فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ

رقم الحديث 1107 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ.


( مالك عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمة ( بن دينار) المدني العابد الثقة ( عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي ( الساعدي) الصحابي ابن الصحابي مات وقد جاوز المائة سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها، وقول ابن القطاع في الأحكام أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك أو ميمونة نقله من اسم الواهبة في قوله تعالى { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } } وقال في المقدمة: ولا يثبت شيء من ذلك ( فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك) بلام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع، أي وهبت أمر نفسي لك أو نحو ذلك، وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بلا صداق زاد في رواية للشيخين: فنظر إليها صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر فيها وصوّبه ثم طأطأ رأسه.
( فقامت قيامًا طويلاً) نعت للمصدر، أي قيامًا سمي مصدرًا لأنه اسم الفعل أو عدده أو ما يقوم مقامه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه زاد في رواية للشيخين: فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.

( فقام رجل) لم يعرف الحافظ اسمه ( فقال: يا رسول الله زوّجنيها) لم يقل: هبها لي، لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } } فلا بد لهم من صداق.
قال تعالى { { وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } } وقال أبو عبيد: أي عن طيب نفس بالفريضة التي فرضها الله، وقال تعالى { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } وقال في الإماء { { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } يعني مهورهن وإن اقتضى القياس أن كل ما يجوز البدل به والعوض يجوز هبته لكن الله حرم بضع النساء إلا بالمهر وأن الموهوبة لا تحل لغيره صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر وغيره.
( إن لم تكن) بفوقية ( لك بها حاجة) بزواجها وفيه حسن أدبه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء) بزيادة من في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة ( تصدقها إياه؟) في موضع رفع صفة لشيء ويجوز جزمه على جواب الاستفهام وتصدق يتعدى لمفعولين ثانيهما إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف ( فقال ما عندي إلا إزاري هذا) زاد في رواية لهما: فلها نصفه قال: وما له رداء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط، ولا نافية والاسم مبني مع لا، ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك فتنكشف عورتك، وفيه أن إصداق الشيء يخرجه عن ملكه فمن أصدق جاريته حرمت عليه وإن شرط المبيع القدرة على تسليمه شرعًا سواء امتنع حسًا كالطير في الهواء أو شرعًا فقط كالمرهون ومثل هذا الذي لو زال إزاره انكشف وفيه نظر الكبير في مصالح القوم وهدايتهم لما فيه من الرفق بهم وفي رواية لهما: ما تصنع أي المرأة بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء اذهب إلى أهلك ( فالتمس شيئًا) فذهب ثم رجع ( فقال: ما أجد شيئًا قال: التمس) اطلب ( ولو خاتمًا من حديد) .

قال عياض هو على المبالغة لا التحديد لأن الرجل نفى قبل ذلك وجود شيء ولو أقل من خاتم حديد وقيل لعله إنما طلب منه ما يقدّمه لا أن جميع المهر خاتم حديد، وهذا يضعفه استحباب مالك تقديم ربع دينار لا أقل وفيه جواز التختم بالحديد.
واختلف فيه السلف فأجازه قوم إذ لم يثبت النهي عنه ومنعه قوم وقالوا: كان هذا قبل النهي وقبل قوله: إنه حلية أهل النار.
( فالتمس فلم يجد شيئًا) وفي رواية لهما فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد وفي أخرى فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي له ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء قال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار وفي رواية ثلاثًا ( لسور سماها) في فوائد تمام أنها سبع من المفصل.
ولأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة سورة البقرة أو التي تليها بأو، وللدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولأبي الشيخ وغيره عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر.
وفي فوائد أبي عمر بن حيوية عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور.
وفي أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وجمع بينها بأن كلاً من الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر أو تعددت القصة وهو بعيد جدًا.
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها) وللتنيسي: زوّجناكها.
وفي رواية لهما: ملكتكها.
قال الدارقطني: هي وهم والصواب زوجتكها وهي رواية الأكثرين.
وقال النووي يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى ذكر التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي أنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
( بما معك من القرآن) الباء للعوض كبعتك ثوبي بدينار ولم يرد أنه أنكحها بحفظه القرآن أي أن الباء سببية إكرامًا للقرآن لأنها تكون بمعنى الموهوبة وذلك لا يجوز إلا له صلى الله عليه وسلم قاله المازري.

وقال عياض: يحتمل وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو قدرًا منه ويكون صداقها تعليمه إياها، وجاء هذا عن مالك واحتج به من قال: إن منافع الأعيان تكون صداقًا.
وفي رواية لمسلم:كك اذهب فعلمها من القرآن.
وفي أبي داود: فعلمها عشرين آية.
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما والليث ومكحول: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والباء على هذا بمعنى اللام أي لما حفظت من القرآن وصرت لها كفؤا في الدين، وهذا يحتاج إلى دليل انتهى.

وقد حكي أيضًا عن أبي حنيفة وأحمد ومالك وهما قولان مرجحان في مذهبه ودليله ما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن.
وقال لا يكون لأحد بعدك مهرًا.
والقول الثاني لمالك والشافعي وغيرهما جواز جعل الصداق منافع على ظاهر الحديث.
وقال عياض: ويمكن أنه أنكحها له لما معه من القرآن إذ رضيه لها ويبقى ذكر المهر مسكوتًا عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفر عن الواطئ في رمضان، وودى المقتول بخيبر إذ لم يحلف أهله رفقًا بأمته، أو أبقى الصداق في ذمته وأنكحه تفويضًا حتى يجد صداقًا أو يتكسبه بما معه من القرآن وليحرص على تعلم القرآن وفضل أهله وشفاعتهم به.
وأشار الداودي إلى أنه أنكحها بلا مشورتها ولا صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإذا احتمل هذا كله لم يكن فيه حجة لجواز النكاح بلا صداق وبما لا قدر له اهـ.

وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني: وقد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوّجها الرجل على ذلك، وهذا قد يقوّي ذلك الاحتمال وفيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة، ويدل له أيضًا حديث الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.
وكرهه أبو حنيفة وأصحابه وجماعة لحديث ابن عباس مرفوعًا: معلمي صبيانكم شراركم أقله رحمة باليتيم وأغلظه على المسكين.
وحديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله ما تقول في المعلمين؟ قال: درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلامهم رياء.
وحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلاً من أهل الصفة فأهدى له قوسًا فقال له صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يطوّقك الله طوقًا من نار فاقبله.
وعن أبي بن كعب مرفوعًا مثله، وأجاب ابن عبد البر بأن هذه أحاديث منكرة لا يصح منها شيء قال: واحتجوا أيضًا بحديث اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا.
قال: وهذا يحتمل التأويل بأنه علمه لله ثم أخذ عليه أجرًا ونحو هذا وروى حديث الباب جماعة كثيرة عن أبي حازم وأحسنهم له سياقة مالك وهو يدخل في التفسير المسند لقوله { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } } الآية انتهى.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والترمذي من طريق إسحاق بن عيسى وعبد الله بن نافع الثلاثة عن مالك به، وتابعه عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عند الشيخين وأبو غسان وفضيل بن سليمان عند البخاري وحماد بن زيد والدراوردي وزائدة وحسين بن علي كلهم عن أبي حازم عن سهل عند مسلم قائلاً يزيد بعضهم على بعض، غير أن في حديث زائدة قال: انطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القرآن.
ورواه البخاري أيضًا وابن ماجه مختصرًا من طريق سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزّوج ولو بخاتم من حديد.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص) زاد ابن عيينة عن يحيى بن سعيد بسنده أو قرن ( فمسها) غير عالم ( فلها صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم) بضم فسكون مصدر غرم إذا أدّى ( على وليها.
قال مالك: وإنما يكون ذلك غرمًا على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها)
من الأولياء ( فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وتردّ تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به) ربع دينار لحق الله تعالى لئلا يخلو البضع عن صداق.

( مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله) بضم العين ( بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي ولد في العهد النبوي وكان من شجعان قريش وفرسانهم قتل مع معاوية بصفين سنة سبع وثلاثين ( وأمها بنت زيد بن الخطاب) أخى عمر أسلم قبله واستشهد قبله ( كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقًا) بل عقد عليها تفويضًا ( فابتغت) طلبت ( أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك) من ابن عمر ( فجعلوا بينهم زيد بن ثابت) حكمًا ( فقضى أن لا صداق لها) لبقاء بضعها ( ولها الميراث) بالموت، وبهذا قال علي وجمهور الصحابة.
وقال جماعة منهم: يجب الصداق بالموت، وقاله الشافعي، وهو قول شاذ عندنا، ورجحه ابن العربي وغيره لما في أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح عن معقل بن يسار أن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث، لكن قال مالك ليس عليه العمل.

( مالك أنه بلغه) مما جاء من وجوه منها ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وغيره ( أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح) بكسر الكاف ( من كان أبًا أو غيره من حباء) بالكسر والمدّ عطية بلا عوض ( أو كرامة) شيء يكرم به وهو بمعنى ما قبله ( فهو للمرأة إن ابتغته) طلبته وقد روى أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدّة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.

( قال مالك في المرأة ينكحها) بضم الياء يزوجها ( أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به أن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن) وفي نسخة ابن وضاح إذا ( ابتغته) لا إن تركته لأبيها زاد في غير الموطأ من رواية ابن القاسم عنه وإن أعطاه بعدما زوّجه فإنما هي تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيها ( وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر) أي نصف ( الحباء الذي وقع به النكاح) لأنه من الصداق وهو يتشطر بالطلاق قبل الدخول.

( قال مالك في الرجل يزوّج ابنه صغيرًا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام) المذكور ( يوم تزوّج لا مال له) زيادة بيان لقوله قبل لا مال له أعاده لقوله ( وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه) فعلى الأب ( وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرًا وكان في ولاية أبيه) لكن إنما يجبره لغبطة على المنصوص كشريفة أو ابنة عم أو ذات مال.

( قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق.
إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه)
{ { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } { { ( إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } فهن النساء اللاتي قد دخل بهن { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) } } ( فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وهذا الذي سمعت في ذلك) أي معنى الآية ( والذي عليه الأمر عندنا) بالمدينة.
زاد مالك في بعض روايات الموطأ وفي غير الموطأ: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب لا وصي ولا غيره.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه بإتمام الصداق وقال بكل من القولين جماعة، واحتج الأئمة بأن ما قالوه مروي عنه صلى الله عليه وسلم وبأن إسقاط الولي ما لموليته على خلاف الأصول وأجيب عن الأول: بأنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق.
وعن الثاني بأن الحكم في الولاية تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة، وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا بعفو الأب عن الزوج المطلق وقد يطلع الولي على أنها بسبب ذلك يرغب فيها من في صلته غبطة عظيمة.

ولنا وجوه، منها: أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، وإنما يتصرف في الحل والولي الآن هو المتصرف في النكاح فيتناوله اللفظ دون الزوج سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن بالنسبة إلى ما كان وانقضى وذلك مجاز، وأما الولي فعقدة النكاح الآن بيده فهو حقيقة وهي مقدمة على المجاز.
ومنها: أن المراد بقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } الرشيدات بلا خلاف إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها فالذي يحسن في مقابلتهن هن المحجورات في أيدي أوليائهن، أما بالأزواج فلا مناسبة ومنها أن الخطاب مع الأزواج لقوله { { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو خلاف الأولى وضعف هذا الوجه بوروده في قوله تعالى { { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } } وقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد

وأجيب بأن إقامة الظاهر مقام المضمر على غير الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم فلما عدل عن الظاهر دل على أن المراد غيرهم.
ومنها: أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } معناه الإسقاط وقوله { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي } } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم ليس كذلك فيكون قولنا أرجح والله أعلم.

( قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم) هي ( قبل أن يدخل بها إنه لا صداق لها) لأن بضعها باق ( قال مالك لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار) أو ثلاثة دراهم فضة أو قيمة ذلك من العروض ( وذلك أدنى) أقل ( ما يجب فيه القطع) في السرقة فقاسه عليها بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال فلا بد أن يكون مقدرًا بها.
ووافق مالكًا على قوله جميع أصحابه إلا ابن وهب واحتجوا له أيضًا بأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء، فدل على أن الطول لا يجده كل الناس إذ لو كان الفلس والدانق ونحوهما طولاً لما عدمه أحد، ولأن الطول المال، ولا يقع اسم المال على أقل من ثلاثة دراهم وهذا ليس بشيء لأنه لا فرق في أقل الصداق بين حرة وأمة، والله إنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء ولا أعلم أحدًا قال ذلك بالمدينة قبل مالك.
وقال له الدراوردي: تعرقت فيها يا أبا عبد الله! أي ذهبت مذهب أهل العراق، قاله ابن عبد البر.

وقال عياض انفرد مالك بهذا التفاتًا إلى قوله تعالى { { أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم } } وإلى قوله { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } } فدل على أن المراد مال له بال وأقله ما استبيح به العضو في السرقة وكافة العلماء من الحجاز ومصر والشام وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كسوط ونعل ونحوهما وإن كانت قيمته أقل من درهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم.
وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم اعتبارًا بالقطع عندهما أيضًا وكرهه النخعي بأقل من أربعين، وقال مرة: عشرة.
وتعقبه الزواوي بأن زعمه تفرد به مالك بذلك تناقض مع ما نقله عن الحنفية، فعجب منه كيف غفل عن نفسه وشنع على مالك مع موافقة أصحابه له إلا ابن وهب وموافقة أبي حنيفة وأصحابه في القياس على القطع، واشتراطهم فيه أكثر مما اشترطه مالك.

قال ابن عبد البر: واحتج الحنفية بحديث جابر مرفوعًا لا صداق أقل من عشرة دراهم ولا حجة فيه لأنه ضعيف.
وروي عن علي مثله ولا يصح عنه أيضًا واحتج من أباحه بأي متمول فيه منفعة بقوله التمس ولو خاتمًا من حديد.
قال عياض: وتأوله بعض أهل المذهب بأنه خرج على المبالغة لا على التقليل وتأوله غيره بأنه طلب ما يقدمه قبل الدخول لا كل المهر ويضعفه أن مالكًا استحب تقديم ربع دينار لا أقل.
قال الزواوي: وضعفه بين لأنه ليس في الحديث دلالة على أنه طلب منه ما يقدمه لا جميع المهر بل ظاهره أن المطلوب جميع الصداق لا بعضه.
وقال الأبي: يرجح قول ابن وهب ويعارض ما احتج به مالك ما صح من حديث: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار قيل: وإن كان يسيرًا قال: وإن كان قضيبًا من أراك فأطلق المال على ما ترى انتهى.
وفيه نظر لأن إطلاقه على ذلك تجوز لقصد الزجر عن اقتطاع مال المسلم والحلف الباطل على نحو ما قيل في قوله تعالى { { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } } الآية.
قال عياض: والإجماع على أن الشيء الذي لا يتمول ولا قيمة له لا يكون صداقًا قال الحافظ: فإن ثبت هذا الإجماع فقد خرقه ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو حبة من شعير.
قال ابن عبد البر: ولا توقيت ولا تحديد لأكثر الصداق إجماعًا قال: واحتج به من جوزه بمتمول ولو قل لأن الله ذكر الصداق ولم يحد أكثره ولا أقله فلو كان له حدّ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم لأنه المبين مراد الله والحدّ لا يصح إلا بكتاب أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع انتهى.
وفي الحصر نظر فمن جملة ما يصح به القياس إذ هو من جملة الأدلة.



رقم الحديث 1108 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا، فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا، وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا، إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا، هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا، أَوْ مَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنَ عَمٍّ، أَوْ مَوْلًى، أَوْ مِنَ الْعَشِيرَةِ، مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ، وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ.


( مالك عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمة ( بن دينار) المدني العابد الثقة ( عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي ( الساعدي) الصحابي ابن الصحابي مات وقد جاوز المائة سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها، وقول ابن القطاع في الأحكام أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك أو ميمونة نقله من اسم الواهبة في قوله تعالى { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } } وقال في المقدمة: ولا يثبت شيء من ذلك ( فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك) بلام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع، أي وهبت أمر نفسي لك أو نحو ذلك، وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بلا صداق زاد في رواية للشيخين: فنظر إليها صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر فيها وصوّبه ثم طأطأ رأسه.
( فقامت قيامًا طويلاً) نعت للمصدر، أي قيامًا سمي مصدرًا لأنه اسم الفعل أو عدده أو ما يقوم مقامه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه زاد في رواية للشيخين: فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.

( فقام رجل) لم يعرف الحافظ اسمه ( فقال: يا رسول الله زوّجنيها) لم يقل: هبها لي، لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } } فلا بد لهم من صداق.
قال تعالى { { وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } } وقال أبو عبيد: أي عن طيب نفس بالفريضة التي فرضها الله، وقال تعالى { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } وقال في الإماء { { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } يعني مهورهن وإن اقتضى القياس أن كل ما يجوز البدل به والعوض يجوز هبته لكن الله حرم بضع النساء إلا بالمهر وأن الموهوبة لا تحل لغيره صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر وغيره.
( إن لم تكن) بفوقية ( لك بها حاجة) بزواجها وفيه حسن أدبه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء) بزيادة من في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة ( تصدقها إياه؟) في موضع رفع صفة لشيء ويجوز جزمه على جواب الاستفهام وتصدق يتعدى لمفعولين ثانيهما إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف ( فقال ما عندي إلا إزاري هذا) زاد في رواية لهما: فلها نصفه قال: وما له رداء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط، ولا نافية والاسم مبني مع لا، ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك فتنكشف عورتك، وفيه أن إصداق الشيء يخرجه عن ملكه فمن أصدق جاريته حرمت عليه وإن شرط المبيع القدرة على تسليمه شرعًا سواء امتنع حسًا كالطير في الهواء أو شرعًا فقط كالمرهون ومثل هذا الذي لو زال إزاره انكشف وفيه نظر الكبير في مصالح القوم وهدايتهم لما فيه من الرفق بهم وفي رواية لهما: ما تصنع أي المرأة بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء اذهب إلى أهلك ( فالتمس شيئًا) فذهب ثم رجع ( فقال: ما أجد شيئًا قال: التمس) اطلب ( ولو خاتمًا من حديد) .

قال عياض هو على المبالغة لا التحديد لأن الرجل نفى قبل ذلك وجود شيء ولو أقل من خاتم حديد وقيل لعله إنما طلب منه ما يقدّمه لا أن جميع المهر خاتم حديد، وهذا يضعفه استحباب مالك تقديم ربع دينار لا أقل وفيه جواز التختم بالحديد.
واختلف فيه السلف فأجازه قوم إذ لم يثبت النهي عنه ومنعه قوم وقالوا: كان هذا قبل النهي وقبل قوله: إنه حلية أهل النار.
( فالتمس فلم يجد شيئًا) وفي رواية لهما فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد وفي أخرى فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي له ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء قال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار وفي رواية ثلاثًا ( لسور سماها) في فوائد تمام أنها سبع من المفصل.
ولأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة سورة البقرة أو التي تليها بأو، وللدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولأبي الشيخ وغيره عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر.
وفي فوائد أبي عمر بن حيوية عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور.
وفي أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وجمع بينها بأن كلاً من الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر أو تعددت القصة وهو بعيد جدًا.
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها) وللتنيسي: زوّجناكها.
وفي رواية لهما: ملكتكها.
قال الدارقطني: هي وهم والصواب زوجتكها وهي رواية الأكثرين.
وقال النووي يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى ذكر التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي أنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
( بما معك من القرآن) الباء للعوض كبعتك ثوبي بدينار ولم يرد أنه أنكحها بحفظه القرآن أي أن الباء سببية إكرامًا للقرآن لأنها تكون بمعنى الموهوبة وذلك لا يجوز إلا له صلى الله عليه وسلم قاله المازري.

وقال عياض: يحتمل وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو قدرًا منه ويكون صداقها تعليمه إياها، وجاء هذا عن مالك واحتج به من قال: إن منافع الأعيان تكون صداقًا.
وفي رواية لمسلم:كك اذهب فعلمها من القرآن.
وفي أبي داود: فعلمها عشرين آية.
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما والليث ومكحول: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والباء على هذا بمعنى اللام أي لما حفظت من القرآن وصرت لها كفؤا في الدين، وهذا يحتاج إلى دليل انتهى.

وقد حكي أيضًا عن أبي حنيفة وأحمد ومالك وهما قولان مرجحان في مذهبه ودليله ما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن.
وقال لا يكون لأحد بعدك مهرًا.
والقول الثاني لمالك والشافعي وغيرهما جواز جعل الصداق منافع على ظاهر الحديث.
وقال عياض: ويمكن أنه أنكحها له لما معه من القرآن إذ رضيه لها ويبقى ذكر المهر مسكوتًا عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفر عن الواطئ في رمضان، وودى المقتول بخيبر إذ لم يحلف أهله رفقًا بأمته، أو أبقى الصداق في ذمته وأنكحه تفويضًا حتى يجد صداقًا أو يتكسبه بما معه من القرآن وليحرص على تعلم القرآن وفضل أهله وشفاعتهم به.
وأشار الداودي إلى أنه أنكحها بلا مشورتها ولا صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإذا احتمل هذا كله لم يكن فيه حجة لجواز النكاح بلا صداق وبما لا قدر له اهـ.

وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني: وقد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوّجها الرجل على ذلك، وهذا قد يقوّي ذلك الاحتمال وفيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة، ويدل له أيضًا حديث الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.
وكرهه أبو حنيفة وأصحابه وجماعة لحديث ابن عباس مرفوعًا: معلمي صبيانكم شراركم أقله رحمة باليتيم وأغلظه على المسكين.
وحديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله ما تقول في المعلمين؟ قال: درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلامهم رياء.
وحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلاً من أهل الصفة فأهدى له قوسًا فقال له صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يطوّقك الله طوقًا من نار فاقبله.
وعن أبي بن كعب مرفوعًا مثله، وأجاب ابن عبد البر بأن هذه أحاديث منكرة لا يصح منها شيء قال: واحتجوا أيضًا بحديث اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا.
قال: وهذا يحتمل التأويل بأنه علمه لله ثم أخذ عليه أجرًا ونحو هذا وروى حديث الباب جماعة كثيرة عن أبي حازم وأحسنهم له سياقة مالك وهو يدخل في التفسير المسند لقوله { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } } الآية انتهى.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والترمذي من طريق إسحاق بن عيسى وعبد الله بن نافع الثلاثة عن مالك به، وتابعه عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عند الشيخين وأبو غسان وفضيل بن سليمان عند البخاري وحماد بن زيد والدراوردي وزائدة وحسين بن علي كلهم عن أبي حازم عن سهل عند مسلم قائلاً يزيد بعضهم على بعض، غير أن في حديث زائدة قال: انطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القرآن.
ورواه البخاري أيضًا وابن ماجه مختصرًا من طريق سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزّوج ولو بخاتم من حديد.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص) زاد ابن عيينة عن يحيى بن سعيد بسنده أو قرن ( فمسها) غير عالم ( فلها صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم) بضم فسكون مصدر غرم إذا أدّى ( على وليها.
قال مالك: وإنما يكون ذلك غرمًا على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها)
من الأولياء ( فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وتردّ تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به) ربع دينار لحق الله تعالى لئلا يخلو البضع عن صداق.

( مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله) بضم العين ( بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي ولد في العهد النبوي وكان من شجعان قريش وفرسانهم قتل مع معاوية بصفين سنة سبع وثلاثين ( وأمها بنت زيد بن الخطاب) أخى عمر أسلم قبله واستشهد قبله ( كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقًا) بل عقد عليها تفويضًا ( فابتغت) طلبت ( أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك) من ابن عمر ( فجعلوا بينهم زيد بن ثابت) حكمًا ( فقضى أن لا صداق لها) لبقاء بضعها ( ولها الميراث) بالموت، وبهذا قال علي وجمهور الصحابة.
وقال جماعة منهم: يجب الصداق بالموت، وقاله الشافعي، وهو قول شاذ عندنا، ورجحه ابن العربي وغيره لما في أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح عن معقل بن يسار أن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث، لكن قال مالك ليس عليه العمل.

( مالك أنه بلغه) مما جاء من وجوه منها ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وغيره ( أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح) بكسر الكاف ( من كان أبًا أو غيره من حباء) بالكسر والمدّ عطية بلا عوض ( أو كرامة) شيء يكرم به وهو بمعنى ما قبله ( فهو للمرأة إن ابتغته) طلبته وقد روى أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدّة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.

( قال مالك في المرأة ينكحها) بضم الياء يزوجها ( أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به أن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن) وفي نسخة ابن وضاح إذا ( ابتغته) لا إن تركته لأبيها زاد في غير الموطأ من رواية ابن القاسم عنه وإن أعطاه بعدما زوّجه فإنما هي تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيها ( وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر) أي نصف ( الحباء الذي وقع به النكاح) لأنه من الصداق وهو يتشطر بالطلاق قبل الدخول.

( قال مالك في الرجل يزوّج ابنه صغيرًا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام) المذكور ( يوم تزوّج لا مال له) زيادة بيان لقوله قبل لا مال له أعاده لقوله ( وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه) فعلى الأب ( وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرًا وكان في ولاية أبيه) لكن إنما يجبره لغبطة على المنصوص كشريفة أو ابنة عم أو ذات مال.

( قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق.
إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه)
{ { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } { { ( إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } فهن النساء اللاتي قد دخل بهن { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) } } ( فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وهذا الذي سمعت في ذلك) أي معنى الآية ( والذي عليه الأمر عندنا) بالمدينة.
زاد مالك في بعض روايات الموطأ وفي غير الموطأ: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب لا وصي ولا غيره.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه بإتمام الصداق وقال بكل من القولين جماعة، واحتج الأئمة بأن ما قالوه مروي عنه صلى الله عليه وسلم وبأن إسقاط الولي ما لموليته على خلاف الأصول وأجيب عن الأول: بأنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق.
وعن الثاني بأن الحكم في الولاية تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة، وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا بعفو الأب عن الزوج المطلق وقد يطلع الولي على أنها بسبب ذلك يرغب فيها من في صلته غبطة عظيمة.

ولنا وجوه، منها: أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، وإنما يتصرف في الحل والولي الآن هو المتصرف في النكاح فيتناوله اللفظ دون الزوج سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن بالنسبة إلى ما كان وانقضى وذلك مجاز، وأما الولي فعقدة النكاح الآن بيده فهو حقيقة وهي مقدمة على المجاز.
ومنها: أن المراد بقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } الرشيدات بلا خلاف إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها فالذي يحسن في مقابلتهن هن المحجورات في أيدي أوليائهن، أما بالأزواج فلا مناسبة ومنها أن الخطاب مع الأزواج لقوله { { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو خلاف الأولى وضعف هذا الوجه بوروده في قوله تعالى { { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } } وقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد

وأجيب بأن إقامة الظاهر مقام المضمر على غير الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم فلما عدل عن الظاهر دل على أن المراد غيرهم.
ومنها: أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } معناه الإسقاط وقوله { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي } } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم ليس كذلك فيكون قولنا أرجح والله أعلم.

( قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم) هي ( قبل أن يدخل بها إنه لا صداق لها) لأن بضعها باق ( قال مالك لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار) أو ثلاثة دراهم فضة أو قيمة ذلك من العروض ( وذلك أدنى) أقل ( ما يجب فيه القطع) في السرقة فقاسه عليها بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال فلا بد أن يكون مقدرًا بها.
ووافق مالكًا على قوله جميع أصحابه إلا ابن وهب واحتجوا له أيضًا بأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء، فدل على أن الطول لا يجده كل الناس إذ لو كان الفلس والدانق ونحوهما طولاً لما عدمه أحد، ولأن الطول المال، ولا يقع اسم المال على أقل من ثلاثة دراهم وهذا ليس بشيء لأنه لا فرق في أقل الصداق بين حرة وأمة، والله إنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء ولا أعلم أحدًا قال ذلك بالمدينة قبل مالك.
وقال له الدراوردي: تعرقت فيها يا أبا عبد الله! أي ذهبت مذهب أهل العراق، قاله ابن عبد البر.

وقال عياض انفرد مالك بهذا التفاتًا إلى قوله تعالى { { أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم } } وإلى قوله { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } } فدل على أن المراد مال له بال وأقله ما استبيح به العضو في السرقة وكافة العلماء من الحجاز ومصر والشام وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كسوط ونعل ونحوهما وإن كانت قيمته أقل من درهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم.
وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم اعتبارًا بالقطع عندهما أيضًا وكرهه النخعي بأقل من أربعين، وقال مرة: عشرة.
وتعقبه الزواوي بأن زعمه تفرد به مالك بذلك تناقض مع ما نقله عن الحنفية، فعجب منه كيف غفل عن نفسه وشنع على مالك مع موافقة أصحابه له إلا ابن وهب وموافقة أبي حنيفة وأصحابه في القياس على القطع، واشتراطهم فيه أكثر مما اشترطه مالك.

قال ابن عبد البر: واحتج الحنفية بحديث جابر مرفوعًا لا صداق أقل من عشرة دراهم ولا حجة فيه لأنه ضعيف.
وروي عن علي مثله ولا يصح عنه أيضًا واحتج من أباحه بأي متمول فيه منفعة بقوله التمس ولو خاتمًا من حديد.
قال عياض: وتأوله بعض أهل المذهب بأنه خرج على المبالغة لا على التقليل وتأوله غيره بأنه طلب ما يقدمه قبل الدخول لا كل المهر ويضعفه أن مالكًا استحب تقديم ربع دينار لا أقل.
قال الزواوي: وضعفه بين لأنه ليس في الحديث دلالة على أنه طلب منه ما يقدمه لا جميع المهر بل ظاهره أن المطلوب جميع الصداق لا بعضه.
وقال الأبي: يرجح قول ابن وهب ويعارض ما احتج به مالك ما صح من حديث: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار قيل: وإن كان يسيرًا قال: وإن كان قضيبًا من أراك فأطلق المال على ما ترى انتهى.
وفيه نظر لأن إطلاقه على ذلك تجوز لقصد الزجر عن اقتطاع مال المسلم والحلف الباطل على نحو ما قيل في قوله تعالى { { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } } الآية.
قال عياض: والإجماع على أن الشيء الذي لا يتمول ولا قيمة له لا يكون صداقًا قال الحافظ: فإن ثبت هذا الإجماع فقد خرقه ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو حبة من شعير.
قال ابن عبد البر: ولا توقيت ولا تحديد لأكثر الصداق إجماعًا قال: واحتج به من جوزه بمتمول ولو قل لأن الله ذكر الصداق ولم يحد أكثره ولا أقله فلو كان له حدّ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم لأنه المبين مراد الله والحدّ لا يصح إلا بكتاب أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع انتهى.
وفي الحصر نظر فمن جملة ما يصح به القياس إذ هو من جملة الأدلة.



رقم الحديث 1109 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا، فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ، وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا، فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ.


( مالك عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمة ( بن دينار) المدني العابد الثقة ( عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي ( الساعدي) الصحابي ابن الصحابي مات وقد جاوز المائة سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها، وقول ابن القطاع في الأحكام أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك أو ميمونة نقله من اسم الواهبة في قوله تعالى { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } } وقال في المقدمة: ولا يثبت شيء من ذلك ( فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك) بلام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع، أي وهبت أمر نفسي لك أو نحو ذلك، وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بلا صداق زاد في رواية للشيخين: فنظر إليها صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر فيها وصوّبه ثم طأطأ رأسه.
( فقامت قيامًا طويلاً) نعت للمصدر، أي قيامًا سمي مصدرًا لأنه اسم الفعل أو عدده أو ما يقوم مقامه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه زاد في رواية للشيخين: فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.

( فقام رجل) لم يعرف الحافظ اسمه ( فقال: يا رسول الله زوّجنيها) لم يقل: هبها لي، لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } } فلا بد لهم من صداق.
قال تعالى { { وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } } وقال أبو عبيد: أي عن طيب نفس بالفريضة التي فرضها الله، وقال تعالى { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } وقال في الإماء { { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } يعني مهورهن وإن اقتضى القياس أن كل ما يجوز البدل به والعوض يجوز هبته لكن الله حرم بضع النساء إلا بالمهر وأن الموهوبة لا تحل لغيره صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر وغيره.
( إن لم تكن) بفوقية ( لك بها حاجة) بزواجها وفيه حسن أدبه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء) بزيادة من في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة ( تصدقها إياه؟) في موضع رفع صفة لشيء ويجوز جزمه على جواب الاستفهام وتصدق يتعدى لمفعولين ثانيهما إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف ( فقال ما عندي إلا إزاري هذا) زاد في رواية لهما: فلها نصفه قال: وما له رداء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط، ولا نافية والاسم مبني مع لا، ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك فتنكشف عورتك، وفيه أن إصداق الشيء يخرجه عن ملكه فمن أصدق جاريته حرمت عليه وإن شرط المبيع القدرة على تسليمه شرعًا سواء امتنع حسًا كالطير في الهواء أو شرعًا فقط كالمرهون ومثل هذا الذي لو زال إزاره انكشف وفيه نظر الكبير في مصالح القوم وهدايتهم لما فيه من الرفق بهم وفي رواية لهما: ما تصنع أي المرأة بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء اذهب إلى أهلك ( فالتمس شيئًا) فذهب ثم رجع ( فقال: ما أجد شيئًا قال: التمس) اطلب ( ولو خاتمًا من حديد) .

قال عياض هو على المبالغة لا التحديد لأن الرجل نفى قبل ذلك وجود شيء ولو أقل من خاتم حديد وقيل لعله إنما طلب منه ما يقدّمه لا أن جميع المهر خاتم حديد، وهذا يضعفه استحباب مالك تقديم ربع دينار لا أقل وفيه جواز التختم بالحديد.
واختلف فيه السلف فأجازه قوم إذ لم يثبت النهي عنه ومنعه قوم وقالوا: كان هذا قبل النهي وقبل قوله: إنه حلية أهل النار.
( فالتمس فلم يجد شيئًا) وفي رواية لهما فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد وفي أخرى فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي له ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء قال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار وفي رواية ثلاثًا ( لسور سماها) في فوائد تمام أنها سبع من المفصل.
ولأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة سورة البقرة أو التي تليها بأو، وللدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولأبي الشيخ وغيره عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر.
وفي فوائد أبي عمر بن حيوية عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور.
وفي أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وجمع بينها بأن كلاً من الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر أو تعددت القصة وهو بعيد جدًا.
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها) وللتنيسي: زوّجناكها.
وفي رواية لهما: ملكتكها.
قال الدارقطني: هي وهم والصواب زوجتكها وهي رواية الأكثرين.
وقال النووي يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى ذكر التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي أنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
( بما معك من القرآن) الباء للعوض كبعتك ثوبي بدينار ولم يرد أنه أنكحها بحفظه القرآن أي أن الباء سببية إكرامًا للقرآن لأنها تكون بمعنى الموهوبة وذلك لا يجوز إلا له صلى الله عليه وسلم قاله المازري.

وقال عياض: يحتمل وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو قدرًا منه ويكون صداقها تعليمه إياها، وجاء هذا عن مالك واحتج به من قال: إن منافع الأعيان تكون صداقًا.
وفي رواية لمسلم:كك اذهب فعلمها من القرآن.
وفي أبي داود: فعلمها عشرين آية.
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما والليث ومكحول: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والباء على هذا بمعنى اللام أي لما حفظت من القرآن وصرت لها كفؤا في الدين، وهذا يحتاج إلى دليل انتهى.

وقد حكي أيضًا عن أبي حنيفة وأحمد ومالك وهما قولان مرجحان في مذهبه ودليله ما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن.
وقال لا يكون لأحد بعدك مهرًا.
والقول الثاني لمالك والشافعي وغيرهما جواز جعل الصداق منافع على ظاهر الحديث.
وقال عياض: ويمكن أنه أنكحها له لما معه من القرآن إذ رضيه لها ويبقى ذكر المهر مسكوتًا عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفر عن الواطئ في رمضان، وودى المقتول بخيبر إذ لم يحلف أهله رفقًا بأمته، أو أبقى الصداق في ذمته وأنكحه تفويضًا حتى يجد صداقًا أو يتكسبه بما معه من القرآن وليحرص على تعلم القرآن وفضل أهله وشفاعتهم به.
وأشار الداودي إلى أنه أنكحها بلا مشورتها ولا صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإذا احتمل هذا كله لم يكن فيه حجة لجواز النكاح بلا صداق وبما لا قدر له اهـ.

وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني: وقد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوّجها الرجل على ذلك، وهذا قد يقوّي ذلك الاحتمال وفيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة، ويدل له أيضًا حديث الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.
وكرهه أبو حنيفة وأصحابه وجماعة لحديث ابن عباس مرفوعًا: معلمي صبيانكم شراركم أقله رحمة باليتيم وأغلظه على المسكين.
وحديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله ما تقول في المعلمين؟ قال: درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلامهم رياء.
وحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلاً من أهل الصفة فأهدى له قوسًا فقال له صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يطوّقك الله طوقًا من نار فاقبله.
وعن أبي بن كعب مرفوعًا مثله، وأجاب ابن عبد البر بأن هذه أحاديث منكرة لا يصح منها شيء قال: واحتجوا أيضًا بحديث اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا.
قال: وهذا يحتمل التأويل بأنه علمه لله ثم أخذ عليه أجرًا ونحو هذا وروى حديث الباب جماعة كثيرة عن أبي حازم وأحسنهم له سياقة مالك وهو يدخل في التفسير المسند لقوله { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } } الآية انتهى.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والترمذي من طريق إسحاق بن عيسى وعبد الله بن نافع الثلاثة عن مالك به، وتابعه عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عند الشيخين وأبو غسان وفضيل بن سليمان عند البخاري وحماد بن زيد والدراوردي وزائدة وحسين بن علي كلهم عن أبي حازم عن سهل عند مسلم قائلاً يزيد بعضهم على بعض، غير أن في حديث زائدة قال: انطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القرآن.
ورواه البخاري أيضًا وابن ماجه مختصرًا من طريق سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزّوج ولو بخاتم من حديد.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص) زاد ابن عيينة عن يحيى بن سعيد بسنده أو قرن ( فمسها) غير عالم ( فلها صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم) بضم فسكون مصدر غرم إذا أدّى ( على وليها.
قال مالك: وإنما يكون ذلك غرمًا على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها)
من الأولياء ( فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وتردّ تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به) ربع دينار لحق الله تعالى لئلا يخلو البضع عن صداق.

( مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله) بضم العين ( بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي ولد في العهد النبوي وكان من شجعان قريش وفرسانهم قتل مع معاوية بصفين سنة سبع وثلاثين ( وأمها بنت زيد بن الخطاب) أخى عمر أسلم قبله واستشهد قبله ( كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقًا) بل عقد عليها تفويضًا ( فابتغت) طلبت ( أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك) من ابن عمر ( فجعلوا بينهم زيد بن ثابت) حكمًا ( فقضى أن لا صداق لها) لبقاء بضعها ( ولها الميراث) بالموت، وبهذا قال علي وجمهور الصحابة.
وقال جماعة منهم: يجب الصداق بالموت، وقاله الشافعي، وهو قول شاذ عندنا، ورجحه ابن العربي وغيره لما في أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح عن معقل بن يسار أن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث، لكن قال مالك ليس عليه العمل.

( مالك أنه بلغه) مما جاء من وجوه منها ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وغيره ( أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح) بكسر الكاف ( من كان أبًا أو غيره من حباء) بالكسر والمدّ عطية بلا عوض ( أو كرامة) شيء يكرم به وهو بمعنى ما قبله ( فهو للمرأة إن ابتغته) طلبته وقد روى أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدّة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.

( قال مالك في المرأة ينكحها) بضم الياء يزوجها ( أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به أن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن) وفي نسخة ابن وضاح إذا ( ابتغته) لا إن تركته لأبيها زاد في غير الموطأ من رواية ابن القاسم عنه وإن أعطاه بعدما زوّجه فإنما هي تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيها ( وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر) أي نصف ( الحباء الذي وقع به النكاح) لأنه من الصداق وهو يتشطر بالطلاق قبل الدخول.

( قال مالك في الرجل يزوّج ابنه صغيرًا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام) المذكور ( يوم تزوّج لا مال له) زيادة بيان لقوله قبل لا مال له أعاده لقوله ( وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه) فعلى الأب ( وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرًا وكان في ولاية أبيه) لكن إنما يجبره لغبطة على المنصوص كشريفة أو ابنة عم أو ذات مال.

( قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق.
إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه)
{ { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } { { ( إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } فهن النساء اللاتي قد دخل بهن { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) } } ( فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وهذا الذي سمعت في ذلك) أي معنى الآية ( والذي عليه الأمر عندنا) بالمدينة.
زاد مالك في بعض روايات الموطأ وفي غير الموطأ: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب لا وصي ولا غيره.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه بإتمام الصداق وقال بكل من القولين جماعة، واحتج الأئمة بأن ما قالوه مروي عنه صلى الله عليه وسلم وبأن إسقاط الولي ما لموليته على خلاف الأصول وأجيب عن الأول: بأنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق.
وعن الثاني بأن الحكم في الولاية تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة، وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا بعفو الأب عن الزوج المطلق وقد يطلع الولي على أنها بسبب ذلك يرغب فيها من في صلته غبطة عظيمة.

ولنا وجوه، منها: أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، وإنما يتصرف في الحل والولي الآن هو المتصرف في النكاح فيتناوله اللفظ دون الزوج سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن بالنسبة إلى ما كان وانقضى وذلك مجاز، وأما الولي فعقدة النكاح الآن بيده فهو حقيقة وهي مقدمة على المجاز.
ومنها: أن المراد بقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } الرشيدات بلا خلاف إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها فالذي يحسن في مقابلتهن هن المحجورات في أيدي أوليائهن، أما بالأزواج فلا مناسبة ومنها أن الخطاب مع الأزواج لقوله { { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو خلاف الأولى وضعف هذا الوجه بوروده في قوله تعالى { { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } } وقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد

وأجيب بأن إقامة الظاهر مقام المضمر على غير الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم فلما عدل عن الظاهر دل على أن المراد غيرهم.
ومنها: أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } معناه الإسقاط وقوله { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي } } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم ليس كذلك فيكون قولنا أرجح والله أعلم.

( قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم) هي ( قبل أن يدخل بها إنه لا صداق لها) لأن بضعها باق ( قال مالك لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار) أو ثلاثة دراهم فضة أو قيمة ذلك من العروض ( وذلك أدنى) أقل ( ما يجب فيه القطع) في السرقة فقاسه عليها بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال فلا بد أن يكون مقدرًا بها.
ووافق مالكًا على قوله جميع أصحابه إلا ابن وهب واحتجوا له أيضًا بأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء، فدل على أن الطول لا يجده كل الناس إذ لو كان الفلس والدانق ونحوهما طولاً لما عدمه أحد، ولأن الطول المال، ولا يقع اسم المال على أقل من ثلاثة دراهم وهذا ليس بشيء لأنه لا فرق في أقل الصداق بين حرة وأمة، والله إنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء ولا أعلم أحدًا قال ذلك بالمدينة قبل مالك.
وقال له الدراوردي: تعرقت فيها يا أبا عبد الله! أي ذهبت مذهب أهل العراق، قاله ابن عبد البر.

وقال عياض انفرد مالك بهذا التفاتًا إلى قوله تعالى { { أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم } } وإلى قوله { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } } فدل على أن المراد مال له بال وأقله ما استبيح به العضو في السرقة وكافة العلماء من الحجاز ومصر والشام وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كسوط ونعل ونحوهما وإن كانت قيمته أقل من درهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم.
وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم اعتبارًا بالقطع عندهما أيضًا وكرهه النخعي بأقل من أربعين، وقال مرة: عشرة.
وتعقبه الزواوي بأن زعمه تفرد به مالك بذلك تناقض مع ما نقله عن الحنفية، فعجب منه كيف غفل عن نفسه وشنع على مالك مع موافقة أصحابه له إلا ابن وهب وموافقة أبي حنيفة وأصحابه في القياس على القطع، واشتراطهم فيه أكثر مما اشترطه مالك.

قال ابن عبد البر: واحتج الحنفية بحديث جابر مرفوعًا لا صداق أقل من عشرة دراهم ولا حجة فيه لأنه ضعيف.
وروي عن علي مثله ولا يصح عنه أيضًا واحتج من أباحه بأي متمول فيه منفعة بقوله التمس ولو خاتمًا من حديد.
قال عياض: وتأوله بعض أهل المذهب بأنه خرج على المبالغة لا على التقليل وتأوله غيره بأنه طلب ما يقدمه قبل الدخول لا كل المهر ويضعفه أن مالكًا استحب تقديم ربع دينار لا أقل.
قال الزواوي: وضعفه بين لأنه ليس في الحديث دلالة على أنه طلب منه ما يقدمه لا جميع المهر بل ظاهره أن المطلوب جميع الصداق لا بعضه.
وقال الأبي: يرجح قول ابن وهب ويعارض ما احتج به مالك ما صح من حديث: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار قيل: وإن كان يسيرًا قال: وإن كان قضيبًا من أراك فأطلق المال على ما ترى انتهى.
وفيه نظر لأن إطلاقه على ذلك تجوز لقصد الزجر عن اقتطاع مال المسلم والحلف الباطل على نحو ما قيل في قوله تعالى { { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } } الآية.
قال عياض: والإجماع على أن الشيء الذي لا يتمول ولا قيمة له لا يكون صداقًا قال الحافظ: فإن ثبت هذا الإجماع فقد خرقه ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو حبة من شعير.
قال ابن عبد البر: ولا توقيت ولا تحديد لأكثر الصداق إجماعًا قال: واحتج به من جوزه بمتمول ولو قل لأن الله ذكر الصداق ولم يحد أكثره ولا أقله فلو كان له حدّ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم لأنه المبين مراد الله والحدّ لا يصح إلا بكتاب أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع انتهى.
وفي الحصر نظر فمن جملة ما يصح به القياس إذ هو من جملة الأدلة.



رقم الحديث 1110 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ، أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنِ ابْتَغَتْهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا أَبُوهَا وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءَ يُحْبَى بِهِ، إِنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنِ ابْتَغَتْهُ، وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ إِنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ، إِذَا كَانَ الْغُلَامُ يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ، إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ: فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُو أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ { { إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ } } فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ.


( مالك عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمة ( بن دينار) المدني العابد الثقة ( عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي ( الساعدي) الصحابي ابن الصحابي مات وقد جاوز المائة سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها، وقول ابن القطاع في الأحكام أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك أو ميمونة نقله من اسم الواهبة في قوله تعالى { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } } وقال في المقدمة: ولا يثبت شيء من ذلك ( فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك) بلام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع، أي وهبت أمر نفسي لك أو نحو ذلك، وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بلا صداق زاد في رواية للشيخين: فنظر إليها صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر فيها وصوّبه ثم طأطأ رأسه.
( فقامت قيامًا طويلاً) نعت للمصدر، أي قيامًا سمي مصدرًا لأنه اسم الفعل أو عدده أو ما يقوم مقامه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه زاد في رواية للشيخين: فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.

( فقام رجل) لم يعرف الحافظ اسمه ( فقال: يا رسول الله زوّجنيها) لم يقل: هبها لي، لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } } فلا بد لهم من صداق.
قال تعالى { { وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } } وقال أبو عبيد: أي عن طيب نفس بالفريضة التي فرضها الله، وقال تعالى { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } وقال في الإماء { { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } } يعني مهورهن وإن اقتضى القياس أن كل ما يجوز البدل به والعوض يجوز هبته لكن الله حرم بضع النساء إلا بالمهر وأن الموهوبة لا تحل لغيره صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر وغيره.
( إن لم تكن) بفوقية ( لك بها حاجة) بزواجها وفيه حسن أدبه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء) بزيادة من في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة ( تصدقها إياه؟) في موضع رفع صفة لشيء ويجوز جزمه على جواب الاستفهام وتصدق يتعدى لمفعولين ثانيهما إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف ( فقال ما عندي إلا إزاري هذا) زاد في رواية لهما: فلها نصفه قال: وما له رداء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط، ولا نافية والاسم مبني مع لا، ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك فتنكشف عورتك، وفيه أن إصداق الشيء يخرجه عن ملكه فمن أصدق جاريته حرمت عليه وإن شرط المبيع القدرة على تسليمه شرعًا سواء امتنع حسًا كالطير في الهواء أو شرعًا فقط كالمرهون ومثل هذا الذي لو زال إزاره انكشف وفيه نظر الكبير في مصالح القوم وهدايتهم لما فيه من الرفق بهم وفي رواية لهما: ما تصنع أي المرأة بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء اذهب إلى أهلك ( فالتمس شيئًا) فذهب ثم رجع ( فقال: ما أجد شيئًا قال: التمس) اطلب ( ولو خاتمًا من حديد) .

قال عياض هو على المبالغة لا التحديد لأن الرجل نفى قبل ذلك وجود شيء ولو أقل من خاتم حديد وقيل لعله إنما طلب منه ما يقدّمه لا أن جميع المهر خاتم حديد، وهذا يضعفه استحباب مالك تقديم ربع دينار لا أقل وفيه جواز التختم بالحديد.
واختلف فيه السلف فأجازه قوم إذ لم يثبت النهي عنه ومنعه قوم وقالوا: كان هذا قبل النهي وقبل قوله: إنه حلية أهل النار.
( فالتمس فلم يجد شيئًا) وفي رواية لهما فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد وفي أخرى فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي له ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء قال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار وفي رواية ثلاثًا ( لسور سماها) في فوائد تمام أنها سبع من المفصل.
ولأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة سورة البقرة أو التي تليها بأو، وللدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولأبي الشيخ وغيره عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر.
وفي فوائد أبي عمر بن حيوية عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور.
وفي أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك وجمع بينها بأن كلاً من الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر أو تعددت القصة وهو بعيد جدًا.
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها) وللتنيسي: زوّجناكها.
وفي رواية لهما: ملكتكها.
قال الدارقطني: هي وهم والصواب زوجتكها وهي رواية الأكثرين.
وقال النووي يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى ذكر التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي أنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
( بما معك من القرآن) الباء للعوض كبعتك ثوبي بدينار ولم يرد أنه أنكحها بحفظه القرآن أي أن الباء سببية إكرامًا للقرآن لأنها تكون بمعنى الموهوبة وذلك لا يجوز إلا له صلى الله عليه وسلم قاله المازري.

وقال عياض: يحتمل وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو قدرًا منه ويكون صداقها تعليمه إياها، وجاء هذا عن مالك واحتج به من قال: إن منافع الأعيان تكون صداقًا.
وفي رواية لمسلم:كك اذهب فعلمها من القرآن.
وفي أبي داود: فعلمها عشرين آية.
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما والليث ومكحول: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والباء على هذا بمعنى اللام أي لما حفظت من القرآن وصرت لها كفؤا في الدين، وهذا يحتاج إلى دليل انتهى.

وقد حكي أيضًا عن أبي حنيفة وأحمد ومالك وهما قولان مرجحان في مذهبه ودليله ما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن.
وقال لا يكون لأحد بعدك مهرًا.
والقول الثاني لمالك والشافعي وغيرهما جواز جعل الصداق منافع على ظاهر الحديث.
وقال عياض: ويمكن أنه أنكحها له لما معه من القرآن إذ رضيه لها ويبقى ذكر المهر مسكوتًا عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفر عن الواطئ في رمضان، وودى المقتول بخيبر إذ لم يحلف أهله رفقًا بأمته، أو أبقى الصداق في ذمته وأنكحه تفويضًا حتى يجد صداقًا أو يتكسبه بما معه من القرآن وليحرص على تعلم القرآن وفضل أهله وشفاعتهم به.
وأشار الداودي إلى أنه أنكحها بلا مشورتها ولا صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإذا احتمل هذا كله لم يكن فيه حجة لجواز النكاح بلا صداق وبما لا قدر له اهـ.

وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني: وقد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوّجها الرجل على ذلك، وهذا قد يقوّي ذلك الاحتمال وفيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة، ويدل له أيضًا حديث الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.
وكرهه أبو حنيفة وأصحابه وجماعة لحديث ابن عباس مرفوعًا: معلمي صبيانكم شراركم أقله رحمة باليتيم وأغلظه على المسكين.
وحديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله ما تقول في المعلمين؟ قال: درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلامهم رياء.
وحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلاً من أهل الصفة فأهدى له قوسًا فقال له صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يطوّقك الله طوقًا من نار فاقبله.
وعن أبي بن كعب مرفوعًا مثله، وأجاب ابن عبد البر بأن هذه أحاديث منكرة لا يصح منها شيء قال: واحتجوا أيضًا بحديث اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا.
قال: وهذا يحتمل التأويل بأنه علمه لله ثم أخذ عليه أجرًا ونحو هذا وروى حديث الباب جماعة كثيرة عن أبي حازم وأحسنهم له سياقة مالك وهو يدخل في التفسير المسند لقوله { { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } } الآية انتهى.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والترمذي من طريق إسحاق بن عيسى وعبد الله بن نافع الثلاثة عن مالك به، وتابعه عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عند الشيخين وأبو غسان وفضيل بن سليمان عند البخاري وحماد بن زيد والدراوردي وزائدة وحسين بن علي كلهم عن أبي حازم عن سهل عند مسلم قائلاً يزيد بعضهم على بعض، غير أن في حديث زائدة قال: انطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القرآن.
ورواه البخاري أيضًا وابن ماجه مختصرًا من طريق سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزّوج ولو بخاتم من حديد.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص) زاد ابن عيينة عن يحيى بن سعيد بسنده أو قرن ( فمسها) غير عالم ( فلها صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم) بضم فسكون مصدر غرم إذا أدّى ( على وليها.
قال مالك: وإنما يكون ذلك غرمًا على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها)
من الأولياء ( فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وتردّ تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به) ربع دينار لحق الله تعالى لئلا يخلو البضع عن صداق.

( مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله) بضم العين ( بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي ولد في العهد النبوي وكان من شجعان قريش وفرسانهم قتل مع معاوية بصفين سنة سبع وثلاثين ( وأمها بنت زيد بن الخطاب) أخى عمر أسلم قبله واستشهد قبله ( كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقًا) بل عقد عليها تفويضًا ( فابتغت) طلبت ( أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك) من ابن عمر ( فجعلوا بينهم زيد بن ثابت) حكمًا ( فقضى أن لا صداق لها) لبقاء بضعها ( ولها الميراث) بالموت، وبهذا قال علي وجمهور الصحابة.
وقال جماعة منهم: يجب الصداق بالموت، وقاله الشافعي، وهو قول شاذ عندنا، ورجحه ابن العربي وغيره لما في أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح عن معقل بن يسار أن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث، لكن قال مالك ليس عليه العمل.

( مالك أنه بلغه) مما جاء من وجوه منها ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وغيره ( أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح) بكسر الكاف ( من كان أبًا أو غيره من حباء) بالكسر والمدّ عطية بلا عوض ( أو كرامة) شيء يكرم به وهو بمعنى ما قبله ( فهو للمرأة إن ابتغته) طلبته وقد روى أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدّة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.

( قال مالك في المرأة ينكحها) بضم الياء يزوجها ( أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به أن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن) وفي نسخة ابن وضاح إذا ( ابتغته) لا إن تركته لأبيها زاد في غير الموطأ من رواية ابن القاسم عنه وإن أعطاه بعدما زوّجه فإنما هي تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيها ( وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر) أي نصف ( الحباء الذي وقع به النكاح) لأنه من الصداق وهو يتشطر بالطلاق قبل الدخول.

( قال مالك في الرجل يزوّج ابنه صغيرًا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام) المذكور ( يوم تزوّج لا مال له) زيادة بيان لقوله قبل لا مال له أعاده لقوله ( وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه) فعلى الأب ( وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرًا وكان في ولاية أبيه) لكن إنما يجبره لغبطة على المنصوص كشريفة أو ابنة عم أو ذات مال.

( قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق.
إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه)
{ { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } { { ( إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } فهن النساء اللاتي قد دخل بهن { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) } } ( فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وهذا الذي سمعت في ذلك) أي معنى الآية ( والذي عليه الأمر عندنا) بالمدينة.
زاد مالك في بعض روايات الموطأ وفي غير الموطأ: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب لا وصي ولا غيره.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه بإتمام الصداق وقال بكل من القولين جماعة، واحتج الأئمة بأن ما قالوه مروي عنه صلى الله عليه وسلم وبأن إسقاط الولي ما لموليته على خلاف الأصول وأجيب عن الأول: بأنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق.
وعن الثاني بأن الحكم في الولاية تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة، وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا بعفو الأب عن الزوج المطلق وقد يطلع الولي على أنها بسبب ذلك يرغب فيها من في صلته غبطة عظيمة.

ولنا وجوه، منها: أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، وإنما يتصرف في الحل والولي الآن هو المتصرف في النكاح فيتناوله اللفظ دون الزوج سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن بالنسبة إلى ما كان وانقضى وذلك مجاز، وأما الولي فعقدة النكاح الآن بيده فهو حقيقة وهي مقدمة على المجاز.
ومنها: أن المراد بقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } الرشيدات بلا خلاف إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها فالذي يحسن في مقابلتهن هن المحجورات في أيدي أوليائهن، أما بالأزواج فلا مناسبة ومنها أن الخطاب مع الأزواج لقوله { { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو خلاف الأولى وضعف هذا الوجه بوروده في قوله تعالى { { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } } وقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد

وأجيب بأن إقامة الظاهر مقام المضمر على غير الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم فلما عدل عن الظاهر دل على أن المراد غيرهم.
ومنها: أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } } معناه الإسقاط وقوله { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي } } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم ليس كذلك فيكون قولنا أرجح والله أعلم.

( قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم) هي ( قبل أن يدخل بها إنه لا صداق لها) لأن بضعها باق ( قال مالك لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار) أو ثلاثة دراهم فضة أو قيمة ذلك من العروض ( وذلك أدنى) أقل ( ما يجب فيه القطع) في السرقة فقاسه عليها بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال فلا بد أن يكون مقدرًا بها.
ووافق مالكًا على قوله جميع أصحابه إلا ابن وهب واحتجوا له أيضًا بأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء، فدل على أن الطول لا يجده كل الناس إذ لو كان الفلس والدانق ونحوهما طولاً لما عدمه أحد، ولأن الطول المال، ولا يقع اسم المال على أقل من ثلاثة دراهم وهذا ليس بشيء لأنه لا فرق في أقل الصداق بين حرة وأمة، والله إنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء ولا أعلم أحدًا قال ذلك بالمدينة قبل مالك.
وقال له الدراوردي: تعرقت فيها يا أبا عبد الله! أي ذهبت مذهب أهل العراق، قاله ابن عبد البر.

وقال عياض انفرد مالك بهذا التفاتًا إلى قوله تعالى { { أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم } } وإلى قوله { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } } فدل على أن المراد مال له بال وأقله ما استبيح به العضو في السرقة وكافة العلماء من الحجاز ومصر والشام وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كسوط ونعل ونحوهما وإن كانت قيمته أقل من درهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم.
وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم اعتبارًا بالقطع عندهما أيضًا وكرهه النخعي بأقل من أربعين، وقال مرة: عشرة.
وتعقبه الزواوي بأن زعمه تفرد به مالك بذلك تناقض مع ما نقله عن الحنفية، فعجب منه كيف غفل عن نفسه وشنع على مالك مع موافقة أصحابه له إلا ابن وهب وموافقة أبي حنيفة وأصحابه في القياس على القطع، واشتراطهم فيه أكثر مما اشترطه مالك.

قال ابن عبد البر: واحتج الحنفية بحديث جابر مرفوعًا لا صداق أقل من عشرة دراهم ولا حجة فيه لأنه ضعيف.
وروي عن علي مثله ولا يصح عنه أيضًا واحتج من أباحه بأي متمول فيه منفعة بقوله التمس ولو خاتمًا من حديد.
قال عياض: وتأوله بعض أهل المذهب بأنه خرج على المبالغة لا على التقليل وتأوله غيره بأنه طلب ما يقدمه قبل الدخول لا كل المهر ويضعفه أن مالكًا استحب تقديم ربع دينار لا أقل.
قال الزواوي: وضعفه بين لأنه ليس في الحديث دلالة على أنه طلب منه ما يقدمه لا جميع المهر بل ظاهره أن المطلوب جميع الصداق لا بعضه.
وقال الأبي: يرجح قول ابن وهب ويعارض ما احتج به مالك ما صح من حديث: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار قيل: وإن كان يسيرًا قال: وإن كان قضيبًا من أراك فأطلق المال على ما ترى انتهى.
وفيه نظر لأن إطلاقه على ذلك تجوز لقصد الزجر عن اقتطاع مال المسلم والحلف الباطل على نحو ما قيل في قوله تعالى { { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } } الآية.
قال عياض: والإجماع على أن الشيء الذي لا يتمول ولا قيمة له لا يكون صداقًا قال الحافظ: فإن ثبت هذا الإجماع فقد خرقه ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو حبة من شعير.
قال ابن عبد البر: ولا توقيت ولا تحديد لأكثر الصداق إجماعًا قال: واحتج به من جوزه بمتمول ولو قل لأن الله ذكر الصداق ولم يحد أكثره ولا أقله فلو كان له حدّ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم لأنه المبين مراد الله والحدّ لا يصح إلا بكتاب أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع انتهى.
وفي الحصر نظر فمن جملة ما يصح به القياس إذ هو من جملة الأدلة.



رقم الحديث 1110 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا: فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ، أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ، أَوْ وَالِدَتِهِمْ، أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوِ الْأُمُّ.
وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً.
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ , فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ، وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ.
وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ.
وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ.
سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ.
وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ.
يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ.
وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ.
فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ.
وَوَلَدُ الِابْنِ، وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ، فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ، وَكَانَتَا ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ، فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَهُنَّ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ، هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ.
أَوْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ، عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ، فَضْلًا إِنْ فَضَلَ.
فَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، فَلَهَا النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ، مِمَّنْ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، السُّدُسُ.
فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ، هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ.
فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ لَهُنَّ.
وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ، كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ.
وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ.
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْ.
فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ { { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } } قَالَ مَالِكٌ: الْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ.



(ميراث الصلب)

(مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم أو والدتهم أنه إذا توفي الأب أو الأم وتركا ولدًا رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) لفضله واختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وغيره، أي للذكر منهم أي من أولادكم فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم كقولهم: السمن منوان بدرهم وبدأ بذكر ميراث الأولاد لأن تعلق الإنسان بولده أشد التعلقات، وبدأ بحظ الذكر ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر أو الأنثى نصف حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك، ولأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يتمادى في حظهم حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به.
والمراد به حال الاجتماع أي إذا اجتمع ذكر وأنثيان كان له سهمان كما أن لهما سهمين وأما في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كله والأنثيان يأخذان الثلثين والدليل عليه أنه أتبعه حكم الانفراد بقوله (فإن كن نساء) خلصًا يعني بنات ليس معهن ابن (فوق اثنتين) خبر ثان لكن أو صفة لنساء أي نساء زائدات على اثنتين (فلهن ثلثا ما ترك) الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله تعالى { { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } } فالبنتان أولى، ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى وفوق قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق الثنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر.

(وإن كانت واحدة) منفردة (فلها النصف) وعلم منه أن المال كله للذكر إذا انفرد لأنه جعل له مثل حظهما وقد جعل للأنثى النصف إذا انفردت فللذكر المنفرد ضعف النصف وهو الكل (فإن شركهم) بفتح المعجمة وبالراء الخفيفة المكسورة (أحد بفريضة مسماة) كقوله تعالى { { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } } وكالزوج والزوجة (وكان فيهم ذكر بدئ) بضم الموحدة وكسر الدال بعدها همزة (بفريضة من شركهم ثم كان ما بقي بعد ذلك بينهم على قدر مواريثهم) للذكر مثل حظ الأنثيين (ومنزلة ولد الأبناء الذكور إذا لم يكن ولد كمنزلة الولد سواء ذكورهم كذكورهم وأناثهم كإناثهم يرثون كما يرثون ويحجبون) من دونهم في الطبقة (كما يحجبون) أي الأولاد من دونهم وفرع على ذلك قوله (فإن اجتمع الولد للصلب وولد الابن وكان في الولد للصلب ذكر فإنه لا ميراث لأحد من ولد الابن) لقوله صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.
رواه البخاري وأصحاب السنن الثلاثة عن ابن عباس وأولى من الولي بسكون اللام، وهو القرب أي لأقرب أقارب الميت إذا كان الأقرب ذكرًا.

(فإن لم يكن في الولد للصلب ذكر وكانتا ابنتين فأكثر من ذلك من البنات للصلب فإنه لا ميراث لبنات الابن معهن إلا أن يكون مع بنات الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن) في القرب من الميت أو هو (أطرف) بالطاء والراء والفاء أبعد (منهن فإنه يرد على من هو بمنزلته ومن هو فوقه من بنات الأبناء فضلاً) مفعول يرد (إن فضل) كبنات وزوجة فيقسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين أي نصيبهما (وإن لم يفضل شيء) كبنات وأبوين (فلا شيء) لهم لاستغراق الفروض.

(وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة فلها النصف) بنص القرآن (ولابنة ابنه واحدة كانت أو أكثر من ذلك من بنات الابن ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة السدس) تكملة الثلثين لما رواه البخاري والأربعة سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال: للبنت النصف وللأخت النصف.
وائت ابن مسعود.
فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللأخت فأخبر أبو موسى بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله أولاً باجتهاده.

(فإن كان مع بنات الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن فلا فريضة ولا سدس ولكن إن فضل بعد فرائض أهل الفرائض فضل كان ذلك الفضل لذلك الذكر ولمن هو بمنزلته) من المتوفى (ومن فوقه من بنات الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين وليس لمن هو أطرف منهم شيء وإن لم يفضل شيء) من أهل الفرائض (فلا شيء لهم وذلك) أي دليله كله (أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه { { يُوصِيكُمُ } } يأمركم { { اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } } بما ذكر { { لِلذَّكَرِ } } منهم { { مِثْلُ حَظِّ } } نصيب { { الأُنثَيَيْنِ } } إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإذا انفرد حاز المال.
وفيه دلالة كما أشار له الإمام على دخول أولاد الابن في لفظ أولاد للإجماع على إرثهم دون أولاد البنت.

{ { فَإِن كُنَّ } } أي الأولاد { { نِسَاءً } } فقط { { فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } } الميت { { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً } } بالنصب والرفع { { فَلَهَا النِّصْفُ } } ولا ذكر للبنتين في الآية فقال ابن عباس: لهما النصف لأنه تعالى شرط في إعطاء البنات الثلثين إن يكن فوق اثنتين وقال غيره: لهما الثلثان.
فقيل بالسنة وقيل بالقياس على الأخوة للأم لأن الاثنين فصاعدًا منهم سواء فكذلك البنات وقيل: على الأخوة للأب لأنه تعالى جعل للواحدة منهن النصف وللثنتين الثلثين كما في آخر السورة وقال الأكثرون: بل بالقرآن لأنه جعل للبنت مع الذكر الثلث فمع الأنثى آكد، فلم يحتج إلى ذكره، واحتيج إلى ذكر ما فوق الأنثيين وقيل المعنى فإن كن نساء اثنتين فما فوقهما كقولهم راكب الناقة طليحان، أي الناقة وراكبها.

قال ابن الغرس: وفي الآية رد على من يقول بالرد لأنه جعل للواحدة النصف ولما فوق الثلثين فلم تجز الزيادة على ما نص عليه انتهى أخرج الأئمة الستة عن جابر بن عبد الله قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئًا فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت { { يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } }

وأخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك في أحد وإن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال: يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث، فأرسل إلى عمهما فقال: اعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك.

قال الحافظ: هذا ظاهر في تقدم نزولها وبه احتج من قال: إنها لم تنزل في قصة جابر.
إنما نزلت في قصة بنتي سعد بن الربيع وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معًا ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين وآخرها وهو قوله { { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً } } في قصة جابر ويكون مراده بقوله فنزلت { { يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } } أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية انتهى.

(قال مالك والأطرف هو الأبعد).