فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ إِذَا انْتَعَلَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدأْ بِالشِّمَالِ

باب اسْتِحْبَابِ لُبْسِ النَّعْلِ فِي الْيُمْنَى أَوَّلًا وَالْخَلْعِ مِنْ الْيُسْرَى أَوَّلًا وَكَرَاهَةِ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ
[ سـ :4028 ... بـ :2097]
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى ، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا ) وَفِي رِوَايَةٍ ( وَلَا يَمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ ) .

أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِيُنْعِلْهُمَا ) فَبِضَمِّ الْيَاءِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا ) فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ( لِيَخْلَعْهُمَا ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالْعَيْنِ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( لِيُحْفِهِمَا ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مِنَ الْحَفَاءِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَحْسَنُ .

أَمَّا ( الشِّسْعُ ) فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ، وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النِّعَالِ ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ ، وَيَدْخُلُ طَرَفُهُ فِي النَّقْبِ الَّذِي فِي صَدْرِ النَّعْلِ الْمَشْدُودِ فِي الزِّمَامِ . وَالزِّمَامُ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ ، وَجَمَعَهُ شُسُوعٌ .

أَمَّا فِقْهُ الْأَحَادِيثِ فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ، أَحَدُهَا : يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْيُمْنَى فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالزِّينَةِ وَالنَّظَافَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُبْسِ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ ، وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْجِيلِهِ ، وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ ، وَالسِّوَاكِ وَالِاكْتِحَالِ ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ ، وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَالتَّيَمُّمِ ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخَلَاءِ ، وَدَفْعِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ الْحَسَنَةِ ، وَتَنَاوُلِ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .

الثَّانِيَةُ : يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْيَسَارِ فِي كُلِّ مَا هُوَ ضِدُّ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَمِنْ ذَلِكَ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ ، وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ ، وَدُخُولُ الْخَلَاءِ ، وَالِاسْتِنْجَاءُ ، وَتَنَاوُلُ أَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَمَسُّ الذَّكَرِ ، وَالِامْتِخَاطُ وَالِاسْتِنْثَارُ ، وَتَعَاطِي الْمُسْتَقْذَرَاتِ ، وَأَشْبَاهِهَا .

الثَّالِثَةُ : يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ مَدَاسٍ وَاحِدٍ لَا لِعُذْرٍ ، وَدَلِيلُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَسَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَشْوِيهٌ وَمِثْلُهُ ، وَمُخَالِفٌ لِلْوَقَارِ ، وَلِأَنَّ الْمُنْتَعِلَةَ تَصِيرُ أَرْفَعَ مِنَ الْأُخْرَى ، فَيَعْسُرُ مَشْيُهُ ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ ، وَهَذِهِ الْآدَابُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً ، وَإِذَا انْقَطَعَ شِسْعُهُ وَنَحْوُهُ ، فَلْيَخْلَعْهُمَا ، وَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى وَحْدَهَا حَتَّى يُصْلِحَهَا وَيُنْعِلَهَا كَمَا هُوَ نَصٌّ فِي الْحَدِيثِ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ .

هَكَذَا وَقَعَ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ . وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ : إِنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو رَزِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُسْلِمٍ ، وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ انْفَرَدَ بِهَذَا . هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ أَبَا رَزِينٍ قَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ : ( خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى آخِرِهِ ) وَاسْمُ أَبِي رَزِينٍ مَسْعُودُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ كَانَ عَالِمًا .