فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في ابتداء القبلة

رقم الحديث 2190 [2190] .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَثَرَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ الِاسْمُ مِنْ آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثَارًا إِذَا أَعْطَى أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ فَيُفَضِّلُ غَيْرَكُمْ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْفَيْءِ وَالِاسْتِئْثَارُ الِانْفِرَادُ25 - ( باب الأثرة) وما جاء فيه

رقم الحديث 2191 [2191] .

     قَوْلُهُ  (بِنَهَارٍ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ الْعَصْرَ فِي ذَلِكَ اليوم (ثم قام خطيبا) أي وَاعِظًا (فَلَمْ يَدَعْ) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ (شَيْئًا) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدِّينِ مِمَّا لَا بد منه (يَكُونُ) أَيْ يَقَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) أَيْ سَاعَةَ الْقِيَامَةِ (حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ) أَيْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ (وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ أَيْ مَنْ أَنْسَاهُ اللَّهُ وَتَرَكَ نَصْرَهُ (فَكَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَانَ (فِيمَا قَالَ) أَيْ مِنْ خُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَتِهِ (إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ نَاعِمَةٌ طَرِيَّةٌ مَحْبُوبَةٌ (حُلْوَةٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَذِيذَةٌ حَسَنَةٌ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْخَضِرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ النَّاعِمَ خَضِرًا أَوْ لِشَبَهِهَا بِالْخَضْرَوَاتِ فِي ظُهُورِ كَمَالِهَا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهَا تَفْتِنُ النَّاسَ بِلَوْنِهَا وَطَعْمِهَا (وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أَيْ جَاعِلُكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ قَرْنٍ خَلَوْا قَبْلَكُمْ فَيَنْظُرَ تُطِيعُونَهُ أَوْ لَا (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا) أَيِ احْذَرُوا زِيَادَتَهَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ الْمُعِينَةِ لِلدِّينِ النَّافِعَةِ فِي الْأُخْرَى (وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) أَيْ كَيْدَهُنَّ وَمَكْرَهُنَّ (وَكَانَ فِيمَا قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُطْبَتِهِ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (هَيْبَةُ النَّاسِ) أَيْ عَظَمَتُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْوَمَخَافَتُهُمْ وَمَهَابَتُهُمْ (أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ) أَيْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ أَوْ يَأْمُرَ بِهِ (قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا) أَيْ خِفْنَا مِنْ هَابَهُ يَهَابُهُ أَيْ يَخَافُهُ وَالْمَعْنَى مَنَعَتْنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ) مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ (لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلِمَ إِعْلَامًا بِسُوءِ حَالِهِ وَقُبْحِ مَآلِهِ (بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَدْرِ (وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمَ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامٍ عَامَّةٍ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ الْمُتَغَلِّبَ الَّذِي يَسْتَوْلِي عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ بِتَأْمِيرِ الْعَامَّةِ وَمُعَاضَدَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنَ الْخَاصَّةِ وَأَهْلِ الْعَقْدِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ وَمَنْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ وَوُجُوهِ النَّاسِ (يُرْكَزُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُغْرَزُ كَمَا فِي رواية (لواءه عِنْدَ اسْتِهِ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مَكْسُورَةٍ الْعَجُزُ أَوْ حلقة الدبر أي ينصب لواءه عِنْدَ اسْتِهِ تَحْقِيرًا لَهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (خُلِقُوا) أَيْ جُبِلُوا عَلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنِ اخْتِيَارِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى) أَيْ مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَوْقَاتِهِمَا (فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا) أَيْ مِنْ أَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا عَلِمَ اللَّهُ فيه من الأزل أو باعتبار ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ (يَحْيَى) أَيْ يَعِيشُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ حِينِ تَمْيِيزِهِ إِلَى انْتِهَاءِ عُمْرِهِ (مُؤْمِنًا) أَيْ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا (وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) أَيْ وَكَذَلِكَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَابِلِيَّةُ قَبُولِ الْهِدَايَةِ لَوْلَا مَانِعٌ مِنْ بَوَاعِثِ الضَّلَالَةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ الْحَدِيثُ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) فَالْعِبْرَةُ بِالْخَوَاتِيمِ وَكَأَنَّ التَّقْسِيمَ غَالِبِيٌّ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْخَاتِمَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ إِجْمَالًا(أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (وَإِنَّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ (الْبَطِيءَ الْغَضَبِ) فَعِيلَ مِنَ الْبُطْءِ مَهْمُوزٌ وَقَدْ يُبْدَلُ وَيُدْغَمُ وَهُوَ ضِدُّ السَّرِيعِ (سَرِيعَ الْفَيْءِ) أَيْ سَرِيعَ الرُّجُوعِ مِنَ الْغَضَبِ (وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى قَالَ القارىء أَيْ إِحْدَى الْخَصْلَتَيْنِ مُقَابَلَةٌ بِالْأُخْرَى وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ فَاعِلُهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحَالَتَيْنِ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ فَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ خَيْرُ الناس ولا شرهم انتهى وههنا قِسْمٌ رَابِعٌ لَمْ يَذْكُرْهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْمِشْكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بطيء الفيء فإحداهما بالأخرى قال القارىء وَالتَّقْسِيمُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ رُبَاعِيٌّ لَا خَامِسَ لَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِيهِ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ وَالدَّنِيَّةِ وَأَنَّ كَمَالَهُ أَنْ تَغْلِبَ لَهُ الصِّفَاتُ الْحَمِيدَةُ عَلَى الذَّمِيمَةِ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مَعْدُومَةً فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بقوله تعالى والكاظمين الغيظ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَالْعَادِمِينَ إِذْ أَصْلُ الْخَلْقِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وَلِذَا وَرَدَ وَلَوْ سَمِعْتُمْ أَنَّ جَبَلًا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَصَدِّقُوهُ وَإِنْ سَمِعْتُمْ أَنَّ رَجُلًا تَغَيَّرَ عَنْ خَلْقِهِ أَيِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تُصَدِّقُوهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَبْدِيلِ الْأَخْلَاقِ فِي الْجُمْلَةِ دُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِصَالِحِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ انْتَهَى (أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ الْقَضَاءِ) أَيْ مُسْتَحْسَنَ الْأَدَاءِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (حَسَنَ الطَّلَبِ) أَيْ إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أحد (ومنهم سيء الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ) أَيْ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى كَمَا في رواية (ومنهم حسن القضاء سيء الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَفْحَشَ في الطلب قال القارىء بِأَنْ لَمْ يُرَاعِ الْأَدَبَ وَآذَى فِي تَقَاضِيهِ وَعَسُرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الطَّلَبِ (أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ) أَيْ حَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ وَحِدَةٌ جِبِلِّيَّةٌ مُشْعِلَةٌ جَمْرَةَ نَارٍ مَكْمُونَةٍ فِي كَانُونِ النَّفْسِ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ حَرَارَةِ الطَّبِيعَةِ فِي أَثَرِ الْحُمَّىوَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوْدَاجُ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي يَقْطَعُهَا الذَّابِحُ وَاحِدُهَا وَدَجٌ بِالتَّحْرِيكِ وَقِيلَ الْوَدَجَانِ هُمَا عِرْقَانِ غَلِيظَانِ عَنْ جَانِبَيْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ انْتَهَى فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَدْرَكَ ظُهُورَ أَثَرٍ مِنْهُ أَوْ مَنْ عَلِمَ فِي بَاطِنِهِ شَيْئًا مِنْهُ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ أَيْ فَلْيَلْتَزِقْ بِهَا حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّعَةِ عَنِ الِاسْتِعْلَاءِ وَتَذْكَارِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَكَبَّرَ وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا أَيْ فِي جُمْلَةِ مَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ يَعْنِي نِسْبَةُ مَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَى جُمْلَةِ مَا مَضَى كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَقَولُهُ إِلَّا كَمَا بَقِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ فَاعِلِ لَمْ يَبْقَ أَيْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هذا قوله (هذا حديث حسن) في مسنده عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ صَدُوقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مَرْيَمَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي مَرْيَمَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّامِ)

رقم الحديث 2192 [2192] .

     قَوْلُهُ  (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ هِلَالٍ الْمُزَنِيِّ أَبِي مُعَاوِيَةَ صَحَابِيٌّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ أَيْ لِلْقُعُودِ فِيهَا أَوِ التوجه إليها (لا تزال) بالمثناةالْفَوْقِيَّةُ أَوَّلُهُ (طَائِفَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَتَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نَفْسًا طَائِفَةً (مَنْصُورِينَ) أَيْ غَالِبِينَ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَيْ تَرَكَ نُصْرَتَهُمْ وَمُعَاوَنَتَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَيْ تَقْرَبَ السَّاعَةُ وَهُوَ خُرُوجُ الرِّيحِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاسْتُشْكِلَ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ الْحَدِيثَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ قَوْمٌ يَكُونُونَ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَبِمَوْضِعٍ آخَرَ تَكُونُ طَائِفَةٌ يُقَاتِلُونَ عَنِ الْحَقِّ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَحْصُرُهُمُ الدَّجَّالُ إِذَا خَرَجَ فَيَنْزِلُ عِيسَى إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ خُلُوُّ الْأَرْضِ عَنْ مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْكَرِيمَةِ وَهَذَا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْلَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ انْتَهَى (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ عَلِيُّ بْنُ المديني) هُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلَّا عِنْدَهُ وقال فيه شيخه بن عُيَيْنَةَ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُهُ مِنِّي وَقَالَ النَّسَائِيُّ كَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ لِلْحَدِيثِ (هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ).

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وأخرج الحاكم فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحْمَدَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِثْلُهُ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُتَفَرِّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حوالة وبن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وأما حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَنَاقِبِ وَلِابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ آخَرُ يَأْتِي فِي بَابِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .

     قَوْلُهُ  (أَخْبَرَنَا بَهْزٌ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ فَزَايٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَضَائِلِ الصَّغَانِيُّ فِيمَنِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ تَابِعِيٌّ قَطْعًا انْتَهَى (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ ساكنة بن مُعَاوِيَةَ بْنِ كَعْبٍ الْقُشَيْرِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ .

     قَوْلُهُ  (وَنَحَا بِيَدِهِ) أَيْ أَشَارَ بِهَا (نَحْوَ الشَّامِ) أَيْ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَحَاهُ يَنْحُوهُ وَيَنْحَاهُ قَصَدَهُ كَانْتَحَاهُ وَالنَّحْوُ الطَّرِيقُ وَالْجِهَةُ وَرَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي خِرْ لِي فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ وَقَالَ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيِ الْزَمُوا سُكْنَاهُ لِكَوْنِهَا أَرْضَ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ أَوِ الْمُرَادُ آخِرَ الزَّمَانِ لِأَنَّ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ تَنْزَوِي إِلَيْهَا عِنْدَ غَلَبَةِ الْفَسَادِ قَالَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ كَمَا عَرَفْتَ 8 - (باب لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)

رقم الحديث 2193 [2193] .

     قَوْلُهُ  ( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي) أَيْ لَا تَصِيرُوا بَعْدَ مَوْتِي ( كُفَّارًا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُشَبَّهِينَ بِهِمْ فِيالْأَعْمَالِ ( يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) قَالَ الْحَافِظُ بِجَزْمِ يَضْرِبْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّهْيِ وَبِرَفْعِهِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَوْ يُجْعَلُ حَالًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَصِيرُوا بَعْدَ مَوْقِفِي هذا أي بعد موتي مستحلين القتال أولا لَا تَتَشَبَّهُوا بِالْكُفَّارِ فِي الْقِتَالِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وجرير وبن عُمَرَ وَكُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَالصُّنَابِحِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ فَأَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ أخرجه أيضا بن ماجة وأما حديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الفتن 9 - ( باب ما جاء تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ)

رقم الحديث 2194 [2194] قوله ( حدثنا الليث) هو بن سَعْدٍ ( عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْقِتْبَانِيِّ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ) أَيْ عَظِيمَةٌ ( الْقَاعِدُ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ ( خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ) لِأَنَّهُ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ الْقَاعِدُ فَيَكُونُ أَقْرَبَ مِنْ عَذَابِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ بِمُشَاهَدَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُهُ الْقَاعِدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَاعِدِ هُوَ الثَّابِتُ فِي مَكَانِهِ غَيْرُ مُتَحَرِّكٍ لِمَا يَقَعُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي زَمَانِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ مَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ بَاعِثٍ وَدَاعِيَّةٍ لَكِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ ( وَالْقَائِمُ) فِي الْفِتْنَةِ أَيْ مِنْ بَعِيدٍ مُشْرِفٌ عَلَيْهَا أَوِ الْقَائِمُ بِمَكَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ( خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي) أَيْ مِنَ الذَّاهِبِ عَلَى رِجْلِهِ إِلَيْهَا ( وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي) أَيِ الْمُسْرِعِ إِلَيْهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ الْحَافِظُ قَالَ بَعْضُالشُّرَّاحِ فِي قَوْلِهِ وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ أَيِ الْقَاعِدُ فِي زَمَانِهَا عَنْهَا قَالَ الْمُرَادُ بِالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَسْتَشْرِفُهَا وَبِالْمَاشِي مَنْ يَمْشِي فِي أَسْبَابِهِ لِأَمْرٍ سِوَاهَا فَرُبَّمَا يَقَعُ بسبب مشيه في أمر يكرهه وحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَعْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَأَعْلَاهُمْ فِي ذَلِكَ السَّاعِي فِيهَا بِحَيْثُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَتِهَا ثُمَّ مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَسْبَابِهَا وَهُوَ الْمَاشِي ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا وَهُوَ الْقَائِمُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مَعَ النِّظَارَةِ وَلَا يُقَاتِلُ وَهُوَ الْقَاعِدُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُجْتَنِبًا لَهَا وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَنْظُرُ وَهُوَ الْمُضْطَجِعُ الْيَقْظَانُ ثُمَّ مَنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَاضٍ وَهُوَ النَّائِمُ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ مَنْ يَكُونُ أَقَلَّ شَرًّا مِمَّنْ فَوْقَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى ( قَالَ) أَيْ سَعْدٌ ( أَفَرَأَيْتَ) أَيْ فَأَخْبِرْنِي ( إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( وَبَسَطَ يَدَهُ) أَيْ مَدَّهَا ( كُنْ كَابْنِ آدَمَ) الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ أي أن هابيل المقتول المظلوم هو بن آدَمَ لَا قَابِيلُ الْقَاتِلُ الظَّالِمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ وَلَدِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غير صالح كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَاتَلُ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَطَلَبُوا قَتْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وغيره وقال بن عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمَا لَا يَدْخُلُ فِيهَا لَكِنْ إِنْ قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ نَصْرُ الْمُحِقِّ فِي الْفِتَنِ وَالْقِيَامُ مَعَهُ بِمُقَاتَلَةِ الْبَاغِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي الْآيَةَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَتُتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَأَبِي بكرة وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي وَاقِدٍ وَأَبِي مُوسَى وَخَرْشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أبو موسى فأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ خَرَشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يعلى.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ - ( بَاب مَا جَاءَ سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ)

رقم الحديث 2195 [2195] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  ( بَادِرُوا) أَيْ سَابِقُوا وَسَارِعُوا ( بِالْأَعْمَالِ) أَيْ بِالِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ( فِتَنًا) أَيْ وُقُوعَ فِتَنٍ ( كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ جَمْعُ قِطْعَةٍ وَهِيَ طَائِفَةٌ وَالْمَعْنَى كَقِطَعٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ لِفَرْطِ سَوَادِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فِيهَا وَحَاصِلُ الْمَعْنَى تَعَجَّلُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْفِتَنِ الْمُظْلِمَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ الْأَعْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِيهَا وَالْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ بَيَانُ حَالِ الْفِتَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَشِيعٌ فَظِيعٌ وَلَا يُعْرَفُ سَبَبُهَا وَلَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ مِنْهَا فَالْمُبَادَرَةُ الْمُسَارَعَةُ بِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ قَبْلَ فَوَاتِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ ( يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا) أَيْ مَوْصُوفًا بِأَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ بِكَمَالِهِ ( وَيُمْسِي كَافِرًا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ أَوْ مُشَابِهًا لِلْكَفَرَةِ أَوْ عَامِلًا عَمَلَ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمَعْنَى يُصْبِحُ مُحَرِّمًا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا إِيَّاهُ وَبِالْعَكْسِ قُلْتُ وَهَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ اخْتَارَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ( يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ) أَيْ بِتَرْكِهِ ( بِعَرَضٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بِأَخْذِ مَتَاعٍ دَنِيءٍ وَثَمَنٍ رَدِيءٍ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  يُصْبِحُ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِحَالِ الْمُشَبَّهِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  فِتَنًا وَقَولُهُ يَبِيعُ إِلَخْ بَيَانٌ لِلْبَيَانِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ لِمُجَرَّدِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْغَضَبِ فَيَسْتَحِلُّونَ الدَّمَ وَالْمَالَ وثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ وُلَاةُ الْمُسْلِمِينَ ظَلَمَةً فَيُرِيقُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذُونَأَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَزْنُونَ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَيَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَيُفْتِيهِمْ بَعْضُ عُلَمَاءِ السُّوءِ عَلَى جَوَازِ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا وَثَالِثُهَا مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمُبَايَعَاتِ وَغَيْرِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ

رقم الحديث 2196 [2196] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرِ) بْنِ سُوَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لَقَبُهُ الشَّاهُ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ) الْفِرَاسِيَّةِ وَيُقَالُ الْقُرَشِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَزِعًا ( فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ بِفِعْلٍ لَازِمِ الْحَذْفِ قَالَهُ تَعَجُّبًا وَاسْتِعْظَامًا ( مَاذَا) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّعْظِيمِ ( أُنْزِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنْزَلَ اللَّهُ بِإِظْهَارِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ بِالْإِنْزَالِ إِعْلَامُ الْمَلَائِكَةِ بِالْأَمْرِ الْمَقْدُورِ أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي نَوْمِهِ ذَاكَ بِمَا سَيَقَعُ بَعْدَهُ مِنَ الْفِتَنِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِنْزَالِ قَالَهُ الْحَافِظُ ( اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ) عَبَّرَ عَنِ الرَّحْمَةِ بِالْخَزَائِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى خزائن رحمة ربك وَعَنِ الْعَذَابِ بِالْفِتْنَةِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُهُ قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ ( مَنْ يُوقِظُ) اسْتِفْهَامٌ أَيْ هَلْ أَحَدٌ يُوقِظُ قَالَ الْحَافِظُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُوقِظُ بَعْضَ خَدَمِهِ كَمَا قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَأَرَادَ أَصْحَابَهُ لَكِنْ هُنَاكَ عُرِفَ الَّذِي انْتُدِبَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ ( صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ) جَمْعُ حُجْرَةٍ قَالَ فِي الصُّرَاحِ حُجْرَةٌ حَظِيرَةٌ شتروخانة خورد وَالْجَمْعُ حُجَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٌ وَحُجُرَاتٌ بِضَمِّ الْجِيمِ انْتَهَى يَعْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوَاحِبِ الْحُجُرَاتِ أَزْوَاجَهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ بِالْإِيقَاظِ لِأَنَّهُنَّ الْحَاضِرَاتُ أَوْ مِنْ بَابِ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ ( يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ) قِيلَ الْمُنَادَى فِيهِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ يَا سَامِعِينَ وَرُبَّ لِلتَّكْثِيرِ ( عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ) قَالَ عِيَاضٌ الْأَكْثَرُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْوَصْفِ لِلْمَجْرُورِ بِرُبَّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْأَوْلَى الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ أَيْ هِيَ عَارِيَةٌ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْأَحْسَنُ الْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ لِأَنَّ رُبَّ حَرْفُ جَرٍّ يَلْزَمُ صَدْرَ الْكَلَامِ وَهَذَا رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْكِسَائِيِّ هُوَ اسْمٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَرْفُوعُ خَبَرُهُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُبَعْضُ شُيُوخِنَا انْتَهَى وَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِلَى مُوجِبِ اسْتِيقَاظِ أَزْوَاجِهِ أَيْ يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَغَافَلْنَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَيَعْتَمِدْنَ عَلَى كَوْنِهِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ كَاسِيَةٍ وَعَارِيَةٍ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا بِالثِّيَابِ لِوُجُودِ الْغِنَى عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا ثَانِيهَا كَاسِيَةٍ بِالثِّيَابِ لَكِنَّهَا شَفَّافَةٌ لَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهَا فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ بِالْعُرْيِ جَزَاءً عَلَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا كَاسِيَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَارِيَةٌ مِنَ الشَّكْلِ الَّذِي تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ رَابِعُهَا كَاسِيَةٍ جَسَدَهَا لَكِنَّهَا تَشُدُّ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا فَيَبْدُو صَدْرُهَا فَتَصِيرُ عَارِيَةً فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ خَامِسُهَا كَاسِيَةٍ مِنْ خِلْعَةِ التَّزَوُّجِ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا يَنْفَعُهَا صَلَاحُ زَوْجِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فلا أنساب بينهم ذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الطِّيبِيُّ وَرَجَّحَهُ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ وَاللَّفْظَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ قال بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَفْتُوحَ فِي الْخَزَائِنِ تَنْشَأُ عَنْهُ فِتْنَةُ الْمَالِ بِأَنْ يُتَنَافَسَ فِيهِ فَيَقَعَ الْقِتَالُ بِسَبَبِهِ وَأَنْ يَبْخَلَ بِهِ فَيَمْنَعَ الْحَقَّ أَوْ يَبْطَرَ فَيُسْرِفَ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَا غَيْرَهُنَّ مِمَّنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ لِرَجَاءِ وَقْتِ الْإِجَابَةِ لِتُكْشَفَ أَوْ يَسْلَمَ الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ

رقم الحديث 2197 [2197] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ .

     قَوْلُهُ  ( تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أَيْ قُدَّامَهَا مِنْ أَشْرَاطِهَا ( فِتَنٌ) أَيْ فِتَنٌ عِظَامٌ وَمِحَنٌ جِسَامٌ ( كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ كُلُّ فِتْنَةٍ كَقِطْعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فِي شِدَّتِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ أَمْرِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْتِبَاسَهَا وَفَظَاعَتَهَا وَشُيُوعَهَا وَاسْتِمْرَارَهَا ( يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْفِتَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِصْبَاحِ وَالْإِمْسَاءِ تَقَلُّبُ النَّاسِ فِيهَا وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ لَا بِخُصُوصِ الزَّمَانَيْنِ فَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرَدُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَتَذَبْذُبِأَقْوَالِهِمْ وَتَنَوُّعِ أَفْعَالِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَنَقْضٍ وَأَمَانَةٍ وَخِيَانَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ وَسُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ ( بِعَرَضِ الدُّنْيَا) أَيْ بِقَلِيلٍ مِنْ حُطَامِهَا وَالْعَرَضُ مَا عَرَضَ لَكَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُنْدُبٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فلينظر من أخرجه وأما حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يُحَسِّنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ

رقم الحديث 2198 [2198] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ هِشَامٍ) هو بن حَسَّانَ ( عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ

رقم الحديث 2199 [2199] .

     قَوْلُهُ  ( وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِلَخْ ( يَمْنَعُونَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ صِفَةُ أُمَرَاءَ ( حَقَّنَا) أَيْ مِنَ الْعَدْلِ وَإِعْطَاءِ الْغَنِيمَةِ ( وَيَسْأَلُونَّا) أَيْ يَطْلُبُونَنَا ( حَقَّهُمْ) مِنَ الطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ ( اسْمَعُوا) أَيْ ظَاهِرًا ( وَأَطِيعُوا) أَيْ بَاطِنًا أَوِ اسْمَعُوا قَوْلًا وَأَطِيعُوا فِعْلًا ( فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ مَا كُلِّفُوا مِنَ الْعَدْلِ وَإِعْطَاءِ حَقِّ الرَّعِيَّةِ ( وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) وَفِي بَعْضِ النسخأَقْوَالِهِمْ وَتَنَوُّعِ أَفْعَالِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَنَقْضٍ وَأَمَانَةٍ وَخِيَانَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ وَسُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ ( بِعَرَضِ الدُّنْيَا) أَيْ بِقَلِيلٍ مِنْ حُطَامِهَا وَالْعَرَضُ مَا عَرَضَ لَكَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُنْدُبٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فلينظر من أخرجه وأما حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يُحَسِّنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ