شرح الأربعين النووية لصالح آل الشيخ - الحديث رقم 7

رقم الحديث 7 هذا الحديث -حديث تميم الداري- من الأحاديث الكلية العظيمة التي اشتملت على الدين كله، على حقوق الله، وحقوق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى حقوق عباده، فليس ثَمَّ أجمع في بيان تلك الحقوق من لفظ النصيحة.
والنصيحة -هذه فعيلة- من النصح، وأصل النصح في لغة العرب فُسِّرَ بأحد تفسيرين: الأول: أن النصح بمعنى الخلوص من الشوائب والشركة، فيقال: عسل ناصح أو نصوح، إذا لم يَشُبْهُ شيء.
وفُسِّرَ -وهو الثاني- فُسِّرَتْ النصيحة بأنها التئام شيئين بحيث لا يكون ثَمَّ تنافر بينهما، فيُعْطَى هذا الصلة بهذا حتى يكون التئام يوافق ما بين هذا وهذا.
قالوا: ومنه قيل للخياط: ناصح؛ لأنه ينصح الطرفين، إذ يجمعهما بالخياطة.
والنصيحة عُرِّفَتْ -يعني: في هذا الحديث- بأنها: إرادة الخير للمنصوح له، وهذا يتعلق بنصح أئمة المسلمين وعامتهم.
أما في الثلاثة الأول، فإن النصيحة -كما ذكرنا- أن تكون الصلة بين الذاتين على التئام، بحيث يكون هذا قد أعطى حق هذا، فلم يكن بينهما تنافر.
ومعلوم أن العبد في صلته بربه أن عليه حقوقا كثيرة واجبة ومستحبة، وكذلك في حق القرآن، وكذلك في حق المصطفى -عليه الصلاة والسلام.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: الدين النصيحة وجعل الدينَ كلَّه النصيحة؛ لأنه -كما سيأتي تفصيله- لأن النصيحة تجمع الدين كله بواجباته ومستحباته، ففسرها بعد ذلك بقوله: قلنا: لمن يا رسول الله ؟ … إلى آخر الحديث.
قال بعض العلماء: الدين النصيحة يعني: أن معظم الدين وجُلّ الدين النصيحة، وهذا على أخذ نظائره، كقوله: الدعاء هو العبادة و الحج عرفة وأشباه ذلك.
لكن إذا تأملت في كون هذه الأشياء لها النصيحة رأيت أنها جمعت الدين كله، في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، وفي حقوق الخلق، وحقوق من له الحق بجميع صوره.
قالوا: لمن يا رسول الله ؟ واللام هنا في قولهم: لمن، يعني: للاستحقاق، النصيحة لله، يعني مستحقة، قالوا: لمن؟ يعني: من يستحقها في الدين؟ فأجابهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله، قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فاشتملت على أشياء، على أمور: الأول: النصيحة لله: وهي كلمة جامعة لأداء حق الله -جل وعلا- الواجب والمستحب، فحق الله الواجب هو الإيمان به، بربوبيته وإلهيته، وبأسمائه وصفاته، إيمان بأنه هو الرب المتصرف في هذا الملكوت وحده، لا شريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد سبحانه وتعالى.
والنصيحة لله في ألوهيته أن يُعْطَى الحق الذي له في ألوهيته، وهو أن يُعْبَد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يُتَوَجَّه لأحد بشيء من العبادات إلا له -سبحانه وتعالى-، كل عبادة تُوُجِّه بها إلى غير الله -جل وعلا- فهي خروج عن النصيحة لله -جل وعلا-، يعني عن أداء الحق الذي له سبحانه وتعالى.
وفي الأسماء والصفات النصيحة لله -جل وعلا- أن نؤمن بأنه -سبحانه- له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأنه لا سَمِي له، ولا ند له، ولا كفوَ له، كما قال -جل وعلا-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا .
وكما قال -جل وعلا-: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
وكما قال -جل وعلا-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ إلى غير ذلك من الآيات.
فيعتقد المسلم أن الله -جل وعلا- له ما أثبت لنفسه من الأسماء الحسنى، ومن الصفات العلا، وأنه في أسمائه وفي صفاته ليس له مثيل، كما أخبر عن نفسه بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فالغلو في الصفات بالتجسيم ترك للنصيحة الواجبة، والتفريط فيها، والجفاء بالتعطيل ترك للنصيحة الواجبة، والنصيحة بالتئام ما بينك وبين الله -جل وعلا- في شأن أسمائه وصفاته أن تثبت له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، من غير تمثيل ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا تأويل يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله جل وعلا.
أيضا من النصيحة لله -جل وعلا- أن يُحَبَّ -جل وعلا-، وأن يُتَّبَع أمره، وأن تتبع شريعته -جل وعلا-، وأن يصدق خبره -جل وعلا-، وأن يقبل عليه المرء بقلبه مخلصا له الدين.
فالإخلاص في الأقوال والأعمال حق الله -جل وعلا-، والذي يقع في قلبه غير الله في الأعمال -من جهة الرياء أو من جهة التسميع- ما أدى الذي لله -جل وعلا-.
وهناك -أيضا- أشياء مستحبة لله -جل وعلا- من مثل أن -يعني في حق الله -جل وعلا- من مثل ألا يقوم بالقلب غيره -جل وعلا-، فيُزْدَرَى الخلق في جنب الله -جل جلاله-، وأن يراقب الله -جل وعلا- دائما في السر والعلن، فيما يأتي وما يذر من الأمور المستحبة، وأن يستحضر مقامه بين يدي الله -جل وعلا- دائما في الآخرة، ونحو ذلك مما يدخل في المستحبات؛ فإن النصيحة فيه لله -جل وعلا- مستحبة، فهي منقسمة إلى ما أوجبه الشرع في حق الله، فيكون واجبا، وما كان مستحبا، فيكون من النصيحة المستحبة.
قال: وكتابه يعني: النصيحة مستحقة للكتاب، وهو القرآن، ومعنى ذلك أن يُعْطَى القرآن حقه، وهو أن يُوقن بأنه كلام الله -جل وعلا-.
قال: "وكتابه" يعني: النصيحة مستحقة للكتاب، وهو القرآن، ومعنى ذلك أن يُعْطَى القرآن حقه، وهو أن يُوقَن بأن كلام الله -جل وعلا-، تكلم به -سبحانه وتعالى-، وأنه آية عظيمة، وأعظم الآيات التي أوتيها الأنبياء، وأنه الحجة البالغة إلى قيام الساعة.
وأن هذا القرآن فيه الهدى والنور إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .
وأن حكمه واجب الإنفاذ، ما أمر الله به في القرآن وجب إنفاذه، وما نهى عنه وجب الانتهاء عنه، وما أخبر به -سبحانه- فيه وجب تصديقه، وعدم التردد فيه، إلى غير ذلك ممَّا يستحقه القرآن.
وأيضا من الحقوق المستحبَّة والنصيحة المستحبة للقرآن أن يُكثر من تلاوته، وألا يهجره في تلاوته وتدبره، وفي العلاج به، وأشباه ذلك مما جاءت به السنة في حق القرآن.
فهذا من التواصل ما بين ذي النصيحة -وهو العبد المكلَّف- وما بين القرآن ؛ فإن النصيحة التحام واجتماع فيما بين هذا وهذا، ولا يكون الاهتمام إلا بأداء الحق، وهذا الحق على العبد للقرآن على نحو المعنى الذي أسلفت.
كذلك النصيحة للرسول -صلى الله عليه وسلم- تكون بطاعته -عليه الصلاة والسلام- فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نَهَى -عليه الصلاة والسلام- وزجر، وألا يُعْبَد الله إلا بما شرع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يؤمن العبد بأنه -عليه الصلاة والسلام- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل دعوة للرسالة بعده -عليه الصلاة والسلام- كذب وزور وباطل وطغيان، وأنه -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يطاع وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .
وأنه يُحَب -عليه الصلاة والسلام- لأمر الله -جل وعلا- بذلك، ولما يستحقه -عليه الصلاة والسلام- من المحبة الواجبة، وأن تُقَدَّمَ مَحَابُّه على مَحَابّ العبد، ونحو ذلك من النصيحة التي هي -أيضا- منقسمة إلى واجبة ومستحبة.
قال: ولأئمة المسلمين وعامتهم والنصيحة لأئمة المسلمين أن يُعْطَوا حقهم الذي أعطاهم الله -جل وعلا-، وبينه -تعالى- في الكتاب، وبينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة؛ من طاعتهم في المعروف، وعدم طاعتهم في المعصية، وأن يجتمع معهم على الحق والهدى، وعلى ما لم نعلم فيه معصية، وأن تؤلف القلوب لهم، وأن يُجْتَمع عليهم، وأن يُدْعَى لهم، وهذا يشمل الحق الواجب والحق المستحب.
وأن يُتْرَك الخروج عليهم بالسيف طاعة لله -جلَّ وعلا- وطاعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يبايع ولي الأمر المسلم، وألا يموت المرء، وثمَّ والٍ مسلم، وليس في عنقه بيعة له، وأن يأتمر إذا أمره بما ليس بمعصية، وأن ينتهي إذا نهاه عن غير الطاعة، يعني: ما كان من قبيل الواجبات، فإن أمره بخلافها لا يُطاع فيه، وإذا أمر بمعصية لا يُطاع فيه، وما كان من قبيل المستحبات والاجتهادات -يعني ما يدخله الاجتهاد- فإنه يُتْرَك الرأي لما يراه الإمام المسلم؛ لأن في ذلك مصالح العباد والبلاد، كما قرره أهل العلم في هذا الموضع.
أيضًا من النصيحة لهم أن تبذل النصح لهم، بمعنى النصح الذي يعلمه الناس، بأن تنبههم على ما يخطئون فيه، وما يتجاوزون فيه الشرعية لمن وصل له، وهذه المرتبة -كما قال ابن دقيق العيد في شرحه وغيره-: هذه فرض كفاية تسقط بفعل البعض من أهل العلم ونحوهم.
فحق ولي الأمر المسلم أن يُنْصَح، بمعنى أن يُؤْتَى إليه، وأن يُبَيَّن له الحق، وأن يُبَصَّر به، وأن يوضح له ما أمر الله -عز وجل- به، وما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُعان على الطاعة، ويسدد فيها، ويُبَيَّن له ما قد يقع فيه من عصيان أو مخالفة للأمر.
وهذه النصيحة الخاصة لولاة الأمر جاءت لها شروط وضوابط معلومة في شروح الأحاديث، ومن أمثل من تكلم عليها في هذا الموضع ابن رجب -رحمه الله- في "جامع العلوم والحكم"، وساق عن ابن عباس وعن غيره أنواعا من الآداب والشروط، التي ينبغي للناصح أن يتحلى بها إذا نصح ولي الأمر المسلم.
فمن ذلك أن تكون النصيحة برفقٍ، وسهولة لفظ؛ لأن حال ولي الأمر -في الغالب- أنه تعزّ عليه النصيحة، إلا إذا كانت بلفظ حسن، وهذا ربما كان في غالب الناس أنهم لا ينتصحون -يعني: لا يقبلون النصيحة- إلا إذا كانت بلفظ حسن.
وقد قال -جل وعلا- لموسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى .
فمن الآداب والشروط في ذلك أن تكون النصيحة بلفظ حسن؛ لأنه ربما كان اللفظ خشنا، فأداه ذلك إلى رفض الحق، ومعلوم أن الناصح يريد الخير للمنصوح له.
كما قال أهل العلم في تفسير النصيحة: أنها إرادة الخير للمنصوح له.
فكلما كان السبيل لإرادة الخير للمنصوح له فإنه يؤتى.
ومن الشروط في ذلك أن تكون النصيحة لولي الأمر سرًّا وليست بعلن؛ لأن الأصل في النصيحة بعامة -لولي الأمر ولغيره- أن تكون سرا، بخلاف الإنكار كما سيأتي عند شرح أبي سعيد الخدري: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن الأصل في الإنكار أن يكون علنا، وأن الأصل في النصح أن يكون سرا.
فالنصيحة لولي الأمر يجب ويشترط لكونها شرعية أن تكون سرا، بمعنى: أنه لا يعلم بها من جهة الناصح إلا هو، وألا يتحدث بها بأنه نصح وعمل وكذا؛ لأنه ربما أفسد المراد من النصيحة بذكره، وصعب قبول النصيحة بعد اشتهار أن ولي الأمر نُصِح، وأشباه ذلك.
وعلى هذا جاء الحديث المعروف الذي صحَّحه بعض أهل العلم، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن ليخْلُ به، وليدْنُ منه، فإن قبل منه فذاك، وإلا فقد أدَّى الذي عليه .
وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- هل أُنْكِر على الإمام علنا؟ فقال: لا، بل دَارِهِ بذلك سرا.
وفي صحيح البخاري -أيضا-: أن أسامة بن زيد جاءه جماعة، وقالوا له: ألا تنصح لعثمان؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: أما إني لا أكون فاتح باب فتنة وقد بذلته له سرا أو كما جاء عن أسامة بن زيد في صحيح البخاري.
فدل ذلك على اشتراط أن تكون النصيحة سرا، وهذا من حقه، إلى غير ذلك من الشروط التي ذكرها أهل العلم في هذا الموضع.
والنصيحة لعامة المسلمين لأئمة المسلمين وعامتهم العامة: هم غير الأئمة، والأئمة إذا أطلقت فإنه يراد بهم الأئمة في الأمر العام، وليس الأئمة في العلم؛ لأن على هذا جرى الاصطلاح.
أما لفظ "ولي الأمر" فإنه في الأصل أن ولي الأمر يُعْنَى به الإمام العام للمسلمين؛ لأن ولاة الأمر في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد معاوية، لأن ولاة الأمر في ذاك الزمان كانوا يجمعون بين فهم الدنيا وفهم الشريعة.
وأما بعد ذلك فقد قال العلماء: إن ولاة الأمر كلًّا فيما يخصه، هم العلماء والأمراء؛ الأمراء في الأمر العام الذي يتعلق بأمور المسلمين العامة، والعلماء في أمر دين الناس، فهذا حصل تفسير بأن ولاة الأمر يُعنَى بهم هذا وهذا؛ لأنه صار الأمر فيما بعد أنه تولى الأمر مَن ليس بعالم لما شاع الملك في عهد بن أمية، ثم في عهد بني العباس، فما بعد ذلك.
فالنصيحة الأئمة المسلمين المقصود بهم في الحديث الأئمة الذين يلون الأمر العام، أما أئمة الدين فإنهم -أيضا- لهم نصيحة، ولهم الحق، والنصيحة لهم -يعني العلماء- أن تحبهم لأجل ما هم عليه من الدين، وما يبذلون للناس من العلم والخير، وأن يُنصَروا فيما يقولونه من أمر الشريعة، وفيما يبلغونه عن الله -جل وعلا-، وأن يُذَبَّ عنهم، وعن أعراضهم، وأن يحبوا أكثر من محبة غيرهم من المؤمنين؛ لأن الله -جل وعلا- عقد الولاية بين المؤمنين بقوله وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني: بعضهم يحب بعضا، وينصر بعضا، ومن المعلوم أن أعلى المؤمن إيمانا هم الراسخون في العلم، أو هم أهل العلم العاملون به، كما قال -جل وعلا-: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .
فالنصيحة لأهل العلم أن يُحَبُّوا، وأن يذب عن أعراضهم، وأن يؤخذ ما ينقلونه من العلم، وأن ينصروا فيما نصروا فيه الشريعة، وأن تُحْفَظ لهم مكانتهم وسابقتهم، ونشرهم للعلم، ونشرهم للدين، وهذه كلها حقوق واجبة لهم؛ لأن لهم في الملة مقاما عظيما، وإذا طُعِنَ في أهل العلم، أو لم تُبْذَل لهم النصيحة الواجبة بهذا المعنى، فإن ذلك يعني أن الشريعة تضعف في الهيبة في نفوس الناس؛ فإنه إذا نِيلَ من العالم، أو لم يُنْصَر، ولم يُحْتَرم فإن الشريعة تضعف في نفوس الناس، فإنه إنما ينقلها أهل العلم.
وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي إرشادهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، لما فيه صلاحهم في دنياهم وفي آخرتهم.
هذا جماع النصيحة للمؤمنين، بأن يحبوا في الله، وأن ينصروا في الحق، وأن يتعاون معهم على الخير والهدى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وأن يُبيَّن لهم الحق، وينصحوا فيه، ويرشدوا إلى ما فيه صلاحهم في دنياهم وآخرتهم، بأنواع النصح بالقول والعمل، وأن ينكر عليهم المنكر إذا واقعوه لحق الله -جل وعلا- وأنهم إذا رئي أنهم يحتاجون إلى عقاب شرعي أو تعزير -يعني بحد أو تعزير- فإنه يرحمهم بذلك، فإن هذه الأمور مبناها على الرحمة.
فالنصيحة لعامة المسلمين أن تَبْذُل وتحكم فيهم بشرع الله، وأن تعطيهم حقهم، وأن تلزمهم بأمر الله -جل وعلا- إذا كانوا تحت يدك، وهذا على قدر الاستطاعة.
ثم إنه إذا حصل منهم ضدُّ ذلك فيُسْعَى فيهم بما يصلحهم، وما فيه سعادتهم وإرشادهم بالبيان، أو بالإلزام بحسب الأحوال.
وكل حق للمسلم على المسلم يدخل في النصيحة لعامة المسلمين، فكلمة النصيحة إذن -كما ترى- كلمة جامعة دخلت فيها جميع الحقوق الشرعية لله، وللكتاب، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولأئمة المسلمين ولعامتهم، فهي كلمة عظيمة جامعة، جمعت الحقوق جميعا لما فيه خير الدنيا والآخرة للناصح، يعني للذي قام بالنصيحة، فكل مفرط في أمر من أمر الله فقد فرط في شيء من النصيحة الواجبة.
والله المستعان.