فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس

باب
إذا دخل المسجد فليركع ركعتين
[ قــ :435 ... غــ :444 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة السلمي، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) ) .

أبو قتادة السلمي منسوب إلى بني سلمة - بكسر اللام -، بطن من الأنصار من الخزرج، واسم أبي قتادة، الحارث بن ربعي.
وقيل: اسمه: النعمان.

وأما النسبة إلى بني سلمة، فيقال فيها: سلمي بفتح اللام.
هذا ما اتفق عليه أهل العربية واللغة.
ووافقهم على ذلك من أهل الحديث.
وكذلك قيده بن ما كولا في ( ( إكماله) ) وغيره.

وحكى الحازمي عن أكثر أهل الحديث أنهم يكسرون اللام، ويقولون: سلمي.

وفي الحديث: الأمر لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين قبل جلوسه، وهذا الأمر على الاستحباب دون الوجوب عند جميع العلماء المعتد بهم.
وإنما يحكى القول بوجوبه عن بعض أهل الظاهر.

وإنما اختلف العلماء: هل يكره الجلوس قبل الصلاة أم لا؟
فروي عن طائفة منهم كراهة ذلك، منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو قول أصحاب الشافعي.

ورخص فيه آخرون، منهم: القاسم بن محمد وابن أبي ذئب واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

قال أحمد: قد يدخل الرجل على غير وضوء، ويدخل في الأوقات التي لا يصلى فيها.

يشير إلى أنه لو وجبت الصلاة عند دخول المسجد لوجب على الداخل إليه أن يتوضأ، وهذا مما لم يوجبه احد من المسلمين.

وأما الداخل في أوقات النهي عن الصلاة، فللعلماء فيه قولان مشهوران، وهما روايتان عن أحمد، أشهرهما: أنه لا يصلي، وهو قول أبي حنيفة وغيره.
وعند الشافعي يصلي.

وربما تأتي هذه المسالة في موضع أخر - أن شاء الله.

وروي عن جرير، عن مغيرة؛ عن إبراهيم، قال: كان يقال: إذا دخلت مسجدا من مساجد القبائل فلا باس أن تقعد ولا تركع، وإذا دخلت مسجدا من مساجد الجمع فلا تقعد حتى تركع.

ولعل أهل العلم هذه المقالة حملوا قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا دخل أحدكم المسجد) ) على المسجد المعهود في زمنه، وهو مسجده الذي كان يجمع فيه، فيلتحق به ما في معناه من مساجد الجمع دون غيرها.

والجمهور حملوا الألف واللام في ( ( المسجد) ) على العموم لا على العهد.

وروى الإمام أحمد في المسند: ثنا حسين بن محمد: ثنا ابن أبي ذئب، عن رجل من بني سلمة، عن جابر بن عبد الله، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى مسجد بعض الأحزاب، فوضع رداءه، فقام ورفع يديه مدا يدعو عليهم، ولم يصل، ثم جاء ودعا عليهم وصلى.

وفي كتاب ( ( العلل) ) لأبي بكر الخلال، عن أبي بكر المروذي، قال: قيل لأبي عبد الله - يعني: أحمد -: حديث حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن سعد، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه دخل المسجد فاحتبى، ولم يصل الركعتين - أمحفوظ هو؟ قال: نعم.

قال المروذي: ورأبت أبا عبد الله كثيرا يدخل المسجد، يقعد ولا يصلي، ثم يخرج ولا يصلي في أوقات الصلوات.

وهذا الحديث غريب جدا، ورفعه عجيب، ولعله موقوف.
والله أعلم.

وقال جابر بن زيد: إذا دخلت المسجد فصل فيه، فإن لم تصل فيه فاذكر الله، فكأنك صليت فيه.

والصلاة عند دخول المسجد تسمى: تحية المسجد، وقد جاء ذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خرج ابن حبان في ( ( صحيحه) ) من حديث أبي ذر، قال: دخلت المسجد فإذا
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده، فقال: ( ( يا أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعهما) ) ، فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه - وذكر الحديث بطوله.

وفي إسناد إبراهيم بن هشام بن يحيى بن الغساني، تكلم فيه أبو زرعة وغيره.

وقد روي من وجوه متعددة عن أبي ذر، وكلها لا تخلو من مقال.

وتسمى - أيضا - حق المسجد.

وروى ابن إسحاق، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرو ابن سليم الزرقي، عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أعطوا المساجد حقها) ) قالوا: وما حقها؟ قال: ( ( تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا) ) .

واعلم أن حديث أبي قتادة قد روي بلفظين:
أحدهما: ( ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) ) .

كذا رواه مالك، وقد خرجه البخاري هاهنا من طريقه كذلك.

وهذا اللفظ يقتضي الأمر لهم بالصلاة قبل الجلوس، فمن جلس في المسجد كان مأمورا بالصلاة قبل جلوسه.

ومن لم يجلس فيه، فهل يكون مأمورا بالصلاة؟ ينبغي على أن القبلية المطلقة هل تصدق بدون وجود ما أضيفت إليه أم لا؟ وفيه اختلاف قد سبق ذكره في ( ( باب: غسل القائم يده من النوم قبل إدخالها الإناء) ) .
فإن قيل: إنها لا تصدق بدونه، فالأمر لا يتناول من لا يجلس، وإن قيل: إنها تصدق بدونه تناوله الأمر.

واللفظ الثاني: ( ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) ) .

وقد خرجه البخاري في ( ( أبواب: صلاة التطوع) ) من رواية عبد الله بن سعيد - هو: ابن أبي هند - عن عامر بن عبد الله بن الزبير - بإسناده.

وهذه الرواية إنما فيها النهي عن الجلوس حتى يصلي، فمن دخل ولم يجلس، بل مر في المسجد مجتازا فيه، أو دخل لحاجة ثم خرج ولم يجلس لم يتناوله هذا النهي.

ولكن خرجه أبو داود من رواية أبي عميس، عن عامر بن عبد الله، عن رجل من بني زريق، عن أبي قتادة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بنحوه، زاد فيه: ( ( ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب إلى حاجته) ) .

وهذه الزيادة تدل على تناول الأمر لمن قعد ومن لم يقعد، ولعلها مدرجة في الحديث.

وقد خرج أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في ( ( كتاب الشافي) ) هذا الحديث من هذا الوجه، ووقفه كله على أبي قتادة.

وقد فرق أحمد وإسحاق بين أن يجلس الداخل في المسجد، فقالا: لا يجلس فيه حتى يصلي.
قالا: وأما إذا مر فلا بأس، ولا يتخذه طريقا.
نقله إسحاق بن منصور عنهما.

وكان ابن عمر يمر في المسجد ولا يصلي فيه.

وفي ( ( تهذيب المدونة) ) : قال مالك: ومن دخل المسجد فلا يقعد حتى يركع ركعتين، إلا أن يكون مجتازا لحاجة، فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت ثم كره زيد أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك.

وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون.
قال: ورأيت ابن عمر يفعله.

وكان سالم بن عبد الله يمر فيه مقبلا ومدبرا ولا يصلي فيه.

ورخص فيه الشعبي.

وقال الحسن: لا بأس أن يستطرق المسجد.

وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه مر في المسجد فصلى فيه ركعة، وقال: إنما هو تطوع.
وقال: كرهت أن أتخذه طريقا.

ومر طلحة في المسجد، فسجد سجدة.

ومر فيه الزبير فركع ركعة أو سجد سجدة.

خرجه وكيع في ( ( كتابه) ) .

وفي أسانيد المروي عن عمر وطلحة والزبير مقال.
وفي جواز التطوع بركعة قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد.

وقد بوب البخاري على أن ( ( التطوع لا يكون إلا ركعتين يسلم فيهما) ) .

وخرج فيه حديث أبي قتادة هذا مع غيره.

وللشافعية خلاف فيما إذا صلى ركعة: هل يقتضي بذلك حق المسجد، أم لا؟ والصحيح عندهم أنه لا يقضيه بذلك.

وأما الاقتصار على سجدة فقول غريب.

وفي النهي عن اتخاذ المسجد طريقا أحاديث مرفوعة متعددة، في أسانيدها ضعف.

وروينا من طريق الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن سالم، عن أبيه، قال: لقي عبد الله رجل فقال: السلام عليك يا بن مسعود.
فقال عبد الله: صدق الله
ورسوله؛ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين، ولا يسلم الرجل إلا على من يعرفه، وان يبرد الصبي الشيخ) ) .

الحكم بن عبد الملك، ضعيف.

ورواه - أيضا - ميمون أبو حمزة - وهو ضعيف جدا -، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود - مرفوعا.

وخرجه البزار من رواية بشير بن سليمان أبو إسماعيل، عن سيار، عن طارق، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه.

وخرجه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، ولم يذكر فيه المرور في المسجد، وذكر خصالا أخر.

وأما من مر على المسجد، فهل يستحب له الدخول إليه لقصد الصلاة فيه؟ لا نعلم في ذلك إلا ما رواه سعيد بن أبي هلال: أخبرني مروان بن عثمان، أن عبيد بن حنين أخبره، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنمر على المسجد، فنصلي فيه.

خرجه النسائي.

وبوب عليه: ( ( صلاة الذي يمر على المسجد) ) .

ومروان بن عثمان، قال فيه الإمام أحمد: لا يعرف.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف.