فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الاستحاضة

باب
الاستِحَاضَةِ
[ قــ :302 ... غــ :306 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا رسول الله! إني لا أطهرُ؛ أفأدع الصلاة؟ ، فقالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما ذَلِكَ عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصَّلاة، فإذا ذهب عنك قدرها فاغسلي عنك الدم وصلّي) ) .

هذا الحديث خرجه البخاري في مواضع متعددة من ( ( كتاب الحيض) ) ، وفي بعضها: أنها قالت: ( ( إني أستحاض فلا أطهر) ) ، وفي بعضها: ( ( إذا أدبرَتْ فاغتسلي وصلي) ) ، وفي بعضها: ( ( دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضينَ فيها، ثُمَّ اغتسلي وصلي) ) .

وكل هذه الألفاظ من رواية هشام، عن أبيه، عن عائشة.

وخرج - أيضاً - من رواية ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة - وعن
عمرة -، عن عائشة: أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذَلِكَ، فأمرها أن تغتسل، فقالَ: ( ( هذا عرق) ) ، فكانت تغتسل لكل صلاة.

المستحاضة: هي من اختلط دم حيضها بدم غير الحيض، هوَ دم فاسد غير طبيعي، بل عارض لمرض، فدم الحيض هوَ دم جبلةٍ وطبيعةٍ، يرخيه الرحم بعد البلوغ في أوقات معتادة، وسمي حيضاً لأنه يسيل، ويقال: حاض الوادي إذا سال.

وقد فرق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين دم الحيض والاستحاضة بأن دم الاستحاضة عرق، وهذا يدل على أن دم الحيض ليس دم عرق؛ فإنه دم طبيعي، يرخيه الرحم فيخرج من قعره، ودم الاستحاضة يخرج من عرق ينفجر، [ومنه] الذي يسيل في أدنى الرحم دون قعره.

وفي ( ( سنن أبي داود) ) من حديث أسماء بنت عميس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ( ( هذا من الشيطان) ) يعني: دم الاستحاضة.

وخرج النسائي من حديث عمرة، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ في المستحاضة: ( ( ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم) ) .

ومن حديث القاسم، عن عائشة: أن امرأة مستحاضة على عهد النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل لها: إنه عرق عاندٌ.

وفي حديثه حمنة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ( ( إنما هوَ ركضةٌ من الشيطان) ) .

خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي.
وفي حديث عثمان بن سعد، عن ابن أبي مليكةَ، عن فاطمة بنت أبي حبيشٍ، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ( ( إنما هوَ عرق انقطع، أو داءٌ عرض، أو ركضةٌ من الشيطان) ) .

وروى أبو عبيد في ( ( غريبه) ) : نا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، أنه سئل عن المستحاضة؟ فقالَ: ذَلِكَ العاذل يغذو.

قالَ أبو عبيد: ( ( العاذل) ) : اسم العرق الذي يخرج منه دم الاستحاضة.

وقوله: ( ( يغذو) ) - يعني: يسيل.

قالَ: ونا أبو النضر، عن شعبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إنه عرق عاند، أو ركضة من الشيطان.

قالَ: وقوله: ( ( عاند) ) - يعني: أنه عندَ وبغي كالإنسان يعاند عن القصد فهذا العرق في كثرة ما يخرج من الدم بمنزلته.
والركضة: الدفعة.

وقد اختلف العلماء في تفسير الاستحاضة، على حسب اختلافهم في حد أكثر الحيض.

فمن قالَ: لهُ حد محدود، قالَ: المستحاضة من جاوز دمها أكثر الحيض، وهذا قول الأكثرين منهم.

وقد أشار البخاري إلى الاختلاف في ذَلِكَ - فيما بعد -، ويأتي الكلام فيهِ في موضعه - إن شاء الله تعالى.

ومن قالَ: ليس لأكثره حد محدود، وإنما يرجع إلى عادة المرأة، فإنه يرى أن عادتها إذا زاد الدم عليها مدة طويلة كانَ ذَلِكَ استحاضة.
وقد ذكر أبو داود في ( ( سننه) ) ، قالَ: روى يونس، عن الحسن في الحائض إذا مد بها الدم: تمسك بعد حيضها يوماً أو يومين، فهي مستحاضة.

وقال التيمي، عن قتادة: إذا زاد على أيام حيضتها خمسة أيام فلتصل.

قالَ التيمي: فجعلت أُنقص حتى بلغت يومين، فقالَ: إذا كانَ يومين فهوَ من حيضها.

وسئل عنه ابن سيرين، فقالَ: النساء أعلم بذلك.

وقد ذكر البخاري قول ابن سيرين هذا فيما بعد تعليقاً، ويأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى.

روى حرب الكرماني: ثنا إسحاق - هوَ: ابن راهويه -: ثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن، في امرأة كانَ أقراؤها سبعة أيام قبل أن تتزوج، فلما تزوجت ارتفعت إلى خمسة عشر أو ثلاثة عشر؟ قالَ: تنظر تلك الأيام التي كانت تحيضها قبل أن تتزوج، فإذا مضت اغتسلت كل يوم عندَ صلاة الظهر إلى مثلها، وتوضأت عندَ كل صلاة، وتتنظف، وتصلي.

قالَ: ونا إسحاق: نا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قالَ: قلت لمحمد ابن سيرين: المرأة تحيض فتزيد على ذَلِكَ خمسة أيام؟ قالَ: تصلي، قلت: يومين؟ قالَ: ذَلِكَ من حيضتها.

وروى حرب بإسناده، عن الأوزاعي، في المرأة تمكث في حيضها سبعة أيام ثم ترى بعد السبعة دماً؟ قالَ: إن شاءت استظهرت بيوم، ثم تغتسل وتصلي.

ومذهب أحمد وأصحابه: أن الحائض إذا كانَ لها عادةٌ مستمرة فإنها تجلس أيام عادتها.

وهل تثبت عنده العادة بمرتين، أو ثلاث مرار؟ على روايتين عنه.

فإن لم يكن لها عادة، مثل أن تكون مبتدأةً، فإنها لا تزيد على أن تقعد أقل الحيض عنده، وهو يوم وليلة، ثم تغتسل وتصلي حتى تثبت لها عادة بمرتين أو ثلاث فتنتقل إليها.
هذا هوَ الصحيح عنده.

وكذلك إذا كانت معتادة، فزادت عادتها، فإنها تغتسل عندَ انقضاء عادتها وتصلي، فإن انقطع لأكثر الحيض فما دونه على قدر واحد مرتين أو ثلاثاً -، على اختلاف الروايتين عنه - صار عادة بائنة منتقلة، وانتقلت إليه.

وتمسك لذلك بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة بأن تدع الصلاة في الأيام التي كانت تحيض فيها، وهذا رد إلى العادة المعتادة المستمرة.

وأما مذهب مالك فيمن لها عادة فزادت عليها، فعنه فيها روايتان:
إحداهما: تجلس ما تراه من أول مرة؛ ما لم يزد على أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوماً.

والثانية: أنها تستطهر على عادتها بثلاثة أيام، ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً، تغتسل وتصلي، وهي التي رجع إليها مالك، وعليها المصريون من أصحابه، وهي قول الليث بن سعد.

وإذا استحيضت هذه فإنها تستطهر على أكثر أيام عادتها ما لم تجاوز خمسة عشر - أيضاً -، وفيه عنه خلاف يأتي ذكره فيما بعد.

ومذهب الشافعي وأبي حنيفة: أنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض، سواء اتفقت عادتها، أو اختلفت، ولا عبرة بالعادة فيما يمكن أن يكون
حيضاً.

وأما قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب عنك قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي) ) - وفي رواية: ( ( فإذا أدبرت) ) .
فقد اختلف العلماء في تأويله:
فتأوله الأكثرون، منهم مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد على أن المراد به اعتبار تميز الدم، وأن هذه المستحاضة كانَ دمها متميزاً، بعضه أسود وبعضه غير ذَلِكَ، فردها إلى زمن دم الحيض وهو الأسود الثخين، فإذا أقبل ذَلِكَ الدم تركت الصلاة، فإذا أدبر وجاء دم غيره فإنها تغتسل وتصلي.

وقد جاء التصريح بذلك في رواية أخرى من طريق محمد بن أبي عدي، عن محمد بن عمرو عن علقمة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض، فقالَ لها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا كانَ دم الحيضة، فإنه دم أسود يعرف، فإذا كانَ ذَلِكَ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كانَ الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هوَ عرق) ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في
( ( صحيحيهما) ) والحاكم.

وقال: صحيح على شرط مسلم.

وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات.

وقد تكلم فيهِ آخرون:
قالَ النسائي: روى هذا الحديث غير واحد، فلم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن عدي.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقالَ: لم يتابع محمد ابن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر.

وأيضاً؛ فقد اختلف على ابن أبي عدي في إسناده، فقيل: عنه كما ذكرنا.
وقيل عنه في إسناده: عن عروة، عن عائشة.

وقيل: إن روايته عن عروة، عن فاطمة أصح؛ لأنها في كتابه كذلك.

وقد اختلف في سماع عروة من فاطمة.

وفي ( ( سنن أبي داود) ) من رواية سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ في أمر فاطمة بنت أبي حبيش: ( ( لتجلس في مركن، فإذا رأت صفرةً فوق الماء فلتغتسل) ) .

وفي إسناده اختلاف: وقد قيل: إن الصحيح فيهِ: عن عروة، عن فاطمة.

وفي بعض ألفاظه: ( ( فأمرها أن تقعد أيامها التي كانت تقعد، ثم تغتسل) ) .
والأظهر - والله اعلم -: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ردها إلى العادة لا إلى التمييز؛ لقوله: ( ( فإذا ذهب عنك قدرها) ) ، كذا في رواية مالك، عن هشام، وهي التي خرجها البخاري في هذا الباب.

وقد تأويلها بعض المالكية على أنها كانت مميزة، لكن يزيد دم تمييزها على أكثر الحيض، فتجلس منه قدر العادة.

وقال بعضهم: المراد بقدرها: ذهاب دمها وانقضاؤها.

وتأوله بعضهم: على أن المراد بذهاب قدرها: الاستطهار بعد مدتها بثلاثة أيام على ما يراه مالك.

وكل هذه تأويلات بعيدةٌ، تخالف ظاهر اللفظ.

وفي رواية أبي أسامة، عن هشام: ( ( دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) ) .

وقد خرجها البخاري فيما بعد.

وهذه الرواية صريحة في ردها إلى العادة دون التمييز.

وخرج مسلم من حديث عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة، أن أم حبيبة سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدم؟ فقالَ لها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي) ) .

وفي رواية: أنها شكت إليه الدم.

وروى مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أن امرأةً كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ: ( ( لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر [قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذَلِكَ من الشهر] ، فإذا خلفت ذَلِكَ فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصل) ) .

وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

وخرجه الإمام أحمد والنسائي - أيضاً - وابن ماجه من حديث عبيد الله بن
عمر، عن نافع - بنحوه.

وخرجه أبو داود - أيضاً - من رواية الليث، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلاً أخبره عن أم سلمة.

ومن طريق أبي ضمرة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سليمان، عن رجل من الأنصار، أن امرأة كانت تُهراق الدماء - فذكره بمعناه.

فتبين بهذا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.

وروى أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ: ( ( إنه ليس بالحيضة، ولكنه عرق) ) ، وأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها، أو حيضها، ثم تغتسل، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب وصلت.
فهذه الرواية تشهد لما ذكرناه من أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما رد فاطمة إلى العادة.

وكذلك روى المنذر بن المغيرة، عن عروة، أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته: أنها سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشكت إليه الدم؟ فقالَ لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما ذَلِكَ
عرقٌ، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء)
)
.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوهٍ متعددة أنه أمر المستحاضة أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل.

وهذه النصوص كلها تدل على الرجوع إلى العادة المعتادة لها قبل الاستحاضة.

والمستحاضة لها أربعة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون مميزة، وهي التي دمها مميز، بعضه أسود وبعضه أحمر أو أصفر.

والحالة الثانية: أن تكون معتادة، وهي التي لها عادة معلومة من الشهر تعرفها.

والحالة الثالثة: أن تجتمع لها عادة وتمييز، وتختلفان.

والحالة الرابعة: أن لا تكون لها عادة ولا تمييز، مثل أن يكون دمها كله لونه
واحد، وليس لها عادة: إما بأن تكون قد استحيضت وهي مبتدأة، أو كانت لها عادة ونسيتها.

وقد اختلف العلماء في حكم ذَلِكَ: فذهب الشافعي وأحمد إلى اعتبار التمييز والعادة معاً، فإن انفرد أحدهما عملت به، بغير خلاف عنهما.

وإن اجتمعا واختلفا، ففيه قولان:
أحدهما: تقدم التمييز على العادة، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد اختارها الخرقي.

والثاني: تقدم العادة على التمييز، وهو المشهور عن أحمد، وعليه أكثر
أصحابه، وهو قول إسحاق والإصطخري وابن خيران من الشافعية.

وهو قول الأوزاعي، حتى إنه قدم رجوعها إلى عادة نسائها على تمييز الدم.

وذهب مالك إلى أن لا اعتبار بالعادة، وأن العمل على التمييز وحده، فإن لم يكن لها تمييز فإنها لا تترك الصلاة أصلاً، بل تصلي أبداً، ويلزمها الغسل لكل صلاة في الوقت لاحتمال انقطاع الحيضة فيهِ.

ومذهب أبي حنيفة وسفيان: أن الاعتبار بالعادة وحدها دون التمييز، فإن لم يكن لها عادة فإنها تجلس أقل الحيض، ثم تغتسل وتصلي.

وأما من لا عادة لها ولا تمييز، فإذا كانت ناسيةً، فذهب أبو حنيفة إلى أنها تقعد العادة، تجلس أقل الحيض ثم تغتسل وتصلي.

ومذهب مالك: أنها تقعد التمييز أبداً، وتغتسل، كما تقدم.

وللشافعي فيها ثلاث أقوال: أحدهما: أنها تجلس أقل الحيض.
والثاني: تجلس غالبه: ستاً أو سبعاً.
والثالث - وهو الصحيح عندَ أصحابه - كقول مالك: أنها لا تجلس شيئاً، بل تغتسل لكل صلاة وتصلي.

ومذهب أحمد: أن الناسية لعادتها تجلس غالب عادات النساء: ستاً أو سبعاً من كل شهر، ثم تغتسل وتصلي وتصوم، هذا هوَ المشهور عنه.

وحكي عنه رواية: أنها تجلس أقل الحيض، ثم تغتسل وتصلي.
ورواية ثالثة: أنها تجلس عادة نسائها وأقاربها، ثم تغتسل وتصلي.

وأما المبتدأة إذا استحيضت، فإذا كانت مميزة، فإنها تُرد إلى تمييزها عندَ الشافعي وأحمد وإسحاق.

وإن لم يكن لها تمييز، فعن أحمد فيها أربع روايات: إحداهن: تجلس أقل
الحيض.
والثانية: أكثره.
والثالثة: غالبه، وهو ست أو سبع.
والرابعة: عادة
نسائها.

وللشافعي قولان: أحدهما: تجلس أقله، والثاني: غالبه.

وقال أبو حنيفة: تجلس أكثر الحيض، بخلاف قوله في الناسية.

وعن مالك روايات: إحداهن: تجلس أكثر الحيض.
والثانية: تجلس عادة لداتها وأقرانها.
والثالثة: تجلس عادتهن وتستطهر بعدها بثلاث.

وحكي عنه رواية أخرى: أنها لا تجلس شيئاً أصلاً.

هذا في أول شهر، فأما ما بعده فلا تجلس فيهِ أصلاً، بل تغتسل وتصلي أبداً، إذا لم يكن لها التمييز.
وقال عطاء والأوزاعي والثوري - في المشهور عنه -: تجلس عادة نسائها
وأقاربها، فإن لم يكن لها أقارب جلست غالب حيض النساء: ستاً أو سبعاً.

وقد ورد حديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رد المستحاضة إلى غالب حيض الحُيض: من رواية حمنة بنت جحش، قالت: كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة، فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استفتيه - فذكرت الحديث، إلى أن قالت - قالَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما ذَلِكَ من الشيطان، فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله - عز وجل -، ثم اغتسلي) ) - وذكر الحديث.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

وفي رواية لأبي داود: ( ( وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء، وكما يطهرن) ) .

وقال الترمذي: حسن صحيح.
قالَ: وسألت محمداً - يعني: البخاري -
عنه، فقالَ: هوَ حديث حسن، وكذا قالَ أحمد بن حنبل: هوَ حسن صحيح -: هذا ما ذكره الترمذي.

ونقل حرب، عن أحمد، [أنه] قالَ: نذهب إليه، ما أحسنه من حديث.

واحتج به إسحاق وأبو عبيد، وأخذا به.

وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني وابن منْده، ونقل الاتفاق على تضعيفه من جهة عبد الله بن محمد بن عقيل؛ فإنه تفرد بروايته.

والمعروف عن الإمام أحمد أنه ضعفه ولم يأخذ به، وقال: ليس بشيء.
وقال - مرة -: ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصح منه وأقوى إسناداً.
وقال - مرة -: في نفسي منه شيء.

ولكن ذكر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة والأخذ به.
والله أعلم.
وقد اختلف الناس في حمنة: هل كانت مبتدأة، أو كانت معتادة ناسية لعادتها، أو معتادةً ذاكرةً لعادتها؟
فمنهم من قالَ: كانت مبتدأةً، ورجحه الخطابي وطائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم، وضعفه الإمام أحمد بأن حمنة كانت امرأةً كبيرة، لم تكن صغيرة.

ومنهم من قالَ: كانت ناسيةً لعادتها ولا تمييز لها، وعلى هذا حمله الإمام أحمد على رواية أخذه بالحديث، وأصحابه الذين أخذوا به كأبي بكر الخلال وصاحبه أبي بكر ابن جعفر.

ومنهم: من حمله على أنها كانت معتادةً عالمة بالعادة، وهو اختيار الشافعي في ( ( الأم) ) .

واختلف أصحابه نعلى هذا: كيف ردها إلى ست أو سبع؟
فمنهم من قالَ: إنما ردها إلى ما تذكره من عادتها من الست أو السبع.

ومنهم من قالَ: كانت عادتها في الشهور مختلفة، ففي بعضها كانت تحيض
ستاً، وفي بعضها سبعاً، فردها إلى عادتها في ذَلِكَ.

وقد حمل طائفة من أصحابنا حديث حمنة على مثل ذَلِكَ، بناءً على أن المبتدأةً والناسية لا تجلسان أكثر من أقل الحيض، ولكن المنصوص عن أحمد - وهو قول أبي بكر وغيره -: إنا لا نقول: إن الناسية تجلس أقل الحيض إلا لتضعيفنا إسناد حديث حمنة، لا لتأويله.

وممن رجح تأويله ابن أبي موسى في ( ( شرح الخرقي) ) ، وقال: نحمله على أن الست كانت عادتها، وشكت في اليوم السابع، فردها إلى عادتها المتيقنة، وردها في اليوم المشكوك فيهِ إلى التحري فيهِ والاجتهاد.

وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( فإذا أدبرت) ) ، أو ( ( فإذا ذهب قدرها - فاغسلي عنك الدم وصلي) ) .
وفي رواية أخرى: ( ( فاغتسلي وصلي) ) ,، فإنه يجمع بين الروايتين ويؤخذ بهما في وجوب غسل الدم والاغتسال عندَ ذهاب الحيض.

وقد جاء ذَلِكَ مصرحاً به في رواية خرجها النسائي من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن فاطمة بنت قيس من [بني] أسد قريش، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ لها: ( ( اغتسلي، واغسلي عنك الدم، وصلي) ) .

قالَ الطبراني: فاطمة بنت قيس هذه هي بنت أبي حبيش، واسمه: قيس.
قالَ: وليست فاطمة بنت قيس الفهرية التي روت قصة طلاقها.

وقال الدارقطني في ( ( علله) ) .
وهم الأوزاعي في قوله: ( ( بنت قيس) ) ، إنما هي بنت أبي حبيش.

وكذلك رواه أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لفاطمة: ( ( فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم اغتسلي) ) .

ورواه حماد بن سلمة، عن هشام، وقال فيهِ: ( ( فاغسلي عنك الدم، وتطهري، وصلي) ) .

والغسل عندَ انقضاء حيض المستحاضة المحكوم به لا بد منه، كما لو طهرت من الحيض.

وقد تعلق بعض الناس بظاهر الرواية المشهورة في حديث فاطمة: ( ( اغسلي عنك الدم وصلي) ) ، وقال: لا غُسل عليها، إنما عليها أن تغسل الدم وتصلي.

وقد حكى الأثرم هذا القول للإمام أحمد، ولم يسم من قاله.
فإنكره الإمام أحمد، وقال: الغسل لا بد منه.

وفسر سفيان الثوري قوله: ( ( اغسلي عنك الدم) ) : أنها إذا اغتسلت عندَ فراغ حيضها المحكوم بأنه حيضها، ثم رأت دماً، فإنها تغسل الدم [وتصلي] ؛ فإنه دم استحاضة لا يمنع الصلاة ,، وإنما تغسله وتتحفظ منه فقط.

ففي حديث عائشة الأمر بغسل الدم، وفي حديث أم سلمة الأمر بالاستثفار بثوب.
والمراد به: التلجم بالثوب والتحفظ به.

وقد اختلف العلماء: هل يجب الغسل عليها لكل صلاة؟ على قولين، وأكثر العلماء: على أن ذَلِكَ ليس بواجب.
وربما تذكر المسألة مستوفاةً فيما بعد - إن شاء الله تعالى.

وكذلك اختلفوا: هل يجب عليها غسل الدم والتحفظ والتلجم عندَ كل صلاة؟ وفيه قولان، هما روايتان عن أحمد.

وربما يرجع هذا الاختلاف إلى الاختلاف المشهور: في أن الأمر المطلق: هل يقتضي التكرار، أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور.

لكن الأصح هنا: أنه لا يقتضي التكرار لكل صلاة؛ فإن الأمر الاغتسال، وغسل الدم إنما هوَ معلق بانقضاء الحيضة وإدبارها، فإذا قيل: إنه يقتضي التكرار لم يقتضه إلا عندَ إدبار كل حيضة فقط.

وقوله: ( ( وصلي) ) أمر بالصلاة بعد إدبار الحيضة حيث نهاها عن الصلاة في وقت إقبالها، والأمر بعد الحظر يعيد الأمر إلى ما كانَ عليهِ، عندَ كثير من الفقهاء: وقد كانت الصلاة عليها واجبة قبل الحيض، فكذلك بعدها.

وأما على قول من يقول: لا يقتضي غير الإباحة، فقد يقال: إن هذا الأمر اقتضى إطلاق الصلاة والإذن فيها بعد حظرها، فصارت الصلاة مباحة بعد حظرها، فإن كانت نافلة فهي غير محظورة، وإن كانت مفروضة اكتفي في الاستدلال على فرضيتها بالأدلة العامة الدالة على افتراض الصلاة على كل مسلم.

وإنما خرج من ذَلِكَ حال الحيض بمثل هذا الحديث وشبهه، وإطلاقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دليل على أنها في حكم الطاهرات في جميع العبادات التي يمنع منها الحيض.

هذا قول جمهور العلماء، وشذ منهم من قالَ باختصاص الإذن بالصلاة خاصةً.
وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى.

وقد زاد قوم من الرواة في حديث عائشة: الأمر بالوضوء، منهم: حماد ابن
زيد، عن هشام.
خرجه النسائي من طريقه، وقال فيهِ: ( ( فاغسلي عنك الدم، وتوضئي؛ إنما ذَلِكَ عرق) ) .

قالَ النسائي: لا نعلم أحداً ذكر في هذا الحديث: ( ( وتوضئي) ) غير حماد بن زيد.

وقد خرج مسلم حديثه هذا، وقال: في حديث حماد بن زيد زيادة حرفٍ، تركنا ذكره - يعني: قوله: ( ( توضئي) ) .

قالَ البيهقي: هذه الرواية غير محفوظة.

وفي رواية أخرى عن حماد بن زيد في هذا الحديث: ( ( فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم، وتوضئي) ) .

فقيل لحماد: فالغسل؟ قالَ: ومن يشك أن في ذَلِكَ غسلاً واحداً بعد الحيضة.

وقال حماد: قالَ أيوب: أرأيت لو خرج من جيبها دمٌ، أتغتسل؟ !
يشير أيوب إلى إنها: لا تغتسل لكل صلاة.
قالَ ابن عبد البر: جود حماد بن زيد لفظه.

يعني: بذكر الوضوء، وهذا يدل على أنه رآه محفوظاً، وليس كَما قالَ وقد رويت لفظة ( ( الوضوء) ) مِن طريق حماد بنِ سلمة، عَن هشام.

خرجه الطحاوي مِن طريق حجاج بنِ منهال، عَن حماد.

ورواه عفان، عَن حماد، ولفظة: ( ( فاغسلي عنك الدم، ثُمَّ تطهري وصلي) ) .

قالَ هشام: كانَ عروة يقول: ( ( الغسل) ) الأول، ثُمَّ قالَ بعد: ( ( والطهر) ) وكذلك رويت مِن طريق أبي معاوية، عَن هشام.

خرجه الترمذي عَن هناد، عَنهُ.

وقال: قالَ أبو معاوية في حديثه: وقال: ( ( توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذَلِكَ الوقت) ) .

والصواب: أن هَذا مِن قول عروة، كذلك خرجه البخاري في ( ( كِتابِ: الوضوء) ) عَن محمد بنِ سلام، عَن أبي معاوية، عَن هشام فذكر الحديث، وقال في آخره: قالَ: وقال أبي: ( ( ثُمَّ توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذَلِكَ الوقت) ) .

وكذلك رواه يعقوب الدورقي، عَن أبي معاوية، وفي حديثه: ( ( فإذا أدبرت فاغسلي الدم، ثُمَّ اغتسلي) ) .
قالَ هشام: قالَ أبي: ( ( ثُمَّ توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذَلِكَ الوقت) ) .

وخرجه إسحاق بن راهويه، عن أبي معاوية، وقال في حديثه: قالَ هشام: قالَ أبي: ( ( وتوضئي لكل صلاة حتَّى يجيء ذَلِكَ الوقت) ) .

وكذلك روى الحديث عيسى بنِ يونس، عَن هشام، - وقال في آخر الحديث: وقال هشام: ( ( تتوضأ لكل صلاة) ) .

وذكر الدارقطني في ( ( العلل) ) : أن لفظة: ( ( توضئي لكل صلاة) ) رواها
- أيضاً - عَن هشام: أبو حنيفة وأبو حمزة السكري ومحمد بنِ عجلان ويحيى بن سليم.

قلت: وكذلك رواه أبو عوانة، عَن هشام، ولفظ حديثه: ( ( المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وتغتسل غسلاً واحداً، وتتوضأ لكل صلاة) ) .

قلت: والصواب: أن لفظة ( ( الوضوء) ) مدرجة في الحديث مِن قول عروة.

وكذلك روى مالك، عَن هشام، عَن أبيه، أنه قالَ: ( ( ليسَ على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثُمَّ تتوضأ بعد ذَلِكَ لكل صلاة) ) .
قالَ مالك: والأمر عندنا على حديث هشام، عَن أبيه، وَهوَ أحب ما سمعت إلي.

قالَ ابن عبد البر: والوضوء عليها عند مالك على الاستحباب دونَ الوجوب.
قالَ وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي) ) ، ولم يذكر وضوءاً.

قالَ: وممن قالَ بأن الوضوء على المستحاضة غير واجب: ربيعة، وعكرمة، ومالك، وأيوب، وطائفة.

قالَ: وأما الأحاديث المرفوعة في الغسل لكل صلاة، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة.
انتهى.

وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة، وربما تأتي الإشارة إليها في موضع آخر - إن شاء الله تعالى.

وإنما المراد هنا: أحاديث الوضوء لكل صلاة، وقد رويت مِن وجوه متعددة، وهي مضطربة - أيضا - ومعللة، تقدم بعضها.

ومن أشهرها: رواية الأعمش، عَن حبيب بنِ أبي ثابت، عَن عروة، عَن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قالَ: ( ( لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثُمَّ اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثُمَّ صلي، وإن قطر الدم على الحصير) ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وقال أبو داود: هوَ حديث ضعيف لا يصح، قالَ: ليسَ بصحيح، وَهوَ خطأ مِن الأعمش.

وقال الدارقطني: لا يصح.

وقد روي موقوفاً على عائشة، وَهوَ أصح عند الأكثرين.

ورى هشيم: نا أبو بشر، عَن عكرمة؛ أن أم حبيبة بنت حجش استحيضت، فأرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنظر أيام أقرائها، ثُمَّ تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً مِن ذَلِكَ توضأت وصلت.

خرجه أبو داود.

والظاهر: أنَّهُ مرسل، وقد يكون آخره موقوفاً على عكرمة، مِن قولُهُ والله أعلم.
وقد روي الأمر للمستحاضة بالوضوء لكل صلاة عَن جماعة مِن الصحابة، مِنهُم: علي، ومعاذ، وابن عباس، وعائشة، وَهوَ قول سعيد بنِ المسيب، وعروة، وأبي
جعفر، ومذهب اكثر العلماء، كالثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد وغيرهم.

لكن؛ مِنهُم مِن يوجب عليها الوضوء لكل فريضة كالشافعي.

ومنهم مِن يرى أنها تتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي بها ما شاءت مِن فرائض ونوافل حتَّى يخرج الوقت، وَهوَ قول أبي حنيفة، والمشهور عَن أحمد، وَهوَ - أيضاً - قول الأوزاعي والليث وإسحاق.

وقد سبق ذكر قول مِن لَم يوجب الوضوء بالكلية لأجل دم الاستحاضة، كمالك وغيره.

وهكذا الاختلاف في كل مِن بهِ حدث دائم لا ينقطع، كمن بهِ رعاف دائم أو سلس البول، أو [الريح] ، ونحو ذَلِكَ.

وعن مالك رواية بوجوب الوضوء، كقول الجمهور.