فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟

باب
هل على من لم يشهد الجمعة غسلٌ من النساء والصبيان وغيرهم؟
وقال ابن عمر: إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة.

مراده: أن من لا يلزمه شهود الجمعة من النساء والصبيان وغيرهم كالمسافرين، هل عليهم غسلٌ، أم لا؟
والمعنى: هل يلزمهم الغسلٌ على قول من يرى الغسلٌ واجباً، أو يستحب لهم على قول من يراه مستحباً؟
وقد ذكر عن ابن عمر –تعليقاً -، أنه قالَ: إنما الغسلٌ على من تجب عليهِ
الجمعة.

وروى وكيعٌ: نا خالج بن عبد الرحمن بن بكيرٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: إنما الغسلٌ على من أتى الجمعة.

يعني: ليس على النساء جمعةٌ.

وروى عبد الرزاق بإسناده، عن سالمٍ ونافعٍ، أن ابن عمر كان لا يغتسل في السفر يوم الجمعة.

وإنما ذهب ابن عمر إلى هذا، تمسكاً بما رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: ( ( من أتى الجمعة فليغتسل) ) ، فحمله على أن المراد: من لزمه إتيان الجمعة فليغتسل، وهو أعلم بما روى، وأفهم له.

وقد فهم آخرون منه أنه: من أراد إتيان الجمعة فلغتسل، سواء كان إتيانه للجمعة واجباً عليه، أو غير واجبٍ، وأما من لم يرد إتيانها كالمسافر والمريض المنقطع في بيته، ومن لا يريد حضور الجمعة من النساء والصبيان، فلم يدل الحديث على غسل أحدٍ
منهم.

وقد ذهب إلى أنهم يغتسلون للجمعة طائفةٌ من العلماء، فصارت إلاقوال في المسألة ثلاثةٌ:
اما اختصاص الغسلٌ بمن تلزمه الجمعة.

أو بمن يريد شهود الجمعة، سواءٌ لزمته، أو لا.

وأما أنه يعم الغسلٌ كل مكلف يوم الجمعة، سواءٌ أراد شهودها، أو لم يرده.

والقول الأول -: وجه لأصحابنا، وهوظاهر اللفظ الذي ذكره البخاري عن ابن عمر –تعليقاً -، وتبويب البخاري يدل على اختياره.

والثاني -: هو قول الأكثرين، كمالك والشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أن أحمد استثنى منه المرأة خاصة، الحاقا لغسلٌها بتطيبها، وهي منهيةٌ عنه إذا حضرت المسجد.

واستحبه الآخرون، وبعض أصحاب أحمد، حيث لم يكن خروجها للجمعة مكروهاً.

وقال عطاءٌ والشعبي: ليس على المسافر غسلٌ يوم الجمعة.
وأما القول الثالث -: فهو قول طائفة من العلماء، أن كان من أهل وجوب الجمعة، وإن كان له عذر يمنع الوجوب؛ فإنه يغتسل يوم الجمعة، مريضاً كان أو مسافراً، أو غير ذلك.

وروي عن طلحة بن عبيد الله ومجاهدٍ وطاوسٍ وسعيدٍ بن جبير، وهو قول إسحاق وأبي ثورٍ، ووجهٌ للشافعية.

ولهم وجه آخر: يسن لكل أحدٍ، مكلفاً كان بها أو غير مكلف، كفسل العيد، لما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: ( ( حقٌ على كل مسلمٍ أن يغتسل في سبعة أيامٍ يوماً) ) ، وسيأتي ذكره.

وروى الحسن، عن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصاه بثلاثٍ، لا يدعهن في حضرٍ ولا سفرٍ، فذكر منها: ( ( والغسلٌ يوم الجمعة) ) .

خرَّجه الإمام أحمد.

والحسن، لم يسمع من أبي هريرة، على الصحيح عند الجمهور.

والمعروف: حديث وصية أبي هريرة بثلاثٍ، ليس فيها: ( ( غسلٌ الجمعة) ) ، كما يأتي في موضعه –إن شاء الله سبحانه وتعالى.
واستدل الأكثرون بقوله: ( ( من أتى الجمعة فليغتسل) ) .

وفي رواية: ( ( إذا أراد أن يأتي الجمعة فلغتسل) ) .

وبأن الغسل مقرونٌ بالرواح إلى الجمعة في غير حديث، وهذا مقيد، فيقضي على المطلق.

ولأنه شرع للنظافة؛ لئلا يؤذي الحاضرون بعضهم بعضاً بالرائحة الكريهة، وهذا غير موجود في حق من لا يحضر الجمعة.

خرج في هذا الباب خمسة أحاديث:
الحديث الأول:

[ قــ :868 ... غــ :894 ]
- نا أبو اليمان: أنا شعيبٌ، عن الزهري: حدثني سالم بن عبد الله، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( من جاء منكم الجمعة فليغتسل) ) .

لما كان الخطاب في هذا للرجال لمن جاء منهم الجمعة، دل على أنه لا غسل على من لا يأتي منهم الجمعة، كالمسافر والمريض والخائف على نفسه، ولا على من ليس من الرجال، كالنساء والصبيان؛ فإن الصبيان لا يدخلون في خطاب التكليف.

الحديث الثاني.



[ قــ :869 ... غــ :895 ]
- حديث: أبي سعيدٍ الخدري، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: ( ( غسلٌ يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ) ) .

خرَّجه: عن القعنبي، عن مالكٍ.

وقد سبق إسناده.

ويستدل به على أن من لم يبلغ الحلم فلا غسلٌ عليه.






[ قــ :871 ... غــ :896 ]
- نا مسلم بن إبراهيم: نا وهيبٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( نحن الآخرون السابقة يوم القيامة، أوتوا الكتاب من قبلنا، وأتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، وهدانا الله اليه، فغداً
لليهود، وبعد غد للنصارى)
)
.




[ قــ :871 ... غــ :897 ]
- فسكت، ثم قال: ( ( حقٌ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام
يوماً، يغسلٌ فيه رأسه وجسده)
)
.




[ قــ :871 ... غــ :898 ]
- رواه أبان بن صالح، عن مجاهدٍ، عن طاوسٍ، عن أبي هريرة، قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( الله تعالى على كل مسلم حق: أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً) ) .

إنما ذكر رواية أبان بن صالح المعلقة؛ ليبين أن آخر الحديث –وهو: ذكر الغسلٌ –مرفوع إلى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لئلا يتوهم أن القائل: ( ( حقٌ على كل مسلمٍ) ) في آخر حديث وهيبٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه -: هو أبو هريرة، وأنه مدرج في آخر الحديث.

وقد خرج مسلمٌ في ( ( صحيحه) ) ذكر الغسلٌ من طريق وهيبٍ، وصرح برفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وتوهم آخرون: أن ذكر الغسل في آخر الحديث مدرج من قول أبي هريرة.

قال الدارقطني: رفعه أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ: عن طاوسٍ، عن أبي هريرة، واختلف عن عمروٍ بن دينار: فرفعه عمر بن قيس، عنه.
وقيل: عن شعبة، عنه –مرفوعاً.
وقيل: عنه –موقوفٌ.
ورواه ابن جريجٍ وابن عيينة، عن عمروٍ - موقوفاً.
وكذلك رواه إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس –موقوفاً، وروي عن ابن جريجٍ، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس –مرسلاً -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحيح الموقوف على أبي هريرة.
انتهى.
ولم يذكر رواية وهيبٍ المخرجة في ( ( الصحيحين) ) .

وكذا رواه أبو الزبير، عن طاوسٍ، عن أبي هريرة –موقوفاً.

ورواه داود بن أبي هند، عن أبي الزبير، عن جابر –مرفوعاً -: ( ( على كل رجلٍ مسلمٍ في كل سبعة أيامٍ غسل) ) ، وهو يوم الجمعة.

خرَّجه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في ( ( صحيحه) ) .

وقال أبو حاتم الرازي: هو خطأ، إنما هو –على ما رواه الثقات -: عن أبي الزبير، عن طاوسٍ، عن أبي هريرة –موقوفاً.

وهذا الحديث هو الذي استدل به من قال: إن غسل الجمعة يكون لليوم لا لشهود الجمعة، فيغتسل من حضر الجمعة، ومنلم يحضرها، كما سبق ذكره عنهم.

واستدل بع بعضهم على أن الغسلٌ للأسبوع، لا لخصوص يوم الجمعة، وأن من اغتسل في الأسبوع مرةً كفاه من غسلٌ الجمعة.

نقل حربٌ، عن إسحاق، قال: إن كان مغتسلاً سبعة أيام مرةً، فجاء يوم الجمعة، وقدكان غسلٌ رأسه واغتسل في كل سبعة أيامٍ مرةً جاز له ترك غسلٌ يوم الجمعة؛ قال ذلك ابن عباسٍ ومن بعده، أنهم كانوا يؤمرون بغسل رءوسهم وأجسادهم في كل سبعة أيام مرةً، فحول الناس إلى يوم الجمعة.

وقوله: ( ( يغسل رأسه وجسده) ) يشير إلى أنه يعم بدنه بالغسل، فإن الرأس إلى الغسلٌ [ ... ] لشعره، وقد كانت لهم شعورٌ في رءوسهم.

وعلي مثل هذا حمل طائفةٌ من العلماء قوله ( ( من غسل واغتسل) ) ، فقالوا: غسل رأسه واغتسل في بدنه، وقالوا: كانت للقوم جممٌ.




[ قــ :87 ... غــ :899 ]
- نا عبد الله بن محمد: نا شبابة: نا ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن
مجاهدٍ، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد) ) .

وقد سبق من وجه أخر عن ابن عمر – بنحوه.

الحديث الخامس:



[ قــ :873 ... غــ :900 ]
- نا يوسف بن موسى: نا أبو اسأمة: نا عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: كانت امرأةٌ لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: فما يمنعه أن
ينهاني؟ قالَ: يمنعه قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله عز وجل) ) .

ومراده بهذين الحديثين في هذا الباب: أن إلاذن في خروج النساء إلى المساجد إنما كانَ بالليل خاصةً، وحديث عمر يبين انهن إنما كن يخرجن كذلك، وقد سبق ذكر ذَلِكَ في ( ( باب: خروج النساء إلى المساجد في الليل والغلس) ) .

وحينئذ؛ فلا تكون الجمعة مما اذن لهن في الخروج اليها؛ لانها منصلاة النهار، لا من صلوات الليل، وإنما أمر بالغسلٌ من يجيء إلى الجمعة، كما في حديث ابن عمر المتقدم، فيدل ذلك على أن المرأة ليست مأمورة بالغسلٌ للجمعة، حيث لم يكن مأذونا لها بالخروج إلى الجمعة.

وقد رود لفظٌ صريحٌ بالغسل للنساء يوم الجمعة.

خرَّجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) من طريق عثمان بن واقد العمري، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) ) .

وخرَّجه بلفظٍ أخر، وهو: ( ( الغسل يوم الجمعة على كل حالم من الرجال، وعلى كل بالغٍ من النساء) ) .

وخرَّجه البزار في ( ( مسنده) ) باللفظ الأول.

وقال: أحسب عثمان بن واقدٍ وهم في هذا اللفظ.

وعثمان بن واقدٍ هذا، وثقه ابن معين، وقال أحمد والدارقطني: لا بأس به.

قال أبو داود: هو ضعيفٌ، حدث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) ) لا نعلم أن أحداً قال هذا غيره.

يعني: أنه لم يتابع عليه، وأنه منكرٌ لا يحتمل منه تفردا به.