شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد - الحديث رقم 28

رقم الحديث 28 وفي بعض طرق هذا الحديث : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال [ لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ] قوله : موعظة بليغة : يعني بلغت إلينا وأثرت في قلوبنا ووجلت منها القلوب : أي خافت وذرفت منها العيون : كأنه قام مقام تخويف ووعيد وقوله [ أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ] يعنى لولاة الأمور [ وإن تأمر عليكم عبد ] وفي بعض الروايات [ عبد حبشي ] قال بعض العلماء : العبد لا يكون واليا ولكن ضرب به المثل على التقدير وإن لم يكن كقوله صلى الله عليه و سلم [ من بنى لله مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ] ومفحص قطاة لا يكون مسجدا ولكن الأمثال يأتي فيها مثل ذلك ويحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله حتى توضع الولاية في العبيد فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا تغليبا لأهون الضررين وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته لئلا يفضي إلى فتنة عظيمة وقوله [ وإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا ] هذا من بعض معجزاته صلى الله عليه و سلم : أخبر أصحابه بما يكون بعده من الإختلاف وغلبة المنكر وقد كان عالما به على التفصيل ولم يكن بينه لكل أحد إنما حذر منه على العموم وقد بين ذلك لبعض الآحاد كحذيفة وأبي هريرة وهو دليل على عظم محلهما ومنزلتهما وقوله [ فعليكم بسنتي ] السنة الطريقة القويمة التي تجرى على السنن وهو السبيل الواضح [ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ] يعني الذين شملهم الهدى وهم الأربعة بالإجماع : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهما أجمعين وأمر صلى الله عليه و سلم بالثبات على سنة الخلفاء الراشدين لأمرين أحدهما : التقليد لمن عجز عن النظر والثاني : الترجيح لما ذهبوا إليه عند اختلاف الصحابة وقوله [ وإياكم ومحدثات الأمور ] إعلم أن المحدث على قسمين : محدث ليس له أصل في الشريعة فهذا باطل مذموم ومحدث بحمل النظير على النظير فهذا ليس بمذموم لأن لفظ ( المحدث ) ولفظ ( البدعة ) لا يذمان لمجرد الإسم بل لمعنى المخالفة للسنة والداعي إلى الضلالة ولا يذم ذلك مطلقا فقد قال الله تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث } وقال عمر رضي الله عنه : نعمت البدعة هذه يعني التراويح وأما النواجذ فهي آخر الأضراس والله أعلم