شرح الأربعين النووية لصالح آل الشيخ - الحديث رقم 22

رقم الحديث 22 حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وهو الحديث الثاني والعشرون من هذه الأحاديث النووية، قال -رضي الله عنه-: أن رجلا سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم .
في هذا الحديث ذكر بعض العبادات وهي: عبادة الصلاة والصيام، وإحلال الحلال وتحريم الحرام.
وقد جاء في روايات أخر قد تكون هي أصل هذا الحديث: أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن أمور الإسلام، فقال الرجل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أتانا رسولك يزعم أنك تزعم أن الله أرسلك، آلله أرسلك؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: نعم.
فقال: أتانا رسولك يزعم أنك تزعم أن الله افترض علينا خمس صلوات… إلى آخره.
في آخره: قال الرجل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا شيئا.
فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: دخل الجنة إن صدق وفي رواية: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا وهناك روايات أخر في مجيء أعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر الفرائض: الصلاة والصيام والزكاة والحج.
وهذه الأحاديث تدل على أن من فعل هذه الواجبات ممتثلا متقربا بها إلى الله -جل وعلا- فصلى الصلوات المكتوبة مطيعا لله -جل وعلا-، وصام وزكى مطيعا لله، وحج مطيعا لله، وأحل الحلال مطيعا لله، وحرم الحرام مطيعا لله، أنه من أهل الجنة.
والأحاديث متعددة في ذلك: بعضها يرتب ثواب الجنة على كلمة التوحيد، وبعضها يرتب ثواب الجنة على الصلاة، وبعضها يرتب ثواب الجنة على الصيام، في ألفاظ مختلفة وروايات متعددة.
الحاصل: أن هذه الروايات التي فيها ترتيب دخول الجنة على بعض الأعمال الصالحة -المقصود بها أنها إذا فعلت مع اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع، أو إذا فعلت هذه الأفعال مع الإتيان بالتوحيد.
فهذان احتمالان -كما ذكرت لك- الأول: أنها مع اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والثاني: أنه مع الإتيان بالتوحيد؛ لأنه به تصح الصلاة، وتقبل الزكاة، ويصح الصيام… إلى آخره.
وهذا معناه: أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: "نعم" أو دخل الجنة إن صدق أن دخول الجنة متنوع، وهذا الظاهر دلت عليه الأدلة الأخرى، فما جاءت النصوص في ترتب دخول الجنة على بعض الأعمال فهو حق على ظاهره، وأن من أتى بالتوحيد وعمل بالأعمال الصالحة -بأي عمل- فإنه موعود بالجنة، والله -جل وعلا- وعده: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا .
ودخول الجنة في النصوص: تارة يراد به الدخول الأوَّلي، وتارة يراد به الدخول المآلي، وهذا في الإثبات، يعني: إذا قيل دخل الجنة فقد يراد بالنص أنه يدخلها أولا -يعني: مع من يدخلها أولا- ولا يكون عليه عذاب قبل ذلك فيغفر له إن كان من أهل الوعيد، أو يكفر الله -جل وعلا- عنه خطاياه… إلى آخر ذلك.
أو يكون المقصود بـ "دخل الجنة" أن الدخول مآلي، بمعنى: أنه سيئول إلى دخول الجنة كقوله -عليه الصلاة والسلام-: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة من صلى الصلوات المكتوبات كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة يدعى الصائمون يوم القيامة من باب الريان .
وهكذا في أحاديث -كما ذكرت لك- متنوعة؛ فإذن الأحاديث التي فيها دخول الجنة بالإثبات: تارة يراد منها الدخول الأولي، وتارة يراد منها الدخول المآلي، ويترتب على هذا النفي، فإذا نفي دخول الجنة عن عمل من الأعمال يراد به نفي الدخول الأولي، أو نفي الدخول المآلي، والذي ينفى عنه الدخول الأولي هم أهل التوحيد الذين لهم ذنوب يطهرون منها إن لم يغفر الله -جل وعلا- لهم.
وأما الذين ينفى عنهم الدخول المآلي -يعني: لا يدخلونها أولا ولا مآلا، لا يؤولون إلى الجنة أصلا- فهؤلاء هم أهل الكفر في الأول: مثلا قوله -عليه الصلاة والسلام-: لا يدخل الجنة قتات لا يدخل الجنة قاطع رحم لا يدخل الجنة نمام وأشباه ذلك.
فهذه فيها أنه لا يدخل الجنة، هل معناه أنه لا يدخلها أبدا؟ لا، لا يدخلها أولا، وفي بعض النصوص نفي دخول الجنة الدخول المآلي، يعني: أنهم لا يئولون إلى الجنة أصلا بل مأواهم النار خالدين فيها، كقوله -جل وعلا-: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وكما في قوله -جل وعلا-: فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ .
إذن فتحصل لنا كقاعدة عامة من قواعد أهل السنة في فهم آيات وأحاديث الوعيد: أن الآية أو الحديث إذا كان فيه إثبات دخول الجنة على فعل من الأفعال فإن هذا الإثبات ينقسم إلى: دخول أولي، بمعنى: أنه يغفر له فلا يؤاخذ، أو أنه ليس من أهل الحساب، أو أن الله -جل وعلا- خفف عنه فيدخلها أولا، أو أنه ليس من أهل الدخول المآلي، أو أنه من أهل الدخول المآلي.
وهكذا عكسها أنه لا يدخلها أولا، أو لا يدخلها أولا ومآلا على حد سواء، وهذا من القواعد المهمة عند أهل السنة التي خالفوا بها الخوارج والمعتزلة … إلى آخره.
إذا تقررت هذه القاعدة فهذا الحديث فيه ذكر دخول الجنة على أنه لا يزيد على هذه شيئا، ولم يذكر في ذلك أنه فعل الزكاة، ولا أنه أتى بالحج، ومن ترك الزكاة فهو من أهل الوعيد، ومن ترك الحج فهو من أهل الوعيد… وهكذا.
فإذا تقرر هذا فقوله: ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم محمول على أحد توجيهين: الأول: أنه في قوله: لم أزد على ذلك شيئا يعني: أنه فعل الواجبات التي أوجب الله -جل وعلا- فتدخل الواجبات في قوله: "حرمت الحرام"؛ لأن ترك الواجبات حرام، فهو إذا حرم ترك المحرمات، معناه: أنه فعلها.
والتوجيه الثاني: أن هذا الحديث يفهم مع غيره من الأحاديث كقاعدة أهل السنة في نصوص الوعد والوعيد، وأننا لا نفهم نصا من نصوص الوعد أو من نصوص الوعيد على حدته، بل نضمه إلى أشباهه فيتضح المقام، فيكون إذن دخوله الجنة مع وجود الشروط وانتفاء الموانع.
أو يقال: دخول الجنة هنا مع الاقتصار على ما ذكر دخولا مآليا، وإذا أتم فإنه يدخل دخولا أوليا، ولا بد أنه إذا كان على ذلك النحو فإنه من أهل الجنة؛ لأن الله -جل وعلا- هو الذي وعده بذلك وبلغه رسوله -عليه الصلاة والسلام- قوله: إذا صليت المكتوبات تدل على تعلق ذلك بالصلوات الخمس، وهذا يخرج النوافل.
كذلك قوله: صمت رمضان تعلقه بالشهر الواجب، وهذا يخرج النوافل، وقوله: وأحللت الحلال هذا اختلف فيها العلماء على قولين: القول الأول: هو الذي ذكره النووي في آخر ذكره للحديث حيث قال: "ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقدا حله" فهذا وجه عند أهل العلم؛ لأن معنى أحللت الحلال أنه اعتقد وفعل.
والوجه الثاني: أنه اعتقد ولم يفعل، فمعنى قوله: أحللت الحلال يعني: اعتقدت حل كل ما أحله الله -جل وعلا- وليس في نفسي اعتراض على ما أحل الله -جل وعلا-، وهذا أحد المعنيين.
والمعنى الأول الذي ذكره النووي: أن إحلال الحلال يقتضي أن تفعل، أو أن تعمل، أو أن تأتي الحلال الذي أحله الله -جل وعلا- لك، وألا تستنكف عنه -بمعنى: أن من حرم على نفسه شيئا من الحلال مطلقا فإنه لم يحل الحلال فعلا-؛ وهذا المعنى ليس بجيد عندي؛ لأن فعل كل حلال ممتنع قد لا يستطيعه كل أحد؛ لأن الحلال -ولله الحمد- كثير جدا والمباحات كثيرة، فإتيانه فعله باعتقاد حله هذا صعب، ومثل هذا الرجل السائل لا يعلق بكل شيء، وهذا أيضا مما يكون في غير الاستطاعة.
والوجه الثاني الذي ذكرناه من أن قوله: "أحللت الحلال" -يعني: اعتقدت حله- فلم يأت في نفسي ريب من أن ما أحل الله جل وعلا فهو حلال، فهذا ظاهر طيب -يعني: ظاهر من الحديث حسن- وهو أولى؛ لأنه لا يلزم عنه لوازم غير جيدة.
أما قول الرجل: حرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة ؟ فقال: نعم فتحريم الحرام يشمل المرتبتين: يشمل الاعتقاد والترك: فتحريم الحرام أن تعتقد حرمته، والثانية: أن تفعل ما اعتقدته من ترك المحرمات.
فمن اعتقد حرمة الحرام وفعل فهو من أهل الوعيد -يعني: من أهل العصيان-، وأما من لم يعتقد حرمة الحرام فهو كافر ؛ لأنه ما صدق الله -جل وعلا- في خبره، أو لأنه اعتقد غير ما أمر الله -جل وعلا- باعتقاده.
فإن الاعتقاد بتحريم المحرمات فرض من الفرائض، وعقيدة لا بد منها؛ لأن معناه الالتزام بأمر الله -جل وعلا-، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والنهي نهي الله ونهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.