فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجَالِسَ

رقم الحديث 4257 [4257] ( فِي هَذَا الْحَدِيثِ) الْمَذْكُورِ آنِفًا ( قَالَ) سَعْدٌ ( أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي ( كَابْنِ آدَمَ) الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّ هَابِيلَ المقتول المظلوم هو بن آدَمَ لَا قَابِيلَ الْقَاتِلَ الظَّالِمَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ وَلَدِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غير صالح كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَابْنَيْ آدَمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ أَيْ فَلْتَسْتَسْلِمْ حَتَّى تَكُونَ قَتِيلًا كَهَابِيلَ وَلَا تَكُنْ قَاتِلًا كَقَابِيلَ ( وَتَلَا) أَيْ قَرَأَ ( يَزِيدُ) بن خَالِدٍ الْمَذْكُورُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 4254 [4254] ( تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ مَعْنَى دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ وَهَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ وَالْبَغَوِيِّ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ وَشَرْحِ الْمَصَابِيحِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَادُ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ اسْتِمْرَارُ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِ الْوُلَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ وَلَا فُطُورٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الهجرة بدليل قوله فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِمَّا مَضَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالشَّيْخُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْمُرَادُ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ وَشَبَّهَهَا بِالرَّحَى الدَّوَّارَةِ بِالْحَبِّ لِمَا فِيهَا مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَشْبَاحِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ إِرَادَةُ الْحَرْبِ مِنْ دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ أَمْرِ الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِهِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُكَنُّونَ عَنِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى
قَالَ الشَّاعِرُ فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ فَكَيْفَ اخْتَارَ الْأَكْثَرُونَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي
قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ يُكَنُّونَ عَنِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ ذِكْرُ الْحَرْبِ صَرَاحَةً أَوْ إِشَارَةً وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحَرْبِ أَصْلًا
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّهُمْ يُكَنُّونَ عَنِ اشْتِدَادِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى وَيَقُولُونَ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ أَيِ اسْتَتَبَّ أَمْرُهَا وَلَمْ تَجِدْهُمُ اسْتَعْمَلُوا دَوَرَانَ الرَّحَى فِي أَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ ذِكْرِهَا أَوِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرِ الْحَرْبَ وَإِنَّمَا قَالَ رَحَى الْإِسْلَامِ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْتَتِبُّ أَمْرُهُ وَيَدُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ وَيَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَارَ دَوَرَانُ الرَّحَى فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَقُومُ لِصَاحِبِهِ وَيَسْتَمِرُّ لَهُ فَإِنَّ الرَّحَى تُوجَدُ عَلَى نَعْتِ الْكَمَالِ مَا دَامَتْ دَائِرَةً مُسْتَمِرَّةً وَيُقَالُ فُلَانٌ صَاحِبُ دَارَتِهِمْ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ يَدُورُ عَلَيْهِ وَرَحَى الْغَيْثِ مُعْظَمُهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَرْبِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ تَزُولُ رَحَى الْإِسْلَامِ مَكَانَ تَدُورُ ثُمَّ قَالَ كَأَنَّ تَزُولُ أَقْرَبُ لِأَنَّهَا تَزُولُ عَنْ ثُبُوتِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا
وَكَلَامُ التُّورْبَشْتِيِّ هَذَا ذَكَرَهُ القارىء في المرقاة
وقال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ إِذَا قَامَتْ عَلَى سَاقِهَا وَأَصْلُ الرَّحَى الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْتَدُّ قِيَامُ أَمْرِهِ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْبُعْدِ مِنْ إِحْدَاثَاتِ الظَّلَمَةِ إِلَى تَقَضِّي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ انْتَهَى
ثُمَّ.
اعْلَمْ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِخَمْسٍ لِلْوَقْتِ أَوْ بِمَعْنَى إِلَى
قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ وَاللَّامُ فِي لِخَمْسٍ لِلْوَقْتِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِرَمَضَانَ أَيْ وَقْتِهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَقِيلَ بِمَعْنَى إِلَى لِأَنَّ حُرُوفَ الْجَارَّةِ يُوضَعُ بَعْضُهَا مَوْضِعَ بَعْضٍ انْتَهَى
قُلْتُ كَوْنُ اللَّامِ فِي لِخَمْسٍ بِمَعْنَى إِلَى هُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْتِهَاءَ مُدَّةِ دَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْتِدَاءَ مُدَّتِهِ فَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ يُرَادُ الِابْتِدَاءُ
قُلْتُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الِابْتِدَاءُ مِنَ الْهِجْرَةِ أَوْ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَقِيَتْ فيه من عمره خَمْسُ سِنِينَ أَوْ سِتُّ سِنِينَ
قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ قِيلَ إِنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَ قِيَامِ أَمْرِهِ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْبُعْدِ مِنْ إِحْدَاثَاتِ الظَّلَمَةِ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ مُدَّةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَهُ وَقَدْ بقيت من عمره خَمْسُ سِنِينَ أَوْ سِتٌّ فَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَنَةٍ كَانَتْ بَالِغَةً ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَفِيهَا خَرَجَ أَهْلُ مِصْرَ وَحَصَرُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الصِّفِّينِ انْتَهَى
( فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا) .
اعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِدَوَرَانِ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَتَفْسِيرِهِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ فَتَفْسِيرُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ هَكَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فَإِنْ يَهْلِكُوا يَعْنِي بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَبِالْمَعَاصِي وَالْمَظَالِمِ وَتَرْكِ الْحُدُودِ وَإِقَامَتِهَا وَقَولُهُ فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ أَيْ فَسَبِيلُهُمْ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ وَقَولُهُ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ لِعَدَمِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْوَهْنِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
وَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ وَالشَّيْخِ مَعْنَاهُ فَإِنْ يَهْلِكُوا بِتَرْكِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ بِذَلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ بِإِقَامَةِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
هَكَذَا قَرَّرَ الْأَرْدَبِيلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ الْهَلَاكُ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ سَمَّى أَسْبَابَ الْهَلَاكِ وَالِاشْتِغَالَ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ هَلَاكًا
فَإِنْ قُلْتَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَوْعِدَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ إِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ إِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا وَهَذَانِ الْمَوْعِدَانِ لَا يُوجَدَانِ مَعًا بَلْ إِنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ لَا يُوجَدُ الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ الثَّانِي لَا يُوجَدُ الْأَوَّلُ فَأَيٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْعِدَيْنِ وُجِدَ ووقع
قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ وَقَعَ الْمَحْذُورُ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى الْآنَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَا ظَهَرَ وَجَرَى مَا جَرَى فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْمَوْعِدُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْمُلْكُ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَذَا مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَانْتِقَالَهُ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ مَا بَيْنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ دُعَاةُ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَوْعِدَ الثَّانِي قَدْ وَقَعَ
قُلْتُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلِذَلِكَ تُعُقِّبَ عَلَيْهِ من وجوه
قال بن الْأَثِيرِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ هَذَا التَّأْوِيلُ كَمَا تَرَاهُ فَإِنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعِينَ سَنَةً وَلَا كَانَ الدِّينُ فِيهَا قَائِمًا انْتَهَى
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ وَضَعَّفُوهُ بِأَنَّ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ أَلْفَ شَهْرٍ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ أَيِ الْخَطَّابِيَّ فَإِنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ الْحَدِيثَ كُلَّ التَّأَمُّلِ وَبَنَى التَّأْوِيلَ عَلَى سِيَاقِهِ لَعَلِمَ أَنَّ النبي لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِهِ اسْتِقَامَةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ فِي طَاعَةِ الْوُلَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَجَعْلَ الْمَبْدَأَ فِيهِ أَوَّلَ زَمَانِ الْهِجْرَةِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَلْبَثُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ يَشُقُّونَ عَصَا الْخِلَافِ فَتُفَرَّقُ كَلِمَتُهُمْ فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ قَدْ هَلَكَ قَبْلَهُمْ وَإِنْ عَادَ أَمْرُهُمْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إِيثَارِ الطَّاعَةِ وَنُصْرَةِ الْحَقِّ يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَى تَمَامِ السَّبْعِينَ
هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَلَوِ اقْتَضَى اللَّفْظُ أَيْضًا غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ فَإِنَّ الْمُلْكَ فِي أَيَّامِ بَعْضِ الْعَبَّاسِيَّةِ لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ اسْتِقَامَةٍ مِنْهُ فِي أَيَّامِ الْمَرْوَانِيَّةِ وَمُدَّةُ إِمَارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَتْ نَحْوًا مِنْ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَالتَّوَارِيخُ تَشْهَدُ لَهُ مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ ينقض كل تأويل يخالف تأويلنا هذا وهي قول بن مَسْعُودٍ
( قُلْتُ) أَيْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ( أَمِمَّا بَقِيَ أَوْ مِمَّا مَضَى) يُرِيدُ أَنَّ السَّبْعِينَ تَتِمُّ لَهُمْ مُسْتَأْنَفَةً بَعْدَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَمْ تَدْخُلُ الْأَعْوَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي جُمْلَتِهَا ( قَالَ مِمَّا مَضَى) يَعْنِي يَقُومُ لَهُمْ أَمْرُ دِينِهِمْ إِلَى تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ أَوَّلِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ لَا مِنَ انْقِضَاءِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى انْقِضَاءِ سَبْعِينَ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ ناجية الكاهلي ويقال المحاربي عن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ عَنْ محمد بن سليمان الأنباري عن بن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْهُ بِهِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



رقم الحديث 4255 [4255] ( يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ) قَدْ يُرَادُ بِهِ اقْتِرَابُ السَّاعَةِ أَوْ تَقَارُبُ أَهْلِ الزَّمَانِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ أَوْ قِصَرِ أَعْمَارِ أَهْلِهِ أَوْ قُرْبِ مدة الأيام والليالي حتى يكون السَّنَةُ كَالشَّهْرِ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ قِصَرُ زَمَانِ الْأَعْمَارِ وَقِلَّةُ الْبَرَكَةِ فِيهَا وَقِيلَ هُوَ دُنُوُّ زَمَانِ السَّاعَةِ وَقِيلَ قِصَرُ مُدَّةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ الزَّمَانَ يَتَقَارَبُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السُّفْعَةِ انْتَهَى
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَقَارُبِ الزَّمَانِ تَسَارُعُ الدُّوَلِ إِلَى الِانْقِضَاءِ وَالْقُرُونِ إِلَى الِانْقِرَاضِ فَيَتَقَارَبُ زَمَانُهُمْ وَتَتَدَانَى أيامهم
وقال بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَقَارُبُ أَحْوَالِهِ فِي أَهْلِهِ فِي قِلَّةِ الدِّينِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ ( وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ) أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْيَانِ ( وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ) أَيْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْمِحَنُ ( وَيُلْقَى الشُّحُّ) فِي قُلُوبِ أَهْلِهِ أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ حَتَّى يَبْخَلَ الْعَالِمُ بِعِلْمِهِ وَالصَّانِعُ بِصَنْعَتِهِ وَالْغَنِيُّ بِمَالِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُجُودَ أَصْلِ الشُّحِّ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ ( أَيَّةُ هُوَ) أَيِ الْهَرْجُ أَيُّ شَيْءٍ ( قَالَ) أي النبي
قَالَ الْمِزِّيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَفِي الْفِتَنِ وَمُسْلِمٌ فِي الْقَدَرِ وَأَبُو دَاوُدَ في الفتن




رقم الحديث 4256 [4256] ( إِنَّهَا) أَيِ الْقِصَّةَ ( سَتَكُونُ) أَيْ سَتُوجَدُ وَتَحْدُثُ وَتَقَعُ ( الْمُضْطَجِعُ فِيهَا) أَيْ فِي الْفِتْنَةِ ( مِنَ الْجَالِسِ) لِأَنَّهُ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ الْمُضْطَجِعُ فَيَكُونُ أَقْرَبَ مِنْ عَذَابِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ بِمُشَاهَدَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُهُ الْمُضْطَجِعُ ( وَالْجَالِسُ) فِي الْفِتْنَةِ يَكُونُ ( خَيْرًا مِنَ الْقَائِمِ) لِأَنَّهُ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ الْجَالِسُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَالِسِ هُوَ الثَّابِتُ فِي مَكَانِهِ غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ لِمَا يَقَعُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي زَمَانِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ مَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعٌ بَاعِثٌ وَدَاعِيَةٌ لَكِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ ( وَالْقَائِمُ) فِي الْفِتْنَةِ أَيْ مِنْ بَعِيدٍ مُتَشَرِّفٌ عَلَيْهَا أَوِ الْقَائِمُ بِمَكَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ( مِنَ الْمَاشِي) أَيْ مِنَ الذَّاهِبِ عَلَى رِجْلِهِ إِلَيْهَا ( مِنَ السَّاعِي) أَيْ مِنَ الْمُسْرِعِ إِلَيْهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا ( قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ أَبُو بَكْرَةَ ( قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِبِلٌ) أَيْ فِي الْبَرِيَّةِ ( لَهُ أَرْضٌ) أَيْ عَقَارٌ أَوْ مَزْرَعَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الْخَلْقِ ( فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ) فَإِنَّ الِاعْتِزَالَ وَالِاشْتِغَالَ بِخُوَيْصَةِ الْحَالِ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ لِوُقُوعِ عُمُومِ الْفِتْنَةِ الْعَمْيَاءِ بَيْنَ الرِّجَالِ ( قَالَ) أَيْ أَبُو بَكْرَةَ ( فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فَأَيْنَ يَذْهَبُ وَكَيْفَ يَفْعَلُ ( قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلْيَعْمِدْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ فَلْيَقْصِدْ ( إِلَى سَيْفِهِ) أَيْ إِنْ كَانَ لَهُ ( فَلْيَضْرِبْ بِحَدِّهِ) أَيْ جَانِبِ سَيْفِهِ الْحَادِّ ( عَلَى حَرَّةٍ) فِي الْمِصْبَاحِ الْحَرَّةُ بِالْفَتْحِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ انْتَهَى
وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْمَعْنَى فَلْيَكْسِرْ سِلَاحَهُ كَيْلَا يَذْهَبَ بِهِ إِلَى الْحَرْبِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحُرُوبَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ حُضُورُهَا ( ثُمَّ لِيَنْجُ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَيْ لِيَفِرَّ وَيُسْرِعْ هَرَبًا حَتَّى لَا تُصِيبَهُ الْفِتَنُ ( النَّجَاءُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمَدِّ أَيِ الْإِسْرَاعُ قاله القارىء
وَفِي فَتْحِ الْوَدُودِ النَّجَاءُ الْخَلَاصُ أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْفِتْنَةِ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ وَالنَّجَاءُ السُّرْعَةُ يُقَالُ نَجَا يَنْجُو نَجَاءً إِذَا أَسْرَعَ وَنَجَا مِنَ الْأَمْرِ إِذَا خَلَصَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ كُنِّيَ بِأَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبِكْرَةٍ وَقِيلَ فِي اسْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ