أمثل من حديث جابر الجعفي ، قلت : وفطر بن خليفة ، قال السعدي : غير ثقة ، روى له البخاري مقروناً بغيره . والأربعة ، وتصحيح الحاكم لا يعتد به ، سيما في هذا الموضع ، فقد عرف تساهله في ذلك ، وقال ابن عبد الهادي : هذا حديث باطل ، ولعله أُدخل عليه . الطريق الثاني : رواه الدارقطني في سننه عن أسيد بن زيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل عن علي . وعمار نحوه ، وعمرو بن شمر . وجابر الجعفيان ، كلاهما لا يجوز الاحتجاج به ، لكن عمرو أضعف من جابر ، قال الحاكم : عمرو بن شمر كثير الموضوعات عن جابر . وغيره ، وإن كان جابر مجروحاً ، فليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عنه غير عمرو بن شمر ، فوجب أن يكون الحمل فيها عليه ، وقال الجوزجاني : عمرو بن شمر زائغ كذاب ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي . والدارقطني . والأزدي : متروك الحديث ، وقال ابن حبان : كان رافضياً يسبُّ الصحابة ، وكان يروي الموضوعات عن الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ، وأما جابر الجعفي ، فقال فيه الإمام أبو حنيفة : ما رأيت أكذب من جابر الجعفي ، ما أتيته بشيء من رأيي إلا أتاني فيه بأثر ، وكذبه أيضاً أيوب . وزائدة . وليث بن أبي سليم . والجوزجاني . وغيرهم ، وقال ابن عدي : هو إلى الضعف أقرب ، وقد احتمله الناس ، ورووا عنه عامة ما جرحوا به ، أنه كان يؤمن بالرجعة ، كان يقول : إن علياً يرجع إلى الدنيا ، ولم يختلف أحد في الرواية عنه ، انتهى . وأسيد بن زيد أيضاً كذبه ابن معين ، وتركه النسائي ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال ابن ماكولا : ضعفوه ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المناكير ، ويسرق الحديث ، ويحدث به ، وله طريق آخر عند الدارقطني أيضاً عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي ، قال : كان عليه السلام يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في السورتين جميعاً : الفاتحة . والتي بعدها ، وعيسى هذا والد أحمد بن عيسى المتهم بوضع حديث ابن عمر ، وهو وضاع ، قال ابن حبان والحاكم روى عن آبائه أحاديث موضوعة لا يحل الاحتجاج بها . حديث آخر عن ابن عباس ، وله ثلاث طرق : أحدها : عند

الحاكم في المستدرك عن عبد اللّه بن عمرو بن حسان ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، انتهى . قال الحاكم : إسناده صحيح ، وليس له علة وقد احتج البخاري لسالم هذا ، وهو ابن عجلان الأفطس ، واحتج مسلم بشريك ، انتهى . وهذا الحديث غير صريح . ولا صحيح ، فأما كونه غير صريح ، فإنه ليس فيه أنه : في الصلاة ، وأما غير صحيح ، فإن عبد اللّه بن عمرو بن حسان الواقعي كان يضع الحديث ، قاله إمام الصنعة علي بن المديني ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : ليس بشيء ، كان يكذب ، وقال ابن عدي : أحاديثه مقلوبات ، وفي قول الحاكم : احتج مسلم بشريك نظر ، فإنه إنما روى له في المتابعات لا في الأصول . الطريق الثاني : عند الدارقطني عن أبي الصلت الهروي ، واسمه عبد السلام بن صالح ثنا عباد بن العوام ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وهذا أضعف من الأول ، فإن أبا الصلت متروك ، قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : ليس عندي بصدوق ، ولم يحدثني عنه ، وأما أبو زرعة فإنه ضرب على حديثه ، وقال : لا أحدث عنه ، ولا أرضاه ، وقال الدارقطني : رافضي خبيث ، اتهم بوضع الإيمان إقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، انتهى . وكأن هذا الحديث واللّه أعلم مما سرقه أبو الصلت من غيره ، وألزقه بعباد بن العوام ، وزاد فيه : إن الجهر في الصلاة ، فإن غير أبي الصلت رواه عن عباد ، فأرسله ، وليس فيه : أنه في الصلاة ، قال أبو داود في مراسيله : حدثنا عباد بن موسى ثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم بمكة ، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا : إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخفاها ، فما جهر بها حتى مات ، انتهى . و

قال إسحاق بن راهويه في مسنده : أنبأ يحيى بن آدم أنبأ شريك عن سالم الأفطس عن سعيد ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم يمدُّ بها صوته ، وكان المشركون يهزءون ، مُكاءاً وتصديةً ، ويقولون : يذكر إله اليمامة يعنون مسيلمة ، ويسمونه الرحمن ، فأنزل اللّه تعالى : { ولا تجهر بصلاتك } الآية ، قال البيهقي : وزاد فيه غير يحيى بن آدم ، قال : فخفض النبي صلى اللّه عليه وسلم بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وقد أسند هذا الطبراني في معجمه الوسط ، فقال : حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الصابوني ثنا يحيى بن طلحة اليربوع ثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم هزأ منه المشركون ، ويقولون : محمد يذكر إله اليمامة ، إلى آخره ، مع أنه ورد في الصحيح أن هذه الآية نزلت في قراءة القرآن جهراً لا في البسملة ،

أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مختف بمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإن سمعه المشركون سبوا القرآن . ومن أنزله . ومن جاء به ، فقال اللّه لنبيه : { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك ، فيسب المشركون ، فيسبوا القرآن { ولا تخافت بها } عن أصحابك { وابتغ بين ذلك سبيلاً }

وورد في الصحيح أيضاً أنها نزلت في الدعاء ،

أخرجه البخاري أيضاً عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت في هذه الآية : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } نزلت في الدعاء ، انتهى . و

له طريق رابع عند البزار في مسنده عن المعتمر بن سليمان ثنا إسماعيل عن أبي خالد عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة ، انتهى . قال البزار : وإسماعيل لم يكن بالقوي في الحديث ، وأبو خالد أحسبه الوالبي ، انتهى . وهذا الحديث رواه أبو داود في سننه . والترمذي في جامعه بهذا السند ، والدارقطني في سننه ، وكلهم قالوا فيه : كان يفتتح صلاته ببسم اللّه الرحمن الرحيم قال الترمذي : ليس إسناده بذاك ، وقال أبو داود : حديث ضعيف ، ورواه العقيلي في كتابه وأعله بإسماعيل هذا ، وقال : حديثه غير محفوظ ، ويرويه عن مجهول ، ولا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند ، انتهى . ورواه ابن عدي ، وقال : حديث غير محفوظ ، وأبو خالد مجهول ، انتهى . وأبو خالد هذا سئل عنه أبو زرعة ، فقال : لا أعرفه ، ولا أدري من هو ، وقيل : هو الوالبي ، واسمه هرمز ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقد روى هذا الحديث البيهقي في سننه من طريق إسحاق بن راهويه عن معتمر بن سليمان ، قال : سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان يحدث عن أبي خالد عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة يعني يجهر بها ، انتهى . هكذا رواه بهذا اللفظ ، وهذا التفسير ليس من قول ابن عباس : إنما هو قول غيره من الرواة ، وكل من روى هذا الحديث بلفظ الجهر ، فإنما رواه بالمعنى ، مع أنه حديث لا يحتج به على كل حال ، و

له طريق خامس : عند الدارقطني عن عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يجهر في السورتين ببسم اللّه الرحمن الرحيم حتى قبض ، انتهى . وهذا لا يجوز الاحتجاج به ، فإن عمر بن حفص ضعيف ، قال ابن الجوزي في التحقيق : أجمعوا على ترك حديثه ،

وروى البيهقي له حديثاً عنه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض ثم قال البيهقي : تفرد به عمر بن حفص المكي ، وهو ضعيف لا يحتج به ، والحمل فيه عليه ، انتهى . ثم ذكر الخطيب لحديث ابن عباس طرقاً أخرى ، ليست صحيحة . ولا صريحة ، وقال ابن عبد الهادي : الجواب عن حديث ابن عباس يتوجه من وجوه : أحدها : الطعن في صحته فإن مثل هذه الأسانيد لا يقوم بها حجة ، لو سلمت من المعارض ، فكيف وقد عارضها الأحاديث الصحيحة ؟ . وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال ، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث ، حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة . الثاني : أن المشهور في متنه لفظ الاستفتاح لا لفظ الجهر ، الثالث : أن قوله : جهر إنما يدل على وقوعه مرة ، لأن كان يدل على وقوع الفعل ، وأما استمراره فيفتقر إلى دليل من خارج ، وما روي من أنه لم يزل يجهر بها فباطل ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى . الرابع : أنه روي عن ابن عباس ما يعارض ذلك ،

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم قراءة الأعراب ، وكذلك رواه الطحاوي ويقوي هذه الرواية عن ابن عباس ما رواه الأثرم بإسناد ثابت عن عكرمة تلميذ ابن عباس أنه قال : أنا أعرابي إن جهرت ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وكأنه أخذه عن شيخه ابن عباس ، واللّه أعلم . طريق سادس : لحديث ابن عباس ،

قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن رشد بن خثيم حدثنا عمي سعيد بن خثيم ثنا سفيان الثوري عن عاصم عن سعيد بن جبير أنه كان يجهر في السورتين ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وقال : حدثنا ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر بها فيهما ، انتهى . وهذا أيضاً لا يصح ، وسعيد بن خثيم تكلم فيه ابن عدي . وغيره ، والحمل فيه على ابن أخيه أحمد بن رشد بن خثيم ، فإنه متهم ، وله أحاديث أباطيل ، ذكرها الطبراني . وغيره ، وروى له الخطيب في أول تاريخه حديثاً موضوعاً ، هو الذي صنعه بسنده إلى العباس أنه عليه السلام ، قال له : أنت عمّي ، وصنو أبي ، وابنك هذا أبو الخلفاء من بعدي : منهم السفاح . ومنهم المنصور . ومنهم المهدي ، مختصر ، والراوي عنه هو ابن عقدة الحافظ ، وهو كثير الغرائب والمناكير ، روى في الجهر أحاديث كثيرة عن ضعفاء . وكذابين . ومجاهيل ، والحمل فيهما عليهم لا عليه . حديث آخر عن ابن عمر ،

قال الدارقطني : حدثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ثنا جعفر بن محمد بن مروان ثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر ، قال : صليت خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبي بكر . وعمر ، فكانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، انتهى . وهذا باطل من هذا الوجه ، لم يحدث به ابن أبي فديك قط ، والمتهم به أحمد بن عيسى بن عبد اللّه بن محمد أبو طاهر الهاشمي ، وقد كذبه الدارقطني ، وهو كما قال ، فإن من روى مثل هذا الحديث عن مثل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الثقة المشهور المخرج له في الصحيحين عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب الإِمام المشهور عن نافع عن ابن عمر ، فإنه يكون كاذباً في روايته ، وعمر بن الحسن الشيباني شيخ الدارقطني تكلم فيه الدارقطني أيضاً ، وقال : هو ضعيف ، وقال الخطيب : سألت الحسن بن محمد الخلال عنه ، فقال : ضعيف ، وأما جعفر بن محمد بن مروان من أهل الكوفة ، فليس مشهوراً بالعدالة ، وقد تكلم فيه الدارقطني أيضاً ، وقال : لا يحتج به ، وقد

روى الحافظ أبو محمد الرامهرمزي في أول كتاب المحدث الفاصل حديثاً موضوعاً لأحمد بن عيسى ، هو المتهم به ، فقال : حدثنا أبو حصين الوادعي ثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى العلوي ثنا ابن أبي فديك ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس عن علي ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اللّهم ارحم خلفائي ، قلنا : من خلفاؤك ؟ قال : الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس ، انتهى . وأبوه عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وضّاع أيضاً ، وقد تقدم ذكره في حديث علي بن أبي طالب .

وله طريق آخر عند الخطيب عن عبادة بن زياد الأسدي عن يونس بن أبي يعفور العبدي عن المعتمر بن سليمان عن أبي عبيدة عن مسلم بن حبان ، قال : صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في السورتين ، فقيل له ، فقال : صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قبض . وخلف أبي بكر حتى قبض . وخلف عمر حتى قبض ، فكانوا يجهرون بها في السورتين ، فلا أدع الجهر بها حتى أموت ، انتهى . وهذا أيضاً باطل ، وعَبادة بن زياد الأسدي بفتح العين . قال أبو حاتم : كان من رؤساء الشيعة ، وقال الحافظ محمد النيسابوري : هو مجمع على كذبه ، وشيخه يونس بن أبي يعفور العبدي فيه مقال ، فوثقه بعضهم ، وروى له مسلم في صحيحه ، وضعفه النسائي . وابن معين ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج عندي بما انفرد به ، ومسلم بن حبان فغير معروف ، والصواب في حديث ابن عمر الوقف عليه ، كما ذكره البيهقي . وغيره أنه كان يقرأ البسملة للفاتحة وللسورة ، وقد يجهر بها أحياناً ، إما ليعلم المأمومين ، أو لغير ذلك من الأسباب ، واللّه أعلم . حديث آخر عن النعمان بن بشير

أخرجه الدارقطني في سننه عن يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي ثنا أحمد بن حماد الهمداني عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أمّني جبرئيل عند الكعبة فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، انتهى . وهذا حديث منكر ، بل موضوع ، ويعقوب بن يوسف الضبي ليس بمشهور ، وقد فتشت عليه في عدة كتب من الجرح والتعديل ، فلم أر له ذكراً أصلاً ، ويحتمل أن يكون هذا الحديث مما عملته يداه ، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني ، وسكوت الدارقطني . والخطيب . وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جداً ، ولم يتعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا على فطر بن خليفة ، وهو تقصير منه ، وإذ لو نسب إليه لكان حديثاً حسناً ، وكأنه اعتمد على قول السعدي فيه : هو زائغ غير ثقة ، ليس هذا بطائل ، فإن فطر بن خليفة روى له البخاري في صحيحه ووثقه أحمد بن حنبل . ويحيى بن القطان . وابن معين . حديث آخر عن االحكم بن عمير ،

قال الدارقطني : حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر الكوفي ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار ثنا إبراهيم بن حبيب ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي عن الحكم بن عمير وكان بدرياً قال : صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاة الليل . وصلاة الغداة . وصلاة الجمعة ، انتهى . وهذا من الأحاديث الغريبة المنكرة ، بل هو حديث باطل لوجوه : أحدها : أن الحكم بن عمير ليس بدرياً ، ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير ، بل لا يعرف له صحبة ، فإن موسى بن أبي حبيب الراوي عنه لم يلق صحابياً ، بل هو مجهول لا يحتج بحديثه ، قال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل : الحكم بن عمير روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أحاديث منكرة لا يذكر سماعاً ولا لقاءاً ، روى عنه ابن أخيه موسى بن أبي حبيب ، وهو ضعيف الحديث ، سمعت أبي يذكر ذلك ، وقال الدارقطني : موسى بن أبي حبيب شيخ ضعيف الحديث ، وقد ذكر الطبراني في معجمه الكبير الحكم بن عمير ، وقال في نسبته : الثمالي ، ثم روى له بضعة عشر حديثاً منكراً ، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه ، وروى له ابن عدي في الكامل قريباً من عشرين حديثاً ، ولم يذكرا فيها هذا الحديث ، والراوي عن موسى هو إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي ، قال الدارقطني : متروك الحديث ، وقال الأزدي : يتكلمون فيه ، ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعته ، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها ، كبقي بن مخلد . وابن عدي . والطبراني ، وإنما رواه فيما علمنا الدارقطني ، ثم الخطيب ، ووهم الدارقطني ، فقال : إبراهيم بن حبيب ، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق ، وتبعه الخطيب ، وزاد وَهْمَاً ثانياً ، فقال : الضبي بالضاد والباء ، وإنما هو الصيني بصاد مهملة ونون . حديث آخر عن أم سلمة ،

رواه الحاكم في المستدرك عن عمر بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد للّه رب العالمين آيتين الرحمن الرحيم ثلاث آيات ، إلى آخره ، قال الحاكم : وعمر بن هارون أصل في السنة ، وإنما أخرجته شاهداً ، انتهى . وهذا ليس بحجة لوجوه : أحدها : أنه ليس بصريح في الجهر ، ويمكن أنها سمعته سراً في بيتها لقربها منه . والثاني : أن مقصودها الإخبار بأنه كان يرتل قراءته حرفاً حرفاً ، ولا يسردها ،

وقد رواه هو أعني الحاكم من حديث همام ثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة ، قالت : كانت قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فوصفت بسم اللّه الرحمن الرحيم حرفاً حرفاً ، قراءة بطيئة ، وقال : على شرط الشيخين ،

وقال الدارقطني : إسناده صحيح ، ورواه أبو داود والترمذي . والنسائي من حديث يعلى بن مملك ، أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . الثالث : أن المحفوظ فيه والمشهور أنه ليس في الصلاة ، وإنما قوله : في الصلاة زيادة من عمر بن هارون ، وهو مجروح ، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، قال أحمد بن حنبل : لا أروي عنه شيئاً ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وكذبه ابن المبارك ، وقال : قدم عمر بن هارون مكة بعد موت جعفر بن محمد ، فزعم أنه رآه وحدث عنه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال صالح : جزرة ، كان كذاباً . وسئل عنه ابن المديني ، فضعفه جداً ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المعضلات ، ويدعي شيوخاً لم يرهم ، وقد رواه الطحاوي من حديث حفص بن غياث ثنا أبي عن ابن جريج به ، بمثل حديث عمرو بن هارون ، ثم أخرجه عن ابن أبي مليكة به بلفظ السنن ، ثم قال : فقد اختلف الذين رووه في لفظه ، فانتفى أن يكون حجة ، وكأنه لم يعتد بمتابعة غياث لعمر بن هارون ، لشدة ضعف ابن هارون . الرابع : أن يقال : غاية ما فيه أنه عليه السلام جهر بها مرة أو نحو ذلك ، وليس فيه دليل على أن كل إمام يجهر بها في صلاة الجهر دائماً ، ولو كان ذلك معلوماً عندهم لم يختلف فيه ، ولم يقع فيه شك ، ولم يحتج أحد إلى أن يسأل عنه ، ولكان من جنس جهره عليه السلام بغيرها ، ولما أنكره عبد اللّه بن المغفل ، وعدَّه حدثاً ، ولكان الرجال أعلم به من النساء ، واللّه أعلم . حديث آخر ،

رواه الحاكم في مستدركه والدارقطني في سننه من حديث محمد بن المتوكل بن أبي السري ، قال : صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها : الصبح . والمغرب ، فكان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها ، وقال المعتمر : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي ، وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس ، وقال أنس : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، انتهى . قال الحاكم : رواته كلهم ثقات ، وهو معارض

بما رواه ابن خزيمة في مختصره . والطبراني في معجمه عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يسر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، في الصلاة . وأبو بكر وعمر ، انتهى . وفي الصلاة زادها ابن خزيمة ،

وله طريق آخر عند الحاكم أيضاً أخرجه عن محمد بن أبي السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس ، قال : صليت خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر . وعمر . وعثمان . وعلي ، فكلهم كانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، قال الحاكم : وإنما ذكرته شاهداً ، قال الذهبي في مختصره : أما استحى الحاكم يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع ، فأنا أشهد باللّه ، وواللّه إنه لكذب ، وقال ابن عبد الهادي : سقط منه لا ، ومحمد بن أبي السري ، قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عنه ، فقال : لين الحديث ، مع أنه قد اختلف عليه فيه ، فقيل عنه كما تقدم ، وقيل عنه : عن المعتمر عن أبيه عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يسر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وأبو بكر . وعمر ، هكذا

أخرجه الطبراني ، وقيل عنه : بهذا الإسناد ، وفيه الجهر ، كما رواه الحاكم ، وقال : رجاله ثقات ، وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في الصحيح خلافه ، لما عرف من تساهله ، حتى قيل : إن تصحيحه دون تصحيح الترمذي . والدارقطني ، بل تصحيحه كتحسين الترمذي ، وأحياناً يكون دونه ، وأما ابن خزيمة . وابن حبان فتصحيحهما أرجح من تصحيح الحاكم بلا نزاع ، فكيف بتصحيح البخاري . ومسلم ، كيف ! وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك ، حتى إن شعبة سأل قتادة عن هذا ، فقال : أنت سمعت أنساً يذكر ذلك ؟ فقال : نعم ، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر ، ونقل شعبة عن قتادة : ما سمعه من أنس في غاية الصحة ، وأرفع درجات الصحيح عند أهله ، فإن قتادة أحفظ أهل زمانه ، وإتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم ، وهذا مما يرد به قول من يزعم أن بعض الرواة روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه من قوله : كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد للّه رب العالمين ، ففهم من هذا نفي قراءتها ، فرواه من عنده ، فإن هذا قول من هو أبعد الناس علماً برواية هذا الحديث ، وألفاظهم الصريحة التي لا تقبل التأويل . وبأنهم من العدالة والضبط من الغاية التي لا تحتمل المجازفة ، أو أنه مكابر صاحب هوى ، فيتبع هواه ، ويدع موجب الدليل ، واللّه أعلم .

وله طريق آخر عند الخطيب عن ابن أبي داود عن ابن أخي ابن وهب عن عمه عن العمري . ومالك ، وابن عيينة عن حميد عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الفريضة ، انتهى . قال ابن عبد الهادي : سقط منه لا كما رواه الباغندي وغيره عن ابن أخي ابن وهب ، هذا هو الصحيح ، وأما الجهر فلم يحدث به ابن وهب قط ، ويوضحه أن مالكاً

رواه في الموطأ عن حميد عن أنس ، قال : قمت وراء أبي بكر الصديق . وعمر . وعثمان ، فكلهم لا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم إذا افتتحوا الصلاة ، قال ابن عبد البر في التقصي : هكذا رواه عن جماعة موقوفاً ، ورواه ابن أخي ابن وهب عن مالك . وابن عيينة . والعمري عن حميد عن أنس مرفوعاً فقال : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبا بكر . وعمر . وعثمان لم يكونوا يقرءون ، قال : وهذا خطأ من ابن أخي ابن وهب في رفعه ذلك عن عمه عن مالك ، فصار هذا الذي رواه الخطيب خطأ على خطأ ، والصواب فيه عدم الرفع . وعدم الجهر ، واللّه أعلم ، وذكر الخطيب ، وغيره لحديث أنس طرقاً أخرى : فيها الجهر ، إلا أنه ليس فيها قوله : في الصلاة ، فلا حجة فيها ، وهو الصحيح عن أنس ،

كما رواه البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : كانت مداً ، ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم يمدّ بسم اللّه ويمد الرحمن ويمد الرحيم ،

وروى مسلم عنه أيضاً ، قال : نزلت عليّ آنفاً سورة ، فقرأ : { بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إنا أعطيناك الكوثر } إلى آخرها ، وهذا هو الصحيح عن أنس أنه روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قراءة البسملة ، وليس فيه ذكر الصلاة أصلاً ، ونظيره حديث أم سلمة أنه عليه السلام كان يقرأ : { بسم اللّه الرحمن الرحيم ، الحمد للّه رب العالمين } يقطعها حرفاً حرفاً ، وقد تقدم ، ويؤيد هذا المعنى حديث سعيد بن جبير ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم بمكة ، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا : إن محمداً يدعو إله اليمامة ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإخفائها ، فما جهر بها حتى مات ، رواه أبو داود في مراسيله والمرسل إذا وجد له ما يوافقه ، فهو حجة باتفاق . حديث آخر ، موقوف ، ولكنه في حكم المرفوع ،

أخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك ، قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة ، فبدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم لأمِّ القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، حتى قضى تلك الصلاة ، ولم يكبر حين يهوي ، حتى قضى تلك الصلاة ، فلما سلم ناداه من سمع ذاك من المهاجرين . والأنصار ، من كل مكان : يا معاوية ، أسرقت الصلاة ، أم نسيت ؟ ! أين بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وأين التكبير إذا خفضت ، وإذا رفعت ؟ ! فلما صلى بعد ذلك قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أمِّ القرآن ، وكبر حين يهوي ساجداً ، انتهى . قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم . ورواه الدارقطني ، وقال : رواته كلهم ثقات ، وقد اعتمد الشافعي رحمه اللّه على حديث معاوية هذا في إثبات الجهر ، وقال الخطيب : هو أجود ما يعتمد عليه في هذا الباب ، والجواب عنه من وجوه : أحدها : أن مداره على عبد اللّه بن عثمان بن خثيم ، وهو وإن كان من رجال مسلم لكنه متكلم فيه ، أسند ابن عدي إلى ابن معين أنه قال : أحاديثه غير قوية وقال النسائي : لين الحديث ، ليس بالقوي فيه ، وقال الدارقطني : ضعيف ليَّنوه ، وقال ابن المديني : منكر الحديث . وبالجملة فهو مختلف فيه ، فلا يقبل ما تفرد به ، مع أنه قد اضطرب في إسناده ومتنه ، وهو أيضاً من أسباب الضعف ، أما في إسناده فإن ابن خثيم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص عن أنس ، وتارة يرويه عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه ، وقد رجح الأولى البيهقي في كتاب المعرفة لجلالة راويها ، وهو ابن جريج ، ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية ، ورواه ابن خثيم أيضاً عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده ، فزاد ذكر الجد كذلك ، رواه عنه إسماعيل بن عياش ، وهي عند الدارقطني ، والأولى عنده ، وعند الحاكم ، والثانية عند الشافعي ، وأما الاضطراب في متنه فتارة يقول : صلى ، فبدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم لأمِّ القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، كما تقدم عند الحاكم ، وتارة يقول : فلم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم حين افتتح القرآن ، وقرأ بأمِّ الكتاب ، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عياش ، وتارة يقول : فلم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم لأمِّ القرآن ولا للسورة التي بعدها ، كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج ، ومثل هذا الاضطراب في السند والمتن مما يوجب ضعف الحديث ، لأنه مشعر بعدم ضبطه . الوجه الثاني : أن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذاً . ولا معللاً ، وهذا شاذ معلل ، فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات عن أنس ، وكيف يروي أنس مثل حديث معاوية هذا محتجاً به ، وهو مخالف لما رواه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . وعن خلفائه الراشدين ، ولم يعرف عن أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك ، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنساً كان مقيماً بالبصرة ، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنساً كان معه ، بل الظاهر أنه لم يكن معه ، واللّه أعلم . الوجه الثالث : أن مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً ترك الجهر بها ، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلاً ، قال عروة بن الزبير ، أحد الفقهاء السبعة : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد للِّه رب العالمين ، وقال عبد الرحمن بن القاسم : ما سمعت القاسم يقرأ بها ، وقال عبد الرحمن الأعرج : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد للِّه رب العالمين ، ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا شيء يسير ، وله محمل ، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أوَّلهم ، فكيف ينكرون على معاوية ما هو شبههم ؟ ! هذا باطل . الوجه الرابع : أن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة ، كما نقلوه ، لكان هذا معروفاً من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه ، ولم ينقل ذلك عنهم ، بل الشاميون كلهم خلفاءهم وعلماءهم ، كان مذهبهم ترك الجهر بها ، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل لا أصل له . والأوزاعي إمام الشام ، ومذهبه في ذلك مذهب مالك ، لا يقرأها سراً ولا جهراً ، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية ، ومعلوم أن معاوية قد صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلو سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يجهر بالبسملة لما تركها حتى ينكر عليه رعيته أنه لا يحسن يصلي ، وهذه الوجوه من تدبرها علم أن حديث معاوية هذا باطل ، أو مغير عن وجهه ، وقد يتمحل فيه ، ويقال : إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظاً ، فإنما هو إنكار لترك إتمام التكبير ، لا لترك الجهر بالبسملة ، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد ، حتى إنه كان مذهب عمر بن عبد العزيز ، وهو عدم التكبير حين يهوي ساجداً بعد الركوع ، وحين يسجد بعد القعود ، وإلا فلا وجه لإنكارهم عليه ترك الجهر بالبسملة ، وهو مذهب الخلفاء الراشدين . وغيرهم من أكابر الصحابة ، ومذهب أهل المدينة أيضاً . وبالجملة ، فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح ، بل فيها عدمهما ، أو عدم أحدهما ، وكيف تكون صحيحة ، وليست مخرجة في شيء من الصحيح ، ولا المسانيد ، ولا السنن ، المشهورة ؟ ! وفي روايتها الكذابون . والضعفاء . والمجاهيل الذين لا يوجدون في التواريخ ، ولا في كتب الجرح والتعديل ، كعمرو بن شمر . وجابر الجعفي . وحصين بن مخارق . وعمر بن حفص المكي . وعبد اللّه بن عمرو بن حسان . وأبي الصلت الهروي . وعبد الكريم بن أبي المخارق . وابن أبي علي الأصبهاني ، الملقب بجراب الكذب . وعمر بن هارون البلخي . وعيسى بن ميمون المدني . وآخرون أضربنا عن ذكرهم ، وكيف يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ، ما رواه البخاري . ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الأثبات : ومنهم قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه ، ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في الحديث ، وتلقاه الأئمة بالقبول ، ولم يضعفه أحد بحجة إلا من ركب هواه ، وحمله فرط التعصب على أن علله ، ورده باختلاف ألفاظه ، مع أنها ليست مختلفة ، بل يصدق بعضها بعضاً ، كما بينا ، وعارضه بمثل حديث ابن عمر الموضوع ، أو بمثل حديث معاوية الضعيف ، ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا ، فجعل الصحيح ضعيفاً ، والضعيف صحيحاً ، والمعلل سالماً من التعليل ، والسالم من التعليل معللاً سقط الكلام ، وهذا ليس بعدل ، واللّه يأمر بالعدل ، وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب ، ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة ، والسنن المعروفة ، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ، ومسائل الدِّين ، فالبخاري رحمه اللّه مع شدة تعصبه وفرط تحامله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثاً واحداً ، ولا كذلك مسلم رحمه اللّه ، فإنهما لم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء ، ولا يقال في دفع ذلك : إنهما لم يلتزما أن يودعا في صحيحيهما كل حديث صحيح ، يعني فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة ، وهذا لا يقوله إلا سخيف أو مكابر ، فإن مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل ومعضلات الفقه ، ومن أكثرها دوراناً في المناظرة وجولاناً في المصنفات ، والبخاري كثير التتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة ، فيذكر الحديث ، ثم يعرض بذكره ، فيقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : كذا وكذا ، وقال بعض الناس : كذا وكذا ، يشير ببعض الناس إليه ، ويشنع لمخالفة الحديث عليه ، وكيف يخلي كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة ، وهو يقول في أول كتابه : باب الصلاة من الإيمان ، ثم يسوق أحاديث الباب ، ويقصد الرد على أبي حنيفة ؟ في قوله : إن الأعمال ليست من الإيمان ، مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء ، ومسألة الجهر يعرفها عوام الناس ورعاعهم ، هذا مما لا يمكن ، بل يستحيل ، وأنا أحلف باللّه ، وتاللّه لو اطلع البخاري على حديث منها موافق لشرطه ، أو قريب من شرطه لم يخل منه كتابه ، ولا كذلك مسلم رحمه اللّه ، ولئن سلمنا فهذا أبو داود . والترمذي . وابن ماجه . مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة ، والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا منها شيئاً ، فلولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها ، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة ، وهو أقوى ما فيها عندهم ، وقد بينا ضعفه ، والجواب عنه من وجوه متعددة ، وأخرج الحاكم منها : حديث علي , ومعاوية ، وقد عرف تساهله ، وباقيها عند الدارقطني في سننه التي هي مجمع الأحاديث المعلولة ، ومنبع الأحاديث الغريبة ، وقد بيناها حديثاً حديثاً ، واللّه أعلم . الآثار في ذلك : فمنها ما رواه البيهقي في الخلافيات . والطحاوي في كتابه من حديث عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه ، قال : صليت خلف عمر رضي اللّه عنه ، فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم . وكان أبي يجهر بها ، انتهى . وهذا الأثر مخالف للصحيح الثابت عن عمر : أنه كان لا يجهر ، كما رواه أنس ، وقد روى عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضاً عدم الجهر ، وروى الطحاوي بإسناده عن أبي وائل ، قال : كان عمر . وعلي لا يجهران ببسم اللّه الرحمن الرحيم . فإن ثبت هذا عن عمر ، فيحمل على أنه فعله مرة ، أو بعض أحيانٍ ، لأحد الأسباب المتقدمة ، واللّه أعلم . ومنها ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر . وعمر . وعثمان . وعلياً كانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . انتهى . وهذا باطل ، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي ، أجمعوا على ترك الاحتجاج به ، قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : كذاب ذاهب الحديث ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات لا يحل الاحتجاج به ، وقال النسائي : متروك الحديث . ومنها ما أخرجه الخطيب أيضاً عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن أبيه ، قال : صليت خلف علي بن أبي طالب ، وعدة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلهم يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . وهذا أيضاً لا يثبت ، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق علياً ، ولا صلى خلفه قط ، والحمل فيه على ابنه يعقوب ، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة ، قال أحمد بن حنبل : منكر الحديث ، وقال أبو زرعة . وابن معين : ضعيف ، ومشاه ابن عدي ، فقال : يكتب حديثه ، وأما شيخ الخطيب فيه ، فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي ، ويعرف بابن أبي علي ، فقد تكلموا فيه ، وذكروا أنه كان يركب الأسانيد ، ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص ، قال : كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب . ومنها ما أخرجه الخطيب أيضاً من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان ، قال : صليت خلف أبي سعيد الخدري . وابن عباس . وأبي قتادة . وأبي هريرة ، فكانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . وهذا أيضاً لا يثبت ، والحسن بن الحسين هو العرني إن شاء اللّه ، وهو شيعي ضعيف ، أو هو حسين بن الحسن الأشقر ، وانقلب اسمه ، وهو أيضاً شيعي ضعيف ، أو هو مجهول ، وإبراهيم بن أبي يحيى فقد رُمِيَ بالرفض والكذب ، وصالح بن نبهان مولى التوءَمة ، وقد تكلم فيه مالك . وغيره من الأئمة ، وفي إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر ، وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به ، وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأصحابه ، لأن الشيعة ترى الجهر ، وهم أكذب الطوائف ، فوضعوا في ذلك أحاديث ، وكان أبو علي بن أبي هريرة ، أحد أعيان أصحاب الشافعي يرى ترك الجهر بها ، ويقول : الجهر بها صار من شعار الروافض ، وغالب أحاديث الجهر نجد في رواتها من هو منسوب إلى التشيع . ومنها ما أخرجه الخطيب أيضاً عن محمد بن أبي السري ثنا المعتمر عن حميد الطويل عن بكر بن عبد اللّه المزني ، قال : صليت خلف عبد اللّه بن الزبير فكان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم . وقال : ما يمنع أمراءكم أن يجهروا بها إلا الكبر ، انتهى . قال ابن عبد الهادي : إسناده صحيح ، لكنه يحمل على الإِعلام بأن قراءتها سنة ، فإن الخلفاء الراشدين كانوا يسرون بها ، فظن كثير من الناس أن قراءتها بدعة ، فجهر بها من جهر من الصحابة ليعلموا الناس أن قراءتها سنة ، لا أنه فعله دائماً ، وقد ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير ترك الجهر ، فاللّه أعلم ، وأما أقوال التابعين في ذلك فليست بحجة ، مع أنها قد اختلفت ، فروى عن غير واحد منهم الجهر ، وروي عن غير واحد منهم تركه ، وفي بعض الأسانيد إليهم الضعف والاضطراب ، ويمكن حمل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة ، والواجب في مثل هذه المسألة الرجوع إلى الدليل ، لا إلى الأقوال ، وقد نقل بعض من جمع في هذه المسألة الجهر عن غير واحد من الصحابة . والتابعين . وغيرهم ، والمشهور عنهم غيره كما نقل الخطيب الجهر عن الخلفاء الراشدين الأربعة ، ونقله البيهقي . وابن عبد البر عن عمر . وعلي والمشهور عنهم تركه ، كما ثبت ذلك عنهم ، قال الترمذي في ترك الجهر : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم من بعدهم من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري . وابن المبارك . وأحمد . وإسحاق ، وكذلك قال ابن عبد البر : لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر ، وهو الصحيح عن ابن عباس ، قال : ولا أعلم إن اختلف في الجهر بها عن ابن عمر . وشداد بن أوس . وابن الزبير ، وقد ذكر الدارقطني . والخطيب عن ابن عمر عدم الجهر ، وكذلك روى الطحاوي . والخطيب . وغيرهما عن ابن عباس عدم الجهر ، وكذلك ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير عدم الجهر ، وذكر ابن عبد البر . والخطيب عن عمار بن ياسر الجهر وذكر ابن المنذر عنه عدمه وذكر البيهقي وابن عبد البر والخطيب عن عكرمة الجهر ، وذكر الأثرم عنه عدمه ، وذكر الخطيب . وغيره عن ابن المبارك . وإسحاق الجهر ، وذكر الترمذي عنهما تركه ، كما تقدم ، وذكر الأثرم عن إبراهيم النخعي أنه قال : ما أدركت أحداً يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم . والجهر بها بدعة ، وذكر الطحاوي عن عروة ، قال : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد للّه رب العالمين ، وقال وكيع : كان الأعمش . وابن أبي خالد . وابن أبي ليلى . وسفيان . والحسن بن صالح . وعلي بن صالح . ومن أدركنا من مشيختنا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . وروى سعيد بن منصور في سننه حدثنا خالد عن حصين عن أبي وائل ، قال : كانوا يسرون البسملة والتعوذ في الصلاة ، حدثنا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة فقال : إنما يفعل ذلك الأعراب ، حدثنا عتاب بن بشير ثنا خصيف عن سعيد بن جبير ، قال : إذا صليت فلا تجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم . واجهر بالحمد للَّه رب العالمين . ملخص ما قاله صاحب التنقيح ، ذكر الأحاديث التي استدل بها الشافعية ، ثم قال : وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة ، ولولا أن يعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى ، ويكفي في ضعفها إعراض المصنفين للمسانيد ، والسنن عن جمهورها ، وقد ذكر الدارقطني منها طرفاً في سننه فبيّن ضعف بعضها وسكت عن بعضها ، وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر ، فصنف فيه جزءاً ، فأتاه بعض المالكية ، فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك ، فقال : كل ما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في الجهر فليس بصحيح ، وأما عن الصحابة : فمنه صحيح . وضعيف ، ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر ، فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف ، وقد بينا عللّها وخللّها ، ثم إنا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين : إما أن يكون جهر بها للتعليم ، أو جهر بها جهراً يسيراً يسمعه من قرب منه ، والمأموم إذا قرب من الإمام أو حاذاه سمع ما يخافته ، ولا يسمى ذلك جهراً ، كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحياناً . والثاني : أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر ، فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعى رحمن اليمامة ، فقال أهل مكة : إنما يدعو إله اليمامة ، فأمر اللّه رسوله بإخفائها ، فما جهر بها حتى مات ، فهذا يدل على نسخ الجهر ، قال : ومنهم من سلك في ذلك مسلك البحث والتأويل ، فقال : إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء : أحدها : بكثرة الرواة ، فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة : أنس بن مالك . وعبد اللّه بن المغفل ، وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابياً . والثاني : أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي ، وأحاديث الجهر شهادة على إثبات ، والإثبات مقدم على النفي ، كما قدم قول بلال في صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم في البيت على قول أسامة . وغيره : إنه لم يصل ، قالوا : وبأن أنساً قد روى عنه إنكار ذلك في الجملة ، فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد أبي مسلمة ، قال : سألت أنساً أكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أو الحمد لله رب العالمين ؟ قال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، أو ما سألني عنه أحد قبلك ، قال الدارقطني : إسناده صحيح ، قلنا : أما اعتراضهم بكثرة الرواة ، فالاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين ، وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح ، بخلافه حديث الإِخفاء ، فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحاح . والمسانيد المعروفة . والسنن المشهورة ، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة ، وهو قول ضعيف ، لبعد احتمال الغلط على العدد الأكثر ، ولهذا جعلت الشهادة على الزنا أربعة ، لأنه أكبر الحدود ، وأحاديث الجهر ، وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة ، وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه ، وهو حديث ضعيف ؟ كحديث : الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث : من كنت مولاه ، فعليُّ مولاه ، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفاً ، وإنما يرجح بكثرة الرواة إذا كانت الرواة محتجاً بهم من الطرفين ، كترجيح الأئمة رواية من روى عن الزهري حديث : المجامع وذكرهم الترتيب ، وتعليق الحكم على الجماع على رواية من روى عنه التخيير ، وترتيب الحكم على مجرد الفطر من غير ذكر الجماع ، وأحاديث الجهر ليست مخرجة في الصحاح . ولا المسانيد المشهورة ، ولم يروها إلا الحاكم . والدارقطني ، فالحاكم عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة ، بل الموضوعة ، والدارقطني فقد ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة . والشاذة . والمعللة ، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره ! وأما الشهادة على النفي فهي وإن ظهرت في صورة النفي ، فمعناها الإثبات ، بخلاف حديث بلال ، مع أن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال : فالأكثرون على تقديم الإثبات ، قالوا : لأن المثبت معه زيادة علم ، وأيضاً فالنفي يفيد التأكيد لدليل الأصل ، والإثبات يفيد التأسيس ، والتأسيس أولى . الثاني : أنهما سواء ، قالوا : لأن النافي موافق للأصل ، وأيضاً ، فالظاهر تأخير النافي عن المثبت ، إذ لو قدر مقدماً عليه لكانت فائدته التأكيد ، لدليل الأصل ، وعلى تقدير تأخيره يكون تأسيساً ، فالعمل به أولى . القول الثالث : أن النافي مقدم على المثبت ، وإليه ذهب الآمدي . وغيره ، وقد قدم جماعة من الحذاق : منهم البيهقي النفي على الإثبات في حديث ماعز ، وأنه عليه السلام صلى عليه ، كما رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر ، ورواه أحمد وأصحاب السنن ، وقالوا فيه : ولم يصل عليه ، وصححه الترمذي ، وهو الصواب ، واللّه أعلم ، وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه لم يسمعه لبعده ، وأنه كان صبياً يومئذ ، فمردود ، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هاجر إلى المدينة ، ولأنس يومئذ عشر سنين ، ومات ، وله عشرون سنة ، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين ، فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر ؟ هذا بعيد ، بل مستحيل ، ثم قد روى هذا في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكيف ! وهو رجل في زمن أبي بكر . وعمر ، وكهل في زمان عثمان ، مع تقدمه في زمانهم ، وروايته للحديث ؟ ! ، وقد روى أنس ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه ، رواه النسائي . وابن ماجه قال النووي في الخلاصة : إسناده على شرط البخاري . ومسلم ، وأما ما روي من إنكار أنس ، فلا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في الصحيح ، ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال ، لكبره ، وقد وقع مثل ذلك كثيراً ، كما سئل يوماً عن مسألة ، فقال : عليكم بالحسن فاسألوه ، فإنه حفظ ، ونسينا ، وكم ممن حدث ونسي ، ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلاً ، لا عن الجهر بها وإخفائها ، واللّه أعلم . ملخص ما قاله الحازمي في الناسخ والمنسوخ اختلف أهل العلم في البسملة ، هل يجهر بها في الصلاة . أو لا ؟ فذهب جماعة إلى الجهر بها ، روي ذلك عن علي . وعمر . وابن عمر . وابن عباس . وعبد اللّه بن الزبير . وعطاء . وطاوس . ومجاهد . وسعيد بن جبير ، وإليه ذهب الشافعي . وأصحابه ، وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم ، وقالوا : يسر بها ولا يجهر ، وروي ذلك عن أبي بكر . وعمر في إحدى الروايتين وعثمان . وابن مسعود . وعمار بن ياسر . والحكم . وحماد ، وبه قال أحمد . وإسحاق . وأصحاب الحديث ، وقالت طائفة : لا يقرأها سراً ولا جهراً ، وبه قال مالك . والأوزاعي ، استدل القائلون بالإخفاء بالأحاديث الثابتة ، وأكثرها نصوص لا تقبل التأويل ، وهي وإن عارضها أحاديث أخرى ، فأحاديث الإسرار أولى بالتقديم ، لأمرين : أحدهما : ثبوتها ، وصحة سندها ، ولا خفاء أن أحاديث الجهر لا توازيها في الصحة والثبوت . والثاني : أنها وإن صحت فهي منسوخة ، بما أخبرنا ، وساق من طريق أبي داود ثنا عباد بن موسى ثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم بمكة ، قال : وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا : إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخفاها ، فما جهر بها حتى مات ، انتهى . وهذا مرسل يتقوى بفعل الخلفاء الراشدين ، لأنهم كانوا أعرف بأواخر الأمور ، وأما من ذهب إلى الجهر ، فقال : لا سبيل إلى إنكار ورود الأحاديث في الجانبين ، وكتب السنن . والمسانيد ناطقة بذلك ، ثم يشهد بصحة الجهر آثار الصحابة . ومن بعدهم من التابعين ، وهلم جرّا ، إلى عصر الأئمة ، وحديث سعيد بن جبير مرسلاً لا يقوم به حجة ، ثم هو معارض بما أخبرنا ،

وساق من طريق الدارقطني ثنا أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن سعيد البزار ثنا جعفر بن عنبسة بن عمرو الكوفي ثنا عمر بن جعفر المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يجهر في السورتين ببسم اللّه الرحمن الرحيم حتى قبض ، انتهى . قال : وطريق الإِنصاف أن يقال : أما ادعاء النسخ في كل المذهبين فمتعذر ، لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة ، وقد فقدناها ههنا ، فلا سبيل إلى القول به ، وأما أحاديث الإخفاء فهي أمتن ، غير أن هنا شيئاً ، وذلك أن أحاديث الجهر ، وإن كانت مأثورة عن جماعة من الصحابة ، غير أن أكثرها لم يسلم من شوائب الجرح ، كما في الجانب الآخر ، والاعتماد في الباب على رواية أنس بن مالك ، لأنها أصح وأشهر ، ثم الرواية قد اختلفت عن أنس من وجوه أربعة ، وكلها صحيحة : الأول : روي عنه أنه قال : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبو بكر . وعمر . وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد للّه رب العالمين ، وهذا أصح الروايات عن أنس ، رواه يزيد بن هارون . ويحيى بن سعيد القطان . والحسن بن موسى الأشيب . ويحيى بن السكن وأبو عمر الحوضي . وعمرو بن مرزوق . وغيرهم عن شعبة عن قتادة عن أنس ، وكذلك روي عن الأعمش عن شعبة عن قتادة ، وثابت عن أنس ، وكذلك رواه عامة أصحاب قتادة عن قتادة : منهم هشام الدستوائي . وسعيد بن أبي عروبة . وأبان بن يزيد العطار . وحماد بن مسلمة . وحميد . وأيوب السختياني . والأوزاعي . وسعيد بن بشير . وغيرهم ، وكذلك رواه معمر . وهمام . واختلف عنهما في لفظه ، قال الدارقطني : وهو المحفوظ عن قتادة . وغيره عن أنس ، وقد اتفق البخاري . ومسلم على إخراج هذه الرواية لسلامتها من الاضطراب ، وقال الشافعي : معناه أنهم كانوا يبدءون بقراءة الفاتحة قبل السورة ، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرءون بسم اللّه الرحمن الرحيم . الوجه الثاني : روي عنه أنه قال : صليت خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم . وأبي بكر . وعمر . وعثمان . فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، رواه كذلك محمد بن جعفر . ومعاذ بن معاذ . وحجاج بن محمد . ومحمد بن بكر البرساني . وبشر بن عمر . وقراد أبو نوح . وآدم بن أبي إياس . وعبيد اللّه بن موسى . وأبو النضر هاشم بن القاسم . وعلي بن الجعد . وخالد بن زيد المزرفي عن شعبة عن قتادة ، وأكثرهم اضطربوا فيه ، فلذلك امتنع البخاري من إخراجه ، وهو من مفاريد مسلم . الوجه الثالث : ما رواه همام . وجرير بن حازم عن قتادة ، قال : سئل أنس بن مالك ، كيف كانت قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : كانت مداً ، ثم قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم يمدّ بسم الله ويمدّ بالرحمن ويمدّ بالرحيم ، وقال : وهذا حديث صحيح لا يعرف له علة ، أخرجه البخاري في صحيحه الوجه الرابع : روي عنه ما أخبرنا ،

وساق من طريق الدارقطني ثنا أبو بكر يعقوب بن إبراهيم البزار ثنا العباس بن يزيد ثنا غسان بن مضر ثنا أبو مسلمة سألت أنس بن مالك أكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستفتح بالحمد للّه رب العالمين ، أو ببسم اللّه الرحمن الرحيم ؟ ، فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك ، قلت : أكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي في النعلين ؟ ، قال : نعم . انتهى . قال الدارقطني : إسناده صحيح ، فهذه الروايات كلها صحيحة مخرجة في كتب الأئمة ، وهي مختلفة ، كما ترى ، وغير مستبعد وقوع الاختلاف في مثل ذلك ، وكم من شخص يتغافل عن أمر هو من لوازمه ، حتى لا يلقي إليه بالاً ألبتة ، ويتنبه لأمر ليس من لوازمه ويلقي إليه باله بكليته ، ومن أعجب ما اتفق لي أني دخلت جامعاً في بعض البلاد ، لقراءة شيء من الحديث ، فحضر إلي جماعة من أهل العلم ، وهم من المواظبين على الجماعة في الجامع ، وكان إمامهم صيِّتاً يملأ الجامع صوته ، فسألتهم عنه ، هل يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم أو يخفيها ؟ فاختلفوا عليّ في ذلك ، فقال بعضهم : يجهر بها ، وقال بعضهم : يخفيها ، وتوقف آخرون ، والحق أن كل من ذهب إلى أيّ هذه الروايات فهو متمسك بالسنة ، واللّه أعلم .