شرح الأربعين النووية لصالح آل الشيخ - الحديث رقم 38

رقم الحديث 38 هذا حديث -أيضا- عظيم قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: إن الله تعالى قال - وهو حديث قدسي- من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب عادى: يعني: اتخذ الولي عدوا، وهذا معناه أنه أبغضه، قال العلماء: إن أبغض الولي؛ لما هو علي من الدين، فهذا ظاهر دخوله في الحديث، وأما إن عاداه لأجل الدنيا، وحصل بينه وبينه خصومات؛ لأجل الدنيا فهذا فيه تفصيل، إن صار معه خصومات بغضاء وكره، فإن يخشى عليه أن يدخل في هذا الحديث، وأما إن كانت الخصومات بدون بغضاء، فإنه لا يدخل في هذا الحديث، يعني: لا يكون مؤذنا بالحرب، وذلك لأن سادات الأولياء من هذه الأمة قد وقعت بينهم خصومات، فتخاصم عمر وأبو بكر في عدة مجالس، وتخاصم ابن عباس، بل العباس وعلي وحصل بينهم خصومة، وتراجعا إلى القاضي، وهكذا في عدد من الأحوال.
فوقوع الخصومة بلا بغضاء لولي من أولياء الله -جل وعلا- فهذا لا يدخل في ا هذا الحديث، وأما إذا أبغض وليا من أوليا الله -جل وعلا- فإنه مؤذن بالحرب، يعني: قد أذنه الله -جل وعلا- بحرب من عنده، وإيذانه بالحرب معناه: أنه أعلم وأنظر بأنه سيعاقب من الله -جل وعلا- إذ حرب الله -جل وعلا- إيصال عذابه ونكاله لعباده، قال: من عاد لي وليا والولي عند أهل السنة والجماعة عرف بأنه: يعني عرفه بعض العلماء بأنه: كل مؤمن تقي ليس بنبي، هذا الولي في الاصطلاح عند أهل السنة والجماعة، يعني: أن الولي كل من عنده إيمان وتقوى.
والإيمان والتقوى يتفاضلا، فتكون الولاية، يعني محبة الله -جل وعلا- لعبده ونصرته لعبده تكون تلك الولاية متفاضلة، وإنما يقصد بالولي من كمل بحسب استطاعته الإيمان والتقوى، وغلب عليه في أ حواله الإيمان والتقوى، وذلك لقول الله -جل وعلا-: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ فجعل الأولياء هم المؤمنين المتقين، إذن فمن عاد مؤمنا متقيا قد سعى في تكميل إيمانه وتقواه بحسب قدرته، ولم يعرف عنه ما يخدش كمال إيمانه، وكمال تقواه، فإنه مؤذن بحرب من الله، يعني: معلم ومهدد بإيصال عقوبة الله -جل وعلا- له؛ لأن هذا الولي محبوب لله -جل وعلا- منصور من الله -جل وعلا- والواجب أن تحب المرء لمحبة الله -جل وعل-ا له.
قال: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه يعني: أن أحب القربات إلى الله -جل وعلا- أن يتقرب إليه بها العبد أن يتقرب العبد بالفرائض، هذه أحب القربات إلى الله -جل وعلا-: الصلوات الخمس، حيث تصلى وتقام، والزكاة المفروضة، والصيام المفروض، والحج المفروض، والأمور الواجبة، وكل أمر افترضه الله -جل وعلا- عليه فالتقرب إليه به.
وأحب الأشياء إليه -جل وعلا- وهذا خلاف ما يأتي لبعض النفوس، في أنهم يحصل عندهم خشوع و تذلل في النوافل ما لا يحصل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خلاف العلم، والله -جل جلاله- كما جاء في هذا الحديث القدسي: إنما يحب بل أحب ما يتقرب إليه به -جل وعلا- ما افترضه سبحانه.
فافترض الله -جل وعلا- الفرائض؛ لأنه يحب أن يتعبد بها قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه يعني: لا يزال يتقرب بالنوافل: نوافل العبادات بعد الفرائض؛ حتى يحبه الله -جل وعلا- وهذا يعني: أنه صار له كثرة النوافل وصفا، بحيث كثر منه إتيانه بنوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وعمرة وأشباه ذلك.
قال: حتى أحبه وهذا يدل على أن محبة الله -جل وعلا -تجلب بالسعي في طاعته بأداء النوافل، والسعي فيها بعد أداء الفرائض، والتقرب إلى الله -جل وعلا- بها.
قال: فإذا أحببته لمحبة الله -جل وعلا - لعبده أثر، فما هذا الأثر؟ قال: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به… إلى آخره، هذا فسره علماء الحديث وعلماء السنة بقوله: كنت سمعه الذي يسمع به يعني: أوفقه وأسدده في سمعه وفي بصره، وفي ما يعمل بيده، وفيما يمشي إليه برجله، فمعنى قوله: كنت سمعه يعني: أوفقه في سمعه، وهذا ليس من التأويل؛ لأن القاطع الشرعي النصي أن الله -جل وعلا - لا يكون بذاته سمعا، ولا يكون بذاته بصرا، ولا يكون بذاته يدا، ولا يكون بذاته رجلا -جل وعلا - وتقدس وتعاظم ربنا، فدل على القاطع الشرعي على أن قوله: كنت سمعه الذي يسمع به يعني: أنه يوفق في سمعه، ويسدد فلا يسمع إلا ما يحب الله -جل وعلا - أن يسمع، ولا يبصر إلا ما يحب الله -جل وعلا - أن يبصر، ولا يعمل بيده ولا يبطش بيده إلا بما يحب الله -جل وعلا - أن يعمل باليد، أو يبطش بها، وكذلك في الرجل التي يمشي بها، وغلاة الصوفية استدلوا بهذا على مسألة الحلول، وهناك رواية موضوعة زادوها في هذا الحديث بعد قوله: ورجله التي يمشي بها قال: " وحتى يقول للشيء كن فيكون "، وهذا من جراء عقيدة الحلول، وهذه مروية لكنها بأسانيد منكرة، وحكم عليها طائفة من أهل العلم بالوضع.
قال: ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه يعني: والله لئن سألني لأعطينه؛ لأن اللام في قوله " لئن " هذه واقعة في جواب القسم، ويكون قبلها قسم، لئن سألني لأعطينه يعني: والله لئن سألني لأعطينه، ما سأل يعني: أن يكون مجاب الدعوة ولئن استعاذني لأعيذنه وهذا فرع من الجملة قبلها، جعلني الله وإياكم من خاصة عباده وأوليائه.