فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته

بَاب
مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ وََهُوَ لاَ يُريدُ إلاَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ
صَلاَةَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّتَهُ
[ قــ :656 ... غــ :677 ]
- حَدَّثَنَا موسى بْن إِسْمَاعِيل: أنا وهيب، [نا أيوب] ، عَن أَبِي قلابة، قَالَ: جاءنا مَالِك بْن الحويرث فِي مسجدنا هَذَا، فَقَالَ: إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة، أصلي كَيْفَ رأيت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي.
فَقِيلَ لأبي قلابة: كَيْفَ كَانَ
يصلي؟ قَالَ: مثل شيخنا هَذَا.
وكان الشَّيْخ يجلس إذا رفع رأسه من السجود قَبْلَ أن ينهض فِي الركعة الأولى.

وقد خرجه البخاري فيما بعد عَن معلى بْن أسد، عَن وهيب، ولفظ حديثه: جاءنا مَالِك بْن الحويرث فصلى بنا فِي مسجدنا هَذَا، فَقَالَ: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة.
لكني أريد أن أريكم كَيْفَ رأيت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي – وذكر بقية الحَدِيْث.

قول مَالِك بْن الحويرث: ( ( إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة) ) يحتمل أَنَّهُ أراد: أني لا أريد الصلاة إماماًُ وأنه لا غرض لِي فِي إمامتكم سوى تعليمكم صلاة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والإمام إذا نوى الصلاة بالناس وتعليمهم الصلاة صحت صلاته، كما حج النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،.

     وَقَالَ  لهم: ( ( خذوا عني مناسككم) ) .
.

     وَقَالَ  – أَيْضاً – فِي الصلاة: ( ( صلوا كما رأيتموني أصلي) ) .

وإن حمل عَلَى أن مراد ابن الحويرث: أني لا أريد أن أصلي هذه الصلاة لأني قَدْ صليتها، وإنما أعيدها لتعليمكم الصلاة دل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يرى جواز اقتداء المفترضين بالمتنفل، إن كَانَ أمهم فِي وقت صلاة مفروضة، فإن كَانَ أمهم فِي تطوعٍ فلا دلالة فِيهِ عَلَى ذَلِكَ.

وقد ورد ذَلِكَ مصرحاً بِهِ رِوَايَة خرجها البخاري فِي ( ( بَاب: الطمأنينة) ) من رِوَايَة حماد بْن زيد، عَن أيوب، عَن أَبِي قلابة، قَالَ: قام مَالِك بْن الحويرث يرينا كَيْفَ كَانَ صلاة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك فِي غير وقت الصلاة – وذكر صفة صلاته.

فعلم بهذا أنهم كانوا متنفلين بهذه الصلاة كلهم.

ولا يصح حمل كلامه عَلَى ظاهره، وأنه لَمْ ينو الصلاة بالكلية، بل كَانَ يقوم ويقعد ويركع ويسجد، وَهُوَ لا يريد الصلاة، فإن هَذَا لا يجوز، وإنما يجوز مثل ذَلِكَ فِي الحج، يجوز أن يكون الَّذِي يقف بالماس ويدفع بهم غير محرم، ولا مريداً للحج بالكلية، لكنه يكره.

قَالَ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء فِي الأحكام السلطانية: لأن الوقوف والدفع يجوز للمحرم وغيره، بخلاف القيام والركوع والسجود، فإنه لا يجوز إلا فِي الصلاة بشروطها.

وبقية فوائد الحَدِيْث يأتي الكلامم عَلِيهِ فِي مواضعه – إن شاء الله –؛ فإن البخاري خرجه فِي مواضع متعددة.