فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في ابتداء القبلة

رقم الحديث 2170 [2170] .

     قَوْلُهُ  ( حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ) يَعْنِي السُّلْطَانَ ( وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ) أَيْ تَضْرِبُوا بِهَا يَعْنِي مُقَاتَلَةَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ ( وَيَرِثَ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ) أَيْ يَأْخُذُ الظَّلَمَةُ الْمُلْكَ وَالْمَالَ وَإِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ إِمَّا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ تَقَعُ مِنْ أَجْلِ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِخَيْرِ الْأُمَّةِ فَالشِّرَارُ الَّذِينَ يَرِثُونَ الدُّنْيَا لَا يَكُونُونَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَكَذَا إِيرَادُ الْحَدِيثِ الْآتِي كَذَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حديث حسن) وأخرجه بن ماجه10 -

رقم الحديث 2171 [2171] .

     قَوْلُهُ  ( ذَكَرَ الْجَيْشَ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ بن الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا قَالَ يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ ( إِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) مَعْنَاهُ إِنَّ الْأُمَمَ الَّتِي تُعَذَّبُ وَمَعَهُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ يُصَابُ جَمِيعُهُمْ بِآجَالِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَالطَّائِعُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ وَعَمَلِهِ وَالْعَاصِي تَحْتَ الْمَشِيئَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ 1 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ) أَوْ بِالْقَلْبِ

رقم الحديث 2172 [2172] .

     قَوْلُهُ  ( خَالَفْتَ السُّنَّةَ) لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين تقديم الصلاة وعليه جماعة فقهاء الأمصار وقد عده بَعْضِهِمْ إِجْمَاعًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَعْدَ الْخِلَافِ أَوْ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى خِلَافِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَ إِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ انْتَهَى ( أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ( مَنْ رَأَى) أَيْ عَلِمَ ( مُنْكَرًا) أَيْ شَيْئًا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا أَيْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( فَلْيُنْكِرْهُ بِيَدِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلْيُغَيِّرْهُ أَيْ بِأَنْ يَمْنَعَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكْسِرَ الْآلَاتِ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَالِكِهِ ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ وَإِزَالَتَهُ بِالْفِعْلِ لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ ( فَبِلِسَانِهِ) أَيْ فَلْيُغَيِّرْهُ بِالْقَوْلِ وَتِلَاوَةِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ وَذِكْرَ الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ وَالنَّصِيحَةِ ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ التَّغْيِيرَ بِاللِّسَانِ أَيْضًا ( فَبِقَلْبِهِ) بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَيُنْكِرَ فِي بَاطِنِهِ عَلَى مُتَعَاطِيهِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا1 -

رقم الحديث 2173 [2173] .

     قَوْلُهُ  ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ) أَيِ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ ( وَالْمُدْهِنِ فِيهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَبِالنُّونِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُرَائِي وَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَلَا يُغَيِّرُالْمُنْكَرَ وَالْمُدْهِنُ وَالْمُدَاهِنُ وَاحِدٌ ( كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ) أَيِ اقْتَسَمُوا مَحَالَّهَا وَمَنَازِلَهَا بِالْقُرْعَةِ ( فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا) أَيْ أَعْلَى السَّفِينَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا ( أَسْفَلَهَا) أَيْ فِي أَسْفَلِ السَّفِينَةِ بَيَانٌ لِلْبَحْرِ ( لَا نَدَعُكُمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا نَتْرُكُكُمْ ( فَإِنَّا نَنْقُبُهَا) أَيْ نَثْقُبُهَا ( فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ) أَيِ أَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ ( نَجَوْا جَمِيعًا إِلَخْ) الْمَعْنَى أَنَّهُ كَذَلِكَ إِنْ مَنَعَ النَّاسُ الْفَاسِقَ عَنِ الْفِسْقِ نَجَا وَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ تَرَكُوهُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ وَهَلَكُوا بِشُؤْمِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا منكم خاصة أَيْ بَلْ تُصِيبُكُمْ عَامَّةً بِسَبَبِ مُدَاهَنَتِكُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَاهَنَةِ الْمَنْهِيَّةِ وَالْمُدَارَاةِ الْمَأْمُورَةِ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا وَيَقْدِرَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ حِفْظًا لِجَانِبِ مُرْتَكِبِهِ أَوْ جَانِبِ غَيْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ لِاسْتِحْيَاءٍ مِنْهُ أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ فِي الدِّينِ وَالْمُدَارَاةُ مُوَافَقَتُهُ بِتَرْكِ حَظِّ نَفْسِهِ وَحَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَعِرْضِهِ فَيَسْكُتُ عَنْهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ وَوُقُوعِ الضَّرَرِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّرِكَةِ وَفِي الشَّهَادَاتِ 3 - ( بَاب مَا جَاءَ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)

رقم الحديث 2174 [2174] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ) هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دِينَارٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ الطَّحَّانُ وَرُبَّمَا نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ( أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْعَبٍ أَبُو يَزِيدَ) الْأَزْدِيُّ ثُمَّ الْمَعْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ يَاءِ النِّسْبَةِ الْقَطَّانُ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّيِّ مَقْبُولٌ مِنَ التَّاسِعَةِ ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ( عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيِّ الجدلي الكوفي أبو الحسن صدوق يخطىء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلِ الْجِهَادِ ( كَلِمَةُ عَدْلٍ) أَيْ كَلِمَةُ حَقٍّ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ مَا أَفَادَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ مِنْ لَفْظٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَكِتَابَةٍ وَنَحْوِهَا ( عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) أَيْ صَاحِبِ جَوْرٍ وَظُلْمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوَّ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِبُ أَوْ يُغْلَبُ وَصَاحِبُ السُّلْطَانِ مَقْهُورٌ فِي يَدِهِ فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ وَأَهْدَفَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ ظُلْمَ السُّلْطَانِ يَسْرِي فِي جَمِيعِ مَنْ تَحْتَ سِيَاسَتِهِ وَهُوَ جَمٌّ غَفِيرٌ فَإِذَا نَهَاهُ عَنِ الظُّلْمِ فَقَدْ أَوْصَلَ النَّفْعَ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ بِخِلَافِ قَتْلِ كَافِرٍ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد في مسنده وبن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وعزاه المنذري في الترغيب إلى بن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْبَجَلِيِّ الْأَحْمَسِيِّ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قُلْتُ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْمَذْكُورَانِ 4 - ( بَاب مَا جاء سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا) فِي أُمَّتِهِ

رقم الحديث 2175 [2175] .

     قَوْلُهُ  ( سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ) الْجَزَرِيَّ أَبَا إِسْحَاقَ الرَّقِّيَّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ صدوق سيءالْحِفْظِ مِنَ السَّادِسَةِ ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى ( بْنِ الْأَرَتِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَدَنِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُ رُؤْبَةٌ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ فَقَالَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَتَلَهُ الْحَرُورِيَّةُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا أَنَّهُ صَلَّى لَيْلَةً.

     وَقَالَ  سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَ خِصَالٍ انْتَهَى ( عَنْ أبيه) هو خباب بن الأرت التميمي أبو عبد الله بن السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا وقوله ( فَأَطَالَهَا) أَيْ جَعَلَهَا طَوِيلَةً بِاعْتِبَارِ أَرْكَانِهَا أَوْ بِالدُّعَاءِ فِيهَا ( صَلَّيْتُ صَلَاةً) أَيْ عَظِيمَةً ( لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا) أَيْ عَادَةً ( قَالَ أَجَلْ) أَيْ نَعَمْ ( إِنَّهَا صَلَاةُ رَغْبَةٍ) أَيْ رَجَاءٍ ( وَرَهْبَةٍ) أَيْ خَوْفٍ قِيلَ أَيُّ صَلَاةٍ فِيهَا رَجَاءٌ لِلثَّوَابِ وَرَغْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَخَوْفٌ مِنْهُ تَعَالَى قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ أنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ قَصْدِ رَجَاءِ الثَّوَابِ وَخَوْفِ الْعِقَابِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إِذْ قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا أَحَدُ الْبَاعِثَيْنِ عَلَى أَدَائِهَا قَالُوا وَفِي قوله تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا بِمَعْنَى أَوْ لِمَانِعَةِ الْخُلُوِّ ثُمَّ لَمَّا كَانَ سَبَبُ صَلَاتِهِ الدُّعَاءَ لِأُمَّتِهِ وَهُوَ كَانَ بَيْنَ رَجَاءِ الْإِجَابَةِ وَخَوْفِ الرَّدِّ طَوَّلَهَا وَلِذَا قَالَ ( وَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَسَائِلَ ( وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا ( بِسَنَةٍ) أَيْ بِقَحْطِ عَامٍ ( عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ) وَهُمُ الْكُفَّارُ لِأَنَّ الْعَدُوَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَهْوَنُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْهَلَاكُ الْكُلِّيُّ وَلَا إِعْلَاءُ كَلِمَتِهِ السُّفْلَى ( أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أَيْ حَرْبَهُمْ وَقَتْلَهُمْ وَعَذَابَهُمْ ( فَمَنَعَنِيهَا) أَيِ الْمَسْأَلَةَ الثَّالِثَةَ وَلَمْ يُعْطِنِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ يُلْبِسَكُمْ شيعا أَيْ يَجْعَلُ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ مُتَابِعَةً لِإِمَامٍ وَيَنْشَبُ الْقِتَالُ بَيْنَكُمْ وَتَخْتَلِطُوا وَتَشْتَبِكُوا فِي مَلَاحِمِ الْقِتَالِ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَيُذِيقُ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الْمَعْنَى يَخْلِطُكُمْ فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ عَلَى أَهْوَاءٍ شَتَّى انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سعد وبن عمر) أما حديث سعد وهو بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِالْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ سَأَلْتُ رَبِّي أن لا يهلك أمتي بالسنة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فمنعنيها وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

رقم الحديث 2176 [2176] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) الرَّحَبِيِّ اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ مَرْثَدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ ( عَنْ ثَوْبَانَ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ أَيْ جَمَعَهَا لِأَجْلِي قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ زَوَيْتُ الشَّيْءَ جَمَعْتُهُ وَقَبَضْتُهُ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الْبَعِيدِ مِنْهَا حَتَّى اطَّلَعَ عَلَيْهِ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهَا ( فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا) أَيْ جَمِيعَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا قال الخطابي توهم بعض الناس أَنَّ مِنْ فِي مِنْهَا لِلتَّبْعِيضِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَلْ هِيَ لِلتَّفْصِيلِ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالتَّفْصِيلُ لَا يُنَاقِضُ الْجُمْلَةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ زُوِيَتْ لِي جُمْلَتُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا ومغاربها ثم هي تفتح لأمتي جزأ فجزأ حَتَّى يَصِلَ مُلْكُ أُمَّتِي إِلَى كُلِّ أَجْزَائِهَا قال القارىء وَلَعَلَّ وَجْهَ مَنْ قَالَ بِالتَّبْعِيضِ هُوَ أَنَّ مُلْكَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا بَلَغَ جَمِيعَ الْأَرْضِ فَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضُ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ ضَمِيرَ مِنْهَا رَاجِعٌ إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ ( وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ) بَدَلَانِ مِمَّا قَبْلَهُمَا أَيْ كَنْزَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ بِالْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ خَزَائِنَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود مَمَالِكِ قَيْصَرَ الدَّرَاهِمُ ( بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ بِقَحْطٍ شائع لجميع بلا المسلمين قال الطيبي السنة القحط والجدب وهي مِنَ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ ( وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا) وَهُمُ الْكُفَّارُ وَقَولُهُ مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ صِفَةٌ عَدُوًّا أَيْ كَائِنًا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحُ أَيِ الْعَدُوُّ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ أَيْ يَسْتَأْصِلُ ( بَيْضَتَهُمْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ وَبَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَاوَمُعْظَمُهَا أَرَادَ عَدُوًّا يَسْتَأْصِلُهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعَهُمْ قِيلَ أَرَادَ إِذَا أُهْلِكَ أَصْلُ الْبَيْضَةِ كَانَ هَلَاكُ كُلِّ مَا فِيهَا مِنْ طَعْمٍ أَوْ فَرْخٍ وَإِذَا لَمْ يُهْلِكْ أَصْلَ الْبَيْضَةِ بِمَا سَلِمَ بَعْضُ فِرَاخِهَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْبَيْضَةِ الْخُوذَةَ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ مَكَانَ اجْتِمَاعِهِمْ وَالْتِآمِهِمْ بِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ ( إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً) أَيْ حَكَمْتُ حُكْمًا مُبْرَمًا ( فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ) أَيْ بِشَيْءٍ لِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطِ وُجُودِ شَيْءٍ أَوْ عَدَمِهِ ( وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ) أَيْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي ( لِأُمَّتِكَ) أَيْ لِأَجْلِ أُمَّةِ إِجَابَتِكَ ( أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ بِحَيْثُ يَعُمُّهُمُ الْقَحْطُ وَيُهْلِكُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ اللَّامُ فِي لِأُمَّتِكَ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ سَابِقًا سَأَلْتُ رَبِّي لأمتي أي أعطيت سؤالك لدعائك لأمنك وَالْكَافُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَقَولُهُ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ الْمَفْعُولُ الثَّانِي كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي ( وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ) أَيِ الَّذِينَ هُمْ ( بِأَقْطَارِهَا) أَيْ بِأَطْرَافِهَا جَمْعُ قُطْرٍ وَهُوَ الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ وَالْمَعْنَى فَلَا يَسْتَبِيحُ عَدُوٌّ مِنَ الْكُفَّارِ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ مِنْ أَطْرَافِ بَيْضَتِهِمْ وَجَوَابُ لَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ ( أَوْ قَالَ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا) أَوِ الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي ( وَيَسْبِي) كَيَرْمِي بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى يُهْلِكُ أَيْ وَيَأْسِرُ ( بَعْضَهُمْ) بِوَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ ( بَعْضًا) أَيْ بَعْضًا آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى بِمَعْنَى كَيْ أَيْ لِكَيْ يَكُونَ بَعْضُ أُمَّتِكَ يُهْلِكُ بَعْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَلَا يُرَدُّ تَوْطِئَةً لِهَذَا الْمَعْنَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ يَعْنِي حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الباب قال المظهر اعلم أن الله تَعَالَى فِي خَلْقِهِ قَضَاءَيْنِ مُبْرَمًا وَمُعَلَّقًا بِفِعْلٍ كَمَا قَالَ إِنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ يمحو الله ما يشاء ويثبت.
وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا قَدَّرَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلٍ فَهُوَ فِي الْوُقُوعِ نَافِذٌ غَايَةَ النَّفَاذِ بحيث لا يتغير بحال وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا الْمَقْضِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَخِلَافُ مَعْلُومِهِ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ قال تعالى لا معقب لحكمه.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ فَ.

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَلَا يُرَدُّ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَجَابُو الدَّعْوَةِ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ15 - ( بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي الْفِتْنَةِ)

رقم الحديث 2177 [2177] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى) بْنِ حِبَّانَ ( الْقَزَّازُ) اللَّيْثِيُّ أَبُو عَمْرٍو ( الْبَصْرِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنُّورِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ مِنَ الثَّامِنَةِ ( عَنْ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ) صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثُ الْبَابِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ .

     قَوْلُهُ  ( ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ فَعَدَّهَا قَرِيبَةَ الْوُقُوعِ قَالَ الْأَشْرَفُ مَعْنَاهُ وَصَفَهَا لِلصَّحَابَةِ وَصْفًا بَلِيغًا فَإِنَّ مَنْ وَصَفَ عِنْدَ أَحَدٍ وَصْفًا بَلِيغًا فَكَأَنَّهُ قَرَّبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَيْهِ ( قَالَ رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ) أَيْ مِنَ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمَاشِيَةُ تَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْأَخِيرُ أَكْثَرُ ( يُؤَدِّي حَقَّهَا) أَيْ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا ( وَرَجُلٌ آخِذٌ) الصِّيغَةُ اسْمُ الْفَاعِلِ أَيْ مَاسِكٌ ( يُخِيفُ الْعَدُوَّ) مِنَ الْإِخَافَةِ بِمَعْنَى التَّخْوِيفِ أَيْ يَرْتَبِطُ فِي بَعْضِ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ يُخَوِّفُ الْكُفَّارَ وَيُخَوِّفُونَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي رَجُلٌ هَرَبَ مِنَ الْفِتَنِ وَقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَصَدَ الْكُفَّارَ يُحَارِبُهُمْ وَيُحَارِبُونَهُ يَعْنِي فَيَبْقَى سَالِمًا مِنَ الْفِتْنَةِ وَغَانِمًا لِلْأَجْرِ وَالْمَثُوبَةِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ مُبَشِّرٍ وَهِيَ الْأَنْصَارِيَّةُ فأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يفر بدينه من الفتن وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ أَبْوَابِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

رقم الحديث 2178 [2178] قوله ( عن الليث) هو بن أَبِي سَلِيمٍ ( عَنْ زِيَادِ بْنِ سِيمِينَ كُوشَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ زِيَادُ بْنُ سَلِيمٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو أُمَامَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْجَمِ الشَّاعِرِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَهُوَ زِيَادٌ سِيمِينَ كُوشَ مَوْلَى عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ رَوَى لَهُ الثَّلَاثَةُ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْفِتَنِ وَسِيمِينَ كُوشَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ بَعْدَ الْمِيمِ أُخْرَى ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ مَضْمُومَةٍ وَوَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ قِيلَ هُوَ اسْمُ وَالِدِهِ وَقِيلَ بَلْ لَقَبُهُ انْتَهَى 6 - .

     قَوْلُهُ  تَكُونُ الْفِتْنَةُ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ أَيْ تَسْتَوْعِبُهُمْ هَلَاكًا يُقَالُ اسْتَنْظَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخَذْتُهُ كُلَّهُ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ مُ اسْتَنْظَفْتُ الْخُرَاجَ وَلَا يُقَالُ نظفته كذا في النهاية قال القارىء وَقِيلَ أَيْ تُطَهِّرُهُمْ مِنَ الْأَرْذَالِ وَأَهْلِ الْفِتَنِ ( قَتْلَاهَا) جَمْعُ قَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ .

     قَوْلُهُ  ( فِي النَّارِ) أَيْ سَيَكُونُونَ فِي النَّارِ أَوْ هُمْ حِينَئِذٍ فِي النَّارِ لِأَنَّهُمْ يُبَاشِرُونَ مَا يُوجِبُ دُخُولَهُمْ فِي النَّارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إن الأبرار لفي نعيم قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُرَادُ بِقَتْلَاهَا مَنْ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّهُمْ مَا قَصَدُوا بِتِلْكَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْخُرُوجِ إِلَيْهَا إِعْلَاءَ دِينٍ أَوْ دَفْعَ ظَالِمٍ أَوْ إِعَانَةَ مُحِقٍّ وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّبَاغِي وَالتَّشَاجُرَ طَمَعًا فِي الْمَالِ وَالْمُلْكِ ( اللِّسَانُ فِيهَا) أَيْ وَقْعُهُ وَطَعْنُهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ إِشْرَافِ اللِّسَانِ أَيْ إِطْلَاقُهُ وَإِطَالَتُهُ ( أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ) أَيْ وَقْعُ السَّيْفِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ السَّيْفَ إِذَا ضُرِبَ بِهِ أَثَّرَ فِي وَاحِدٍ وَاللِّسَانُ تَضْرِبُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلْفَ نَسَمَةٍ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ كَفِّ اللسان من كتاب الفتن والنسائي وبن مَاجَهْ ( سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ لَا نَعْرِفُ لِزِيَادِ بْنِ سِيمِينَ كُوشَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْ ليث ورفعهوَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .

     قَوْلُهُ  قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا قَالَ فِيهِ زِيَادُ بْنُ سِيمِينَ كُوشَ وَقَالَ غَيْرُهُ زِيَادُ سِيمِينَ كُوشَ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ وَلَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ 7 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الْأَمَانَةِ)

رقم الحديث 2179 [2179] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ) أَيْ فِي أَمْرِ الْأَمَانَةِ الْحَادِثَةِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ إِلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ نُزُولُ الْأَمَانَةِ ( وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ) وَهُوَ رَفْعُ الْأَمَانَةِ ( حَدَّثَنَا) وَهُوَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ( أَنَّ الْأَمَانَةَ) الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى إنا عرضنا الأمانة وَهِيَ عَيْنُ الْإِيمَانِ أَوْ كُلُّ مَا يَخْفَى وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ أَوِ الْمُرَادُ بِهَا التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ أَوِ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ( نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيُكْسَرُ وَسُكُونُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ فِي أَصْلِ قُلُوبِهِمْ وَجَذْرُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَيْ أَنَّ الْأَمَانَةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَتْ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا فَكَانَتْ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْأَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْنَى بقوله ( ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا) أَيْ بِنُورِ الْإِيمَانِ ( مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ مِمَّا يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا مَأْخُوذًا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ الْحَدِيثِ ( وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ بِإِعَادَةِ ثُمَّ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السُّنَّةَ ( ثُمَّ حَدَّثَنَا) وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي ( عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ) أَيْ عَنْ ذَهَابِهَا أَصْلًا حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُوصَفُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا النَّادِرُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَنْ يُنْسَبُ لِلْأَمَانَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الْأَوَّلِينَ فَالَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ مَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا هُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ.
وَأَمَّا الَّذِي يَنْتَظِرُهُ فَإِنَّهُ حَيْثُ تُفْقَدُ الْأَمَانَةُ مِنَ الْجَمِيعِ إِلَّا النَّادِرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( فَيَظَلُّ أَثَرُهَا) بفَتَحَاتٍ بِتَشْدِيدِ لَامٍ أَيْ فَيَصِيرُ وَأَصْلُ ظَلَّ مَا عُمِلَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ وَقْتٍ وَهِيَ هُنَا عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُ ذكرالْحَالَةَ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ النَّوْمِ وَهِيَ غَالِبًا تَقَعُ عِنْدَ الصُّبْحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ تَذْهَبُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا الْأَثَرُ الْمَوْصُوفُ فِي الْحَدِيثِ ( مِثْلُ الْوَكْتِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ أَثَرِ الْوَكْتِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ الْأَثَرُ فِي الشَّيْءِ كَالنُّقْطَةِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ يُقَالُ وَكَتَ الْبُسْرُ إِذْ بَدَتْ فِيهِ نُقْطَةُ الْإِرْطَابِ ( ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً) أَيْ أُخْرَى ( فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ قَلْبِهِ ( فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلُ أَثَرِ الْمَجْلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ أَثَرُ الْعَمَلِ فِي الْكَفِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكْتِ وَالْمَجْلِ أَنَّ الْوَكْتَ النُّقْطَةُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ وَالْمَجْلَ غِلَظُ الْجِلْدِ مِنَ الْعَمَلِ لا غير ( كجمر) بالجيم الْمَفْتُوحَةُ وَالْمِيمُ السَّاكِنَةُ أَيْ تَأْثِيرٌ كَتَأْثِيرِ جَمْرٍ وَقِيلَ أُبْدِلَ مِنْ مِثْلِ أَثَرِ الْمَجْلِ أَيْ يَكُونُ أَثَرُهَا فِي الْقَلْبِ كَأَثَرِ جَمْرٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يَعْنِي أَثَرَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ ( دَحْرَجْتُهُ) أَيْ قَلَّبْتُهُ وَدَوَّرْتُهُ ( عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَتْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَفِطَتْ كَفَرِحَتْ نَفْطًا وَنَفَطًا ونفيطا قرحت عملا أو مجلث ( فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا) بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ مُنْتَفِخًا وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ عَلَى إِرَادَةِ الْمَوْضِعِ الْمُدَحْرَجِ عَلَيْهِ الْجَمْرُ قِيلَ الْمَعْنَى يُخَيَّلُ إِلَيْكَ أَنَّ الرَّجُلَ ذُو أَمَانَةٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَثَابَةِ نَفِطَةً تَرَاهَا مُنْتَفِطَةً مُرْتَفِعَةً كَبِيرَةً لَا طَائِلَ تَحْتَهَا ( وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) أَيْ صَالِحٌ بَلْ مَاءٌ فَاسِدٌ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَزُولُ عَنِ الْقُلُوبِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا زَالَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا زَالَ نُورُهَا وَخَلَفَتْهُ ظلمة كالموكت وَهُوَ اعْتِرَاضُ لَوْنٍ مُخَالِفٍ لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ شَيْءٌ آخَرُ صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَرٌ مُحْكِمٌ لَا يَكَادُ يَزُولُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ وَهَذِهِ الظُّلْمَةُ فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ شَبَّهَ زَوَالَ ذَلِكَ النُّورِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ وَخُرُوجِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِيهِ وَاعْتِقَابِ الظُّلْمَةِ إِيَّاهُ بِجَمْرٍ يُدَحْرِجُهُ عَلَى رِجْلِهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ثُمَّ يَزُولُ الْجَمْرُ وَيَبْقَى النَّفْطُ انْتَهَى ( قَالَ فَيُصْبِحُ النَّاسُ) أَيْ يَدْخُلُونَ فِي الصَّبَاحِ ( يَتَبَايَعُونَ) أَيِ السِّلَعَ وَنَحْوَهَا بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحَدُهُمْ مِنَ الْآخَرِ ( لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ) لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْأَمَانَةِ سَلَبَهَا حَتَّى صَارَ خَائِنًا ( وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ) أَيْ مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَطَبْعٍ فِي الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ وَفَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ وَصَبَاحَةٍ وَقُوَّةٍ بَدَنِيَّةٍ وَشَجَاعَةٍ وَشَوْكَةٍ ( مَا أَجْلَدَهُ) بِالْجِيمِ ( وَأَظْرَفَهُ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ( وَأَعْقَلَهُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ تَعَجُّبًا مِنْ كَمَالِهِ وَاسْتِغْرَابًا مِنْ مَقَالِهِ وَاسْتِبْعَادًا مِنْ جَمَالِهِوَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِكَثْرَةِ الْعَقْلِ وَالظَّرَافَةِ وَالْجَلَادَةِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَلَا يَمْدَحُونَ أَحَدًا بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ( وَمَا فِي قَلْبِهِ) حَالٌ مِنَ الرَّجُلِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ( مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أَيْ مِقْدَارُ شَيْءٍ قَلِيلٍ ( مِنْ خَرْدَلٍ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِحَبَّةٍ أَيْ هِيَ خَرْدَلٌ ( مِنْ إِيمَانٍ) أَيْ كَائِنًا مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَمَانَةِ في قوله إن الأمانة نزلت با يمان لقوله اخر وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَهَلَّا حَمَلُوهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا لِقَوْلِهِ وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيَكُونُ وَضْعُ الْإِيمَانِ آخِرًا مَوْضِعَهَا تَفْخِيمًا لِشَأْنِهَا وَحَثًّا عَلَى أَدَائِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ له قال القارىء إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ آخِرًا وَمَا صَدَّرَ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ فَإِنَّ نُزُولَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَصْلِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يَعْلَمُونَ إِيقَانَهُ وَإِيقَانَهُمْ بِتَتَبُّعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ مِنْ كُلِّيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ انْتَهَى ( قَالَ) أَيْ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( زَمَانٌ) كُنْتُ أَعْلَمُ فِيهِ أَنَّ الْأَمَانَةَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ ( وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ فِيهِ) أَيْ بِعْتُ أَوِ اشْتَرَيْتُ غَيْرَ مُبَالٍ بِحَالِهِ ( لَئِنْ) بفتح اللَّامِ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ ( لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ ( دينه) بالرفع على الفاعيلة أَيْ فَلَا يَخُونُنِي بَلْ يَحْمِلُهُ إِسْلَامُهُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَأَنَا وَاثِقٌ بِأَمَانَتِهِ ( لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ) أَيِ الَّذِي أُقِيمُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَقُومُ بِوِلَايَتِهِ وَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ حَقِّي.

     وَقَالَ  فِي الْمَجْمَعِ أَيْ رَئِيسُهُمُ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ وَقِيلَ أَيِ الْوَالِي الَّذِي عَلَيْهِ أَيْ يُنْصِفُنِي مِثْلُهُ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ فَهُوَ سَاعٍ عَلَيْهِمْ يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُهْتَمِّينَ بِالْإِسْلَامِ فَيَحْفَظُونَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْمُلُوكُ ذَوُو عَدْلٍ فَمَا كُنْتُ أُبَالِي مَنْ أُعَامِلُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْحَقِّ عَمَلُهُ بِمُقْتَضَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَنْصَفَنِي مِنْهُ عَامِلُهُ عَلَى الصَّدَقَةِ انْتَهَى ( فَأَمَّا الْيَوْمَ) فَقَدْ ذَهَبَتِ الْأَمَانَةُ وَظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فَلَسْتُ أَثِقُ بِأَحَدٍ فِي بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ ( فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا) أَيْ أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ قَلَائِلَ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِمْ فَكَانَ يَثِقُ بِالْمُسْلِمِ لِذَاتِهِ وَبِالْكَافِرِ لِوُجُودِ سَاعِيهِ وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَكَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ قَلَّ أَوْ جَلَّ إِلَّا الْمُسْلِمَ فَكَانَ وَاثِقًا بِإِنْصَافِهِ وَتَخْلِيصِهِ حَقَّهُ مِنَ الْكَافِرِ إِنْ خَانَهُ بِخِلَافِ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ صَارَ لَا يُبَايِعُ إِلَّا أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ يَثِقُ بِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَالَ الْأَمَانَةِ أَخَذَ فِي النَّقْصِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَانَتْ وَفَاةُ حُذَيْفَةَ أَوَّلَ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِقَلِيلٍفَأَدْرَكَ بَعْضَ الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّغَيُّرُ وقال بن الْعَرَبِيِّ قَالَ حُذَيْفَةُ هَذَا الْقَوْلُ لَمَّا تَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ النُّبُوَّةِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالْمُبَايَعَةِ وَكَنَّى عَنِ الْإِيمَانِ بِالْأَمَانَةِ وَعَمَّا يُخَالِفُ أَحْكَامَهُ بِالْخِيَانَةِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 8 - ( بَاب مَا جَاءَ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)