فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ

رقم الحديث 634 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض) ألزم وأوجب عند الجمهور ( زكاة الفطر) وما أوجبه فبأمر الله تعالى وما ينطق عن الهوى قال ابن نافع قال مالك وهي داخلة في قوله تعالى { { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } } أي في عمومها فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك، ومن جملتها زكاة الفطر، وثبت أن قوله تعالى: { { قد أفلح من تزكى } } نزلت في زكاة الفطر وثبت في الصحيح إثبات الفلاح لمن اقتصر على الواجبات ولا يرد أن في الآية { { وذكر اسم ربه فصلى } } فيلزم وجوب صلاة العيد لخروجها بدليل عموم قوله تعالى ليلة المعراج هن خمس لا يبدل القول لدي وقال أشهب وابن اللبان من الشافعية وبعض أهل الظاهر أنها سنة مؤكدة وأولوا فرض بمعنى قدر قال ابن دقيق العيد هو أصله لغة لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى اهـ ويؤيده تسميتها زكاة ولفظة على والأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره وقال الحنفية واجب لا فرض على قاعدتهم في الفرق بينهما ( من رمضان) فتجب بغروب شمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر منه وبه قال مالك في رواية أشهب والثوري وأحمد والشافعي في الجديد وقيل وقت وجوبها طلوع فجر يوم العيد لأن الليل ليس محلاً للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر وبه قال أبو حنيفة والليث ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب ومطرف والشافعي في القديم ويؤيده قوله في بعض طرق حديث ابن عمر عند البخاري وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة قال المازري قيل مبنى الخلاف أن المراد الفطر المعتاد في سائر الشهر فتجب بالغروب أو الفطر الطارئ بعده فتجب بطلوع الفجر وقال ابن دقيق العيد الاستدلال لهذا الحكم بالحديث ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر ( على الناس صاعًا) نصب تمييزًا أو مفعولاً ثانيًا ( من تمر أو صاعًا من شعير) ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن داود عن نافع فزاد فيه السلت والزبيب وقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز فيه ( على كل حر أو عبد) أخذ بظاهره داود وحده فأوجبها على العبد وأنه يجب على السيد أنه يمكنه من الاكتساب لهما كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة وخالفه أصحابه والناس لحديث أبي هريرة ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ومقتضاه أنها على السيد للعبد فلا تجب عليه لأنه فقير إذ ليس لسيده انتزاع ماله وقالوا إن على بمعنى عن أي إن السيد يخرجها عن عبده قال الباجي أو على بابها لكن يحملها السيد عنه أو معناه أنها تجب على السيد كما تقول يلزمك على كل دابة من دوابك درهم وقال أبو الطيب وغيره على بمعنى عن لأن العبد لا يطالب بأدائها ورد بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة عن غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ وقال البيضاوي العبد ليس أهلاً لأن يكلف بالواجبات المالية فجعلها عليه مجاز ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه يعني في بعض طرق الحديث ( ذكر أو أنثى) ظاهره وجوبها عليها ولو كان لها زوج وبه قال الثوري وأبو حنيفة وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور تجب على زوجها إلحاقًا بالنفقة قال الحافظ وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر كفرت أو كانت أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه قال وإنما احتج الشافعي بما رواه عن محمد بن علي الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر وزاد فيه وممن تمونون وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف أيضًا وفي رواية عمر بن نافع عند البخاري على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير ( من المسلمين) دون الكفار لأنها طهارة ليسوا من أهلها فلا تجب على الكافر عن نفسه اتفاقًا ولا عن مستولدته المسلمة بإجماع حكاه ابن المنذر لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد بالوجوب ولا يجب على المسلم إخراجها عن عبده الكافر عند الجمهور خلافًا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق لعموم حديث ليس على المسلم في عبده صدقة الفطر وأجاب الجمهور بأن الخاص يقضي على العام فعموم قوله في عبده مخصوص بقوله من المسلمين وقال الطحاوي من المسلمين صفة للمخرجين لا المخرج عنهم وتعقب بأن ظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد والصغير وهما ممن يخرج عنهم فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ على كل نفس من المسلمين حر أو عبد الحديث وقال القرطبي ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل يشمل الجميع ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقولهم فيه على كل صغير وكبير لكن لا بد أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسة كالصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها وقال الطيبي قوله من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أنها جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين وأما كونها فيمن وجبت فيعلم من نصوص أخر وقال في المصابيح هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي إنه خطاب يتوجه معناه إلى السادة قاصدًا بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر اهـ ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من طريق ابن إسحاق حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق قال وابن عمر راوي الحديث أعرف بمراده وتعقب بأنه لو صح لحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعًا ولا مانع منه هذا وقد زعم الترمذي وأبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وتبعهم ابن الصلاح ومن تبعه أن مالكًا تفرد بقوله من المسلمين دون أصحاب نافع وتعقب ذلك ابن عبد البر فقال كل الرواة عن مالك قالوا فيه من المسلمين إلا قتيبة بن سعيد وحده فلم يقلها قال وأخطأ من ظن أن مالكًا تفرد بها فقد تابعه عليها جماعة عن نافع منهم عمر بن نافع أي عند البخاري وكثير بن فرقد أي عند الطحاوي والدارقطني والحاكم وعبيد الله بن عمر أي عند الدارقطني ويونس بن يزيد أي عند الطحاوي وأيوب السختياني أي عند الدارقطني وابن خزيمة زاد الحافظ على اختلاف عنه وعلى عبيد الله في زيادتها والضحاك بن عثمان عند مسلم والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان وابن أبي ليلى عند الدارقطني وعبد الله العمري عند الدارقطني وابن الجارود قال وذكر شيخنا ابن الملقن أن البيهقي أخرجه من طريق أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن نافع بالزيادة وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة قال وفي الجملة ليس فيما روى هذه الزيادة أحد مثل مالك لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها وليس في الباقين مثل يونس لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال ثم ظاهر قوله والصغير وجوبها عليه لكن يخرج عنه وليه فتجب في ماله إن كان وإلا فعلى من تلزمه نفقته عند الجمهور وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقًا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري إنما تجب على من صام لحديث أبي داود عن ابن عباس مرفوعًا صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأجيب بأن التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح وعلى من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة وفي قوله طهرة دليل على وجوبها على الفقير كالغني وقد ورد ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة عند أحمد وثعلبة بن صعير عند الدارقطني خلافًا للحنفية في أنها لا تجب إلا على من ملك نصابًا لحديث لا صدقة إلا عن ظهر غني قال ابن بزيزة لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية نعم الشرط أن يفضل عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته لحديث الصحيح لا صدقة إلا عن ظهر غني والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن القعنبي وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى أربعتهم عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد) بإسكان العين ( ابن أبي سرح) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة القرشي ( العامري) المكي من كبار التابعين مات على رأس المائة ( أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر) قال عياض مذهب مالك والشافعي أن قول الصحابي كنا نفعل كذا من قبيل المرفوع لأنه أضافه إلى زمنه صلى الله عليه وسلم والسنة قوله وفعله وإقراره وهذا إقراره وأما الرواية التي فيها إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى في عهد رسول الله فلا خلاف أنها مسندة أي مرفوعة لا سيما في هذه الصدقة التي كانت تجمع عنده ويأمر بقبضها ودفعها اهـ ( صاعًا من طعام) أي حنطة فإنه اسم خاص له وبدليل ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لذكرها عند التفصيل كغيرها ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة وقد كان الطعام يستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعماله خطوره عند الإطلاق أغلب كذا قاله الخطابي وغيره بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك لكن قال ابن المنذر غلط من ظن أنه الحنطة لأن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره فقال كنا نخرج صاعًا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر كما في الصحيح زاد الطحاوي ولا نخرج غيره قال وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت السمراء دليل على أنها لم تكن لهم قوتًا قبل هذا ولا كثيرة ولا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر يومئذ بالمدينة إلا الشيء اليسير منه فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن قوتًا موجودًا وأيده الحافظ بروايات ثم قال فهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام غير الحنطة فيحتمل أنه الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز وهي قوت غالب لهم وقد روى الجوزقي عن أبي سعيد صاعًا من تمر صاعًا من سلت أو ذرة وقال الكرماني يحتمل أن قوله أو صاعًا من شعير إلخ بعد قوله من طعام من عطف الخاص على العام لكن محله أن يكون الخاص أشرف وليس الأمر هنا كذلك ( أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر) أو للتقسيم لا للتخيير لاقتضائه أن يخرج الشعير من قوته التمر مع وجوده وليس كذلك ( أو صاعًا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن فيه زبدة ( أو صاعًا من زبيب) فيخرج من أغلب القوت من هذه الخمس وخالف في البر والزبيب من لا يعتد بخلافه فقال لا يخرج منهما ورده الباجي وعياض بالإجماع السابق عليهما وقاس عليها مالك ما في معناها وهو الأرز والدخن والذرة والسلت وأجاز مالك إخراجها من الأقط وأباه الحسن واختلف فيه قول الشافعي وكيف هذا مع نص الحديث عليه ( وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وصاحباه المد رطلان والصاع ثمانية أرطال ثم رجع أبو يوسف إلى قول الجمهور لما تناظر مع مالك فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمنه صلى الله عليه وسلم زاد البخاري من رواية سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد فلما جاء معاوية وفي رواية مسلم فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر زاد ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة وجاءت السمراء قال أرى مدًا من هذا يعدل مدين ولمسلم أرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر وبهذا ونحوه تمسك الحنفية في أن الواجب في القمح مدان لكن لم يوافق معاوية على ذلك ففي مسلم قال أبو سعيد أما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت وله من وجه آخر فأنكر ذلك أبو سعيد وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي داود لا أخرج أبدًا إلا صاعًا وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم فقال له رجل مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها ولابن خزيمة فكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين وهذا يدل على وهن ما ذكر عن عمر وعثمان أنهما قالا بالمدين فليس في المسألة إجماع سكوتي خلافًا للطحاوي قال النووي وتمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالآثار وترك الاجتهاد مع النص وفي فعل معاوية ومن وافقه دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود لكنه مع النص فاسد الاعتبار فالأشياء المذكورة في حديث أبي سعيد متساوية في مقدار ما يخرج منها متخالفة في القيمة وذلك يدل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها وأما جعل نصف صاع من الحنطة بدل صاع من غيرها فهو اجتهاد مبني على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة غالية الثمن إذ ذاك لكن يلزم على ذلك اعتبار القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة وأما قول ابن عمر في الصحيحين أمر صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فجعل الناس عدله مدين من حنطة فمراده بالناس معاوية ومن تبعه لا جميع الصحابة كما فهم الطحاوي فلا إجماع وقد صرح بذلك في رواية الحميدي وابن خزيمة بلفظ صدقة الفطر صاع من شعير أو صاع من تمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير وما رواه أبو داود من طريق عبد العزيز بن رواد عن نافع عن ابن عمر فلما كان عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء فقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز وأوضح الرد عليه وقال ابن عبد البر الأول أولى اهـ ملخصًا من فتح الباري وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما بزيادات ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر) لأنه أغلب قوت أهل المدينة في زمانه ( إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا) وفي رواية أيوب عن نافع فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرًا رواه البخاري وأعوز بمهملة وزاي احتاج يقال أعوزه إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه وفيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر وقد روى الفريابي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا يعطى البر قال لا أعطي إلا كما يعطي أصحابي واستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد وإن كان ابن عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك كذا في الفتح ( قال مالك والكفارات كلها) كصيام ويمين وغيرهما ( وزكاة الفطر وزكاة العشور) الحبوب التي فيها العشر أو نصفه ( كل ذلك بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم) والصاع أربعة أمداد كما مر ( إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام) بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان ( وهو المد الأعظم) أي الأكبر واختلف في أنه مد وثلثان بمده صلى الله عليه وسلم أو مدان وذلك للتغليظ لأنه منكر من القول وزور.


رقم الحديث 635 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض) ألزم وأوجب عند الجمهور ( زكاة الفطر) وما أوجبه فبأمر الله تعالى وما ينطق عن الهوى قال ابن نافع قال مالك وهي داخلة في قوله تعالى { { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } } أي في عمومها فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك، ومن جملتها زكاة الفطر، وثبت أن قوله تعالى: { { قد أفلح من تزكى } } نزلت في زكاة الفطر وثبت في الصحيح إثبات الفلاح لمن اقتصر على الواجبات ولا يرد أن في الآية { { وذكر اسم ربه فصلى } } فيلزم وجوب صلاة العيد لخروجها بدليل عموم قوله تعالى ليلة المعراج هن خمس لا يبدل القول لدي وقال أشهب وابن اللبان من الشافعية وبعض أهل الظاهر أنها سنة مؤكدة وأولوا فرض بمعنى قدر قال ابن دقيق العيد هو أصله لغة لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى اهـ ويؤيده تسميتها زكاة ولفظة على والأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره وقال الحنفية واجب لا فرض على قاعدتهم في الفرق بينهما ( من رمضان) فتجب بغروب شمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر منه وبه قال مالك في رواية أشهب والثوري وأحمد والشافعي في الجديد وقيل وقت وجوبها طلوع فجر يوم العيد لأن الليل ليس محلاً للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر وبه قال أبو حنيفة والليث ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب ومطرف والشافعي في القديم ويؤيده قوله في بعض طرق حديث ابن عمر عند البخاري وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة قال المازري قيل مبنى الخلاف أن المراد الفطر المعتاد في سائر الشهر فتجب بالغروب أو الفطر الطارئ بعده فتجب بطلوع الفجر وقال ابن دقيق العيد الاستدلال لهذا الحكم بالحديث ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر ( على الناس صاعًا) نصب تمييزًا أو مفعولاً ثانيًا ( من تمر أو صاعًا من شعير) ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن داود عن نافع فزاد فيه السلت والزبيب وقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز فيه ( على كل حر أو عبد) أخذ بظاهره داود وحده فأوجبها على العبد وأنه يجب على السيد أنه يمكنه من الاكتساب لهما كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة وخالفه أصحابه والناس لحديث أبي هريرة ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ومقتضاه أنها على السيد للعبد فلا تجب عليه لأنه فقير إذ ليس لسيده انتزاع ماله وقالوا إن على بمعنى عن أي إن السيد يخرجها عن عبده قال الباجي أو على بابها لكن يحملها السيد عنه أو معناه أنها تجب على السيد كما تقول يلزمك على كل دابة من دوابك درهم وقال أبو الطيب وغيره على بمعنى عن لأن العبد لا يطالب بأدائها ورد بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة عن غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ وقال البيضاوي العبد ليس أهلاً لأن يكلف بالواجبات المالية فجعلها عليه مجاز ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه يعني في بعض طرق الحديث ( ذكر أو أنثى) ظاهره وجوبها عليها ولو كان لها زوج وبه قال الثوري وأبو حنيفة وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور تجب على زوجها إلحاقًا بالنفقة قال الحافظ وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر كفرت أو كانت أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه قال وإنما احتج الشافعي بما رواه عن محمد بن علي الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر وزاد فيه وممن تمونون وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف أيضًا وفي رواية عمر بن نافع عند البخاري على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير ( من المسلمين) دون الكفار لأنها طهارة ليسوا من أهلها فلا تجب على الكافر عن نفسه اتفاقًا ولا عن مستولدته المسلمة بإجماع حكاه ابن المنذر لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد بالوجوب ولا يجب على المسلم إخراجها عن عبده الكافر عند الجمهور خلافًا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق لعموم حديث ليس على المسلم في عبده صدقة الفطر وأجاب الجمهور بأن الخاص يقضي على العام فعموم قوله في عبده مخصوص بقوله من المسلمين وقال الطحاوي من المسلمين صفة للمخرجين لا المخرج عنهم وتعقب بأن ظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد والصغير وهما ممن يخرج عنهم فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ على كل نفس من المسلمين حر أو عبد الحديث وقال القرطبي ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل يشمل الجميع ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقولهم فيه على كل صغير وكبير لكن لا بد أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسة كالصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها وقال الطيبي قوله من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أنها جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين وأما كونها فيمن وجبت فيعلم من نصوص أخر وقال في المصابيح هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي إنه خطاب يتوجه معناه إلى السادة قاصدًا بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر اهـ ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من طريق ابن إسحاق حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق قال وابن عمر راوي الحديث أعرف بمراده وتعقب بأنه لو صح لحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعًا ولا مانع منه هذا وقد زعم الترمذي وأبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وتبعهم ابن الصلاح ومن تبعه أن مالكًا تفرد بقوله من المسلمين دون أصحاب نافع وتعقب ذلك ابن عبد البر فقال كل الرواة عن مالك قالوا فيه من المسلمين إلا قتيبة بن سعيد وحده فلم يقلها قال وأخطأ من ظن أن مالكًا تفرد بها فقد تابعه عليها جماعة عن نافع منهم عمر بن نافع أي عند البخاري وكثير بن فرقد أي عند الطحاوي والدارقطني والحاكم وعبيد الله بن عمر أي عند الدارقطني ويونس بن يزيد أي عند الطحاوي وأيوب السختياني أي عند الدارقطني وابن خزيمة زاد الحافظ على اختلاف عنه وعلى عبيد الله في زيادتها والضحاك بن عثمان عند مسلم والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان وابن أبي ليلى عند الدارقطني وعبد الله العمري عند الدارقطني وابن الجارود قال وذكر شيخنا ابن الملقن أن البيهقي أخرجه من طريق أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن نافع بالزيادة وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة قال وفي الجملة ليس فيما روى هذه الزيادة أحد مثل مالك لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها وليس في الباقين مثل يونس لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال ثم ظاهر قوله والصغير وجوبها عليه لكن يخرج عنه وليه فتجب في ماله إن كان وإلا فعلى من تلزمه نفقته عند الجمهور وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقًا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري إنما تجب على من صام لحديث أبي داود عن ابن عباس مرفوعًا صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأجيب بأن التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح وعلى من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة وفي قوله طهرة دليل على وجوبها على الفقير كالغني وقد ورد ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة عند أحمد وثعلبة بن صعير عند الدارقطني خلافًا للحنفية في أنها لا تجب إلا على من ملك نصابًا لحديث لا صدقة إلا عن ظهر غني قال ابن بزيزة لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية نعم الشرط أن يفضل عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته لحديث الصحيح لا صدقة إلا عن ظهر غني والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن القعنبي وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى أربعتهم عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد) بإسكان العين ( ابن أبي سرح) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة القرشي ( العامري) المكي من كبار التابعين مات على رأس المائة ( أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر) قال عياض مذهب مالك والشافعي أن قول الصحابي كنا نفعل كذا من قبيل المرفوع لأنه أضافه إلى زمنه صلى الله عليه وسلم والسنة قوله وفعله وإقراره وهذا إقراره وأما الرواية التي فيها إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى في عهد رسول الله فلا خلاف أنها مسندة أي مرفوعة لا سيما في هذه الصدقة التي كانت تجمع عنده ويأمر بقبضها ودفعها اهـ ( صاعًا من طعام) أي حنطة فإنه اسم خاص له وبدليل ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لذكرها عند التفصيل كغيرها ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة وقد كان الطعام يستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعماله خطوره عند الإطلاق أغلب كذا قاله الخطابي وغيره بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك لكن قال ابن المنذر غلط من ظن أنه الحنطة لأن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره فقال كنا نخرج صاعًا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر كما في الصحيح زاد الطحاوي ولا نخرج غيره قال وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت السمراء دليل على أنها لم تكن لهم قوتًا قبل هذا ولا كثيرة ولا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر يومئذ بالمدينة إلا الشيء اليسير منه فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن قوتًا موجودًا وأيده الحافظ بروايات ثم قال فهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام غير الحنطة فيحتمل أنه الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز وهي قوت غالب لهم وقد روى الجوزقي عن أبي سعيد صاعًا من تمر صاعًا من سلت أو ذرة وقال الكرماني يحتمل أن قوله أو صاعًا من شعير إلخ بعد قوله من طعام من عطف الخاص على العام لكن محله أن يكون الخاص أشرف وليس الأمر هنا كذلك ( أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر) أو للتقسيم لا للتخيير لاقتضائه أن يخرج الشعير من قوته التمر مع وجوده وليس كذلك ( أو صاعًا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن فيه زبدة ( أو صاعًا من زبيب) فيخرج من أغلب القوت من هذه الخمس وخالف في البر والزبيب من لا يعتد بخلافه فقال لا يخرج منهما ورده الباجي وعياض بالإجماع السابق عليهما وقاس عليها مالك ما في معناها وهو الأرز والدخن والذرة والسلت وأجاز مالك إخراجها من الأقط وأباه الحسن واختلف فيه قول الشافعي وكيف هذا مع نص الحديث عليه ( وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وصاحباه المد رطلان والصاع ثمانية أرطال ثم رجع أبو يوسف إلى قول الجمهور لما تناظر مع مالك فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمنه صلى الله عليه وسلم زاد البخاري من رواية سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد فلما جاء معاوية وفي رواية مسلم فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر زاد ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة وجاءت السمراء قال أرى مدًا من هذا يعدل مدين ولمسلم أرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر وبهذا ونحوه تمسك الحنفية في أن الواجب في القمح مدان لكن لم يوافق معاوية على ذلك ففي مسلم قال أبو سعيد أما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت وله من وجه آخر فأنكر ذلك أبو سعيد وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي داود لا أخرج أبدًا إلا صاعًا وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم فقال له رجل مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها ولابن خزيمة فكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين وهذا يدل على وهن ما ذكر عن عمر وعثمان أنهما قالا بالمدين فليس في المسألة إجماع سكوتي خلافًا للطحاوي قال النووي وتمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالآثار وترك الاجتهاد مع النص وفي فعل معاوية ومن وافقه دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود لكنه مع النص فاسد الاعتبار فالأشياء المذكورة في حديث أبي سعيد متساوية في مقدار ما يخرج منها متخالفة في القيمة وذلك يدل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها وأما جعل نصف صاع من الحنطة بدل صاع من غيرها فهو اجتهاد مبني على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة غالية الثمن إذ ذاك لكن يلزم على ذلك اعتبار القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة وأما قول ابن عمر في الصحيحين أمر صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فجعل الناس عدله مدين من حنطة فمراده بالناس معاوية ومن تبعه لا جميع الصحابة كما فهم الطحاوي فلا إجماع وقد صرح بذلك في رواية الحميدي وابن خزيمة بلفظ صدقة الفطر صاع من شعير أو صاع من تمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير وما رواه أبو داود من طريق عبد العزيز بن رواد عن نافع عن ابن عمر فلما كان عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء فقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز وأوضح الرد عليه وقال ابن عبد البر الأول أولى اهـ ملخصًا من فتح الباري وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما بزيادات ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر) لأنه أغلب قوت أهل المدينة في زمانه ( إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا) وفي رواية أيوب عن نافع فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرًا رواه البخاري وأعوز بمهملة وزاي احتاج يقال أعوزه إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه وفيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر وقد روى الفريابي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا يعطى البر قال لا أعطي إلا كما يعطي أصحابي واستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد وإن كان ابن عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك كذا في الفتح ( قال مالك والكفارات كلها) كصيام ويمين وغيرهما ( وزكاة الفطر وزكاة العشور) الحبوب التي فيها العشر أو نصفه ( كل ذلك بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم) والصاع أربعة أمداد كما مر ( إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام) بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان ( وهو المد الأعظم) أي الأكبر واختلف في أنه مد وثلثان بمده صلى الله عليه وسلم أو مدان وذلك للتغليظ لأنه منكر من القول وزور.


رقم الحديث 636 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا التَّمْرَ.
إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا
قَالَ مَالِكٌ: وَالْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ، وَزَكَاةُ الْعُشُورِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِلَّا الظِّهَارَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الْمُدُّ الْأَعْظَمُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض) ألزم وأوجب عند الجمهور ( زكاة الفطر) وما أوجبه فبأمر الله تعالى وما ينطق عن الهوى قال ابن نافع قال مالك وهي داخلة في قوله تعالى { { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } } أي في عمومها فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك، ومن جملتها زكاة الفطر، وثبت أن قوله تعالى: { { قد أفلح من تزكى } } نزلت في زكاة الفطر وثبت في الصحيح إثبات الفلاح لمن اقتصر على الواجبات ولا يرد أن في الآية { { وذكر اسم ربه فصلى } } فيلزم وجوب صلاة العيد لخروجها بدليل عموم قوله تعالى ليلة المعراج هن خمس لا يبدل القول لدي وقال أشهب وابن اللبان من الشافعية وبعض أهل الظاهر أنها سنة مؤكدة وأولوا فرض بمعنى قدر قال ابن دقيق العيد هو أصله لغة لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى اهـ ويؤيده تسميتها زكاة ولفظة على والأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره وقال الحنفية واجب لا فرض على قاعدتهم في الفرق بينهما ( من رمضان) فتجب بغروب شمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر منه وبه قال مالك في رواية أشهب والثوري وأحمد والشافعي في الجديد وقيل وقت وجوبها طلوع فجر يوم العيد لأن الليل ليس محلاً للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر وبه قال أبو حنيفة والليث ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب ومطرف والشافعي في القديم ويؤيده قوله في بعض طرق حديث ابن عمر عند البخاري وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة قال المازري قيل مبنى الخلاف أن المراد الفطر المعتاد في سائر الشهر فتجب بالغروب أو الفطر الطارئ بعده فتجب بطلوع الفجر وقال ابن دقيق العيد الاستدلال لهذا الحكم بالحديث ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر ( على الناس صاعًا) نصب تمييزًا أو مفعولاً ثانيًا ( من تمر أو صاعًا من شعير) ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن داود عن نافع فزاد فيه السلت والزبيب وقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز فيه ( على كل حر أو عبد) أخذ بظاهره داود وحده فأوجبها على العبد وأنه يجب على السيد أنه يمكنه من الاكتساب لهما كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة وخالفه أصحابه والناس لحديث أبي هريرة ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ومقتضاه أنها على السيد للعبد فلا تجب عليه لأنه فقير إذ ليس لسيده انتزاع ماله وقالوا إن على بمعنى عن أي إن السيد يخرجها عن عبده قال الباجي أو على بابها لكن يحملها السيد عنه أو معناه أنها تجب على السيد كما تقول يلزمك على كل دابة من دوابك درهم وقال أبو الطيب وغيره على بمعنى عن لأن العبد لا يطالب بأدائها ورد بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة عن غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ وقال البيضاوي العبد ليس أهلاً لأن يكلف بالواجبات المالية فجعلها عليه مجاز ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه يعني في بعض طرق الحديث ( ذكر أو أنثى) ظاهره وجوبها عليها ولو كان لها زوج وبه قال الثوري وأبو حنيفة وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور تجب على زوجها إلحاقًا بالنفقة قال الحافظ وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر كفرت أو كانت أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه قال وإنما احتج الشافعي بما رواه عن محمد بن علي الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر وزاد فيه وممن تمونون وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف أيضًا وفي رواية عمر بن نافع عند البخاري على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير ( من المسلمين) دون الكفار لأنها طهارة ليسوا من أهلها فلا تجب على الكافر عن نفسه اتفاقًا ولا عن مستولدته المسلمة بإجماع حكاه ابن المنذر لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد بالوجوب ولا يجب على المسلم إخراجها عن عبده الكافر عند الجمهور خلافًا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق لعموم حديث ليس على المسلم في عبده صدقة الفطر وأجاب الجمهور بأن الخاص يقضي على العام فعموم قوله في عبده مخصوص بقوله من المسلمين وقال الطحاوي من المسلمين صفة للمخرجين لا المخرج عنهم وتعقب بأن ظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد والصغير وهما ممن يخرج عنهم فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ على كل نفس من المسلمين حر أو عبد الحديث وقال القرطبي ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل يشمل الجميع ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقولهم فيه على كل صغير وكبير لكن لا بد أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسة كالصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها وقال الطيبي قوله من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أنها جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين وأما كونها فيمن وجبت فيعلم من نصوص أخر وقال في المصابيح هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي إنه خطاب يتوجه معناه إلى السادة قاصدًا بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر اهـ ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من طريق ابن إسحاق حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق قال وابن عمر راوي الحديث أعرف بمراده وتعقب بأنه لو صح لحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعًا ولا مانع منه هذا وقد زعم الترمذي وأبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وتبعهم ابن الصلاح ومن تبعه أن مالكًا تفرد بقوله من المسلمين دون أصحاب نافع وتعقب ذلك ابن عبد البر فقال كل الرواة عن مالك قالوا فيه من المسلمين إلا قتيبة بن سعيد وحده فلم يقلها قال وأخطأ من ظن أن مالكًا تفرد بها فقد تابعه عليها جماعة عن نافع منهم عمر بن نافع أي عند البخاري وكثير بن فرقد أي عند الطحاوي والدارقطني والحاكم وعبيد الله بن عمر أي عند الدارقطني ويونس بن يزيد أي عند الطحاوي وأيوب السختياني أي عند الدارقطني وابن خزيمة زاد الحافظ على اختلاف عنه وعلى عبيد الله في زيادتها والضحاك بن عثمان عند مسلم والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان وابن أبي ليلى عند الدارقطني وعبد الله العمري عند الدارقطني وابن الجارود قال وذكر شيخنا ابن الملقن أن البيهقي أخرجه من طريق أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن نافع بالزيادة وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة قال وفي الجملة ليس فيما روى هذه الزيادة أحد مثل مالك لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها وليس في الباقين مثل يونس لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال ثم ظاهر قوله والصغير وجوبها عليه لكن يخرج عنه وليه فتجب في ماله إن كان وإلا فعلى من تلزمه نفقته عند الجمهور وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقًا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري إنما تجب على من صام لحديث أبي داود عن ابن عباس مرفوعًا صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأجيب بأن التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح وعلى من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة وفي قوله طهرة دليل على وجوبها على الفقير كالغني وقد ورد ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة عند أحمد وثعلبة بن صعير عند الدارقطني خلافًا للحنفية في أنها لا تجب إلا على من ملك نصابًا لحديث لا صدقة إلا عن ظهر غني قال ابن بزيزة لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية نعم الشرط أن يفضل عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته لحديث الصحيح لا صدقة إلا عن ظهر غني والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن القعنبي وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى أربعتهم عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد) بإسكان العين ( ابن أبي سرح) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة القرشي ( العامري) المكي من كبار التابعين مات على رأس المائة ( أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر) قال عياض مذهب مالك والشافعي أن قول الصحابي كنا نفعل كذا من قبيل المرفوع لأنه أضافه إلى زمنه صلى الله عليه وسلم والسنة قوله وفعله وإقراره وهذا إقراره وأما الرواية التي فيها إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى في عهد رسول الله فلا خلاف أنها مسندة أي مرفوعة لا سيما في هذه الصدقة التي كانت تجمع عنده ويأمر بقبضها ودفعها اهـ ( صاعًا من طعام) أي حنطة فإنه اسم خاص له وبدليل ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لذكرها عند التفصيل كغيرها ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة وقد كان الطعام يستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعماله خطوره عند الإطلاق أغلب كذا قاله الخطابي وغيره بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك لكن قال ابن المنذر غلط من ظن أنه الحنطة لأن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره فقال كنا نخرج صاعًا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر كما في الصحيح زاد الطحاوي ولا نخرج غيره قال وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت السمراء دليل على أنها لم تكن لهم قوتًا قبل هذا ولا كثيرة ولا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر يومئذ بالمدينة إلا الشيء اليسير منه فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن قوتًا موجودًا وأيده الحافظ بروايات ثم قال فهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام غير الحنطة فيحتمل أنه الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز وهي قوت غالب لهم وقد روى الجوزقي عن أبي سعيد صاعًا من تمر صاعًا من سلت أو ذرة وقال الكرماني يحتمل أن قوله أو صاعًا من شعير إلخ بعد قوله من طعام من عطف الخاص على العام لكن محله أن يكون الخاص أشرف وليس الأمر هنا كذلك ( أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر) أو للتقسيم لا للتخيير لاقتضائه أن يخرج الشعير من قوته التمر مع وجوده وليس كذلك ( أو صاعًا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن فيه زبدة ( أو صاعًا من زبيب) فيخرج من أغلب القوت من هذه الخمس وخالف في البر والزبيب من لا يعتد بخلافه فقال لا يخرج منهما ورده الباجي وعياض بالإجماع السابق عليهما وقاس عليها مالك ما في معناها وهو الأرز والدخن والذرة والسلت وأجاز مالك إخراجها من الأقط وأباه الحسن واختلف فيه قول الشافعي وكيف هذا مع نص الحديث عليه ( وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وصاحباه المد رطلان والصاع ثمانية أرطال ثم رجع أبو يوسف إلى قول الجمهور لما تناظر مع مالك فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمنه صلى الله عليه وسلم زاد البخاري من رواية سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد فلما جاء معاوية وفي رواية مسلم فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر زاد ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة وجاءت السمراء قال أرى مدًا من هذا يعدل مدين ولمسلم أرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر وبهذا ونحوه تمسك الحنفية في أن الواجب في القمح مدان لكن لم يوافق معاوية على ذلك ففي مسلم قال أبو سعيد أما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت وله من وجه آخر فأنكر ذلك أبو سعيد وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي داود لا أخرج أبدًا إلا صاعًا وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم فقال له رجل مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها ولابن خزيمة فكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين وهذا يدل على وهن ما ذكر عن عمر وعثمان أنهما قالا بالمدين فليس في المسألة إجماع سكوتي خلافًا للطحاوي قال النووي وتمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالآثار وترك الاجتهاد مع النص وفي فعل معاوية ومن وافقه دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود لكنه مع النص فاسد الاعتبار فالأشياء المذكورة في حديث أبي سعيد متساوية في مقدار ما يخرج منها متخالفة في القيمة وذلك يدل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها وأما جعل نصف صاع من الحنطة بدل صاع من غيرها فهو اجتهاد مبني على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة غالية الثمن إذ ذاك لكن يلزم على ذلك اعتبار القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة وأما قول ابن عمر في الصحيحين أمر صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فجعل الناس عدله مدين من حنطة فمراده بالناس معاوية ومن تبعه لا جميع الصحابة كما فهم الطحاوي فلا إجماع وقد صرح بذلك في رواية الحميدي وابن خزيمة بلفظ صدقة الفطر صاع من شعير أو صاع من تمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير وما رواه أبو داود من طريق عبد العزيز بن رواد عن نافع عن ابن عمر فلما كان عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء فقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز وأوضح الرد عليه وقال ابن عبد البر الأول أولى اهـ ملخصًا من فتح الباري وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما بزيادات ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر) لأنه أغلب قوت أهل المدينة في زمانه ( إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا) وفي رواية أيوب عن نافع فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرًا رواه البخاري وأعوز بمهملة وزاي احتاج يقال أعوزه إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه وفيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر وقد روى الفريابي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا يعطى البر قال لا أعطي إلا كما يعطي أصحابي واستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد وإن كان ابن عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك كذا في الفتح ( قال مالك والكفارات كلها) كصيام ويمين وغيرهما ( وزكاة الفطر وزكاة العشور) الحبوب التي فيها العشر أو نصفه ( كل ذلك بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم) والصاع أربعة أمداد كما مر ( إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام) بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان ( وهو المد الأعظم) أي الأكبر واختلف في أنه مد وثلثان بمده صلى الله عليه وسلم أو مدان وذلك للتغليظ لأنه منكر من القول وزور.


رقم الحديث 636 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إِلَى الْمُصَلَّى قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبَعْدَهُ.


( وقت إرسال زكاة الفطر)

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده) وهو من نصبه الإمام لقبضها ( قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) لجواز تقديمها قبل وجوبها بهذا القدر لحديث أبي هريرة وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان الحديث وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر رواه البخاري فدل على أنهم كانوا يعجلونها بهذا المقدار ولابن خزيمة عن أيوب قلت لنافع متى كان ابن عمر يعطي قال إذا قعد العامل قلت متى كان يقعد قال قبل الفطر بيوم أو يومين فقوله في رواية البخاري كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها أي الذي نصبه الإمام لقبضها كما جزم به ابن بطال بدليل رواية مالك هذه وأيوب عند ابن خزيمة فهو كما قال الحافظ أظهر من قول ابن التين معناه من قال أنا فقير ( مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى) وبه قال مالك والأئمة لقوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى روى ابن خزيمة عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال أنزلت في زكاة الفطر واتباعًا لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة والأمر للندب كما ( قال مالك وذلك واسع) أي جائز ( إن شاء الله) للتبرك ( أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده) أي بعد الغدو وهو العود من المصلى فيجوز تأخيرها إلى غروب شمس يوم العيد وحرم تأخير أدائها عنها إلا لعذر كغيبة ماله أو الأخذ لأن القصد إغناء الفقراء عن الطلب فيه وفي حديث ابن عمر أغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا اليوم رواه سعيد بن منصور ولا تسقط بمضي زمنها بل يجب قضاؤها فورًا والتعبير بالصلاة جرى على الغالب من فعلها أول النهار فإن أخرت الصلاة استحب الأداء قبلها أول النهار توسعة على المستحقين.