فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الصلاة عند النعاس

رقم الحديث 2675 [2675] قوله ( عن بن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنِ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَجْلِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  ( مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً أَيْ أَتَى بِطَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ ( فَاتُّبِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ إِلَى مَنْ ( عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ ( فَلَهُ أَجْرُهُ) الضَّمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَنْ سَنَّ أَيْ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ بِتِلْكَ السُّنَّةِ ( غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا مِنَ النَّقْصِ ( وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُنَّةً سَيِّئَةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً أَيْ طَرِيقَةً غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أبيه 6 - ( باب الأخذ بالنسة وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ)

رقم الحديث 2676 [2676] .

     قَوْلُهُ  (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَبَسَةَ (السُّلَمِيِّ) الشَّامِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثالثة (عنالْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بْنِ سَارِيَةَ) السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ صَحَابِيٌّ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَنَزَلَ حِمْصَ .

     قَوْلُهُ  (ذَرَفَتْ) أَيْ دَمَعَتْ (وَوَجِلَتْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ خَافَتْ (إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مودع) با ضافة فَإِنَّ الْمُوَدِّعَ بِكَسْرِ الدَّالِ عِنْدَ الْوَدَاعِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يُهِمُّ الْمُوَدَّعَ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ كَأَنَّكَ تُوَدِّعُنَا بِهَا لِمَا رَأَى مِنْ مُبَالَغَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْعِظَةِ (فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا) أَيْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُوصِينَا (وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) أَيْ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ لِلنَّوَوِيِّ أَيْ صَارَ أَمِيرًا أَدْنَى الْخَلْقِ فَلَا تَسْتَنْكِفُوا عَنْ طَاعَتِهِ أَوْ لَوِ اسْتَوْلَى عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَأَطِيعُوهُ مَخَافَةَ إِثَارَةِ الْفِتَنِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا بِالنَّصْبِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُطَاعُ عَبْدًا حَبَشِيًّا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ بِهِ طَاعَةَ مَنْ وَلَّاهُ الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشا وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشَّيْءِ بِمَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فِي الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَقَدْرُ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا لِشَخْصٍ آدَمِيٍّ وَنَظَائِرُ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرَةٌ (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكل بدعه ضلالة قال الحافظ بن رَجَبٍ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً فَ.

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ مِنَ اسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّرَاوِيحِ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَةً فَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَمِنْ ذَلِكَ أَذَانُ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ زَادَهُ عُثْمَانُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ بِدْعَةٌوَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا أَرَادَ أَبُوهُ فِي التَّرَاوِيحِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ الِاخْتِلَافِ الْكَثِيرِ (فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي) أَيْ فَلْيَلْزَمْ سُنَّتِي (وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا قاله القارىء وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَأَخَذُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَيْهَا وَعَمَلًا بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ أَكْبَرِهَا وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمُ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضًا مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَقْضِي قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لم تجد قال أجتهد رأيي قال الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ أَوْ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ مَا عَمِلُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثَمَرَةٌ.

قُلْتُ ثَمَرَتُهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَوْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ وَزَمَنَ الْخُلَفَاءِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي زَمَنِهِ فَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ فَأَشَارَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ إِلَى سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إِلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الشَّكِّ وَيَخْتَلِجُ فِيهَا مِنَ الظُّنُونِ فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ محل القدرة وَمَكَانُ الْأُسْوَةِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ تَحْرِيرِهِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ سُبُلِ السَّلَامِ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ في باب آذان الجمعة وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ هُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَدِ انْتَهَى بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَصَفَ الرَّاشِدِينَ بِالْمَهْدِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَصْلُحْأَنْ يَكُونَ هَادِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْخَلْقَ فِي الضَّلَالَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَهُمُ الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ وَذُو النُّورَيْنِ وَأَبُو تُرَابٍ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَوَاظَبُوا عَلَى اسْتِمْطَارِ الرَّحْمَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّبَوِيَّةِ وَخَصَّهُمُ اللَّهُ بِالْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مَشَاقِّ الْأَسْفَارِ وَمُجَاهَدَةِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ الْعُظْمَى وَالتَّصَدِّي إِلَى الرِّيَاسَةِ الْكُبْرَى لِإِشَاعَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ أَعْلَامِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ وَازْدِيَادًا لِمَثُوبَاتِهِمْ انْتَهَى (عَضُّوا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السُّنَّةِ (بِالنَّوَاجِذِ) جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الضِّرْسُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ هُوَ مُرَادِفُ السِّنِّ وَقِيلَ هُوَ الناب قال الماوردي إذ تكاملت الأسنان فهي اثنتان وَثَلَاثُونَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَنَايَا وَهِيَ أَوَائِلُ مَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ مُقَدَّمِ الْفَمِ ثُمَّ أَرْبَعٌ رُبَاعِيَّاتٌ ثُمَّ أَرْبَعُ أَنْيَابٍ ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ ثُمَّ اثْنَا عَشَرَ أَضْرَاسٍ وَهِيَ الطَّوَاحِنُ ثُمَّ أَرْبَعُ نَوَاجِذَ وَهِيَ أَوَاخِرُ الْأَسْنَانِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَضْرَاسَ عِشْرُونَ شَامِلَةً لِلضَّوَاحِكِ وَالطَّوَاحِنِ وَالنَّوَاجِذِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلَازَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا أَخْذًا شَدِيدًا يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ أَوِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لَا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ.

     وَقَالَ  وَالْخُلَفَاءُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَخَصَّ اثْنَيْنِ وقال فإن لم تجدني فأتى أَبَا بَكْرٍ فَخَصَّهُ فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ وَخَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ أَوْلَى وَالْمُحْدَثُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُحْدَثٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ إِلَّا الشُّهْرَةُ وَالْعَمَلُ بِالْإِرَادَةِ فَهَذَا بَاطِلٌ وَمَا كَانَ عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ أَوْ مَرْدُودًا إِلَيْهَا فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَلَا ضَلَالَةٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ .

     قَوْلُهُ  (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ) وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَاحِ الْمِسْمَعِيُّالْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بْنِ سَارِيَةَ) السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ صَحَابِيٌّ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَنَزَلَ حِمْصَ .

     قَوْلُهُ  (ذَرَفَتْ) أَيْ دَمَعَتْ (وَوَجِلَتْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ خَافَتْ (إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مودع) با ضافة فَإِنَّ الْمُوَدِّعَ بِكَسْرِ الدَّالِ عِنْدَ الْوَدَاعِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يُهِمُّ الْمُوَدَّعَ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ كَأَنَّكَ تُوَدِّعُنَا بِهَا لِمَا رَأَى مِنْ مُبَالَغَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْعِظَةِ (فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا) أَيْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُوصِينَا (وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) أَيْ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ لِلنَّوَوِيِّ أَيْ صَارَ أَمِيرًا أَدْنَى الْخَلْقِ فَلَا تَسْتَنْكِفُوا عَنْ طَاعَتِهِ أَوْ لَوِ اسْتَوْلَى عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَأَطِيعُوهُ مَخَافَةَ إِثَارَةِ الْفِتَنِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا بِالنَّصْبِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُطَاعُ عَبْدًا حَبَشِيًّا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ بِهِ طَاعَةَ مَنْ وَلَّاهُ الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشا وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشَّيْءِ بِمَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فِي الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَقَدْرُ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا لِشَخْصٍ آدَمِيٍّ وَنَظَائِرُ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرَةٌ (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكل بدعه ضلالة قال الحافظ بن رَجَبٍ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً فَ.

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ مِنَ اسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّرَاوِيحِ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَةً فَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَمِنْ ذَلِكَ أَذَانُ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ زَادَهُ عُثْمَانُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ بِدْعَةٌوَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا أَرَادَ أَبُوهُ فِي التَّرَاوِيحِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ الِاخْتِلَافِ الْكَثِيرِ (فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي) أَيْ فَلْيَلْزَمْ سُنَّتِي (وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا قاله القارىء وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَأَخَذُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَيْهَا وَعَمَلًا بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ أَكْبَرِهَا وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمُ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضًا مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَقْضِي قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لم تجد قال أجتهد رأيي قال الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ أَوْ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ مَا عَمِلُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثَمَرَةٌ.

قُلْتُ ثَمَرَتُهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَوْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ وَزَمَنَ الْخُلَفَاءِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي زَمَنِهِ فَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ فَأَشَارَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ إِلَى سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إِلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الشَّكِّ وَيَخْتَلِجُ فِيهَا مِنَ الظُّنُونِ فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ محل القدرة وَمَكَانُ الْأُسْوَةِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ تَحْرِيرِهِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ سُبُلِ السَّلَامِ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ في باب آذان الجمعة وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ هُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَدِ انْتَهَى بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَصَفَ الرَّاشِدِينَ بِالْمَهْدِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَصْلُحْأَنْ يَكُونَ هَادِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْخَلْقَ فِي الضَّلَالَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَهُمُ الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ وَذُو النُّورَيْنِ وَأَبُو تُرَابٍ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَوَاظَبُوا عَلَى اسْتِمْطَارِ الرَّحْمَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّبَوِيَّةِ وَخَصَّهُمُ اللَّهُ بِالْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مَشَاقِّ الْأَسْفَارِ وَمُجَاهَدَةِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ الْعُظْمَى وَالتَّصَدِّي إِلَى الرِّيَاسَةِ الْكُبْرَى لِإِشَاعَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ أَعْلَامِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ وَازْدِيَادًا لِمَثُوبَاتِهِمْ انْتَهَى (عَضُّوا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السُّنَّةِ (بِالنَّوَاجِذِ) جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الضِّرْسُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ هُوَ مُرَادِفُ السِّنِّ وَقِيلَ هُوَ الناب قال الماوردي إذ تكاملت الأسنان فهي اثنتان وَثَلَاثُونَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَنَايَا وَهِيَ أَوَائِلُ مَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ مُقَدَّمِ الْفَمِ ثُمَّ أَرْبَعٌ رُبَاعِيَّاتٌ ثُمَّ أَرْبَعُ أَنْيَابٍ ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ ثُمَّ اثْنَا عَشَرَ أَضْرَاسٍ وَهِيَ الطَّوَاحِنُ ثُمَّ أَرْبَعُ نَوَاجِذَ وَهِيَ أَوَاخِرُ الْأَسْنَانِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَضْرَاسَ عِشْرُونَ شَامِلَةً لِلضَّوَاحِكِ وَالطَّوَاحِنِ وَالنَّوَاجِذِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلَازَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا أَخْذًا شَدِيدًا يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ أَوِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لَا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ.

     وَقَالَ  وَالْخُلَفَاءُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَخَصَّ اثْنَيْنِ وقال فإن لم تجدني فأتى أَبَا بَكْرٍ فَخَصَّهُ فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ وَخَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ أَوْلَى وَالْمُحْدَثُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُحْدَثٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ إِلَّا الشُّهْرَةُ وَالْعَمَلُ بِالْإِرَادَةِ فَهَذَا بَاطِلٌ وَمَا كَانَ عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ أَوْ مَرْدُودًا إِلَيْهَا فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَلَا ضَلَالَةٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ .

     قَوْلُهُ  (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ) وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَاحِ الْمِسْمَعِيُّ

رقم الحديث 2677 [2677] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ ( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ) الْفَزَارِيُّ الْمَصِّيصِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسْمَاءَ الفزري أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثُمَّ دِمَشْقَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ أَسْمَاءَ الشُّيُوخِ مِنَ الثَّامِنَةِ ( عَنْ جَدِّهِ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ ( قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ) الْمُزَنِيِّ مَدَنِيٌّ صَحَابِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً ( اعْلَمْ) أَيْ تَنَبَّهْ وَتَهَيَّأْ لِحِفْظِ مَا أَقُولُ لَكَ ( قَالَ أعلم) أي أنا متهيىء لِسَمَاعِ مَا تَقُولُ وَحِفْظِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَعْلَمُ بِزِيَادَةِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمُ ( مَنْ أَحْيَا سُنَّةً) أَيْ أَظْهَرَهَا وَأَشَاعَهَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ ( من سنني) قَالَ الْأَشْرَفُ ظَاهِرُ النَّظْمِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ مِنْ سُنَنِي لَكِنَّ الرِّوَايَةَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ انْتَهَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسَ ( قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي) قال بن الْمَلَكِ أَيْ تُرِكَتْ تِلْكَ السُّنَّةُ عَنِ الْعَمَلِ بِهَا يَعْنِي مَنْ أَحْيَاهَا مِنْ بَعْدِي بِالْعَمَلِ بِهَا أَوْ حَثَّ الْغَيْرَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا ( مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ) مُتَعَدٍّ وَيَحْتَمِلُ اللُّزُومَ ( من أجورهم) من التبعيض أَيْ مِنْ أُجُورِ مَنْ عَمِلَ بِهَا فَأَفْرَدَ أَوَّلًا رِعَايَةً لِلَفْظِهِ وَجَمَعَ ثَانِيًا لِمَعْنَاهُ ( شَيْئًا) مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ حَصَلَ له باعتبار الدلالة والإحياء والحق وَلِلْعَامِلَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّ حُصُولَ أَحَدِهِمَا يُنْقِصُ الْآخَرَ ( وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَيَّدَ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ وَزَادَ فِي أَشِعَّةِ اللُّمَعَاتِ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَتَقْوِيَتَهُ وَتَرْوِيجَهُ انْتَهَى وَأَقُولُ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌمِنْ هَذَيْنِ الْقَائِلَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَرْضَيَانِ بِدْعَةً أَيَّ بِدْعَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْرَاجَ الْحَسَنَةِ مِنْهَا لَمَا قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ كَمَا وَرَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بَلْ هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْأَصْلِ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْبِدَعِ وَأَنَّهَا مِمَّا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ما كتبناها عليهم.
وَأَمَّا ظَنُّ مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَتَقْوِيَتِهِ فِيهَا فَمِنْ وَادِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ( إِنَّ بعض الظن إثم) وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكم الاسلام دينا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْوِيجِ الْبِدْعَاتِ يالله الْعَجَبَ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْقَالَةِ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ فِي إِشَاعَةِ الْبِدَعِ إِمَاتَةَ السُّنَنِ وَفِي إِمَاتَتِهَا إِحْيَاءَ الدِّينِ وَعُلُومِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دِينَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ كَامِلٌ تَامٌّ غَيْرُ نَاقِصٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ فِي كَمَالِهِ وَإِتْمَامُهُ وَنُصُوصُهُ مَعَ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ كَافِيَةٌ وَافِيَةٌ شَافِيَةٌ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ وَالْقَضَايَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى مَا فِي الدِّينِ الْخَالِصِ مُخْتَصَرًا قُلْتُ .

     قَوْلُهُ  بِدْعَةٌ ضَلَالَةٌ يُرْوَى بِالْإِضَافَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ مَوْصُوفًا وَصِفَةً وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ بَلْ هِيَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْبِدْعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) هَذَا أَيْضًا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ بِقَوْلِهِ بِدْعَةٌ .

     قَوْلُهُ  ( هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ لِحَدِيثِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَتْرُوكٌ وَاهٍ وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ( عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ

رقم الحديث 2678 [2678] .

     قَوْلُهُ  (قَالَ لِي) أَيْ وَحْدِي أَوْ مُخَاطِبًا لِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي (يَا بُنَيَّ) بضم الباء تصغير بن وَهُوَ تَصْغِيرُ لُطْفٍ وَمَرْحَمَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ هَذَا لِمَنْ لَيْسَ ابْنَهُ وَمَعْنَاهُ اللُّطْفُ وَأَنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَةِ (إِنْ قَدَرْتَ) أَيِ اسْتَطَعْتَ وَالْمُرَادُ اجْتَهِدْ قَدْرَ مَا تَقْدِرُ (أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ) أَيْ تَدْخُلَ فِيوَقْتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (لَيْسَ فِي قَلْبِكَ) الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ أَيْ وَلَيْسَ كَائِنًا فِي قَلْبِكَ (غِشٌّ) بِالْكَسْرِ ضِدُّ النُّصْحِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ (لِأَحَدٍ) وَهُوَ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَإِنَّ نَصِيحَةَ الْكَافِرِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إِيمَانِهِ وَيَسْعَى فِي خَلَاصِهِ مِنْ وَرْطَةِ الْهَلَاكِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالتَّآلُفِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ من المال كذا ذكره الطِّيبِيُّ (فَافْعَلْ) جَزَاءً كِنَايَةٌ عَمَّا سَبَقَ فِي الشَّرْطِ أَيِ افْعَلْ نَصِيحَتَكَ (وَذَلِكَ) أَيْ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْغِشِّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَفِيعُ الْمَرْتَبَةِ أَيْ بَعِيدُ التَّنَاوُلِ (مِنْ سُنَّتِي) أَيْ طَرِيقَتِي (وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي) أَيْ أَظْهَرَهَا وَأَشَاعَهَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ (فَقَدْ أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ مِنَ الْإِحْيَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ مَنْ أَحَبَّ سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْإِحْبَابِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مَعِيَّةٌ مُقَارِبَةٌ لَا مَعِيَّةٌ مُتَّحِدَةٌ فِي الدَّرَجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الذين أنعم الله عليهم الْآيَةَ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ بِهَا .

     قَوْلُهُ  (وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ صَدُوقٌ) وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ (وَكَانَ رَفَّاعًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ كَانَ يَرْفَعُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْقُوفَةَ كَثِيرًا (وَقَدْ رَوَى عَبَّادُ) بْنُ مَيْسَرَةَ (الْمِنْقِرِيُّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ الْبَصْرِيُّ الْمُعَلِّمُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَلَا غَيْرَهُ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (وَمَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمَاتَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ بَعْدَهُ بِسَنَتَيْنِ إِلَخْ مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا أَنَّ الْمُعَاصَرَةَ بَيْنَ أَنَسٍ وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ سَمَاعُهُ مِنْهُ17 - (بَاب فِي الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رقم الحديث 2679 [2679] .

     قَوْلُهُ  ( اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ) أَيْ مُدَّةَ تَرْكِي إِيَّاكُمْ مِنَ التَّكْلِيفِ ( فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ( بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ) كَسُؤَالِ الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ وَقَضِيَّةِ الْبَقَرَةِ ( وَاخْتِلَافِهِمْ) عُطِفَ عَلَى الْكَثْرَةِ لَا عَلَى السُّؤَالِ لِأَنَّ نَفْسَ الِاخْتِلَافِ مُوجِبٌ لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ الْكَثْرَةِ ( عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) يَعْنِي إِذَا أَمَرَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فاتوا منه اسْتَطَعْتُمْ هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَتَى بِالْبَاقِي وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ يُبِيحُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَوِ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذَا أُكْرِهَ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ 8 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي عالم المدينة)

رقم الحديث 2680 [268] قوله ( عن أبي هريرة رِوَايَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا ( يُوشِكُ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ أَيْ يَقْرُبُ ( أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ) هُوَ فِي مَحَلِّ الرفع اسم ليوشك ولا حاجة إلى الخير لِاشْتِمَالِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ( أَكْبَادَ الْإِبِلِ) أَيِ الْمُحَاذِيَ لِأَكْبَادِهَا يَعْنِي يَرْحَلُونَ وَيُسَافِرُونَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِسْرَاعِ الْإِبِلِ وَإِجْهَادِهَا فِي السَّيْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ ضَرْبُ أَكْبَادِ الْإِبِلِ كِنَايَةٌ عَنِ السَّيْرِ السَّرِيعِ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَيَضْرِبُ عَلَى أَكْبَادِهَا بِالرِّجْلِ وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْقَوْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا وَأَعَزُّهُمْ مَطْلَبًا لِأَنَّ الْجِدَّ فِي الطَّلَبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ وَعِزَّةِ الْمَطْلَبِ وَالْمَعْنَى قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يَسِيرُ النَّاسُ سَيْرًا شَدِيدًا فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ ( يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ ( فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا) أَيْ فِي الْعَالَمِ ( أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَتِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ فِي هَذَا مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) .

     قَوْلُهُ  مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا ( إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) يَعْنِي إِمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) كَذَا فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد العزيز بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَمَّا اسْتَعْمَلَ عَلِيًّا عَلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ قَدِّمِ الْوَضِيعَ قَبْلَ الشَّرِيفِ قَدِّمِ الضَّعِيفَ قَبْلَ الْقَوِيِّ وَعَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَنِ بن عيينة وغيره قال النسائي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  كَانَ مِنْ أَزْهَدْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَشَدِّهِمْ تَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وثمانين ومائة وقال بن سَعْدٍ كَانَ عَابِدًا نَاسِكًا عَالِمًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سمعت إسحاق يقول سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الابل الحديث هو العمري وقال بن أبي خثيمةاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا ( يُوشِكُ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ أَيْ يَقْرُبُ ( أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ) هُوَ فِي مَحَلِّ الرفع اسم ليوشك ولا حاجة إلى الخير لِاشْتِمَالِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ( أَكْبَادَ الْإِبِلِ) أَيِ الْمُحَاذِيَ لِأَكْبَادِهَا يَعْنِي يَرْحَلُونَ وَيُسَافِرُونَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِسْرَاعِ الْإِبِلِ وَإِجْهَادِهَا فِي السَّيْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ ضَرْبُ أَكْبَادِ الْإِبِلِ كِنَايَةٌ عَنِ السَّيْرِ السَّرِيعِ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَيَضْرِبُ عَلَى أَكْبَادِهَا بِالرِّجْلِ وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْقَوْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا وَأَعَزُّهُمْ مَطْلَبًا لِأَنَّ الْجِدَّ فِي الطَّلَبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ وَعِزَّةِ الْمَطْلَبِ وَالْمَعْنَى قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يَسِيرُ النَّاسُ سَيْرًا شَدِيدًا فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ ( يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ ( فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا) أَيْ فِي الْعَالَمِ ( أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَتِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ فِي هَذَا مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) .

     قَوْلُهُ  مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا ( إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) يَعْنِي إِمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) كَذَا فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد العزيز بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَمَّا اسْتَعْمَلَ عَلِيًّا عَلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ قَدِّمِ الْوَضِيعَ قَبْلَ الشَّرِيفِ قَدِّمِ الضَّعِيفَ قَبْلَ الْقَوِيِّ وَعَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَنِ بن عيينة وغيره قال النسائي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  كَانَ مِنْ أَزْهَدْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَشَدِّهِمْ تَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وثمانين ومائة وقال بن سَعْدٍ كَانَ عَابِدًا نَاسِكًا عَالِمًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سمعت إسحاق يقول سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الابل الحديث هو العمري وقال بن أبي خثيمة17 - ( بَاب فِي الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رقم الحديث 2681 [2681] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ ( أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ) الْأُمَوِيُّ مولاهم أبو سعد الدمشقي ضعيف اتهمه بن حِبَّانَ مِنَ السَّابِعَةِ .

     قَوْلُهُ  ( فَقِيهٌ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَقِيهٌ وَاحِدٌ ( أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَقْبَلُ إِغْوَاءَهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخَيْرِ عَلَى ضِدِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِالشَّرِّ ( مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كُلَّمَا فَتَحَ بَابًا مِنَ الْأَهْوَاءِ عَلَى النَّاسِ وَزَيَّنَ الشَّهَوَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ بَيَّنَ الْفَقِيهُ الْعَارِفُ بِمَكَائِدِهِ وَمَكَامِنِ غَوَائِلِهِ لِلْمُرِيدِ السَّالِكِ مَا يَسُدُّ ذَلِكَ الْبَابَ وَيَجْعَلُهُ خَائِبًا خَاسِرًا بِخِلَافِ الْعَابِدِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَلَا يَدْرِي .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ السَّاجِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ حَدِيثُ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ وَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ الْفِقْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ ضَعِيفٌ وَفِي الْمَقَاصِدِ لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ أَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ

رقم الحديث 2682 [2682] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) الْكِنْدِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ ( عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ الشَّامِيُّ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ شَامِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَعَنْهُ دَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ جَاءَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ بِتَسْمِيَةِ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ وَهُوَ وَهْمٌ .

     قَوْلُهُ  ( مِنَ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ ( وَهُوَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ ( بِدِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ ( مَا أَقْدَمَكَ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ جَاءَ بِكَ هُنَا ( حَدِيثٌ) أَيْ أَقْدَمَنِي حَدِيثٌ يَعْنِي جِئْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي بِهِ ( أَمَا جِئْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ ( مَنْ سَلَكَ) أَيْ دَخَلَ أَوْ مَشَى ( طَرِيقًا) أَيْ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا ( يَبْتَغِي فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَسْلَكِ أَوْ فِي سُلُوكِهِ ( عِلْمًا) قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الطَّرِيقَ وَالْعِلْمَ لِيَشْمَلَا فِي جِنْسِهِمَا أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالضَّرْبِ فِي الْبُلْدَانِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيَّ عِلْمٍ كَانَ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ قليلا أو كثيرا رفعيا أَوْ غَيْرَ رَفِيعٍ ( سَلَكَ اللَّهُ بِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَنْ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا وَوَفَّقَهُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى الْعِلْمِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَسَلَكَ بِمَعْنَى سَهَّلَ وَالْعَائِدُ إِلَى مَنْ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْنَى سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِسَبَبِ الْعِلْمِ ( طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) فَعَلَى الْأَوَّلِ سَلَكَ مِنَ السُّلُوكِ وَعَلَى الثَّانِي من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى ويسلكه عذابا صعدا قيل عذابا مفعول ثان وعلى التقدير نِسْبَةُ سَلَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ كَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ ( لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا) جَمْعُ جَنَاحٍ ( رِضًى) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ عَلَى مَعْنَى إِرَادَةِ رِضًا لِيَكُونَ فِعْلًا لِفَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ ( لِطَالِبِ الْعِلْمِ) اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِرِضًا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ لِأَجْلِ الرِّضَا الْوَاصِلِ مِنْهَا إِلَيْهِ أَوْ لِأَجْلِ إِرْضَائِهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِمَا يَصْنَعُ مِنْ حِيَازَةِ الْوِرَاثَةِ الْعُظْمَى وَسُلُوكِ السَّنَنِ الْأَسْنَى قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَوَاضَعُ لِطَالِبِهِ تَوْقِيرًا لِعِلْمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَىواخفض لهما جناح الذل من الرحمة أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا أَوِ الْمُرَادُ الْكَفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ وَالنُّزُولُ لِلذِّكْرِ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ مَعْنَاهُ الْمَعُونَةُ وتيسير المؤونة بِالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ أَوِ الْمُرَادُ تَلْيِينُ الْجَانِبِ وَالِانْقِيَادُ وَالْفَيْءُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالِانْعِطَافِ أَوِ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تُشَاهَدْ وَهِيَ فَرْشُ الْجَنَاحِ وَبَسْطُهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَحْمِلَهُ عَلَيْهَا وَتَبْلُغَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْبِلَادِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَنَقَلَ بن الْقَيِّمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرَةِ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزىء بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَطْرُقَنَّ غَدًا نَعْلِي وَأَطَأُ بِهَا أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ فَفَعَلَ وَمَشَى فِي النَّعْلَيْنِ فَحُفَّتْ رِجْلَاهُ وَوَقَعَتْ فِيهِمَا الْأَكَلَةُ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ سمعت بن يَحْيَى السَّاجِيَّ يَقُولُ كُنَّا نَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْبَصْرَةِ إِلَى بَابِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَاجِنٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ فَقَالَ ارْفَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَا تكسروها كالمستهزىء بِالْحَدِيثِ فَمَا زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى حُفَّتْ رِجْلَاهُ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ انْتَهَى وَالْحَفَاءُ رِقَّةُ الْقَدَمِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ قَالَ مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا فَيَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا من حبهم لما يطلب نقله الشيخ بن الْقَيِّمِ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ حَالِ الْمُسْتَغْفَرِ له انتهى قال القارىء وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى ( حَتَّى الْحِيتَانُ) جَمْعُ الْحُوتِ خُصَّ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ مَنْ فِي الْبَحْرِ كَذَا قِيلَ ( وَفَضْلُ الْعَالِمِ) أَيِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَدَائِهِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ( عَلَى الْعَابِدِ) أَيِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَصْرِفُ أَوْقَاتَهُ بِالنَّوَافِلِ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَةُ ( كَفَضْلِ الْقَمَرِ) أَيْ لَيْلَةَ الْبَدْرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ ( عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) قَالَ الْقَاضِي شَبَّهَ الْعَالِمَ بِالْقَمَرِ وَالْعَابِدَ بِالْكَوَاكِبِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعِبَادَةِ وَنُورَهَا لَا يَتَعَدَّى مِنَ الْعَابِدِ وَنُورُ الْعَالِمِ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ ( إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَرَثَةُ الرُّسُلِ ليشمل الكل قاله بن الْمَلِكِ ( لَمْ يُوَرِّثُوا) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّوْرِيثِ ( دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) أَيْ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَخُصَّا لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ أَنْوَاعِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الدُّنْيَا وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِمْ فَلَمْ يُوَرِّثُوا شَيْئًا مِنْهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْهَا يُورَثُ عَنْهُمْ ( فَمَنْ أَخَذَ بِهِ) أَيْبِالْعِلْمِ ( فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) أَيْ أَخَذَ حَظًّا وَافِرًا يَعْنِي نَصِيبًا تَامًّا أَيْ لَا حَظَّ أَوْفَرَ مِنْهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ الْمُرَادُ أَخَذَهُ مُتَلَبِّسًا بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنْ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ فَمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ فَلْيَأْخُذْ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَلَا يَقْتَنِعْ بِقَلِيلٍ ( هَكَذَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ) يَعْنِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا ( وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ) يَعْنِي بزيادة داود بن جميل بن عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ وَكَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ وَكَذَلِكَ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ وَدَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ هَذَا ضَعِيفٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ الْوَلِيدُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَعَنْهُ عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بن حيوة ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ اخْتِلَافٌ.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ.

     وَقَالَ  مَرَّةً هُوَ وَمَنْ فَوْقَهُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ ضُعَفَاءُ ( وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَاصِمٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْقَاطِ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ثُمَّ ذَكَرَهُ مُفَصَّلًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ

رقم الحديث 2683 [2683] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَّامُ بْنُ سليم ( عن بن أَشْوَعَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّادِسَةِ ( عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ يَزِيدَ ( الْجُعْفِيِّ) صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ نَزَلَ الْكُوفَةَ .

     قَوْلُهُ  ( أَخَافُ أَنْ يُنْسِيَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مِنَ الْإِنْسَاءِ ( أَوَّلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ ( آخِرُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ ( تَكُونُ جِمَاعًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْجِمَاعُ مَا جَمَعَ عَدَدًا أَيْ كَلِمَةٌتَجْمَعُ كَلِمَاتٍ ( اتَّقِ اللَّهَ) أَيْ خَفْهُ وَاخْشَ عِقَابَهُ ( فِيمَا تَعْلَمُ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَعْلَمُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْتَنِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كُلَّهُ وَتَفْعَلَ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا تَسْتَطِيعَهُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير ( وبن أَشْوَعَ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ) أَشْوَعُ هُوَ جَدُّ سَعِيدٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَمْرٌو كَمَا عَرَفْتَ

رقم الحديث 2684 [2684] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ( حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ الْعَامِرِيُّ) أَبُو سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ التَّاسِعَةِ ( عن عوف) هو بن أبي جميلة ( عن بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدٌ .

     قَوْلُهُ  ( خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِ وَاحِدَةٌ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ لَا يَكُونَا فِيهِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فِيهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِاجْتِمَاعِ تَحْرِيضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى جَمْعِهِمَا وَزَجْرًا لَهُمْ عَنِ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِهِمَا وَالْمُنَافِقُ إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ أَوْ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الْمُرَائِي وَهُوَ النِّفَاقُ الملي ( حُسْنُ سَمْتٍ) أَيْ خُلُقٌ وَسِيرَةٌ وَطَرِيقَةٌ قَالَ الطيبي هو التزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ وَقَالَ مَيْرَكُ السَّمْتُ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ أَعْنِي الْمَقْصِدَ وَقِيلَ الْمُرَادُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ والأحسن ما قاله بن حجر أنه تحرى طرق الخير والتزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنِ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ( وَلَا فِقْهٌ فِي الدِّينِ) عُطِفَ بِلَا لِأَنَّ حُسْنَ سَمْتٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْمُسَاقِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى اللِّسَانِ فَأَفَادَ الْعَمَلَ وَأَوْرَثَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى.
وَأَمَّا الَّذِي يَتَدَارَسُ أَبْوَابًا مِنْهُ لِيَتَعَزَّزَ بِهِ وَيَتَأَكَّلَ بِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى لِأَنَّ الْفِقْهَ تَعَلَّقَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا قَدْ يَحْصُلُ دُونَ الْأُخْرَى بَلْ هُوَ تَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَالِاجْتِنَابِ عَنْ أَضْدَادِهِمَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ مَنْ يَكُونُ عَارِيًا مِنْهُمَا وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ ونحوه قوله تعالى فويل للمشركين الذي لا يؤتون الزَّكَاةَ إِذْ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَدَائِهَا وَتَخْوِيفٌ مِنَ الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشْرِكِينَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ ( وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ) أَيْ كَيْفَ حَالُ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَأَطَالَ تَرْجَمَتَهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَقِيهُ أَهْلِ بَلْخٍ وَزَاهِدُهُمْ تَفَقَّهَ بِأَبِي يُوسُفَ وبن أَبِي لَيْلَى وَأَخَذَ الزُّهْدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً قَالَ وَكَانَ قُدُومُهُ إِلَى نَيْسَابُورَ سَنَةَ 23 وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ 215.

     وَقَالَ  الْعَقِيلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَ عَنْ عَوْفٍ وَقَيْسٍ بِمَنَاكِيرَ وَكَانَ مُرْجِئًا.

     وَقَالَ  مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ضَعِيفٌ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلِيُّ صَدُوقٌ مَشْهُورٌ كَانَ يُوصَفُ بِالسَّتْرِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ وَكَانَ فقيها على رأي الكوفيين وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  كَانَ مُرْجِئًا غَالِيًا أَسْتَحِبُّ مُجَانَبَةَ حَدِيثِهِ لِتَعَصُّبِهِ انْتَهَى