فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

رقم الحديث 103 [103] ( عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ) الْأَشْجَعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 79 سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ مِائَةٍ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ جاوز المائة ( عن كريب) بالتصغير هو بن أَبِي مُسْلِمٍ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ أَبُو رِشْدِينَ مولى بن عَبَّاسٍ ثِقَةٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ روى عن مولاه بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَعَنْهُ أَبُو سَلَمَةَ وَبُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ ( عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ) بِنْتِ الْحَارِثِ الْعَامِرِيَّةِ الْهِلَالِيَّةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَتُوُفِّيَتْ بِسَرَفٍ حَيْثُ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ سَنَةَ 51 إِحْدَى وَخَمْسِينَ.

     قَوْلُهُ  ( وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ مَاءَ الِاغْتِسَالِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ ( فَاغْتَسَلَ) أَيْ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ ( مِنَ الْجَنَابَةِ) مِنْ سَبَبِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ أَيْ أَمَالَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأْتُهُ إِذَا كَبَبْتُهُ وَإِذَا أَمَلْتُهُ.

     وَقَالَ  فِي الْقَامُوسِ أَكْفَأَ أَمَالَ وَقَلَبَ ( فَغَسَلَ كَفَّيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُمَا لِلتَّنْظِيفِ مِمَّا بِهِمَا مِنْ مُسْتَقْذَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغُسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مَيْمُونَةَ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا الْآتِي فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ( فَأَفَاضَ عَلَى فَرْجِهِ) أَيْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَغَسَلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْأَذَى وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ مِنَ الْحَائِطِ أَوْ التُّرَابِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ ( فَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْسَحْ رأسه كما يفعل في الوضوء قاله بن دَقِيقِ الْعِيدِ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ التَّنْصِيصُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ لِقَوْلِهِمْ إِنَّ وُضُوءَ الْغُسْلِ لَا تُمْسَحُ فِيهِ الرَّأْسُ بَلْ يَكْتَفِي عَنْهُ لِغَسْلِهَا انْتَهَى ( ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) أَيْ أَسَالَ الْمَاءَ عَلَى بَاقِي جَسَدِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَ جَمَاعَاتٌ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَمِنْهُ قَوْلُ الأخرس فجللتها لنا لبابة لما وقد النَّوْمُ سائِرَ الحُرَّاسِ.

     وَقَالَ  الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَالسَّائِرُ مَهْمُوزٌ الْبَاقِي وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي مَعْنَى الْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ وَكُلُّهَا بِمَعْنَى بَاقِي الشَّيْءِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا التَّأْكِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَمَّمَ جَمِيعَ جَسَدِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ بَقِيَّةَ جَسَدِهِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ سَائِرَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَمِيعِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى ( ثُمَّ تَنَحَّى) أَيْ تَحَوَّلَ إِلَى نَاحِيَةٍ ( فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَتْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا هَذِهِ غَسْلَةً مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَتَوَضَّأُ أَكْثَرَ الْوُضُوءِ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ وَبِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ نَظِيفٍ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَمُخْتَارُهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ قَالَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ كَذَلِكَ قَالَ الحافظ كذا قال النووي وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ إِمَّا مُحْتَمَلَةٌ كَرِوَايَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ ظَاهِرَةٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا كَرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أبو داود والطيالسي بِلَفْظِ فَإِذَا فَرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَيُوَافِقُهَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَيْمُونَةَ أَوْ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا كَحَدِيثِ الْبَابِ وَرَاوِيهَا مُقَدَّمٌ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فأخرجه مسلم وأما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا فِي أَرْضٍ بَارِدَةٍ فَكَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أنا فأحثوا عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ ثَلَاثًا فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّ شَعْرِي كَثِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ شَعْرًا مِنْكَ وَأَطْيَبَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ تَمَارَوْا فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ أَكُفٍّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ سَأَلَهُ رَجُلٌ كَمْ أُفِيضُ عَلَى رَأْسِي وَأَنَا جُنُبٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْثُو عَلَى رأسهثَلَاثَ حَثَيَاتٍ قَالَ الرَّجُلُ إِنَّ شَعْرِي طَوِيلٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ شَعْرًا مِنْكَ وَأَطْيَبَ

رقم الحديث 104 [14] .

     قَوْلُهُ  ( نا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْحَافِظِ الْآتِيَةِ ( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ رَفْعِهَا أَوْ بِسَبَبِ حُدُوثِهَا ( بَدَأَ بَغْسِلُ يَدَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُمَا لِلتَّنْظِيفِ مِمَّا بِهِمَا مِنْ مُسْتَقْذَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغُسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ ويدل عليه زيادة بن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ أَيْضًا ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَاَلَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَافِظُ هِيَ هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِي شَرْحِهَا وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا أَنَّ سُفْيَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ بن عُيَيْنَةَ ( ثُمَّ يَغْسِلُ) وَفِي النُّسْخَةِ الْقَلَمِيَّةِ ثُمَّ غَسَلَ ( ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ كَوُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ ( ثُمَّ يُشَرِّبُ) مِنَ التَّشْرِيبِ أَوْ الْإِشْرَابِ ( شَعْرَهُ) بِالنَّصْبِ ( الْمَاءَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا وَهُمَا مَفْعُولَانِ لِيُشَرِّبَ أَيْ يَسْقِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ الْمُبَارَكَ الْمَاءَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ تشريبه بل جميعه بالماء انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ .

     قَوْلُهُ  يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ يَعْنِي يَسْقِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ العجل) أَيْ سَقَى فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَيَسْرِي إِلَى مَدَاخِلِهِ كَسَرَيَانِهِ إِلَى بَوَاطِنِ الْبَدَنِ شَبَّهَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ شَرَابًا لِأَجْلِهِ وَهَذَا مَجَازٌ بَدِيعٌ انْتَهَى ( وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ) ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ( ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) أَيْ ثَلَاثَ غِرَفٍ بِيَدَيْهِ وَاحِدُهَا حَثْيَةٌ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَعْنَى يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غِرَفٍ بِيَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  ( ثُمَّ يُفْرِغُ) مِنَ الْإِفْرَاغِ وَهُوَ الصب ( ثميُفِيضُ) مِنَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْإِسَالَةُ ( وَقَالُوا إِنْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَجْزَأَهُ) يعني الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ( وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ فَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِ الْمُغْتَسِلُ أَجْزَأَهُ إِذَا أَتَى بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْغُسْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَكِنْ عَمَّ جَسَدَهُ وَرَأْسَهُ وَنَوَاهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عليه بلا خلاف لكنهم مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح نقل بن بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مَعَ الْغُسْلِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ انْتَهَى كلام الحافظ وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنَّمَا هُوَ غُسْلٌ كُلُّهُ الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ بدليل قوله تعالى ( حتى تغتسلوا) وقوله ( وإن كنتم جنبا فاطهروا) فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ الْمُلْزِمُ وَالْبَيَانُ الْمُكَمِّلُ وَمَا جَاءَ مِنْ بَيَانِ هَيْئَتِهِ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ إِيضَاحًا لِسُنَّةٍ الثَّالِثُ أَنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ وَمِنْهَا مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إِذْ قَالَتْ لَهُ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تَضْغَثِيهِ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَى جَسَدِكِ الْمَاءَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ عندي نظر أما في الأول فإن ظَاهِرَ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ الْجَمْعُ كَمَا عَرَفْتَ أَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بقوله تعالى ( حتى تغتسلوا) هُوَ الِاغْتِسَالُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَاطَّهَرُوا) هُوَ التَّطَهُّرُ الشَّرْعِيُّ.
وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَلِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ76 - ( بَاب هَلْ تَنْقُضُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ)