فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الصلاة على الخمرة

رقم الحديث 1744 [1744] قوله ( رأيت بن أَبِي رَافِعٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رافع ويقال بن فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُالزهري وبن إسحاق وغيرهما وثقه بن حِبَّانَ.

     وَقَالَ  الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ كَانَ فَقِيهًا عَابِدًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ .

     قَوْلُهُ  ( وَلَا إِخَالُهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَالَ الشَّيْءُ يَخَالُ خَيْلًا وَخَيْلَةً وَيُكْسَرَانِ وَخَالًا وخيلا لا مُحَرَّكَةً وَمَخِيلَةً وَمَخَالَةً وَخَيْلُولَةً ظَنَّهُ وَتَقُولُ فِي مُسْتَقْبِلِهِ إِخَالُ بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَتُفْتَحُ فِي لُغَةٍ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهِ صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

رقم الحديث 1745 [1745] .

     قَوْلُهُ  ( لَا تَنْقُشُوا عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ سَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اتَّخَذَ الْخَاتَمَ وَنَقَشَ فِيهِ لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ إِلَى مُلُوكِ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ فَلَوْ نَقَشَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ لَدَخَلَتِ الْمَفْسَدَةُ وَحَصَلَ الْخَلَلُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ نَقْشِ الْخَاتَمِ وَجَوَازُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ومالك والجمهور وعن بن سِيرِينَ وَبَعْضِهِمْ كَرَاهَةُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ضَعِيفٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَخْرَجَ بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَكْتُبَ الرَّجُلُ فِي خَاتَمِهِ حَسْبِي اللَّهُ وَنَحْوَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَنْهُ لَمْ يثبت وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ حَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهِ حَمْلُهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْكَفِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَالْجَوَازُ حَيْثُ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا يَعْرِضُ لِذَلِكَ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ كَلِمَةً حِكْمَةً وَأَنْ يَنْقُشَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

رقم الحديث 1746 [1746] قوله ( أخبرنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) الضُّبَعِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثقة صالح وقال أبو حاتم ريما هو مِنَ التَّاسِعَةِ ( وَالْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ) الْأَنْمَاطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمَا الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ التاسعة ( حدثنا همام) هو بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ) أَيْ أَرَادَ دُخُولَهُ .

     قَوْلُهُ  ( نَزَعَ) أَيْ أَخْرَجَ من أصبعه ( خاتمه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ لِأَنَّ نَقْشَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَنْحِيَةِ الْمُسْتَنْجِي اسْمَ اللَّهِ وَاسْمَ رَسُولِهِ وَالْقُرْآنَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ الأبهري ويعم الرسل وقال بن حَجَرٍ اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمُرِيدِ التَّبَرُّزِ أَنْ يُنَحِّيَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ مُعَظَّمٌ مِنَ اسم الله تعالى أو نبي أو مالك فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لمذهبنا انتهى كلام القارىء .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا دخل الخلاء وصنع خاتمه أخرجه أصحاب السنن وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِهِ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ مُنْكَرٌ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَأَشَارَ إِلَى شُذُوذِهِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي تَصْحِيحُهُ فَإِنَّ رُوَاتَهُ ثِقَاتٌ أَثَبَاتٌ وَتَبِعَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ فِي آخِرِ الِاقْتِرَاحِ وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عن بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ لَمْ يُخْرِّجِ الشَّيْخَانِ رِوَايَةَ هَمَّامٍ عَنِ بن جريج وبن جُرَيْجٍ قِيلَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَدْ رَوَاهُ مَعَ هَمَّامٍ مَعَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ الْبَجَلِيُّ وَيَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ وَأَخْرَجَهُمَا الْحَاكِمُ والدّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ هَمَّامٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ شَاهِدًا أَوْ أَشَارَ إِلَى ضَعْفِهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمًا نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ إِذَاسلمة قال إسحاق بن منصور عن بن مَعِينٍ صَالِحٌ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَآخَرُ حَدِيثٌ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ( فَقَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ الهاشمي أَحَدَ الْأَجْوَادِ وُلِدَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَلَهُ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) أَيْ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه 7 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي نَقْشِ الْخَاتَمِ)

رقم الحديث 1748 [1748] .

     قَوْلُهُ  ( وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الذُّهْلِيُّ ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ ( حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى الأنصاري ( عن ثمامة) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ثلاثة أسطر) قال بن بَطَّالٍ لَيْسَ كَوْنُ نَقْشِ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ أَوْ سَطْرَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ كَوْنِهِ سَطْرًا وَاحِدًا قَالَ الْحَافِظُ قَدْ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ سَطْرًا وَاحِدًا يَكُونُ الْفَصُّ مُسْتَطِيلًا لِضَرُورَةِ كَثْرَةِ الْأَحْرُفِ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الْأَسْطُرُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مُرَبَّعًا أَوْ مُسْتَدِيرًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنَ الْمُسْتَطِيلِ انْتَهَى ( مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاَللَّهُ سَطْرٌ) قَالَ الْحَافِظُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَرْعَرَةَ بن البريد عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ فَصُّ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَدَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْجَوزْقَانِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَيُنْظَرُ فِي سَنَدِهِ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيَّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 8 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الصُّورَةِ) الْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمِهَا مِنْ جِهَةِ مُبَاشَرَةِ صَنْعَتِهَا ثُمَّ مِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَاِتِّخَاذِهَا

رقم الحديث 1749 [1749] .

     قَوْلُهُ  ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ) أَيْ عَنِ اتِّخَاذِهَا وَإِدْخَالِهَا فِيهِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ بِنَاءً أَوْ خَيْمَةً أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ هَذَا حُكْمُ نَفْسِ التَّصْوِيرِ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْمُصَوِّرِ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ ثَوْبًا مَلْبُوسًا أَوْ عِمَامَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاطٍ يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْتَهَنُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل ومالا ظِلَّ لَهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يُنْهَى عَمَّا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَلَا بَأْسَ بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ ما هي فيه ودخول الْبَيْتَ الَّذِي هِيَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرَ رَقْمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَائِطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ مُمْتَهَنٍ أَوْ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ النُّمْرُقَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا مَذْهَبٌ قَوِيٌّ وَقَالَ آخَرُونَ يَجُوزُ مِنْهَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ سَوَاءٌ امْتُهِنَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ عُلِّقَ فِي حَائِطٍ أَمْ لَا وكرهوا ماكَانَ لَهُ ظِلٌّ أَوْ كَانَ مُصَوَّرًا فِي الْحِيطَانِ وَشَبَهِهَا سَوَاءٌ كَانَ رَقْمًا أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَوُجُوبِ تَغْيِيرِهِ انْتَهَى كَلَامُ النووي قلت قال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي لَا ظِلَّ لَهَا إِذَا بَقِيَتْ عَلَى هَيْئَتِهَا حَرُمَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُمْتَهَنُ أَمْ لَا وَإِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا أَوْ فُرِّقَتْ هَيْئَتُهَا جَازَ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَحْوَطُ عِنْدِي وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وقواه النووي كما عرفت آنفا وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فَائِدَةٌ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ ينقمعن منه فيسر بهن إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي قَالَ الْحَافِظُ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ صُوَرِ الْبَنَاتِ وَاللَّعِبِ مِنْ أَجْلِ لَعِبِ الْبَنَاتِ بِهِنَّ وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ اللَّعِبِ لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أنه منسوخ وإليه مال بن بطال وحكى عن بن أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ لِابْنَتِهِ الصُّوَرَ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الداودي أنه منسوخ وقد ترجم بن حِبَّانَ لِصِغَارِ النِّسَاءِ اللَّعِبُ بِاللُّعَبِ وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ إِبَاحَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ اللَّعِبَ بِالْبَنَاتِ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالصِّغَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَانَ قبل التحريم وبه جزم بن الْجَوْزِيِّ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِنْ كَانَتِ اللُّعَبُ كَالصُّورَةِ فَهُوَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّى مَا لَيْسَ بِصُورَةٍ لُعْبَةً وَبِهَذَا جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ فَقَالَ إِنْ كَانَتْ صُورَةً كَالْوَثَنِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وعنهافِي الْبَابِ أَحَادِيثُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ مِنْ أَبْوَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَالْأَدَبِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

رقم الحديث 1750 [175] .

     قَوْلُهُ  ( يَعُودُهُ) أَيْ لِعِيَادَتِهِ فِي مَرَضِهِ ( فَوَجَدَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ ( سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ ( يَنْزِعُ نَمَطًا تَحْتَهُ) أَيْ لِيُخْرِجَ نَمَطًا كَانَ تَحْتَهُ وَالنَّمَطُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ وَهُوَ ظِهَارَةُ الْفِرَاشِ وَقِيلَ ظَهْرُ الْفِرَاشِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى بِسَاطٍ لَطِيفٍ لَهُ خَمْلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْهَوْدَجِ وَقَدْ يُجْعَلُ سِتْرًا ( لِمَ تَنْزِعُهُ) أَيْ لِأَيِّ سَبَبٍ تُخْرِجُهُ مِنْ تَحْتِكَ ( لِأَنَّ فِيهَا) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ لِأَنَّ فِيهِ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ فِي ذَلِكَ النَّمَطِ ( مَا قَدْ عَلِمْتَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ( إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا) بِالْفَتْحِ أَيْ نَقْشًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَجُّ به من يقول إباحة مَا كَانَ رَقْمًا مُطْلَقًا وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن الْعَرَبِيِّ حَاصِلُ مَا فِي اتِّخَاذِ الصُّوَرِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَجْسَامٍ حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ رَقْمًا فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ يَجُوزُ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ الثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا حَتَّى الرَّقْمُ الثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ بَاقِيَةَ الْهَيْئَةِ قَائِمَةَ الشَّكْلِ حَرُمَ وَإِنْ قُطِعَتِ الرَّأْسُ أَوْ تَفَرَّقَتِ الْأَجْزَاءُ جَازَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الرَّابِعُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُمْتَهَنُ جَازَ وَإِنْ كان معلق لم يجز انتهى وقد حكم بن عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ ( قَالَ بَلَى) أَيْ قَدْ قَالَ ذَلِكَ ( أَطْيَبُ لِنَفْسِي) أَيْ أَطْهَرُ لِلتَّقْوَى وَاخْتِيَارُ الْأَوْلَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّصَاوِيرَ إِذَا كَانَتْ فِي فِرَاشٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ وِسَادَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَصَاوِيرَ مِنْ بِسَاطٍ يُبْسَطُ أَوْ فِرَاشٍ يُفْرَشُ أَوْ وِسَادَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي السِّتْرِ وَمَا يُنْصَبُ نَصْبًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ تَصْوِيرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّوَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ التَّصَاوِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْحَيَوَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُ التَّصَاوِيرِ كُلِّهَا جَائِزًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي السِّتْرِ أَوْ فِي مَا يُنْصَبُ نَصْبًا أَوْ فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِكَوْنِهَا فِي الْبِسَاطِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَمَا تَرَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ 9 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُصَوِّرِينَ)

رقم الحديث 1751 [1751] .

     قَوْلُهُ  ( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً) كَذَا أَطْلَقَ وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ فَيَتَنَاوَلُ صُورَةَ مَا لا روح فيه لكن الذي فهم بن عَبَّاسٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ التَّخْصِيصَ بِصُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ قَوْلِهِ كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ فَاسْتَثْنَى مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَالشَّجَرِ ( عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَالَ الْحَافِظُ اسْتِعْمَالُ حَتَّى هُنَا نَظِيرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) وَكَذَا .

     قَوْلُهُ مْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَيْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا دَائِمًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْوَعِيدُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ وَعِيدَ الْقَاتِلِ عَمْدًا يَنْقَطِعُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ وُرُودِ تَخْلِيدِهِ بِحَمْلِ التَّخْلِيدِ عَلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ وَهَذَا الْوَعِيدُ أَشَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُغَيًّا بِمَا لَا يُمْكِنُ وَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ زَمَانًا طويلا ثم يتلخص وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّجْرُ الشَّدِيدُ بِالْوَعِيدِ بِعِقَابِ الْكَافِرِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِارْتِدَاعِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَاصِي بِذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ غَلِيظُ التَّحْرِيمِ.
وَأَمَّا الشَّجَرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ صَنْعَتُهُ وَلَا التَّكَسُّبُ بِهِ وَسَوَاءٌ الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ أَيِ اجْعَلُوهُ حَيَوَانًا ذَا رُوحٍ كَمَا ضَاهَيْتُمْ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذهب يخلق خلقا كخلقي ويؤيده حديث بن عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ انْتَهَى ( وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ يَفِرُّونَ مِنْهُ) أَيْ يَبْتَعِدُونَ مِنْهُ وَمِنَ اسْتِمَاعِهِ كَلَامَهُمْ ( صُبَّ) بِضَمِّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ سُكِبَ ( فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ النُّونِ وَمَعْنَاهُ الأسرب بِالْفَارِسِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ الرَّصَاصُ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ الْأَسْوَدُ وَقِيلَ الْخَالِصُ ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الْجُمْلَةُ دُعَاءٌ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي جحيفة وعائشة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ الْمُصَوِّرُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لهم أحيوا ما خلقتم قوله ( حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِضَابِ) أَيْ تَغْيِيرِ لَوْنِ شَيْبِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ

رقم الحديث 1752 [1752] .

     قَوْلُهُ  ( غَيِّرُوا الشَّيْبَ) أَيْ بِالْخِضَابِ ( وَلَا تَشَبَّهُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ ( بِالْيَهُودِ) أَيْ فِي تَرْكِ خِضَابِ الشَّيْبِ وَفِي رِوَايَةِ أحمد وبن حِبَّانَ زِيَادَةُ وَالنَّصَارَى وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِنَّالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ قَالَ فِي النَّيْلِ يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي شَرْعِيَّةِ الصِّبَاغِ وَتَغْيِيرِ الشَّيْبِ هِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَبِهَذَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الْخِضَابِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَالِغُ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَأْمُرُ بِهَا وَهَذِهِ السُّنَّةُ قَدْ كَثُرَ اشْتِغَالُ السَّلَفِ بِهَا وَلِهَذَا تَرَى الْمُؤَرِّخِينَ فِي التَّرَاجِمِ لَهُمْ يَقُولُونَ وكان يخضب وكان لا يخضب قال بن الْجَوْزِيِّ قَدِ اخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ رَأَى رَجُلًا قَدْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ إِنِّي لِأَرَى رَجُلًا يُحْيِي مَيْتًا مِنَ السُّنَّةِ وَفَرِحَ بِهِ حِينَ رَآهُ صَبَغَ بِهَا انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنِ الزبير وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِي رِمْثَةَ وَالْجَهْدَمَةِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي جحيفة وبن عمر) أما حديث الزبير وهو بن العوام فأخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ كذا في عمدة القارىء ورواه النسائي أيضا وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ الحديث وسيأتي بتمامه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ.

     وَقَالَ  صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وأما حديث جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْهُ قَالَ جِيءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيَأْتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رِمْثَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي وَلَهُ لِمَّةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ رَدْعٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَطْخٌ يُقَالُ بِهِ رَدْعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَهْدَمَةِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ فلينظر من أخرجها وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

رقم الحديث 1753 [1753] .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( بِهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ( الشَّيْبُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ ( الْحِنَّاءُوَالْكَتَمُ) بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ إِنَّ وَالْكَتَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْكَتَمُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَادَ اسْتِعْمَالُ الْكَتَمِ مُفْرَدًا عَنِ الْحِنَّاءِ فَإِنَّ الْحِنَّاءَ إِذَا خُضِبَ بِهِ مَعَ الْكَتَمِ جَاءَ أَسْوَدَ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا وَقَولُهُ بَحْتًا بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَيْ صِرْفًا هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا وَالْكَتَمُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ يُخْرِجُ الصِّبْغَ أَسْوَدَ يَمِيلُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَصِبْغُ الْحِنَّاءِ أَحْمَرُ فَالصِّبْغُ بِهِمَا مَعًا يَخْرُجُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  ( وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُخَضْرَمٌ انْتَهَى فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لِحَدِيثَيْ جابر وبن عَبَّاسٍ وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْأَوْلَى كَرَاهَتُهُ وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ واختاره بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْخِضَابِ لَهُ وَأَجَابَ عن حديث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَلْ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ شَيْبُ رَأْسِهِ مُسْتَبْشَعًا وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ نَعَمْ يَشْهَدُ له ما أخرجه هو عن بن شِهَابٍ قَالَ كُنَّا نَخْضِبُ بِالسَّوَادِ إِذَا كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَغَضَ الْوَجْهُ وَالْأَسْنَانُ تَرَكْنَاهُ وقد أخرج الطبراني وبن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ من خضببِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ.
وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي التَّدَاوِي انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فخالفوهم قال الحافظ بن أَبِي عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  فَخَالِفُوهُمْ إِبَاحَةٌ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرُوا الشَّيْبَ بِكُلِّ مَا شَاءَ الْمُغَيِّرُ لَهُ إِذْ لَمْ يَتَضَمَّنْ .

     قَوْلُهُ  خَالِفُوهُمْ أَنِ اصْبُغُوا بِكَذَا وَكَذَا دُونَ كَذَا وَكَذَا انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوِ الثَّغَامَةِ فَأَمَرَ أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِيهِمَا بِغَيْرِ السَّوَادِ فَإِنَّ حَدِيثَ جابر هذا رواه مسلم من طرق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَزَادَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ التَّغْيِيرُ بغير السواد وأجابا الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نظرا ويؤيده أن بن جُرَيْجٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ مَخْلُوطًا بِالْكَتَمِ وَهُوَ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَلْطَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ غَلَبَ الْكَتَمُ اسْوَدَّ وَكَذَا إِنِ اسْتَوَيَا وَإِنْ غَلَبَ الْحِنَّاءُ احْمَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْخَلْطِ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَانَ الْحِنَّاءُ غَالِبًا عَلَى الْكَتَمِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِصُورَةٍ دُونَ صُورَةٍ وَوَجْهُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فيما ذكر ومنها حديث صهيب رواه بن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّيْرَفِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّاسِبِيُّ حَدَّثَنَا دَفَّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ وَذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِوَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ضَعِيفَانِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ( وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ زِيَادِ بْنِ صَيْفِيٍّ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ ضَعَّفَهُ أبو حاتم ووثقه بن حِبَّانَ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَتَضْعِيفُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَولُهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ انتهى فتوثيق بن حِبَّانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ مُفَسَّرٌ وَقَالَ أَبُو حاتم هو شيخ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ مِنْ بَقَاءِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ مَرَّةً وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَقَامِهَا وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أحدكم المرأة وهو يخضب بالسواد فليعلم ما أَنَّهُ يَخْضِبُ رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّ جَمْعًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من الخلفاء الراشدين في غيرهم قَدِ اخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ وَلَمْ يُنْقَلِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بكر فعلها بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا وَفِي الْقَامُوسِ قنأ لحيته سودها كفنأها انتهى وفي المنجد قنأ قنوء الشَّيْءُ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ اللِّحْيَةُ مِنَ الْخِضَابِ اسْوَدَّتْ قَنَأَ قَنْأً وَقَنَّأَ تَقْنِئَةً وَتَقَنْيَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا بِالْخِضَابِ قَنَّأَ الشَّيْءَ حَمَّرَهُ شَدِيدًا انْتَهَى وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا اشتد حُمْرَتُهَا فَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْقَافِ مَعَ النُّونِ مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُهُ قَانِئَةٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُهَا أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى قَنَأَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ وَالْهَمْزَةِ أَيِ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَاانتهى وقال العيني أي حتى اشتد حُمْرَتُهَا حَتَّى ضَرَبَتْ إِلَى السَّوَادِ انْتَهَى وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ الْعَرْفَجِ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ الْجَوْزِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ الضَّرَمُ لَهَبُ النَّارِ شُبِّهَتْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يخضبها بالحناء وقال في مادة الْعَرْفَجُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ صَغِيرٌ سَرِيعُ الِاشْتِعَالِ بِالنَّارِ وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ الله عنه قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قَدْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يخضبان بالسواد ذكر ذلك بن جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عباس وأبو سلمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وموسى بن طلحة والزهري وأيوب وإسماعيل بن معد يكرب رضي الله عنهم أجمعين وحكاه بن الجوزي عن محارب بن دثار ويزيد وبن جريج وأبي يوسف وأبي إسحاق وبن أبي ليلى وزياد بن علافة وَغَيْلَانِ بْنِ جَامِعٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ انْتَهَى قُلْتُ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَافِظُ بْنُ أبي عاصم وبن الْجَوْزِيِّ وَلَهُمَا رِسَالَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فِي جَوَازِ الْخِضَابِ بالسواد وبن سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا شَعْرُكَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبِكَ فَاصْبُغْهُ بِأَيِّ لَوْنٍ شِئْتَ وَأَحَبُّهُ إِلَيْنَا أَحْلَكُهُ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ خَضْبَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ بِالسَّوَادِ يَنْفِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ.
وَأَمَّا عَدَمُ نَقْلِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَنْفِيهِ وَبَعْضُهَا لَا بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ فَتَفَكَّرْ وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فَ.

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وأجيب عنه بأنه قَوْلَهُ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ مُدْرَجٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ إِلَى قَوْلِهِ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَحَسْبُ وَلَمْ يزد فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ وَقَدْ سَأَلَ زُهَيْرٌ أَبَا الزُّبَيْرِ هَلْ قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ فَأَنْكَرَ.

     وَقَالَ  لَا فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ مِثْلُ الثَّغَامَةِ قَالَ حَسَنٌ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ قَالَ حَسَنٌ قَالَ زُهَيْرٌ.

قُلْتُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ قَالَ لَا انْتَهَى وَزُهَيْرٌ هَذَا هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُكَنَّى بِأَبِي خَيْثَمَةَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَحَسَنٌ هَذَا هُوَ حَسَنُ بْنُ مُوسَى أَحَدُ الثِّقَاتِ وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ جابر هذا رواه بن جريح وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُمَا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَزِيَادَةُ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزُّبَيْرِ لَا فِي جَوَابِ سُؤَالِ زُهَيْرٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَكَمْ مِنْ مُحَدِّثٍ قَالَ قَدْ نَسِيَ حديثه بعد ما أحدثه وخضب بن جُرَيْجٍ بِالسَّوَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مدرجة كما لا يخفى ومنها حديث بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي المخارق أبا أمية كما صرح به بن الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا ليس هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ أَبَا أُمَيَّةَ بَلْ هُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي القول المسدد أخطأ بن الْجَوْزِيِّ فَإِنَّمَا فِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الثِّقَةُ الْمُخَرَّجُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ بِسَبَبِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى وَالثَّانِي أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ بَلْ عَلَىمَعْصِيَةٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ بن أَبِي عَاصِمٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ وَقَدْ عَرَفْتَ وُجُودَ طَائِفَةٍ قَدْ خَضَبُوا بِالسَّوَادِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ إِذَا لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَائِدَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَضْبِ بِالسَّوَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَضْبُ بِهِ لِغَرَضِ التَّلْبِيسِ وَالْخِدَاعِ لَا مُطْلَقًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ السَّوَادَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بأن في سنده بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ بن لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ انْتَهَى ثُمَّ هُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِالْعَنْعَنَةِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يوم القيامة أخرجه الطبراني وبن أبي عاصم ومنها حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا الصُّفْرَةُ خِضَابُ الْمُؤْمِنِ وَالْحُمْرَةُ خِضَابُ الْمُسْلِمِ وَالسَّوَادُ خِضَابُ الْكَافِرِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ مَنْ غَيَّرَ الْبَيَاضَ بِالسَّوَادِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَمَا عَرَفْتَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَاللِّسَانِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ المجوزين والمانعين مع بيان مالها وَمَا عَلَيْهَا فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ فِيهَا وَقَدْ جمع الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ بِوَجْهَيْنِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَالْكَتَمُ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ فَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْحِنَّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ الْكَتَمَ وَالْحِنَّاءَ يَجْعَلُ الشَّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فإنهاتَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابُ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ إِلَخْ قُلْتُ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ هُوَ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ عِنْدِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْمَخْلُوطِ بِالْحُمْرَةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُمَّةِ وَاتِّخَاذِ الشَّعْرِ الْجُمَّةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ هِيَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالْوَفْرَةُ هِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَاللِّمَّةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ هِيَ الشَّعْرُ الْمُتَجَاوِزُ شَحْمَةَ الْأُذُنِ وَيَكُونُ دُونَ الْجُمَّةِ

رقم الحديث 1754 [1754] .

     قَوْلُهُ  ( رَبْعَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ يُقَالُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَمَرْبُوعٌ إِذَا كَانَ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ ( لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ) تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِرَبْعَةً ( لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلَا سَبْطٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا وَهُوَ مِنَ السُّبُوطَةِ ضِدُّ الْجُعُودَةِ وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُنْبَسِطُ الْمُسْتَرْسِلُ كَمَا فِي غَالِبِ شُعُورِ الْأَعَاجِمِ فَفِي الْقَامُوسِ السَّبْطُ وَيُحَرَّكُ وَكَكَتِفٍ نَقِيضُ الْجَعْدِ وَفِيهِ الْجَعْدُ مِنَ الشَّعْرِ خِلَافُ السَّبْطِ أَوِ الْقَصِيرُ مِنْهُ جَعُدَ كَكَرُمَ جُعُودَةً وَجَعَادَةً وَتَجَعَّدَ وَجَعَّدَهُ وَهُوَ جَعْدٌ وَهِيَ بِهَاءٍ انْتَهَى ( إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ) أَيْ يَتَمَايَلُ إِلَى قُدَّامٍ وَقِيلَ أَيْ يَرْفَعُ الْقَدَمَ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ يَضَعُهَا وَلَا يَمْسَحُ قَدَمَهُ عَلَى الْأَرْضِ كَمَشْيِ الْمُتَبَخْتِرِ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ أَيْ يَرْفَعُ رِجْلَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَجَلَادَةٍ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ تَكَفَّأَ بِمَعْنَى صَبَّ الشَّيْءَ دفعة.

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَجَابِرٍ وَأُمِّ هَانِئٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَتْ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعْرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ كَانَ لَهُ شعر فليكرمه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ ذِكْرُ فَرْقِ النَّاصِيَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث وائل فأخرجه داود والنسائي وبن مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ فِي بَابٍ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ