فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إذا هبت الريح

باب
إذا هبت الريح
[ قــ :1000 ... غــ :1034 ]
- حديثا سعيد بن أبي مريم: أنا محمد بن جعفر: أخبرني حميد، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذَلِكَ في وجه النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

إنما كانَ يظهر في وجه النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخوف من اشتداد الريح؛ لأنه كانَ يخشى أن تكون عذابا أرسل إلى أمته.

وكان شدة الخوف النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أمته شفقة عليهم، كما وصفة الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله: { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: من الآية128] .

ولما تلا عليهِ ابن مسعود: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] بكى.

ولما تلا قوله: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الآية [المائدة: من الآية118] بكى، وقال: ( ( اللَّهُمَّ، أمتي، أمتي) ) ، فأرسل الله جبريل يقول لهُ: ( ( إن الله يقول: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) ) .

وكان يقول: ( ( شيبتني هود وأخواتها) ) .

وجاء في رواية مرسلة: ( ( قصفن علي الأمم) ) .

يشير إلى أن شيبه منها ما ذكر من هلاك الأمم قبل أمته وعذابهم.

وكان عندَ لقاء العدو يخاف على من معه من المؤمنين، ويستغفر لهم، كما فعل يوم بدر، وبات تلك الليلة يصلي ويبكي ويستغفر لهم، ويقول: ( ( اللَّهُمَّ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) ) .

وكل هذا من خوفه وشفقته من اشتداد الريح:
وقد جاء في رويات متعددة: التصريح بسبب خوفه من اشتداد الريح:
ففي ( ( الصحيحين) ) من حديث سليمان بن يسار، عن عائشة، أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذَلِكَ في وجهه، فقلت: يارسول الله: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيهِ المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك
الكراهية؟ فقالَ: ( ( يا عائشة، يؤمني أن يكون فيهِ عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد العذاب، فقالوا { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الاحقاف: من الآية24] ) ) .

وخرجا - أيضا - من رواية ابن جريح، عن عطاء، عن عائشة، قالت كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه، فعرفته عائشة ذَلِكَ، فقالَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( وما أدري لعله كما قالَ قوم: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الاحقاف: من الآية24] الآية) ) .
وزاد مسلم - في أوله -: كانَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا عصفت الريح قالَ: ( ( اللَّهُمَّ، أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) ) .

وخرجه النسائي، ولفظه: ( ( كانَ إذا رأى ريحا) ) بدل: ( ( مخيلة) ) .

وخرج مسلم - أيضا - من حديث جعفر بن محمد، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كانَ يوم الريح والغيم عرف ذَلِكَ في وجهه، فأقبل
وأدبر، فإذا مطر سر به، وذهبت عنه ذَلِكَ.
قالت عائشة: فسألته، فقالَ: ( ( إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي) ) .

وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا رأى سحابا مقبلا من أفق من الآفاق ترك ما هوَ فيهِ، وإن كانَ صلاته، حتَّى يستقبله، فيقول: ( ( اللَّهُمَّ، إنا نعوذ بك من شر ما أرسل) ) ، فإن أمطر قالَ: ( ( اللَّهُمَّ سقيا نافعا) ) - مرتين أو ثلاثا -، فإن كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذَلِكَ.

ولفظه لابن ماجه.

وخرجه أبو داود، ولفظه: كانَ إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كانَ في الصَّلاة، ثُمَّ يقول: ( ( اللَّهُمَّ، أني أعوذ بك من شرها) ) .

وخرجه أبو داود، ولفظه: كانَ إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كانَ في صلاة، ثُمَّ يقول: ( ( اللَّهُمَّ، إني أعوذ بك من شرها) ) .
وخرجه ابن السني، ولفظه: كانَ إذا رأى في السماء ناشئا، غبارا أو ريحا، استقبله من حيث كانَ، [وإن كانَ في الصَّلاة] تعوذ بالله من شره.

وكذا خرجه ابن أبي الدينا.

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في ( ( اليوم والليلة) ) وابن ماجه وابن حبان في ( ( صحيحه) ) من حديث أبيه هريرة، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ( ( لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقالوا: اللَّهُمَّ، إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيهِا، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك منشر هذه الريح، وشر ما فيها وشر ما أمرت به) ) .

وقال: حسن صحيح.

وخرجه النسائي في ( ( اليوم والليلة) ) مرفوعا وموقوفا علي أبي كعب - رضي الله عنه -.

وفي الباب: أحاديث أخر متعددة.
وروي عن ابن مسعود، قالَ: لا تسبوا الريح؛ فإنها بشر ونذر ولواقح، ولكن استعيذوا بالله من شر ما أرسلت به.

وعن ابن عباس، قالَ: لا تسبوا الريح؛ فإنها تجئ بالرحمة، وتجئ بالعذاب، وقولوا: اللَّهُمَّ، اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا.

خرجهما ابن أبي الدنيا.

وخرج - أيضا - بلإسناده، عن علي، أنه كانَ إذا هبت الريح قالَ: اللَّهُمَّ، إن كنت أرسلتها رحمة فارحمني فيمن ترحم، وإن كنت أرسلتها عذابا فعافني فيمن تعافي.

وبإسناده، عن ابن عمر، أنه كانَ يقول إذا عصفت الريح: شدوا التكبير؛ منتقع اللون، فقالَ: مالك يا أمير المؤمنين؟ قالَ: ويحك، وهل هلكت أمة إلا بالريح؟