فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب المكث بين السجدتين

باب
المكث بين السجدتين
فيه ثلاثة أحاديث:
الأول:

[ قــ :797 ... غــ :818 ]
- حدثنا أبو النعمان: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، أن مالك بن الحويرث قال لأصحابه: إلا أنبئكم صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ - قالَ: وذلك في غير حين صلاة -، فقام، ثُمَّ ركع فكبرّ، ثُمَّ رفع رأسه، فقام هنية، ثُمَّ سجد، ثُمَّ رفع رأسه
هنية، فصلى صلاة عمرو بن سلمة، شيخنا هذا.

قال أيوب: كان يفعل شيئاً لم أرهم يفعلونه، كان يقعد في الثالثة أو الرابعة.



[ قــ :797 ... غــ :819 ]
- قال: فأتينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاقمنا عنده، فقال: ( ( لو رجعتم إلى أهاليكم، صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) ) .

قد سبق هذا الحديث في مواضع، تاماً ومختصراً.

والمراد منه في هذا الباب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سجد رفع رأسه هنية، والمراد: أنه يجلس بين السجدتين هنية، ثم يسجد السجدة الثانية.




[ قــ :798 ... غــ :80 ]
- ثنا محمد بن عبد الرحيم: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري: ثنا مسعر، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: كان سجود النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وركوعه وقعوده بين السجدتين قريباً من السواء.





[ قــ :799 ... غــ :81 ]
- ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: اني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا.

قال ثابت: كان أنس بن مالك يصنع شيئاً لم أركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي.

وقد تقدمت هذه الأحاديث الثلاثة في ( ( باب: الرفع من الركوع) ) .

وحكم الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين حكم الرفع من الركوع، على ما سبق ذكره.

وذكرنا هنالك: أن تطويل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك في حديث أنس إنما كان حين يطيل القيام والركوع والسجود، وأن تخفيفه كما في حديث مالك بن الحويرث كان إذا لم يطل القيام والركوع والسجود، وأن حديث البراء بن عازب يفسر ذلك، حيث قال: كان سجوده وركوعه وقعوده بين السجدتين قريباً من السواء.

ولم يخرج البخاري في الدعاء والذكر بين السجدتين شيئاً؛ فإنه ليس في ذلك شيء على شرطه.

وفيه: عن ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بين السجدتين: ( ( اللهم، أغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني) ) .

خرّجه أبو داود.

والترمذي؛ وعنده: ( ( وأجبرني) ) بدل: ( ( عافني) ) .

وابن ماجه، وعنده: ( ( وارفعني) ) بدل: ( ( اهدني) ) ، وعنده: أنه كان يقوله في صلاة الليل.

وفي إسناده كامل بن العلاء؛ وثقه ابن معين وغيره، وقال النسائي: ليس بالقوي، وتكلم فيه غير واحد.

وقد اختلف عليه في وصله وإرساله.
وقد روي هذا من حديث بريدة - مرفوعاً -، وإسناده ضعيف جداً.

وروي عن علي بن أبي طالب –موقوفاً عليه -، وعن المقدام بن معدي كرب.

وخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حذيفة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بين السجدتين: ( ( رب اغفر لي) ) .

واستحب الإمام أحمد ما في حديث حذيفة، فإنه أصح عنده من حديث ابن عباس، وقال: يقول: ( ( رب اغفر لي) ) ثلاث مرات، أو ما شاء.

ومن أصحابه من قال: يقولها مرتين فقط.

ومنهم من قال: يقولها ثلاثاً كتسبيح الركوع والسجود، وحمل حديث حذيفة أنه كان يكرر ذلك؛ فإن في حديثه: أن جلوسه بين السجدتين كان نحوا من سجوده.

وروي عن أكثر العلماء استحباب ما في حديث ابن عباس، منهم: مكحول والثوري وأصحاب الشافعي.

وقال إسحاق: كله جائز، وعنده: إن قال ما في حديث ابن عباس لم يكرره، وإن قال: ( ( رب اغفر لي) ) كرره ثلاثاً.

وحكم هذا الذكر بين السجدتين عند أكثر أصحاب أحمد حكم التسبيح في الركوع والسجود، وأنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه.

وروي عن أحمد، أنه ليس بواجب:
قال حرب: مذهب أحمد: أنه إن قال جاز، وإن لم يقل جاز، والأمر عنده واسع.

وكذا ذكر أبو بكر الخلال، أن هذا مذهب أحمد.

وهذا قول جمهور العلماء.

وحكي عن أبي حنيفة، أنه ليس بين السجدتين ذكر مشروع بالكلية.

وعن بعض أصحابه، أنه يسبح فيه.


* * *