شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد - الحديث رقم 19

رقم الحديث 19 مناقب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أكثر من أن تحصر وقد دعا له النبي صلى الله عليه و سلم فقال [ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ] ودعا له بأن يؤتى الحكمة مرتين وثبت عنه أن رأى جبريل مرتين وهو بحر هذه الأمة وحبرها : وقد رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم أهلا للوصية مع صغره فقال له [ إحفظ الله يحفظك ] ومعناه : كن مطيعا لربك مؤتمرا بأوامره منتهيا عن نواهيه وقوله [ إحفظ الله تجده تجاهك ] أي اعمل له بالطاعة ولا يراك في مخالفته فإنك تجده تجاهك في الشدائد كما جرى للثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانحدرت صخرة فانطبقت عليهم فقالوا : أنظروا ما عملتم من الأعمال الصالحة فاسألوا الله تعالى بها فإنه ينجيكم فذكر كل واحد منهم سابقة سبقت له مع ربه فانحدرت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون وقصتهم مشهورة في الصحيح وقوله صلى الله عليه و سلم [ إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ] أرشده إلى التوكل على مولاه وأن لا يتخذ إليها سواه ولا يتعلق بغيره في جميع أموره ما قل منها وما كثر وقال الله تعالى { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } فبقدر ما يركن الشخص إلى غير الله تعالى بطلبه أوبقلبه أو بأمله فقد أعرض عن ربه بمن لا يضره ولا ينفعه وكذلك الخوف من غير الله وقد أكد النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فقال [ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعونك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ] وكذلك في الضر وهذا هو الإيمان بالقدر والإيمان به واجب خيره وشره وإذا تيقن المؤمن هذا فما فائدة سؤال غير الله والإستعانة به ؟ وكذلك إجابة الخليل عليه الصلاة و السلام جبريل عليه السلام حين سأله وهو في الهواء : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا وقوله [ رفعت الأقلام وجفت الصحف ] هذا تأكيد أيضا لما تقدم : أي لا يكون خلاف ما ذكرت لك بنسخ ولا تبديل ثم قال [ واعلم أن النصر مع الصبروأن الفرج مع الكرب وأن مع العسريسرا ] فنبهه على أن الإنسان في الدنيا - ولا سيما الصالحون - معرضون للمصائب لقوله عز و جل { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } وقال تعالى { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }