فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ

باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام
[ سـ :906 ... بـ :556]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ وَقَالَ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ فَاذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ

قَوْلُهُ : ( فِي خَمِيصَةٍ ) هِيَ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ مِنْ صُوفٍ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّة ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ، وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهَا ثَعْلَبٌ قَالَ : وَرَوَيْنَاهُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَبِتَخْفِيفِهَا مَعًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ، إِذْ هُوَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِأَنْبِجَانِيَّةٍ مُشَدَّدٌ مَكْسُورٌ عَلَى الْإِضَافَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَعَلَى التَّذْكِيرِ ، كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( كِسَاءً لَهُ أَنْبِجَانِيًّا ) . قَالَ ثَعْلَبٌ : هُوَ كُلُّ مَا كَثُفَ . قَالَ غَيْرُهُ : هُوَ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لِلْكِسَاءِ عَلَمٌ فَهُوَ خَمِيصَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ أَنْبِجَانِيَّةٌ . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : هُوَ كِسَاءٌ غَلِيظٌ بَيْنَ الْكِسَاءِ وَالْعَبَاءَةِ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ كِسَاءٌ سَدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : إِنَّمَا هُوَ ( مَنْبَجَانِيٌّ ) وَلَا يُقَالُ أَنْبِجَانِيٌّ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجٍ وَفَتْحِ الْبَاءِ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الشُّذُوذِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ الْبَاجِيُّ : مَا قَالَهُ ثَعْلَبٌ أَظْهَرُ ، وَالنَّسَبُ إِلَى ( مَنْبِجٍ ) مَنْبَجِيُّ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( أَلْهَتْنِي ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : ( فَأَخَافُ أَنْ [ ص: 208 ] تَفْتِنِّي ) مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَقَارِبٌ وَهُوَ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِهَا عَنْ كَمَالِ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ أَذْكَارِهَا وَتِلَاوَتِهَا وَمَقَاصِدِهَا مِنَ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ . فَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْعِ النَّظَرِ مِنَ الِامْتِدَادِ إِلَى مَا يَشْغَلُ وَإِزَالَةِ مَا يَخَافُ اشْتِغَالَ الْقَلْبِ بِهِ ، وَكَرَاهِيَةِ تَزْوِيقِ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ وَحَائِطِهِ وَنَقْشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّاغِلَاتِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي إِزَالَةِ الْخَمِيصَةِ هَذَا الْمَعْنَى . وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ وَإِنْ حَصَلَ فِيهَا فِكْرٌ فِي شَاغِلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ . وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَالزُّهَّادِ مَا لَا يَصِحُّ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : يُسْتَحَبُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ ، وَلَا يَتَجَاوَزُهُ . قَالَ بَعْضُهُمْ : يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ ، وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ ضَرَرًا . وَفِيهِ : صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى . وَأَمَّا بَعْثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَطَلَبِ أَنْبِجَانِيَّةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِدْلَالِ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ ، بِأَنَّهُ يُؤْثِرُ هَذَا وَيَفْرَحُ بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَاسْمُ أَبِي جَهْمٍ هَذَا : عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ . قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ : وَيُقَالُ اسْمُهُ : عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ ، وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جُهَيْمٍ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَزِيَادَةُ يَاءٍ عَلَى التَّصْغِيرِ - الْمَذْكُورِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ، وَفِي مُرُورِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ .