فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب مواقيت الصلاة وفضلها "

باب مواقيت الصلاة وفضلها
وقول الله عز وجل: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) [النساء: 103] .
موقتا، وقته عليهم.

أما " الكتاب " فالمراد به: الفرض، ولم يذكر في القرآن لفظ الكتاب وما تصرف منه إلا فيما هو لازم: إما شرعا، مثل قوله: ( كتب عليكم الصيام) [البقرة: 183] ، ( كتب عليكم القتال) [البقرة: 216] وقوله: ( كتاب الله عليكم) [النساء: 24] .
وإما قدرا، نحو قوله: ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) [المجادلة: 21] ، وقوله: ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) [الحشر: 3] .

وأما قوله: ( موقوتا) ففيه قولان.

أحدهما: أنه بمعنى المؤقت في أوقات معلومة، وهو قول ابن مسعود وقتادة وزيد بن أسلم، وهو الذي ذكره البخاري هنا، ورجحه ابن قتيبة وغير واحد.

قال قتادة في تفسير هذه الآية: قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحج.

وقال زيد بن أسلم: منجما، كلما مضى نجم جاء نجم، يقول: كلما مضى وقت جاء وقت.

وقالت طائفة: معنى { موْقُوتًا} : مفروضاً او واجبا -: قاله مجاهد والحسن وغيرهما.

وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: يعني: مفروضا.

وتأول بعضهم الفرض هنا على التقدير، فرجع المعنى حينئذ إليَ تقدير اعدادها ومواقيتها.
والله أعلم.

وقال الشافعي: الموقوت - والله أعلم -: الوقت الذي تصلى فيه وعددها.

قال البخاري - رحمه الله -:
[ قــ :508 ... غــ :521 ]
- نا عبد الله بن مسلمة، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز أَخر الصلاة يوما، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالعراق، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أَن جبريل عليه السلام نزل فصلى فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم صلى فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم صلى فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قال: ( ( بهذا أمرت) ) .
فقال عمر لعروة: اعلم ما تحدث به، أو أن جبريل هو أقام لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه.



[ قــ :508 ... غــ :5 ]
- قال عروة: ولقد حدثتني عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، قبل ان تظهر.

هذا الحديث يدل على أن مواقيت الصلوات الخمس بينها جبريل عليه السلام للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفعله، فكان ينزل فيصلي به كل صلاة في وقتها إلى أن بين له مواقيتها كلها، وكان ذلك في أول ما افترض الصلوات الخمس.

وقد روي في ذلك أحاديث متعددة، ولم يخرج في ( ( الصحيحين) ) منها غير حديث أبي مسعود هذا، وقد خرجه البخاري - أيضا - في ( ( المغازي) ) من رواية شعيب، عن الزهري - مختصراً.

وخرجه من طريق مالك والليث بن سعد، عن الزهري، ولفظ حديث الليث عنده: أن عروة قال لعمر: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... { يقول} : ( ( نزل جبريل عليه السلام، فأمني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه) ) ، ويحسب بأصابعه خمس صلوات.

ورواه ابن أبي ذئب في ( ( موطئه) ) ، عن ابن شهاب، ولفظ حديثه: أن أبا مسعود قال للمغيرة: ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصلى، وصلى، وصلى، وصلى، وصلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم قال: ( ( هكذا امرت) ) .

وفي هذا تكرار صلاة جبريل، وليس فيه ذكر بيان شيء من الأوقات.

قال أبو داود: يروي هذا الحديث عن الزهري: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم، لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه، ولم يفسروه.

وكذلك - أيضا - رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق، عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه، الا ان حبيبا لم يذكر ( ( بشيرا) ) .
وخرجه أبو داود بسياق فيه تفسير المواقيت من رواية أسامة بن زيد الليثي، ان ابن شهاب أخبره، أن عروة قال لعمر بن عبد العزيز: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - { يقول} : ( ( نزل جبريل عليه السلام فاخبرني بمواقيت الصلاة، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت { معه} ، ثم صليت معه، ثم صليت معه) ) ، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر حين تزول الشمس، وربما أخرها حين يشتد الحر، ورأيته يصلى العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل ان تدخلها الصفرة، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلى المغرب حين تسقط الشمس، ويصلى العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حتى يجتمع الناس، وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة اخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، لم يعد إلى أن يسفر.

وخرجه ابن خزيمة في ( ( صحيحه) ) والحاكم وصححه.

وقال الخطأبي: هو صحيح الإسناد.

وقال ابن خزيمة: هذه الزيادة لم يقلها أحد غير أسامة بن زيد.

وقال الدارقطني: خالفه يونس وابن أخي الزهري، فروياه عن الزهري، قال: بلغنا ان ... رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر مواقيت الصلاة بغير إسناد فوق الزهري، وحديثهما اولى بالصواب.

وقال أبو بكر الخطيب: وَهِمَ أسامة بن زيد إذا ساق الحديث كله بهذا الإسناد؛ لأن قصة المواقيت ليست من حديث أبي مسعود، وإنما كان الزهري يقول فيها: وبلغنا أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي الظهر حين تزول الشمس - إلى آخره، بين ذلك يونس في روايته عن ابن شهاب، وفصل حديث أبي مسعود المسند من حديث المواقيت المرسل، وأورد كل واحد منهما منفرداً.

وقد روي بيان المواقيت في حديث أبي مسعود من وجه آخر، من رواية أيوب بن عتبة، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، أن عروة بن الزبير حدث عمر بن عبد العزيز، قال: حدثني أبو مسعود الانصاري - أو بشير بن أبي مسعود، قال: كلاهما قد صحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن جبريل جاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دلكت الشمس، فقال: يا محمد، صلي الظهر فصلى.
قال: ثم جاء حين صار ظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد صلي العصر.
قال: فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس، فقال: يا محمد، صلي المغرب.
قال: فصلى، ثم جاءه حين غاب الشفق، فقال: يا محمد، صلي العشاء.
قال: فصلى، ثم اتاه حين انشق الفجر، فقال: يا محمد، صلي الصبح.
قال: فصلى.
قال: ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثله في الغد، فقال: يا محمد، صلي الظهر.
قال: فصلى.
قال: ثم أتاه حين صار ظل كل شيء مثليه، فقال: يا محمد، صلي العصر.
قال: فصلى.
قال: ثم أتاه حين غربت الشمس، فقال: يا محمد، صلي المغرب.
قال: فصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل، قال: يا محمد، صلي العشاء.
قال: فصلى.
قال: ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر، قال: يامحمد، صلي الصبح.
قال: فصلى.
ثم قال: ( ( ما بين هذين وقت) ) - يعني: أمس واليوم.

أيوب بن عتبة اليمامي، ضعفه أحمد، وقال مرة: ثقة إلا أنه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير.
وقال البخاري: هو عندهم لين.
وقال الدارقطني: يترك، وقال مرة: يعتبر به، هو شيخ.
وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه.
وضعف أبو حاتم حديثه من حفظه، وقال: كتابه صحيح.

وقد شك في إسناد هذا الحديث: هل هو عن أبي مسعود، أو عن بشير ابنه؟ وعلى تقدير أن يكون عن بشير ابنه فيكون مرسلا، وقوله: ( ( وكلاهما صحب النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
)
وهم، ونسب الدارقطني الوهم إلى أبي بكر بن حزم -: ذكره في "العلل".

وخرجه في "سننه" مختصرا من طريق ايوب بن عتبة، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عروة، { عن} ابن أبي مسعود، عن أبيه - إن شاء الله.

وهذا يدل على إنه اضطراب في إسناده.

وقد خالفه الثقات في هذا، فرووا هذا الحديث مرسلاً: رواه معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه مرسلاً.
ورواه الثوري وابن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد - كلاهما -، عن أبي بكر بن حزم، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وكذا رواه أبو ضمرة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم مرسلاً.

لكن رواه سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد، عن أبي مسعود الأنصاري، من غير ذكر ( ( عروة) ) .
خرجه بقي بن مخلد في "مسنده" عن ابن كاسب، عن إسماعيل بن عبد الله - هو: ابن أبي أويس -، عن سليمان، به - فذكر حديث المواقيت بطوله.

وخرجه البيهقي في "المعرفة" من طريق أحمد بن عبيد الصفار: حدثنا الأسفاطي: نا إسماعيل - فذكره.

{ وخرجه} أبو بكر الباغندي في ( ( مسند عمر بن عبد العزيز) ) ، عن إسحاق بن ابراهيم بن سويد الرملي، عن أيوب بن سليمان بن بلال، عن أبي بكر عبد الحميد بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم، عن أبي مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث بطوله.
ورواه البخاري في "تاريخه"، عن أيوب بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، قال: قال صالح بن كيسان: سمعت أبا بكر بن حزم، أنه بلغه أن أبا مسعود { قال:} نزل { جبريل} على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة - فذكر الحديث بطوله، وقال في آخره: قال صالح بن كيسان: وكان عطاء يحدث عن جابر في وقت الصلاة بنحو ما كان أبو مسعود يحدث.
قال صالح: وكان عمرو بن دينار وأبو الزبير المكي يحدثان مثل { ذلك، عن?} جابر بن عبد الله.

قال الدارقطني في "العلل": ورواه زفر بن الهذيل، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن [محمد] بن عمرو بن حزم، عن أُناس من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر حديث المواقيت بطوله.

ورواه زفر - أيضا -، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم - بمثله، مرسلاً.

وزفر: قال الدارقطني: ثقة.

وقد روي حديث صلاة جبريل بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات الخمس في مواقيتها في يومين مع بيان مواقيتها من رواية: ابن عباس، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عمر، وأنس، ولم يخرج شيء منها في "الصحيح".

وحكى الترمذي في كتابه عن البخاري، أنه قال: أصح شيء في المواقيت حديث جابر.

وحديث جابر المشار إليه خرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي في "كتابه الكبير"، ولفظه: قال: جاء جبريل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مالت الشمس، فقال: قم يا محمد، فصل [الظهر] حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد، فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم، فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس.
سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم، فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاء جبريل حين سطع الفجر بالصبح، فقال: يا محمد، قم فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد، فقال: قم يا محمد فصل فقام فصلى الظهر ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يامحمد، فصل العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحداً لم يزل عنه، فقال: قم، فصل المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم، فصل العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل الصبح، ثم قال: ( ( ما بين هذين وقت كله) ) .

وذكر أبو داود في "كتابه" بعضه - تعليقاً.

وخرجه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: صحيح مشهور من حديث ابن المبارك، عن حسين بن علي بن حسين، عن وهب بن كيسان، عن جابر.
قال: والشيخان لم يخرجاه لقلة حديث الحسين بن علي الأصغر.

وحسين هذا: وثقة النسائي وغيره.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي عن هذا الحديث: ما ترى فيه، وكيف حال الحسين؟ فقال أبي: أماالحسين فهو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روي في المواقيت ليس بالمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وإنما قال الإمام أحمد: ( ( ليس بالمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعضه غيره) ) ، لأن قاعدته: أن ما انفرد به ثقة، فإنه يتوقف فيه حتى يتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والاتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان وابن المديني وغيرهما.

وقال الترمذي: حديث جابر قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير، عن جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نحو حديث وهب بن كيسان، عن جابر.
انتهى.

ورواه - أيضا - بشير بن سلام الأنصاري المدني عن جابر - أيضا.
وقد ذكرت أحاديث هذا الباب كلها بطرقها وعللها في "كتاب شرح الترمذي".

وقد دل القرآن في غير موضع على مواقيت الصلوات الخمس، وجاءت السنة مفسرة لذلك ومبينة له:
فمن ذلك: قوله الله تعالى: { أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} .

وقد ذكر غير واحد من الأئمة كمالك والشافعي: أن هذه الآية تدل على الصلوات الخمس، وروي معناه عن طائفة من السلف.

فقال ابن عمر: دلوك الشمس: ميلها - يشير إلى صلاة الظهر حينئذ.

وعن ابن عباس، قال: دلوك الشمس: إذا جاء الليل.
وغسق الليل: اجتماع الليل وظلمته.

وقال قتادة: دلوك الشمس: إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر.
وغسق الليل: بدء الليل صلاة المغرب.

وقد قيل: إن الله تعالى ذكر ثلاثة أوقات، لأن اصل الأوقات ثلاثة، ولهذا تكون في حالة جواز الجمع بين الصلاتين ثلاثة فقط، فدلوك الشمس: وقت لصلاة الظهر والعصر في الجملة، وغسق الليل: وقت لصلاة المغرب والعشاء في الجملة، ثم ذكر وقت الفجر بقوله: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ??.

وقد ثبت في "الصحيحين" عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) ) ، ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ?.

وكذلك قوله تعالى: { وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} .
[هود: 144] .

فقوله: { طَرَفِي النَّهَارِ} يدخل فيه صلاة الفجر وصلاة العصر.

وقد قيل: إنه يدخل فيه صلاة الظهر والعصر، لأنهما في الطرف الأخير، وزلف الليل يدخل فيه المغرب والعشاء.

وكذا قال قتادة: إن زلف الليل يدخل فيه المغرب والعشاء، وإن طرفي النهار يدخل فيه الفجر والعصر.

وروي عن الحسن، أنه قال في قوله: { طَرَفِي النَّهَارِ} ، قال: صلاة الفجر، والطرف الآخر الظهر والعصر { وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} ? المغرب والعشاء.

وكذلك قوله: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه:130] .
وفي الحديث الصحيح عن جرير البجلي - حديث الرؤية -: ( ( فان استطعتم ان لاتغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) ) ، ثم قرأ: { فسبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} ?.

وقد ادرج اكثر الرواة القراءة في الحديث، وبين بعضهم: أن جريرا هو الذي قرأ ذلك، فبين أن صلاة الصبح وصلاة العصر يدخل في التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأماالتسبيح من آناء الليل فيدخل فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء.
وقوله:
{ واطراف النَّهَارِ} يدخل في صلاة الفجر وصلاة العصر، وربما دخلت فيه صلاة الظهر؛ لأنها في أول طرف النهار الاخر.

وقال تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق 39، 40] .

وقد قال ابن عباس وأبو صالح: إن التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: الصبح وصلاة العصر.

وقوله: { وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} ، قال مجاهد: الليل كله.

وهذا يدخل فيه صلاة المغرب والعشاء، ويدخل فيه التهجد المتنقل به - أيضا.

وقال خصيف: المراد بتسبيحه من الليل: صلاة الفجر المكتوبة، وفيه بعد.

وأما { َأَدْبَارَ السُّجُودِ} ، فقال اكثر الصحابة، منهم: عمر، وعلي، والحسن بن علي، وأبو هريرة، وأبو أمامة وغيرهم: أنهما ركعتان بعد الغروب، وهو رواية عن ابن عباس، وروي عنه مرفوعاً، خرجه الترمذي بإسناد فيه ضعف.

فاشتملت الآية على الصلوات الخمس مع ذكر بعض التطوع.
وقال تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48، 49] .

فقوله: { حِينَ تَقُومُ} قد فسر بإرادة القيام إلى الصلاة، وهو قول زيد بن اسلم والضحاك، وفسر بالقيام من النوم، وهو قول أبي الجود، وفسر بالقيام من المجالس.

وقوله: { وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} ، قال مجاهد: من الليل كله، يدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء وصلاة الليل المتطوع بها.

وفسره خصيف بصلاة الفجر، وفيه نظر.

{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} : ركعتا الفجر كذا قاله علي وابن عباس في رواية، وروي عن ابن عباس مرفوعاً.

خرجه الترمذي وفيه ضعف.

وقال تعالى: { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18] .

قال الإمام أحمد: نا ابن مهدي: نا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس، فقال،: الصلوات الخمس في القران؟ فقال: نعم، فقرأ:
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} قال: صلاة المغرب { وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر
{ وَعَشِيًّا} صلاة العصر { وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر، وقرأ: { وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} ? [النور:58] .

ورواه أدم بن أبي إياس في "تفسيره"، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، قال: جاء نافع - ولم يذكر: أبا رزين.

وروى آدم - أيضا -: نا شريك، عن ليث بن أبي سليم، عن الحكم بن عتيبة، عن أبي البختري، عن ابن عباس، قال: جمعت هذه الآية الصلوات كلها - فذكره بمعناه، ولم يذكر فيه: صلاة العشاء.

روي عن الحسن وقتادة في قوله تعالى { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} ، قال: صلاة المغرب والعشاء، { وَحِينَ تُصْبِحُونَ} : صلاة الغداة، { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا} ، قال: العصر، { وَحِينَ تُظْهِرُونَ} ، قال: الظهر:
خرجه البيهقي وغيره.

وأماتأخير المغيرة بن شعبة وعمر بن عبد العزيز الصلاة يوماً، فإنما كان تأخيرهما كذلك عن وقت صلاتهما المعتادة ولم يؤخراها حتى خرج الوقت.

وقد روى الليث هذا الحديث، عن الزهري، وفيه: ( ( أن عمر أخر العصر شيئاً) ) .

ولهذا ذكر عروة حديث عائشة في تعجيل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة العصر، ولم يكن عمر بن ... عبد العزيز يؤخر الصلاة كتأخير سائر بني أمية، إنما أخر العصر يوماً.

وفي حديث أسامة بن زيد، عن الزهري، أن عمر كان قاعدا على المنبر، فأخر العصر شيئاً.

وكان هذا في أيام ولايته للمدينة نيابة عن الوليد، ولم يكن - رحمة الله عليه - يظن أن توقيت الصلوات في هذه الأوقات الخمس كان بوحي من الله عز وجل مع جبريل عليه السلام، بل كان يظن ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سن ذلك لأمته، وربما لم يكن بلغَهُ ما سنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التوقيت، فكان يجري على العادة التي اعتادها الناس، حيث لم يكن في القران تصريح بمواقيت الخمس، ولم يبلغه ما سنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك بتعليم جبريل إياه، فلما بلغه ذلك اجتهد حينئذ على المحافظة على مواقيت الصلاة، وكان في أيام خلافته يوصي عماله بذلك، وكان يعتب على الحجاج وغيره من ولاة السوء تأخيرهم الصلاة عن مواقيتها.

وفي رواية معمر، عن الزهري لهذا الحديث، قال: فما زال عمر يعلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا.

وفي رواية حبيب بن أبي مرزوق، عن عروة لهذا الحديث، قال: فبحث عمر عن ذلك حتى وجد ثبته، فما زال عمر عنده علامات الساعات ينظر فيها حتى قُبض رحمه الله.

وقد كان عمر بن عبد العزيز - أحياناً - قبل سماعه لهذا الحديث يؤخر الصلوات إلى آخر الوقت على ما جرت به عادة بني أمية.

وفي "الصحيحين" عن أبي أمامة بن سهل، قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك، فوجدناه يصلي العصر فقلت: يا عم، ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه الصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي كنا نصلي معه.

وخرج مسلم من حديث عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها - أو يميتون الصلاة عن وقتها؟) ) قال: فما تأمرني؟ قال: ( ( صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتهما معهم فصل، فانها لك نافلة) ) .

وقد روي هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من روايات متعددة.

وقد كان الصحابة يأمرون بذلك ويفعلونه عند ظهور تأخير بني أمية للصلاة عن أوقاتها، وكذلك أعيان التابعين ومن بعدهم من أئمة العلماء:
قال [أحمد] وإسحاق: إنما يصلي في بيته ثم يأتي المسجد إذا صلى الأئمة في غير الوقت -: نقله عنهما ابن منصور.

ومرادهما: إذا صلوا بعد خروج الوقت، فإن تأخير الصلاة عن وقتها عمداً في غير حال يجوز فيها الجمع لا يجوز إلا في صور قليلة مختلف فيها، فأماإن أخروا الصلاة عن أوائل وقتها الفاضلة، فإنه يصلي معهم ويقتصر على ذلك.

وقد روى الشافعي بإسناده، عن ابن عمر، أنه أنكر على الحجاج إسفاره بالفجر، وصلى معه يومئذ.

وقد قال النخعي: كان ابن مسعود يصلي مع الأمراء في زمن عثمان وهم يؤخرون بعض التأخير، ويرى أنهم يتحملون ذلك.

وإنما كان يفعل ذلك في أيام إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة في زمن عثمان، فإنه كان أحيانا يؤخر الصلاة عن أول وقتها.

وفي "مسند الإمام أحمد" أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام ابن مسعود فتقرب، فصلى بالناس، وقال: أبن الله ورسوله علينا أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك.

وفي "سنن أبي داود": عن صالح بن عبيد، عن قبيصة بن وقاص، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يكون عليكم أمراء من بعدي، يؤخرون الصلاة، فهي لكم وعليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة) ) .

وهذا الحديث معلول من وجهين:
أحدهما: أن قبيصة بن وقاص وإن عده بعضهم في الصحابة، فقد أنكر ذلك آخرون.

والثاني: أن صالح بن عبيد، قال بعضهم: إنه لا يعرف حاله، منهم: الأثرم وغيره.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن رجل من جهينة، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معناه.

وفي هذا الإسناد ضعف.

وخرج الإمام أحمد نحو من حديث عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وعاصم، ضعيف.

وإن صحت هذه الأحاديث، فهي محمولة على من أخر الصلاة عن أول وقتها الأفضل إلى آخر الوقت، وحديث أبي ذر وما في معناه محمول على من أخرها عن الوقت حتى خرج الوقت، أو إلى وقت يكره تأخير الصلاة إليه، كتأخير العصر إلى أن تصفر الشمس، وقد روي ذلك عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعاً.

وعلى هذا يدل كلام أحمد وإسحاق كما سبق ذكره، وإن الإمام إذا صلى في آخر الوقت فإنه يصلي معه ولا يصلي قبله في البيت، كما إذا أخرها عن الوقت.

واستدل الإمام أحمد بقول ابن مسعود في الذين يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى، فأمرهم أن يصلوا للوقت، ثم يصلوا معهم.

وقد خرجه مسلم في "صحيحه".

وروي عن عطاء، أنه يكتفي بالصلاة معهم ولا يصلي في بيته ما لم يؤخروا حتى تغرب الشمس.

ذكره عبد الرزاق، عن ابن جريج، عنه.

وقال القاضي أبو يعلي من أصحابنا: إذا أخر الإمام الصلاة عن أول الوقت فإن وجد جماعة غيره في أول الوقت صلى مع الجماعة، وإلا انتظر الإمام حتى يصلي؛ لأن الجماعة عندنا فرض.

وكذلك مذهب مالك وأصحابه: أن تأخير الصلاة لانتظار الجماعة أفضل من الصلاة في أول الوقت منفرداً.

ونص الإمام أحمد في رجل أمره أبوه أن يصلي به، وكان أبوه يؤخر الظهر إلى العصر، أنه يصلي به.
فإن كان يؤخر الصبح حتى تطلع الشمس لم يفعل.

وللشافعي في ذلك قولان: أحدهما: ينتظر الإمام إذا أخرها عن أول الوقت.
والثاني: يصلي في أول الوقت منفرداً، وهو أفضل من التأخير للجماعة.

وقالت طائفة من أصحابه: الأفضل أن يجمع بين الأمرين، فيصلي في اول الوقت منفرداً، ثم يصلي مع الجماعة في أثناء الوقت، وإن أراد الاقتصار على صلاة واحدة فالتأخير للجماعة أفضل.

ومنهم من ذكر احتمالا: ان فحش التأخير فالانفراد أول الوقت أفضل، وإن خف فالانتظار أفضل.

واستدل صاحب "شرح المهذب" لتفضيل الجمع بينهما، بأن في "صحيح مسلم"، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه "سيجيء قوم يؤخرون الصلاة عن أول وقتها" - وذكر الحديث المتقدم.

وليس في "صحيح مسلم " ذكر أول الوقت ولا وجدناه في غيره - أيضا -، بل في الأحاديث ما يدل على خلاف ذلك، وأنهم يؤخرون الصلاة حتى يذهب وقتها.
كذلك في حديث عبادة بن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد خرجه الإمام أحمد وأبو داود.

وقد استدل الإمام أحمد بأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة في الوقت عند تأخير الإمراء على أن الجمع بين الصلاتين لغير عذر غير جائز.

وسيأتي زيادة بيان لذلك في موضع آخر - إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وأماتقديم الصلاة على وقتها في غير جمع فلا يجوز - أيضا -، فلو صلى الظهر قبل الزوال، والصبح قبل طلوع الفجر، والمغرب قبل غروب الشمس فعليه الاعادة، وسواء تعمد ذلك او لم يتعمده، هذا قول جمهور العلماء.

قال ابن المنذر: اختلفوا في الصلاة قبل دخول الوقت، فروينا عن عمر وأبي موسى الاشعري، أنهما أعادا الفجر لأنهما كان صلياها قبل الوقت، وبه قال الزهري ومالك والأوزعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، وقد روينا عن ابن عباس، أنه قال في رجل صلى الظهر في السفر قبل أن تزول الشمس، قال: يجزئه.
وقال الحسن: مضت صلاته.
وبنحو ذلك قال الشافعي.

وعن مالك فيمن صلى العشاء في السفر قبل غيبوبة الشفق جاهلا وساهياً يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت قبل أن يعلم أو يذكر فلا إعادة عليه.

انتهى.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن وقت الصلاة من فرائضها، وأنها لا تجزيء قبل وقتها، إلا شيء روي عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التابعين، أجمع العلماء عن خلافه، فلم أر لذكره وجها؛ لأنه لا يصح عنهم، وقد صح عن أبي موسى خلافه بما وافق الجماعة، فصار اتفاقا صحيحاً.

قلت: ليس هذا الاختلاف في جواز تقديم الصلاة على وقتها عمداً، إنما الاختلاف فيمن اجتهد وصلى ثم تبينت صلاته قبل الوقت، وقد مضى الوقت، فهذا في وجوب الإعادة فيه قولان للشافعي، والاختلاف المروي عن السلف يرجع إلى هذين القولين، وقد حكي رواية عن أحمد أنه لايلزمه القضاء.
قال القاضي أبو يعلى الصغير في "تعليقه": قد تأولها أصحابنا.

وما حكاه ابن المنذر عن مالك قد روي صالح بن أحمد وأبو الحارث، عن أحمد في المسافر إذا صلى العشاء قبل مغيب الشفق: أرجو.

وتأوله بعض أصحابه عن الشفق الأبيض، وهو بعيد.

وقد نقل ابن منصور، عن أحمد، أنه إذا صلى العشاء في السفر بعد غيبوبة الشفق الاحمر وقبل غيبوبة البياض، فإنه يجوز، وعلل بأنه أماأن يكون مصليا في الوقت عند من يرى أن الشفق الحمرة، وأماأن يكون جامعاً بين الصلاتين في السفر، وهو جائز.

وهذا يدل على جواز الجمع في السفر في وقت الأولى مع التفريق بين الصلاتين، وعلى أن نية الجمع لا تشترط.

وروى حرب، عن أحمد فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق، قال: لا ادري.
وفيمن صلى العصر قبل مصير ظل الشيء مثله: انه يعيد، ولم يقيد هذا بالسفر.

ولو كان معللا يجواز الجمع كما نقله عنه ابن منصور، لم يكن فرق بين العشاء والعصر، لأن كلتا الصلاتين تجمع إلى ما قبلها.

والظاهر: أنه أراد بالشفق الحمرة؛ فإن أحمد متوقف في صلاة العشاء قبل مغيب البياض، على ما سيأتي ذكره - إن شاء الله سبحانه وتعالى.