فهرس الكتاب

- خروج العواتق، وذوات الخدور في العيدين

رقم الحديث 2070 [2070] إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْإِيمَانِ وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ إِنْجَاءَهُ مِنَ النَّارِ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْمُخَلِّطِينَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَلَهُ مقعدان يراهما جَمِيعًا كَمَا أَنَّهُ يَرَى عَمَلَهُ شَخْصَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ قَبِيحًا وَحَسَنًا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ مَنْ يَدْخُلُهَا كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْعَرْضُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَحْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جَمِيعِ الْجَسَدِ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ الرُّوحُ كَمَا تُرَدُّ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حِينَ يُقْعِدَهُ الْمَلَكَانِ وَيُقالُ لَهُ انْظُر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا فَسَيُبَشَّرُ بِمَا لَا يَكْتَنِهِ كُنْهَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ طَلِيعَةٌ بِتَأْثِيرِ السَّعَادَةِ الْكُبْرَى لِأَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ إِذَا اتَّحَدَا دَلَّ عَلَى الْفَخَامَةِ كَقَوْلِهِمْ مَنْ أَدْرَكَ الضِّمَارَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْمُدَّعَى.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ تَقْدِيرُهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَقْعَدُهُ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ

رقم الحديث 2071 [271] هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرَى بَعْدَ الْبَعْثِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً وَمَنْزِلَةً يَنْسَىعِنْدَهُ هَذَا الْمَقْعَدَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْم الدّين أَيْ إِنَّكَ مَذْمُومٌ مَدْعُوٌّ عَلَيْكَ بِاللَّعْنَةِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمُ عُذِّبْتَ بِمَا تَنْسَى اللَّعْنَ عِنْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ لَا تَصِلُ الْجَنَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ الشَّهِيدِ طَائِرٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِهَذَا الْعُمُومُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّهَدَاءِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتَارَةً تَكُونُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْجَنَّةِ وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ قَالَ وَلَا يُتَعَجَّلُ الْأَكْلُ وَالنَّعِيمُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلشَّهِيدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُ الشُّهَدَاءِ بِخِلَافِ هَذَا الْوَصْفِ إِنَّمَا يُمْلَأُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيُفْسَحُ لَهُ فِيهِ.

قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الشُّهَدَاءِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن بن شهَاب عَن بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ حَيْثُ شَاءَتْ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ عَرْضُ الْمَقْعَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ فِي الْقَبْرِ وَلَا عَلَى فِنَائِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِهِ يَصِحُّ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا مَقْعَدُهَا فَإِنَّ لِلرُّوحِ شَأْنًا آخَرَ فَتَكُونُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَدَنِ بِحَيْثُ إِذَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُ عَلَى صَاحِبِهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا هُنَاكَ وَهَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ سَدَّا الْأُفُقَ وَكَانَ يَدْنُو مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَقُلُوبَ الْمُخْلِصِينَ تَتَّسِعُ لِلْإِيمَانِ بِأَنَّهُ من الْمُمكنأَنَّهُ كَانَ هَذَا الدُّنُوُّ وَهُوَ فِي مُسْتَقَرِّهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ فِي رُؤْيَةِ جِبْرِيلَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا جِبْرِيلُ صَافٌّ قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ فَجَعَلْتُ لَا أَصْرِفُ بَصَرِي إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ وَهَذَا مَحْمَلُ تَنَزُّلِهِ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَدُنُوِّهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَنَحْوَهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَإِنَّمَا يَأْتِي الْغَلَطُ هُنَا مِنْ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فَيُعْتَقَدُ أَنَّ الرُّوحَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْهَدُ مِنَ الْأَجْسَامِ الَّتِي إِذَا شَغَلَتْ مَكَانًا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ شَأْنَ الرُّوحِ غَيْرُ شَأْنِ الْأَبَدَانِ وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِالشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَشُعَاعِهَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْمُطَابَقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشُّعَاعَ إِنَّمَا هُوَ عَرَضٌ لِلشَّمْسِ.
وَأَمَّا الرُّوحُ فَهِيَ نَفْسُهَا تَنْزِلُ وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْبِيَاءَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي السَّمَاوَاتِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ رَأَى فِيهَا الْأَرْوَاحَ فِي مِثَالِ الْأَجْسَادِ مَعَ وُرُودِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ.

     وَقَالَ  إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الْخَلَائِقِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَبْلَغَنِي بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ هَذَا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ رُوحَهُ فِيعِنْدَهُ هَذَا الْمَقْعَدَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْم الدّين أَيْ إِنَّكَ مَذْمُومٌ مَدْعُوٌّ عَلَيْكَ بِاللَّعْنَةِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمُ عُذِّبْتَ بِمَا تَنْسَى اللَّعْنَ عِنْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ لَا تَصِلُ الْجَنَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ الشَّهِيدِ طَائِرٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِهَذَا الْعُمُومُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّهَدَاءِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتَارَةً تَكُونُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْجَنَّةِ وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ قَالَ وَلَا يُتَعَجَّلُ الْأَكْلُ وَالنَّعِيمُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلشَّهِيدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُ الشُّهَدَاءِ بِخِلَافِ هَذَا الْوَصْفِ إِنَّمَا يُمْلَأُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيُفْسَحُ لَهُ فِيهِ.

قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الشُّهَدَاءِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن بن شهَاب عَن بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ حَيْثُ شَاءَتْ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ عَرْضُ الْمَقْعَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ فِي الْقَبْرِ وَلَا عَلَى فِنَائِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِهِ يَصِحُّ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا مَقْعَدُهَا فَإِنَّ لِلرُّوحِ شَأْنًا آخَرَ فَتَكُونُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَدَنِ بِحَيْثُ إِذَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُ عَلَى صَاحِبِهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا هُنَاكَ وَهَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ سَدَّا الْأُفُقَ وَكَانَ يَدْنُو مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَقُلُوبَ الْمُخْلِصِينَ تَتَّسِعُ لِلْإِيمَانِ بِأَنَّهُ من الْمُمكنأَنَّهُ كَانَ هَذَا الدُّنُوُّ وَهُوَ فِي مُسْتَقَرِّهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ فِي رُؤْيَةِ جِبْرِيلَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا جِبْرِيلُ صَافٌّ قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ فَجَعَلْتُ لَا أَصْرِفُ بَصَرِي إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ وَهَذَا مَحْمَلُ تَنَزُّلِهِ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَدُنُوِّهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَنَحْوَهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَإِنَّمَا يَأْتِي الْغَلَطُ هُنَا مِنْ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فَيُعْتَقَدُ أَنَّ الرُّوحَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْهَدُ مِنَ الْأَجْسَامِ الَّتِي إِذَا شَغَلَتْ مَكَانًا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ شَأْنَ الرُّوحِ غَيْرُ شَأْنِ الْأَبَدَانِ وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِالشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَشُعَاعِهَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْمُطَابَقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشُّعَاعَ إِنَّمَا هُوَ عَرَضٌ لِلشَّمْسِ.
وَأَمَّا الرُّوحُ فَهِيَ نَفْسُهَا تَنْزِلُ وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْبِيَاءَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي السَّمَاوَاتِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ رَأَى فِيهَا الْأَرْوَاحَ فِي مِثَالِ الْأَجْسَادِ مَعَ وُرُودِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ.

     وَقَالَ  إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الْخَلَائِقِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَبْلَغَنِي بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ هَذَا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ رُوحَهُ فِي