فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء

رقم الحديث 571 [571] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ ( عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ ( عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ ( عَنْ رِبْعِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ( بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ .

     قَوْلُهُ  ( إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْزُقْ عَنْ يَمِينِكَ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا ( وَلَكِنْ خَلْفَكَ) أَيِ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَكَ أَحَدٌ يُصَلِّي ( أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ) أيجَانِبَ شِمَالِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا يَبْزُقْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ ثَوْبِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إِنْ كَانَ فَارِغًا وَإِلَّا فَهَكَذَا وَبَزَقَ تَحْتَ رِجْلِهِ وَدَلَكَ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا شَيْءٌ مَبْسُوطٌ أَوْ نَحْوُهُ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ انْتَهَى ( أَوْ تَحْتَ قَدَمِكَ الْيُسْرَى) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هريرة عند الْبُخَارِيِّ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرِّيَاضِ الْمُرَادُ بِدَفْنِهَا مَا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُرَابِيًّا أَوْ رَمْلِيًّا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُبَلَّطًا مَثَلًا فَدَلَكَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَثَلًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي التَّقْذِيرِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ألْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَتَّهَا.

     وَقَالَ  إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قدمه اليسرى وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ طَارِقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وبن ماجه.

     قَوْلُهُ  ( الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ.
اعْلَمْ أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى الْبُزَاقِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ يَبْزُقُ فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ بِدَفْنِ الْبُزَاقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُزَاقَ خَطِيئَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ هُ الْعُلَمَاءُ وَلِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِيهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبُزَاقَ لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفِنْهُ.
وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنَهُ فَلَيْسَ بِخَطِيئَةٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ فَ.

     قَوْلُهُ  هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِنَفْسِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ الحافظ في الفتح حاصل النزاع أن ها هنا عُمُومَيْنِ تَعَارَضَا وَهُمَا .

     قَوْلُهُ  الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَقَولُهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَالنَّوَوِيُّ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ عَامًّا وَيَخُصُّ الثَّانِيَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَاضِي بِخِلَافِهِ يَجْعَلُ الثَّانِيَ عَامًّا وَيَخُصُّ الْأَوَّلَ بِمَنْ لَمْ يُرِدْ دَفْنَهَا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ منهم بن مَكِّيٍّ فِي التَّنْقِيبِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُمَا وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَدْفِنْهُ فَسَيِّئَةٌ وَإِنْ دَفَنَهُ فَحَسَنَةٌ فَلَمْ يَجْعَلْهُ سَيِّئَةً إِلَّا بِقَيْدِ عَدَمِ الدَّفْنِ وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عند مسلم مرفوعا قال وجدت في مساوىء أَعْمَالِ أُمَّتِي النُّخَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بمجرد إيقاعها في المسجد بل به ويتركها غَيْرَ مَدْفُونَةٍ انْتَهَى قَالَ وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَحَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ انْتَهَى

رقم الحديث 572 [572] .

     قَوْلُهُ  ( وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إِنِ ارْتَكَبَ هَذِهِ الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنى وَالْخَمْرَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مُحَرَّمَاتٌ وَخَطَايَا وَإِذَا ارْتَكَبَهَا فَعَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِدَفْنِهَا فَالْجُمْهُورُ قَالُوا الْمُرَادُ دَفْنُهَا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ وَحَصَاتِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ حَصَاةٌ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَيُخْرِجُهَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ كَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يُورِدَ بَابَ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَبَابَ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَبْوَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْدَهَا.
وَأَمَّا إِيرَادُهُمَا فِي أَثْنَائِهَا فَلَيْسَ مما ينبغي12 - ( باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت) الخ

رقم الحديث 573 [573] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِنُونٍ وَبِمَدٍّ وَيُقْصَرُ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ ( سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) هُمَا مِنَ الْمُفَصَّلِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

رقم الحديث 574 [574] .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْحَدِيثِ) أَيْ فِي إِسْنَادِهِ ( أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ) مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ .

     قَوْلُهُ  ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ السُّجُودَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمُتَقَدِّمُ12 - ( باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت) الخ

رقم الحديث 575 [575] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ) بالموحدة والزايين المنقوطتين الحال أَبُو مُوسَى ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنُّورِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ ( عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَعْنِي النَّجْمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ) هَذِهِ اللَّامَّاتُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِلْعَهْدِ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ وَهَذَا كَانَ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنْ ميركَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ سَبَبُ سُجُودِهِمْ فِيمَا قَالَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ قَالَ الْقَاضِي.
وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْإِخْبَارِيُّونَ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَدْحَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ وَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْ يَقُولَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ سَجَدَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ فَأَرَادُوا مُعَارَضَةَ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّجُودِ لِمَعْبُودِهِمْ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلَا قَصْدٍ أَوْ خَافُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِنْ مُخَالَفَتِهِمُ انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَالِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ مِنْهَا لِعِيَاضٍ والثاني يخالفه سياق بن مَسْعُودٍ حَيْثُ زَادَ فِيهِ إِنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهُمْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الْقَصْدِ وَالثَّالِثُ أَبْعَدُ إِذِ الْمُسْلِمُونَ حِينَئِذٍ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْعَكْسُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا صِحَّةَ لَهُ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ عَرَفَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى انتهىقُلْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بعيد قال الامام البخاري في صحيحه قال بن عَبَّاسٍ فِي أُمْنِيَّتِهِ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ويحكم آياته ويقال أمنيته قراءته الأماني يقرأون وَلَا يَكْتُبُونَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى تأويل بن عَبَّاسٍ هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَالنَّجْمِ فَلَمَّا بَلَغَ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ طُرُقًا عَدِيدَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّهَا سِوَى طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِمَّا ضَعِيفٌ وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ لَكِنَّ كَثْرَةَ الطُّرُقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ لَهَا طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ رِجَالُهُمَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ بن شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ثُمَّ رَدَّ الْحَافِظُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَا أَصْلَ لَهَا وَإنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسَانِيدَ مِنْهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِمَّا يُسْتَنْكَرُ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا مَا لَيْسَ مِنْهُ وَكَذَا سَهْوًا إِذَا كَانَ مُغَايِرًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَاتٍ لِلْعُلَمَاءِ وَرَدَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا فَأَقَرَّهُ وَجَعَلَهُ أَحْسَنَ الْوُجُوهِ فَقَالَ وَقَدْ سَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ فَقِيلَ جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ حِينَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ قَالَ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَا وِلَايَةَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَقِيلَ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْجَأَهُ إِلَى أَنْ قَالَ ذَلِكَ بغير اختياره ورده بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الشَّيْطَانِ ( وَمَا كان لي عليكم من سلطان) الْآيَةَ قَالَ فَلَوْ كَانَ لِلشَّيْطَانِ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ لَمَا بَقِيَ لِأَحَدٍ قُوَّةٌ فِي طَاعَةٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ تَأْوِيلَاتٍ أُخَرَ وَرَدَّ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ فَارْتَصَدَهُ الشَّيْطَانُ فِي سَكْتَةٍ مِنَ السَّكَتَاتِ وَنَطَقَ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ مُحَاكِيًا نَغْمَتَهُ بِحَيْثُ سَمِعَهُ مَنْ دَنَا إِلَيْهِ فَظَنَّهَا مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَاعَهَا قَالَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قُلْتُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَصْلًا فَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَانُونًا كُلِّيًّا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَحَدِيثِ الطَّيْرِ وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَحَدِيثِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ بَلْ قَدْ لَا يَزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إِلَّا ضَعْفًا انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ وَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ الْغَرَانِيقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ طُيُورُ الْمَاءِ شُبِّهَتِ الْأَصْنَامُ الْمُعْتَقِدُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ بِالطُّيُورِ تَعْلُو فِي السَّمَاءِ وَتَرْتَفِعُ.

     وَقَالَ  الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ فَسَّرَ الْكَلْبِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى بِالْمَلَائِكَةِ لَا بِآلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ لِتَوَهُّمِ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ مَدْحَ آلِهَتِهِمُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ .

     قَوْلُهُ  فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَرْوِيَّةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشيطان في أمنيته نزل في هذه القصة قوله تَعَالَى هَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُلْقِيَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الشَّيْطَانُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَأَخْبَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي رُسُلِهِ إِذَا قَالُوا قَوْلًا زَادَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ زَادَهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ كَانَتْ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَتْ فَتَأَمَّلْ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ التَّحْقِيقُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا قَالَ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَخَطَأٌ فَاحِشٌ وَوَهْمٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْعَيْنِيُّ وَلَا الْحَافِظُ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَضْلًا عَنْ رِوَايَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ 4 - ( بَاب مَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فِيهِ) أي في النجم

رقم الحديث 576 [576] قوله ( عن بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ ( عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ .

     قَوْلُهُ  ( قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُفَصَّلَ لَيْسَ فِيهِ سَجْدَةٌ كَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ أَنَّ النَّجْمَ بِخُصُوصِهَا لَا سُجُودَ فِيهَا كَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَرْكُ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِي التَّرْكِ إِذْ ذَاكَ إِمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْتِ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ لِكَوْنِ القارىء كَانَ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ تَرَكَ حِينَئِذٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ إِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حِينَ قَرَأَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي أَنَّ القارىء إِمَامٌ لِلسَّامِعِ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ زَيْدٌ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعًا لزيد ويدل على كون القارىء إماما للسامع قول بن مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا غُلَامٌ فَمَرَرْتُ بِسَجْدَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْتَ إِمَامُنَا فيها وقد روي مرفوعا أخرجه بن أبي شيبة من رواية بن عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ غُلَامًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةَ فَانْتَظَرَ الْغُلَامُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ سُجُودٌ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا فِيهَا وَلَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ بَلَغَنِي فَذَكَرَ نحوه أخرجه البيهقي من رواية بن وَهْبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَحَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ مَعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ( وَقَالُوا السَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُرَخِّصُوا فِي تَرْكِهَا وَقَالُوا إِنْ سَمِعَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ سَجَدَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة قال العيني في عمدة القارىء اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا ثُمَّ قَالَ كَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا رَوَى بن أبي شيبة في مصنفه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ قَالَ وَاسْتُدِلَّ أيضا بالايات فما هم لَا يُؤمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهُمُ الْقُرْآنُ لَا يسجدون فاسجدوا لله واعبدوا واسجد واقتربوَقَالُوا الذَّمُّ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَتَيْنِ لِلْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَرَأَ بن آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا ويله أمر بن آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَقَوْلُ عُثْمَانَ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَهُوَ .

     قَوْلُهُ مَا وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَقَولُهُمَا هَذَا مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ فَمَعْنَاهُ لا يسجدون إباءا وَإِنْكَارًا كَمَا قَالَ الشَّيْطَانُ أُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فالذم متعلق بترك السجود إباءا وإنكارا قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهُ ذَمَّهُمْ لِتَرْكِ السُّجُودِ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ فَضْلَهُ وَلَا مَشْرُوعِيَّتَهُ انْتَهَى وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا وَقَوْلِهِ وَاسْجُدْ واقترب فَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْوُجُوبِ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ وَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ اسْجُدُوا عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَلَى النَّدْبِ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ مِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الَّتِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ هَلْ هِيَ فِيهَا سُجُودٌ أَوْ لَا وَهِيَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ وَخَاتِمَةُ النَّجْمِ وَاقْرَأْ فَلَوْ كَانَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبًا لَكَانَ مَا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْلَى أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ انْتَهَى ( وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا وَالْتَمَسَ فَضْلَهَا وَرَخَّصُوا فِي تَرْكِهَا قَالُوا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَاوُدَ قَالُوا إِنَّهَا سنة وهو قول عمر وسلمان وبن عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ كذا في عمدة القارىء ( وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال قرأتعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَالُوا لَوْ كَانَتِ السَّجْدَةُ وَاجِبَةً لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا حَتَّى كَانَ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجَابَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّجْمِ سَجْدَةٌ وَلَا فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ فِي تَرْكِ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ احْتِمَالَاتٍ وَأَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّهُ ترك حينئذ لبيان الجواز ( واحتجوا بحديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ إِنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ وزاد نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنَّ نَفْيَ الْفَرْضِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُوبِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ حَادِثٌ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُخَيَّرٌ فِي السُّجُودِ فَيَكُونُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ قِرَاءَتَهَا فَيَجِبُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّ انْتِقَاءَ الْإِثْمِ عَمَّنْ تَرَكَ الْفِعْلَ مُخْتَارًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاحْتَجُّوا أَيِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوبَ قَالُوا قَالَ عُمَرُ هَذَا الْقَوْلَ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَأَجَابَ هُوَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَوْقُوفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمُ انْتَهَى قُلْتُ الْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أنه لم يُجِبْ عَنِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وهو حجةعِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ هُوَ فِي رَدِّ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَفْظُهُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ خَبَرُ آحَادٍ وَرَدَ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيُرَدُّ بيانه أن بن عباس وبن الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا فِي زَنْجِيٍّ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ وَكَانَ الْمَاءُ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهما وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ يُرَدُّ انْتَهَى كَلَامُهُ فَلِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ لَا نَحْتَجُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ لَيْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَوَابٌ شَافٍ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ وَقَدْ أَنْصَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ إلخ ليس هذا مرفوعا بل أثر عمرو هذا تَمَسُّكُ الْحِجَازِيِّينَ وَأَمَّا الْجَوَابُ مِنْ جَانِبِ الْأَحْنَافِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيُمْكِنُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلُ إِنَّهُ إِجْمَاعُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ فَمَا أَجَابَ أَحَدٌ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى ثُمَّ قَالَ هَذَا الْبَعْضُ رَادًّا عَلَى الْعَيْنِيِّ مَا لَفْظُهُ.

     وَقَالَ  الْعَيْنِيُّ بِحَذْفِ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَّصِلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ مَكْتُوبِيَّتَهَا وَقَالَ أَيْضًا إِنَّ الْمَشِيئَةَ تَتَعَلَّقُ بِالتِّلَاوَةِ لَا بِالسَّجْدَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّجْدَةِ أَقُولُ تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ فِيهِ أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوُجُوبُ وَالْمُسْتَثْنَى هُوَ التَّطَوُّعُ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا مُتَّصِلًا وَلَيْسَ حَدُّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بَلْ تَفْصِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي قَطْرِ النَّدَى وَشَرْحِ الشَّيْخِ السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْأُلُوسِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ وَأَيْضًا يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ لَفْظُ الْبَابِ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا إلخ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ التِّلَاوَةُ فِي وَاقِعَةِ الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ إِنَّهُ تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَجِبُ فِي الْفَوْرِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَلَا نُكْتَةَ لِتَرْكِ السَّجْدَةِ الْآنَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ وَاقِعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى كَلَامُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمُسَمَّى بِالْعَرْفِ الشَّذِيِّ قُلْتُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ السَّمَاعِ فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ 5 - ( بَاب ما جاء في سجدة) فِي ص

رقم الحديث 577 [577] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ.

     قَوْلُهُ  ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ على ثبوت السجدة في ص ( قال بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ) الْمُرَادُ بِالْعَزَائِمِ مَا وَرَدَتِ الْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ كَصِيغَةِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُوبِ وقد روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم واقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن بن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أن يسجد فيها وهو قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ عَدَّ التِّرْمِذِيُّ الشَّافِعِيَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي صَلَاتِهِ وَقَولُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ السَّجْدَةُ فِيهَا لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ بَلْ سَجْدَةَ شُكْرٍ وَسُجُودُ الشَّاكِرِ لَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ صَلَاتَهُ فِيهَا سَجْدَةٌ تُفْعَلُ وَهُوَ أيضا مذهب سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ غَيْرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مِنَ الْعَزَائِمِ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ مِنَ الْعَزَائِمِ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَهُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ من العزائم وبه قال بن شُرَيْحٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ( وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَمْ يُرْوَ السُّجُودُ فِيهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ دَاوُدُ عن بن مَسْعُودٍ لَا سُجُودَ فِيهَا.

     وَقَالَ  هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ وَعَلْقَمَةَ قَالَ واحتج الشافعي ومن معه بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِوَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ فِي سُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي الْكُبْرَى فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَالْعَمَلُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أولى من العمل بقول بن عَبَّاسٍ وَكَوْنُهَا تَوْبَةً لَا يُنَافِي كَوْنَهَا عَزِيمَةً وَسَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْغُفْرَانِ وَالْوَعْدِ بِالزُّلْفَى وَحُسْنِ مَآبٍ وَلِهَذَا لَا يُسْجَدُ عِنْدَنَا عَقِيبَ قَوْلِهِ ( وَأَنَابَ) بَلْ عَقِيبَ قَوْلِهِ ( وَحُسْنَ مَآبٍ) وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَقِّنَا فَكَانَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَا كَانَ سَبَبُ وُجُوبِهَا إِلَّا التِّلَاوَةَ وَسَبَبُ وُجُوبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ تِلَاوَةُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِطْمَاعُنَا فِي نَيْلِ مِثْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْعَمَلِ بقول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْأَوْلَى بَلِ الْمُتَعَيَّنُ أَنْ يُسْجَدَ فِي ص اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَيُرَى أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السجود كما قال بن عباس رضي الله عنهما وقول بن عَبَّاسٍ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ص وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 6 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي السَّجْدَةِ فِي الحج)

رقم الحديث 578 [578] قوله ( أخبرنا بن لَهِيعَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ ( عَنْ مِشْرَحٍ) كَمِنْبَرٍ ( بْنِ هَاعَانَ) بِالْهَاءِ وَالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ثُمَّ أَلِفٌ وَنُونٌ كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ.

     وَقَالَ  في القاموس ومشرح كمنبر بن عاهانَ التَّابِعِيُّ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ لِوَالِدِ مِشْرَحٍ عَاهَانُ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْهَاءِ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيُّ في الميزان مشرح بن هاعان الْمِصْرِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ صَدُوقٌ لَيَّنَهُ بن حبان وقال عثمان بن سعيد عن بن معين ثقة قال بن حِبَّانَ يُكْنَى أَبَا مُصْعَبٍ يَرْوِي عَنْ عُقْبَةَ مَنَاكِيرَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا فَالصَّوَابُ تَرْكُ مَا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ( بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أُولَاهُمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا أَيِ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا يَقْرَأْهُمَا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَي آيَتَيِ السَّجْدَةِ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ السَّجْدَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ وُجُوبَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ السَّجْدَةَ شُرِعَتْ فِي حَقِّ التَّالِي بِتِلَاوَتِهِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا مِنْ حَقِّ التِّلَاوَةِ فَإِذَا كَانَ بِصَدَدِ التَّضْيِيعِ فَالْأَوْلَى بِهِ تَرْكُهَا لِأَنَّهَا إِمَّا وَاجِبَةٌ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَوْ سُنَّةٌ فَيَتَضَرَّرُ بِالتَّهَاوُنِ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الطِّيبِيُّ قال بن الْهُمَامِ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْأَمْرِ بِالرُّكُوعِ وَالْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَوْنُهُ مِنْ أَوَامِرِ مَا هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ نَحْوُ ( اسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ هَذَا ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَبِرِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ وَبِآثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا سَتَعْرِفُ فهو مقدم على الاستقراء الذي ذكره بن الهمام فالقول الراجح المعول عليه أن سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ ميركُ يُرِيدُ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ لَهِيعَةَ وَمِشْرَحَ بْنَ هَاعَانَ وَفِيهِمَا كَلَامٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِمَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه وفيه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَأَكَّدَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ صَحَّتْ فيه من قول عمر وابنه وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّارٍ ثُمَّ سَاقَهَا مَوْقُوفَةً عَنْهُمْ وَأَكَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ مُرْسَلًا انْتَهَى قُلْتُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ.

     قَوْلُهُ  ( وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَرُوِيَ عن عمر بن الخطاب وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نافع مولى بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمَا سَجَدَا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وبن عباس وبن مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سجدتين ( وبه يقول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عمر رضي الله عنه وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ قَالَ ( وَرَأَى بَعْضُهُمْ فِيهَا سَجْدَةً) أَيْ وَاحِدَةً وَهِيَ السَّجْدَةُ الْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الموطأ وكان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى فِي الْحَجِّ إِلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً الْأُولَى انْتَهَى قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الاثار بعد رواية أثر بن عباس هذا فبقول بن عباس نأخذ انتهى قلت روى بن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْمُحَلَّى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ سَجْدَتَيْنِ ( وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ 7 -

رقم الحديث 579 [579] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ.

     وَقَالَ  فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ زَادَ فِي التَّهْذِيبِ صَالِحٌكتبنا عنه بمكة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ رُبَّمَا أَخْطَأَ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَدِيثِهِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ فِي خَبَرِهِ انْتَهَى ( أَخْبَرَنَا الحسن بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ.

     وَقَالَ  فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وَزَادَ فِيهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِيهِ جهالة ما روى عنه سوى بن خُنَيْسٍ ( أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ) الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  ( جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ ميركُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( فَسَجَدْتُ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاتِيَّةً وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَأَنَّ الْآيَةَ آيَةُ ص ( اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي) أَيْ أَثْبِتْ لِي بِهَا أَيْ بِسَبَبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ ( وَضَعْ) أَيْ حُطَّ ( وِزْرًا) أَيْ ذَنْبًا ( وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا) أَيْ كَنْزًا قِيلَ ذُخْرًا بِمَعْنَى أَجْرًا وَكُرِّرَ لِأَنَّ مَقَامَ الدُّعَاءِ يُنَاسِبُ الْإِطْنَابَ وَقِيلَ الْأَوَّلُ طَلَبُ كِتَابَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا طَلَبُ بَقَائِهِ سالما من محبط أو مبطل قال القارىء هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ ( كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ ص لِلتِّلَاوَةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَسُرَ عَلَيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ طَلَبَ قَبُولٍ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَبُولِ وَأَيْنَ ذَلِكَ اللِّسَانُ وَأَيْنَ تِلْكَ النِّيَّةُ قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ الْقَبُولِ وَقَدْ وَرَدَ فِي دُعَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَتَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَأَيْنَ الْمَقَامُ مِنَ الْمَقَامِ مَا أُرِيدَ بِهَذَا إِلَّا مُطْلَقُ الْقَبُولِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِذَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَيْءٍ اتُّبِعَ وَلَا إِشْكَالَ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ لِي جَدُّكَ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ.

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رِوَايَةَ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالتَّلْخِيصِ قوله ( هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ اللَّهُمَّ احْطُطْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذخرا ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه رواه الترمذي والحاكم وبن حبان وبن مَاجَهْ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ فَقَالَ فِيهِ جَهَالَةٌ انْتَهَى

رقم الحديث 580 [58] .

     قَوْلُهُ  ( يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ) حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ ( سَجَدَ وَجْهِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا ( لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَيْ فَتَحَهُمَا وَأَعْطَاهُمَا الْإِدْرَاكَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْإِمْدَادَ بعد الايجاد قال القارىء في المرقاة قال بن الْهُمَامِ وَيَقُولُ فِي السَّجْدَةِ مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ ( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَوْلِيَائِهِ.

     وَقَالَ  ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ ربنا لمفعولا) قال القارىء وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صُحِّحَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ ما شاء مما ورد لسجد وَجْهِي وَكَقَوْلِ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي إلخ قَالَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أثر من ذلك انتهى كلام القارىء قُلْتُ إِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يقول فيهما أَيْضًا مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ إلخ لَا مَانِعَ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ فِيهَا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه بن السَّكَنِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ ثَلَاثًا زَادَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَوَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ خَلَقَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ والنيل فائدة قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي يُشْتَرَطُ لِلسُّجُودِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ مِنَ الطَّهَارَتَيْنِ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَائِضِ تسمع السجدة تومىء بِرَأْسِهَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ سَمِعَ السَّجْدَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ السُّجُودُ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَذَاتِ الرُّكُوعِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدِلَّةُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَرَدَتْ لِلصَّلَاةِ وَالسَّجْدَةُ لَا تُسَمَّى صَلَاةً فَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَا مُلَخَّصُهُ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَا يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضأ وَهَكَذَا لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقِيلَ إِنَّهُ مُعْتَبَرٌ اتفاقا قال في الفتح لم يوافق بن عُمَرَ أَحَدٌ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وَضُوءٍ إلا الشعبي أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنُ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَضُوءٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَمْشِي يُومِئُ إيماءا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الِاحْتِيَاطُ لِلْعَمَلِ فِيمَا قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَعَلَيْهِ عَمَلُنَا هَذَا مَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ18 - ( باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من اللَّيْلِ فَقَضَاهُ بِالنَّهَارِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحِزْبُ مَا يَجْعَلُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قراءة أو صلاة كالورد انتهى