فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم: «قام من الركعتين ولم يرجع»

باب
من لم يرى التشهد الأول واجباً
لان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام من الركعتين ولم يرجع
[ قــ :807 ... غــ :829 ]
- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: حدثني عبد الرحمن بن هرمز مولى بني عبد المطلب - وقال مرة: مولى ربيعة بن الحارث - أن عبد الله بن بحينه - وهو من أزد شنوءة، وهو حليف لبني عبد مناف، وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين، لم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن
يسلم، ثم سلم.

عبد الرحمن بن هرمز: هو الأعرج؛ وهو مولى ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب، فلذلك نسبه الزهري مرة إلى ولاء بني عبد المطلب، ومرة إلى مولاه.

وقد استدل بهذا الحديث كثير من العلماء - كما أشار إليه البخاري - على أن التشهد الأول ليس بواجب؛ لأن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسيه، ولم يرجع بعد قيامه إلى الركعة الثالثة.
وممن ذهب إلى أن التشهد الأول والجلوس لهُ سنة لا تبطل الصَّلاة بتركهما عمداً: النخعي وأبو حنيفة وإلاوزاعي ومالك والشافعي وحكي رواية عن أحمد.
والمنصوص عن أحمد: إنكار تسميته سنة، وتوقف في تسميته فرضاً؛ وقال: هو أمر أمر به
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقال الثوري وأحمد – في ظاهر مذهبه – وإسحاق وأبو ثور وداود: أن ترك واحداً منها عمداً بطلت الصلاة، وإن تركه سهواً سجد لسهو.
وحكى الطحاوي مثله عن مالك.

لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يداوم عليه، وقال: ( ( صلوا كما رأيتموني أصلي) ) ، وإنما تركه نسياناً، وجبره بسجود السهو، وقد روى عنه الأمر به.
كما خرّجه أبو دواد من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمسيء في صلاته: ( ( فإذا جلست في وسط الصلاة فأطمئن وأفترش فخذك اليسرى ثم تشهد) ) .

والعجب أن من المخالفين في ذلك من يقول في خطبتي الجمعة: إذا لم تجلس بينهما لم تصح الخطبة، وهو يقول: لو صلى الظهر أربعاً من غير جلوس في وسطها صحت صلاته.

وأما التشهد الأخر والجلوس به، فقال كثير من العلماء: إنهما من فرائض
الصلاة، ومن تركهما لم تصح صلاته، وهو قول الحسن ومكحول ونافع مولى ابن عمر والشافعي وأحمد - في ظاهر مذهبه - وإسحاق وأبي ثور وداود.

وحكى ابن المنذر مثله عن مالك، إلا أنه قال: إذا نسيه خلف الإمام حمله
عنه، وروي عن إلاوزاعي نحوه.
ونقل مهنا عن أحمد ما يدل على مثل ذلك.
وقال أبو مصعب: من ترك التشهد بطلت صلاته، ونقله عن مالك وأهل المدينة.
وقالت طائفة: هو سنة كالتشهد الأول، لا تبطل الصلاة بتركه، منهم: النخعي وقتادة وحماد وإلاوزاعي، وهو المشهور عن مالك.

ونقل محمد بن يحيى الكحال، عن أحمد، فيمن سلم ولم يتشهد: لا إعادة، واستدل بحديث ابن بحينه.
ونقل ابن وهب، عن مالك، قال: كل أحد يحسن
التشهد؟ وإذا ذكر الله أجزاء عنه.

وقال أحمد - في رواية عنه، نقلها حرب -: إذا لم يقدر أن يتعلم التشهد يدعو بما أحب.
وأوجب أبو حنيفة الجلوس له بقدر التشهد، دون التشهد، وهو رواية عن الثوري.

وروي عنه: أن أحدث قبل التشهد تمت صلاته.
وحكي القول بأنه رواية عن أحمد - أيضاً - حكاه عنه الترمذي في ( ( جامعه) ) ، فأنه قال في رواية ابن منصور، وقد قيل: فأن لم يتشهد وسلم؟ قال: التشهد أهون؛ قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثنتين ولم يتشهد فحمله هؤلاء على أن التشهد غير واجب.

ومنهم من حملة على التشهد الأول؛ لاستدلاله عليهِ الحديث، والحديث إنما ورد في الأول، وقالوا: قد فرق بين الأول والثاني في روايات آخر عنه.
وقال طائفة: هوَ واجب، تبطل الصَّلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه، وهو قول الزهيري والثوري، وحكي عن إلاوزاعي - أيضاً - ونقله إسماعيل بن سعيد وأبو طالب وغيرهما عن
أحمد.

وذكر أبو حفص البرمكي من أصحابنا: أن هذا هو مذهب أحمد، وأنه لا فرق عنده بين التشهد الأول والثاني، وإنهما واجبان تبطل الصلاة بتركهما عمداً، ويسجد لسهوهما.

وهو - أيضاً - قول أبي خيثمة وسليمان بن داود الهاشمي وابن أبي شيبة واستدل من قال:
أنه فرض، بما روي عن ابن مسعود، أنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: ( ( السلام على الله) ) - الحديث، وذكر فيه أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم بالتشهد وتعليمه لهم.

خرّجه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح.

وخرّج البزار والطبراني من حديث ابن مسعود، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمهم التشهد، وقال لهم: ( ( تعلموا؛ فإنه لا صلاة إلا بتشهد) ) .
وفي إسناده أبو حمزة، ضعيف جداً.

وخرّج الطبراني نحوه من حديث علي مرفوعاً، بإسناد لا يصح.
وقد روى موقوفاً على ابن مسعود، وهو أشبه.

وروى شعبة، عن مسلم أبي النضر، قال: سمعت حملة بن عبد الرحمن، عن
عمر، أنه قالَ: لا تجزي صلاة إلا بتشهد.
خرّجه الجوزجاني وغيره.

وفي رواية: قالَ: من لم يشهد فلا صلاة لهُ.
وخرّجه البهقي، وعنده التصريح بسماع حملة لهُ من عمر.

* * *