فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من سمى قوما، أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة، وهو لا يعلم

باب
من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره وهو لا يعلم
[ قــ :1159 ... غــ :1202 ]
- حدثنا عمرو بن عيسى: حدثنا أبو عبد الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد: ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كنا نقول: التحية في الصلاة، ونسمي، ويسلم بعضنا على بعض، فسمعه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( ( قولوا التحيات لله) ) .

فذكر التشهد بتمامه، ثم قال:
( ( فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء
والأرض)
)
.

وقد تقدم هذا الحديث في ( ( أبواب التشهد) ) بألفاظ أخر.

وفي بعضها: أنهم كانوا يقولون: السلام على الله، والسلام على جبريل وميكائيل، وعلى فلان وفلان.
فأماالسلام على الله فهو كلام غير جائز، ولهذا قال لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا تقولوا السلام على الله) ) .

وقد خرجه البخاري فيما تقدم.

وأما السلام على أشخاص معينين، فإن كان بلفظ الغيبة، فأكثر العلماء على أنه لايبطل الصلاة.

وقال الثوري وأبو حنيفة: هو كلام.

وقد سبق ذكر ذلك في ( ( أبواب التشهد) ) .

وإن كان بلفظ الخطاب، فهو كرد السلام في الصلاة على من يسلم، ويأتي ذكره – إن شاء الله تعالى.

وفي هذا الحديث: دليل على أن من تكلم في صلاته جاهلا، أنه لا تبطل صلاته؛ فإن كلام الجاهل قسمان:
أحدهما: أن يتكلم في صلاته جاهلا بأن الكلام في الصلاة ممنوع، وهذا يقع من كثير من أعراب البوادي وغيرهم ممن هو حديث عهد بالإسلام، وقد كان هذا يقع في أول الإسلام كثيراً.

قالت الشافعية: ولا يعذر بذلك إلاّ قريب العهد بالإسلام، فأمامن طال عهده بالإسلام فتبطل صلاته؛ لتقصيره في التعلم، وكذا لو علم تحريم الكلام في الصَّلاة، ولم يعلم أنه مبطل لها، كما لو علم تحريم الزنا، ولم يعلم حدّه، فإنه يحدّ بغير خلاف.
أن يتكلم بكلام يظنه جائزاً، وهو في نفسه غير جائز التكلم به في الصلاة وغيرها، كقولهم: ( ( السلام على الله) ) ، أو يتكلم بكلام يظنه جائزاً في
الصلاة، كما أنه جائز في غيرها، كرد السلام وتشميت العاطس.

وقد اختلف العلماء في حكم الجاهل في الصلاة:
فمنهم من قال: حكمه حكم كلام الناسي، وهو قول مالك والشافعي، وهو أحد الوجهين لأصحابنا.

ومنهم من قال: تبطل، بخلاف كلام الناسي، وهو قول المالكية.

والثالث: لا تبطل وإن قلنا: يبطل كلام الناسي، وهو قول طائفة من أصحابنا.

ويدل له: ما خرجه البخاري في ( ( الأدب) ) من ( ( صحيحه) ) هذا من حديث أبي هريرة، قال: قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الصلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي –وهو في الصلاة -: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي، قال للأعرابي: ( ( لقد حجرت واسعاً) ) –يريد: رحمة الله.

وفي ( ( صحيح مسلم) ) عن معاوية بن الحكم السلمي: أنه صلى خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعطس رجل من القوم، فقال له: يرحمك الله.
قال: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم، تنظرون إلي؟ قالَ: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.
وقال: فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لهُ: ( ( إن هذه الصَّلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران) ) – أو كما قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ولم ينقل أنه أمر أحدا بالإعادة.

وكذلك روي، عن معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وغيرهما.

قال أصحابنا: ولأن الكلام كان مباحاً في أول الإسلام، ثم نسخ، والنسخ لا يثبت في حق الجاهل قبل العلم، بدليل قصة أهل قباء في القبلة.

ولكن هذا إنما يصح في حق من تمسك بالإباحة السابقة، ولم يبلغه نسخها، فأمامن لا يعلم شيئاً من ذلك، فلا يصح هذا في حقه.

وكذلك من تكلم بكلام محرم في نفسه، وهو يظن جوازه، كقول القائل:
( ( السلام على الله) ) ، وقول الآخر: ( ( اللهم، ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا
أحداً)
)
.

وللشافعية – فيمن علم أن جنس الكلام محرم في الصلاة، ولم يعلم أن ما تكلم به محرم: هل يعذر بذلك ولا تبطل صلاته؟ - وجهان، أصحهما: يعذر به.

وكذلك لو جهل أن التنحنح ونحوه مبطل للصلاة.