فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ ابْتِنَاءِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


[ سـ :857 ... بـ :524]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخِرَبٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً قَالَ فَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ
اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَانْصُرْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

قَوْلُهُ : ( فَنَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ ) ضَبَطْنَاهُ أَمَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ ، وَأُمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ : ( أَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ ) يَعْنِي أَشْرَافَهُمْ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ ) أَيْ بَايِعُونِي .

قَوْلُهُ : ( قَالُوا : لَا ، وَاللَّهِ مَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ ) هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، دَفَعَهَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قَوْلُهُ : ( كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخَرِبٌ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ . قَالَ الْقَاضِي : رُوِّينَاهُ هَكَذَا ، وَرُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ مَا تَخَرَّبَ مِنَ الْبِنَاءِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَعَلَّ صَوَابُهُ ( خُرَبٌ ) بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خُرْبَةٍ بِالضَّمِّ ، وَهِيَ الْخُرُوقُ فِي الْأَرْضِ ، أَوْ لَعَلَّهُ حَرْفٌ . قَالَ الْقَاضِي : لَا أَدْرِي مَا اضْطَرَّهُ إِلَى هَذَا ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ صَحِيحُ الْمَعَانِي لَا حَاجَةَ إِلَى تَغْيِيرِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ لِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ ، أَمَرَ بِالْخُرَبِ فَرُفِعَتْ رُسُومُهَا ، وَسُوِّيَتْ مَوَاضِعُهَا لِتَصِيرَ جَمِيعُ الْأَرْضِ مُسْتَوِيَةً مَبْسُوطَةً لِلْمُصَلِّينَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِالْقُبُورِ .

قَوْلُهُ : ( ) فِيهِ : جَوَازُ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِاسْتِعْمَالِ خَشَبِهَا ، أَوْ لِيَغْرِسَ مَوْضِعَهَا غَيْرَهَا ، أَوْ لِخَوْفِ سُقُوطِهَا عَلَى شَيْءٍ تُتْلِفُهُ ، أَوْ لِاتِّخَاذِ مَوْضِعِهَا مَسْجِدًا ، أَوْ قَطْعِهَا فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ إِذَا لَمْ يُرْجَ فَتْحُهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً وَغَيْظًا لَهُمْ ، وَإِضْعَافًا وَإِرْغَامًا .

قَوْلُهُ : ( وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ) فِيهِ : جَوَازُ نَبْشِ الْقُبُورِ الدَّارِسَةِ ، وَأَنَّهُ إِذَا أُزِيلَ تُرَابُهَا الْمُخْتَلَطُ بِصَدِيدِهِمْ وَدِمَائِهِمْ جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ ، وَجَوَازُ اتِّخَاذِ مَوْضِعِهَا مَسْجِدًا إِذَا طُيِّبَتِ أَرْضُهُ . وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا الْمَوْتَى وَدُرِسَتْ يَجُوزُ بَيْعُهَا ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِذَا لَمْ تُوقَفْ .

قَوْلُهُ : ( وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً ) الْعِضَادَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هِيَ جَانِبُ الْبَابِ .

قَوْلُهُ : ( وَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ ) فِيهِ جَوَازُ الِارْتِجَازِ وَقَوْلُ الْأَشْعَارِ فِي حَالِ الْأَعْمَالِ وَالْأَسْفَارِ وَنَحْوِهَا ؛ لِتَنْشِيطِ النُّفُوسِ وَتَسْهِيلِ الْأَعْمَالِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرُوضِ وَالْأَدَبِ فِي الرَّجَزِ هَلْ هُوَ شِعْرٌ أَمْ لَا؟ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ لَا يَكُونُ شِعْرًا إِلَّا بِالْقَصْدِ ، أَمَّا إِذَا جَرَى كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَكُونُ شِعْرًا . وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ حَرَامٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .




[ سـ :858 ... بـ :524]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

( قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هِيَ مَبَارِكُهَا وَمَوَاضِعُ مَبِيتِهَا وَوَضْعِهَا أَجْسَادَهَا عَلَى الْأَرْضِ لِلِاسْتِرَاحَةِ . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ : وَيُقَالُ ذَلِكَ أَيْضًا لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ وَالسِّبَاعِ . وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ ، وَفِيهِ : أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ بِخِلَافِ أَعْطَانِ الْإِبِلِ ، وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ أَيْضًا .

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْيَى فَقَطْ غَيْرُ مَنْسُوبٍ ، وَالَّذِي فِي ( الْأَطْرَافِ ) لِخَلَفٍ أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ ، قِيلَ : وَهُوَ الصَّوَابُ .