فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الصلاة في مسجد السوق

باب
الصلاة في مسجد السوق
وصلى ابن عون في مسجد في دار يغلق عليهم الباب.

قد سبق ذكر مساجد البيوت والصلاة فيها، وما ذكره البخاري هناك أن البراء ابن عازب صلى في مسجد بيته جماعة، وذكرنا قول أحمد، أنه لا يحصل بالصلاة فيها فضيلة الصلاة في المسجد، إلا أن يكون يؤذن فيه ويقام، كأنه يشير إلى أن يكون في حال الصلاة غير ممنوع، وأن إسحاق قال: لا يحصل بالصلاة فيه جماعة فضل الجماعة في المسجد، إلا أن يكون له عذر.

وما حكاه البخاري هنا عن ابن عون، ظاهره: يدل على حصول فضل الجماعة في المسجد بذلك، وإن كان مغلقا، وهو قياس قول من أجاز الاعتكاف فيه، كما سبق ذكره، ويحتمل أن يكون ابن عون لا يرى حضور المساجد في الجماعة واجبا، أو أنه كان لهم عذر.
والله أعلم.

وأما مساجد الأسواق، إذا كانت مسبلة، فحكمها حكم سائر المساجد المسبلة.

وقد كره طلحة اليامي الصلاة في مساجد السوق.

خرجه حرب الكرماني من رواية ليث عنه.
وكأنه يشير إلى أنه إنما يستحب الصلاة في المسجد الأعظم الذي يجمع فيه.

وقد ورد التصريح بفضل الصلاة في مسجد الجامع على الصلاة في مساجد القبائل التي لا يجمع فيها.

خرجه ابن ماجه: ثنا هشام بن عمار: ثنا أبو الخطاب الدمشقي: ثنا رزيق أبو عبد الله الألهاني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة) ) .

رزيق الألهاني - بتقديم الراء على الزاي -، قال أبو زرعة الرازي: لا بأس به.
وذكره ابن حبان في ( ( ثقاته) ) وذكره - أيضا في ( ( الضعفاء) ) ، وقال: لا يحتج به.

وأما أبو الخطاب الدمشقي، فقيل: اسمه: حماد، وقع كذلك مصرحا به في ( ( معجم الطبراني الأوسط) ) ، وذكر ابن عدي أنه: معروف الخياط الذي رأى واثلة بن الأسقع، وأن هشام بن عمار يروي عنه وفيه ضعف.

وقال ابن ماكولا: اسمه: سلمة بن علي، كان يسكن اللاذقية، روى عنه هشام بن عمار والربيع بن نافع.
قال: والحديث منكر، ورجاله مجهولون.

كذا قال، وليس فيهم من يجهل حاله سوى أبي الخطاب هذا.

وقد كان بالمدينة مساجد في قبائل الأنصار، وهي دورهم، يصلون فيها الجماعات سوى الجمع.

وروى ابن لهيعة، أن بكير بن الأشج حدثه، أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يسمع أهلها تأذين بلال على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلون في مساجدهم بني عمرو بن مبذول من بني النجار، ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني رابح من بني عبد الاشهل، ومسجد بني زريق، ومسجد بني غفار، ومسجد أسلم، ومسجد جهينة.
وشك في التاسع.

خرجه أبو داود في ( ( المراسيل) ) .

قال البخاري - رحمه الله -:
[ قــ :467 ... غــ :477 ]
- حدثنا مسدد: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته
في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد
إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة حتى
يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه وتصلي
الملائكة عليه مادام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم
يحدث فيه)
)
.

وقد خرجه البخاري - أيضا - في موضع أخر من كتابه بزيادة تصريح الأعمش بالسماع له من أبي صالح، فزال ما كان يتوهم من تدليس الأعمش له.

والحديث: نص في أن الصلاة في المسجد تزيد على صلاة المرء في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين درجة، وهو أعم من أن تكون صلاته في بيته وفي سوقه في جماعة أو منفردا.

ويدل على ذلك: أنه ذكر سبب المضاعفة، وهو فضل مشيه إلى المسجد على طهارة، وفضل انتظاره للصلاة حتى تقام، وفضل قعوده في المسجد حتى يحدث، وهذا كله لا يوجد شيء منه في صلاته في بيته وفي سوقه.

لكن المراد - والله أعلم -: صلاته في سوقه في غير مسجد، فإنه لو صلى في سوقه في مسجد لكان قد حصل له فضل المشي إلى المسجد، وانتظار الصلاة فيه، والجلوس فيه بعد الصلاة - أيضا -، وإن كان المسجد الأعظم يمتاز بكثرة الخطا إليه، وبكثرة الجماعة فيه، وذلك يتضاعف به الفضل - أيضا - عند جمهور العلماء، خلافا لمالك.

وقد روي من حديث أبي بن كعب، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله) ) .

خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحيهما) ) والحاكم.

وقال علي بن المديني: ما أراه إلا صحيحا.

ويفضل - أيضا - المسجد الأعظم بكونه عتيقا:
قال أبو نعيم الفضل بن دكين: ثنا عمارة بن زاذان، عن ثابت البناني، قال كنت اقبل مع أنس بن مالك من الزاوية، فإذا مر بمسجد قال: أمحدث هذا؟ فإن قلت: نعم مضى، وأن قلت: عتيق صلى.