فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب

باب
ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب
[ قــ :812 ... غــ :835 ]
- حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن الأعمش: حدثني شقيق، عن عبد الله، قال: كُنا إذا كُنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء – أو بين السماء والأرض – أشهد إلا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فبدعوا) ) .

وقد سبق في رواية للإمام أحمد التصريح بأن هذا الدعاء إنما هو في التشهد الأخير خاصةً، فأما التشهد الأول فلا يدعو بعده عند جمهور العلماء، ولا يزاد عليه عند أكثرهم، حتى قال الثوري - في رواية عنه - إن فعل ذلك عمداً بطلت صلاته.

إلا أن الشافعي - في الجديد - قال: يصلي فيه على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده دون آله.

وقال مالك: يدعى فيه كالتشهد الأخير.

وروي عن ابن عمر.

وخرّج النسائي من حديث سعد بن هشام، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيحمد الله ويثني على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويدعو بينهن، ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويقعد، ويحمد الله ويصلي على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعناً.

وحمل بعض أصحابنا هذا على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله أحيانا في صلاة النفل، لبيان الجواز دون الاستحباب.

وخرّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في الركعتين كأنه على الرضف حتى يقوم.

وحسّنه.

وأبو عبيدة، وإن لم يسمع من أبيه، إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه -: قاله ابن المدني وغيره.

وروي عن أبي بكر الصديق نحو ذلك.
فأما الدعاء قبل السلام في التشهد الأخير، فإنه مشروع بغير خلاف.

وحكى ابن المنذر، عن الحسن، أنه كَرِه الدعاء في المكتوبة، وأباحه في
التطوع.

ولعله أراد في غير التشهد.
وقد دل عليه حديثُ ابن مسعود هذا، وليس هو بواجب كما ذكره البخاريّ، ومن العلماء من حكى الإجماع على ذلك.

قد يستدل بما روى الحسن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، قال أخذ علقمة
بيدي، فحدثني أن ابن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيده، فعلّمه التشهد في الصلاة - فذكر إلى آخره، ثم قال: إذا قلت هذا - أو قضيتُ هذا - فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وان شئت أن تقعد فاقعد.

خرّجه الإمام أحمد وأبو داود.

وقال إسحاق بن راهويه: صح هذا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهذا ظاهر في أن ما بعد التشهد ليس بواجب، ولكن قد قيل: إن القائلَ:
( ( إذا قلت هذا) ) إلى آخره، هو ابن مسعود، وليس مرفوعاً –؛ كذلك قاله الدارقطني وأبو علي النيسابوري والبيهقي وأبو بكر الخطيب وغيرهم من الحفاظ.
على هذا التقدير، فإذا قال ابن مسعود هذا، وهو راوي الحديث الذي فيه:
( ( ثم ليتخير من الدعاء) ) دل على أنه فهم من ذلك الاستحباب دون الوجوب؛ ولهذا ردّه إلى اختياره ومشيئته وإعجابه، وراوي الحديث أعلم بمعنى ما روى، فيرجع إليه فهم ذلك.

وقد سبق عن طاوسٍ: ما حكاه عنه مسلم، أنه بلغه عنه، أنه أمر ابنه بالاعادة إذا لم يتعوذ في صلاته من تلك الأربع.

وحكي بعض أصحابنا وجهاً لهم بمثل ذلك.

وحكُي عن أبي طالب، عن أحمد، أنه قال: من ترك شيئاً من الدعاء في الصلاة عمداً يعيد.

وقوله: ( ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) ) يستدل به على أنه يجوز الدعاء في الصلاة بما لا يوافق لفظه لفظ القرآن، وعامة الأدعية المروية عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته كذلك، وقد سبق في الباب الماضي بعض ذلك.

وهذا قول جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة والثوري في قولهما: لا يدعو في صلاته إلا بما يوافق لفظَ القرآن، فإن خالف بطلت صلاته.

وحكى أصحاب سفيان الثوري مذهبه كذلك.

والصحيح - المنصوص عن أحمد -: أنه يجوز الدعاء بما يعود بمصلحة الدين بكل حالٍ، وهو قول جمهور العلماء.

وفي ( ( سنن أبي داود) ) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: ( ( كيف تقول في الصلاة؟) ) قالَ: أتشهد، ثُمَّ أقول: اللهمّ إني أسألك الجنة، وأعوذُ بك من النار، أما إني لا أحسنُ دندنتك ولا دندنة معاذ، قالَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( حولها ندندن) ) .
وهذا يشعر بأنه يجوز الدعاء بمصالح الآخرة بأي لفظٍ كان.

واختلفوا: هل يجوز الدعاء في الصلاة بالمصالح الدنيوية خاصة؟
فقالت طائفة: يجوز، منهم: عروة ومالك والشافعي، وحُكي روايةً عن أحمد، واستدلوا بعموم حديث ابن مسعود.

وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وهو المشهور عن أحمد، واختاره أبو محمد الجويني من الشافعية.
وإنما هذا فيما لم يرد النص بمثله كالرزق والعافية والصحة ونحو ذلك مما ورد الدعاء به في الأخبار في الصلاة وغيرها، فإنه يجوز الدعاء به في الصلاة، وإنما الممنوع طلبُ تفاصيل حوائج الدنيا؛ كالطعام الطيب والجارية الوضيئة.

والثوب الحسن ونحو ذَلِكَ، فان هذا عندهم من جنس كلام الآدميين الذي قالَ فيهِ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) ) .

ولا فرق في استحباب الدعاء بين الإمام والمأموم والمنفرد عند جمهور العلماء.
واستحب إسحاق للإمام أن يدعو في هذا الموضع بصيغة الجمع؛ ليشمل المأمومين معه، وكره أن يخص نفسه؛ للحديث المروي في النهي عن ذلك.

وللشافعية وجه ضعيف: أن الإمام لا يدعو، وهو خلاف نص الشافعي؛ فإنه قال في كتاب ( ( الأم) ) : أحبُّ لكلَُ مصلًّ أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الله عز وجل وتحميده ودعاءً في الركعتين الأخيرتين، وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماماً أقل من قدر التشهد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها قليلا؛ للتخفيف عمن خلفه، وأرى أن يكون جلوسه إذا كان وحده أكثر من ذلك، ولا أكره ما طال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو أو خاف فيه سهواً، وإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كرهت ذلك، ولا إعادة عليه، ولا سجود سهو.
انتهى كلامه.

وقد تضمن: أنه بعد التشهد والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشرع له ذكر الله وتحميده، وهو خلاف نص أحمد؛ فإنه نص على أنه يدعو بعد التشهد من غير ثناء وحمد.

وسئل أحمد - أيضاً -: هل يحمد الله الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: لا أعرفه.

وقال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا أنه لم يستحب ذلك.

ولا يستحب للأمام أن يدعو أكثر من قدر التشهد خشية الإطالة على المأمومين، فأما المنفرد فإنه يطيل ما لم يخف السهو فيكره له الزيادة.

وقد بوّب النسائيّ في ( ( سننه) ) : ( ( باب: الذكر بعد التشهد) ) ، وخرج فيه حديث عكرمة بن عمار: ثنا إسحاق بن أبي طلحة، عن أنسٍ، قال: جاءت أم سليٍم إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله، علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي، قال: ( ( سبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشرا، ثم سليه حاجتك، يقول: نعم، نعم) ) .

وخرّج –أيضاً – بعد ذلك من حديث جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في صلاته بعد التشهد: ( ( أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمدٍ) ) .

وهذا الحديث إنما يعرف فيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقوله في تشهده في الخطبة، كما في ( ( صحيح مسلمٍ) ) وغيره، فلعل ذكر الصلاة فيه مما توهمه بعض الرواة، حيث سمع أنه كان يقوله في تشهده، فظنّ أنه تشهد الصلاة.

وحديث أنسٍ المتقدم، خرّجه الترمذيّ والحاكمُ في ( ( باب: صلاة التسبيح) ) .

وحسّنه الترمذي، وصححه الحاكم، وجعلاه من جملة أحاديث صلاة التسبيح.

وخرّجه الإمام أحمد، ولم يذكر فيه: ( ( في صلاتي) ) .
وقد روي الحديث بلفظٍ آخر بإسنادٍ آخر، وهو: ( ( إذا صليت الصلاة المكتوبة فسبحي) ) .

وهذا اللفظ يحمل على أنها تقول ذلك إذا فرغت من صلاتها، فيستدل به حينئذٍ على فضل الذكر والدعاء عقب الصلاة المكتوبة، وعلى ذلك حمله ابن حبان وغيره.

وقد روي عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفتتح قيام الليل، يكبر عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً، ويقول: ( ( اللهم، اغفر لي واهدني وارزقني) ) –عشراً، ويقول: ( ( اللهم، أني أعوذ بك من ضيق المقام يوم الحساب) ) - عشراً.

خرّجه النسائي.

وخرّجه من وجوهٍ متعددةٍ بألفاظٍ متقاربةٍ، وفي بعضها: ثم يستفتح الصلاة.

وهذه الرواية تشهد لأنه كان يقول ذلك قبل دخوله في الصلاة.
والله أعلم.

وروى جعفر الفريابي في ( ( كتاب الذكر) ) بإسنادٍ صحيحٍ، عن ابن عمر، أنه رأى رجلاً دخل في الصلاة، فكبر، ثم قال: اللهم اغفر لي وأرحمني، فضرب ابن عمر منكبيه وقال: أبدأ بحمد الله عز وجل والثناء عليه.

وهذا يدل على استحباب ذلك عند افتتاح الصلاة.

ومما يستدل به على استحباب الثناء على الله عز وجل في التشهد قبل الدعاء: ما روى أنس قال: كنت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، إني أسألك، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: ( ( هل تدرون بما دعا؟) ) قالوا: الله ورسوله أعلم.
قالَ:
( ( والذي نفسي بيده، لقد دعا باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى) ) .

خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في ( ( صحيحه) ) والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

وعن محجن بن الأدرع، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المسجد، فإذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، فقال: اللهم، إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، فقال
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( قد غفر له) ) –ثلاثاً.

خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وقال: على شرطهما.
وخرّج الترمذي من حديث ابن مسعود، قال كنت أصلي والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( سل تعطه.
سل تعطه)
)
.

وقال: حسن صحيح.

وعن فضالة بن عبيدٍ، قال: سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( ( عجل هذا) ) ، ثم دعاه، فقال له –أو لغيره -: ( ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ليدع بما شاء) ) .

خرّجه الترمذي، وقال: حسن.

وخرّجه الإمام أحمد وأبو داود وعنده: ( ( فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه) ) .

وخرّجه النسائي، وزاد: فسمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يصلي فمجد الله وحمده، وصلى على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أدع تجب، وسل تعطه) ) .

وخرّجه الترمذي بهذا المعنى –أيضاً -، وعنده: فقال: ( ( عجلت أيها
المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلَّ عليَّ، ثم ادعه)
)
–وذكر باقيه بمعناه.

وفي هذا الحديث وحديث ابن مسعودٍ: استحباب تقديم الثناء على الله على الصلاة على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا قد يصدق بالدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأن التشهد فيه ثناء على الله عز وجل، فلا يحتاج إلى إعادة الثناء.

وقال إسحاق: يحمد الله بعد التشهد وقبل الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نقله عنه حرب.

واستحب إسحاق وبعض الشافعية أن يبتدئ التشهد بـ ( ( بسم الله) ) ، وفيه حديث مرفوع ضعفه غير واحدٍ.

وقد روي عن ابن عمر، أنه كان إذا تشهد التشهد الأخير دعا فيه، ثم أخر السلام على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى نفسه وعباد الله الصالحين إلى بعد الدعاء، ثم يختم دعاءه بالسلام، ثم يسلم عن يمينه.

ولم يذكر البخاري الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد، وقد دّل هذان الحديثان – أعنى: حديث ابن مسعود وفضالة –عليها، ولكن ليسا على شرطه.

وقد روى ابن إسحاق: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن
عبد الله بن زيدٍ، عن عقبة بن عمرو، قال: قالوا: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ قالَ: ( ( قولوا: اللهم، صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد) ) .

خرّجه ابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحهما) ) والدارقطني –وقال: إسناد حسن متصل –والحاكم – وقال: صحيح الإسناد.

ويشهد لذلك: قول الصحابة للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( هذا السلام عليك قد عرفناه) ) ، وإنما عرفوا السلام عليه في التشهد في الصلاة، وهو: ( ( السلام على النبي ورحمة الله
وبركاته)
)
، فيكون سؤالهم عن الصلاة عليه في الصلاة –أيضاً.

وقد خرّج ابن عدي من حديث طلحة، قال قلت: يا رسول الله، هذا التشهد قد عرفنا، فكيف الصلاة عليك –فذكره.

وفي إسناده: سليمان بن أيوب الطلحي، وقد وثقه يعقوب بن شيبة وغيره وقال ابن عديً: عامة أحاديثه أفراد لا يتابعه عليها أحد.

وخرج الحاكم والبيهقي من حديث ابن مسعودٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا تشهد أحدكم في الصلاة، فليقل: اللهم صل على محمد وآل محمدٍ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، وارحم محمداً وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ) ) .

وفي إسناده: رجل غير مسمىً.

وخرّج الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهدٍ، عن مجاهدٍ، قال: أخذ بيدي ابن أبي ليلى –أو أبو معمرٍ -، قال: علمني ابن مسعودٍ التشهد، وقال: علمنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( التحيات لله) ) –فذكره إلى آخره، وزاد بعده: الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقال: ابن مجاهد هذا، ضعيف الحديث.

وخرّج البيهقي من رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن
عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: ( ( إذا جلستم بين الركعتين فقولوا: التحيات لله) ) – إلى آخر التشهد.
قال عبد الله: وإذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أصابت كل عبدٍ صالحٍ أو نبيً مرسلٍ، ثم يبدأ بالثناء على الله والمدحة له بما هو أهله، وبالصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يسأل بعد ذلك.

والظاهر: أن آخره من قول ابن مسعود.

وفيه: استحباب الثناء على الله بعد التشهد قبل الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ولا نعلم خلافاٌ بين العلماء في أن الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير مشروعة، واختلفوا: هل تصح الصلاة بدونها؟ على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: لا تصح الصلاة بدونها بكل حال، وهو مذهب الشافعي وأحمد –في رواية عنه.

وروي عن أبي مسعودٍ الأنصاري، قال: ما أرى أن لي صلاة تمت لا أصلي فيها على محمد وآله.

وخرّج ابن ماجه من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعدٍ، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا صلاة لمن لم يصل على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ) .

وعبد المهيمن، تكلموا فيه.
تصح الصلاة بدونها مع السهو دون العمد، وهو رواية أخرى عن أحمد وإسحاق.

وروي معناه عن ابن عمر من قوله.

خرّجه المعمري في كتاب ( ( عمل يومٍ وليلةٍ) ) .
واستدل بعض من قال ذلك بحديث فضالة بن عبيد المتقدم ذكره، فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر من صلى ولم يصل عليه بالإعادة حيث لم يكن يعلم ذلك، وإنما علمه أن يقولها فيما بعد.

والثالث: تصح الصلاة بدونها بكل حال، وهو قول أكثر العلماء، منهم: أبو حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق –في رواية عنهما – وداود وابن جريرٍ وغيرهم.

وقال النخعي: كانوا يكتفون بالتشهد من الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرّجه سعيد بن منصورٍ.

ولعله أراد: أن التسليم عليه والشهادة له بالرسالة تكفي من الصلاة عليه.

وقد روي عنه ما يدل على أن ذلك مراده، وعن منصور والثوري نحوه –
أيضاً.

واستدل لذلك بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلم المسيء في صلاته الصلاة عليه، ولا صح عنه أنه علمها أصحابه مع التشهد، مع أنه علمهم الدعاء بعده، وليس بواجبٍ كما
سبق.
والأمر بها في حديث ابن إسحاق لا يدل على الوجوب؛ فإنه إنما أمرهم عندَ سؤالهم عنه، وهذه قرينة تخرج الأمر عن الوجوب، على ما ذكره طائفة من الأصوليين؛ فإنه لو كان أمره للوجوب لا بتدأهم به، ولم يؤخره إلى سؤالهم، مع حاجتهم إلى بيان ما يجب في صلاتهم؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل على أنه اكتفى بالسلام عليه عن الصلاة.

يدل على ذلك: أن عمر كان يعلم الناس التشهد على المنبر، ولم يذكر فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذلك روي صفة التشهد عن طائفةٍ من الصحابة، منهم: ابن عمر وعائشة وغيرهما، ولم يذكروا فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

* * *