فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا ، وَالْمُحَافَظَةِ

باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا
[ سـ :1231 ... بـ :723]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ

قَوْلُهُ : " رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " فِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَأَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ .



[ سـ :1232 ... بـ :723]
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ : " كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا سُنَّةُ الصُّبْحِ ، وَمَا لَهُ سَبَبٌ ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : هَذَا ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ . وَالثَّانِي : لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ سُنَّةَ الصُّبْحِ . وَالثَّالِثُ : لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ إِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا " وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ) فِيهِ : أَنَّ سُنَّةَ الصُّبْحِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِهَا فِي أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفِهَا ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ . وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا بَأْسَ بِإِطَالَتِهِمَا ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي اسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ . وَقَدْ بَالَغَ قَوْمٌ فَقَالُوا : لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْقَاضِي ، وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . وَفِي رِوَايَةٍ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا . وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ ، وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِالْقُرْآنِ . وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : ( إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ) . وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ الْأَذَانُ الثَّانِي .


[ سـ :1236 ... بـ :724]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ

قَوْلُهَا : ( يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ : هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ) . هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّخْفِيفِ ، وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِطَالَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَوَافِلِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ : لَا تُقْرَأُ فِيهِمَا أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ .




[ سـ :1238 ... بـ :724]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ

قَوْلُهَا : " لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِهِمَا ، وَأَنَّهُمَا سُنَّةٌ لَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وُجُوبَهُمَا . وَالصَّوَابُ : عَدَمُ الْوُجُوبِ ، لِقَوْلِهَا : عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ ) قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ) وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا فِي تَرْجِيحِ سُنَّةِ الصُّبْحِ عَلَى الْوِتْرِ ، لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ : لِأَنَّ الْوِتْرَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ .




[ سـ :1240 ... بـ :725]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا .




[ سـ :1242 ... بـ :726]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

قَوْلُهُ : ( قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَرَأَ الْآيَتَيْنِ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَاتَانِ السُّورَتَانِ أَوِ الْآيَتَانِ كِلَاهُمَا سُنَّةً . وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ : لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ . وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا يَقْرَأُ شَيْئًا كَمَا سَبَقَ ، وَكِلَاهُمَا خِلَافُ هَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا .