هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
916 حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى ، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
916 حدثنا حيوة بن شريح ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام الناس معه ، فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم معه ، ثم سجد وسجدوا معه ، ثم قام للثانية ، فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى ، فركعوا وسجدوا معه ، والناس كلهم في صلاة ، ولكن يحرس بعضهم بعضا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى ، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .

Narrated Ibn `Abbas:

Once the Prophet (ﷺ) (p.b.u.h) led the fear prayer and the people stood behind him. He said Takbir (Allahu-Akbar) and the people said the same. He bowed and some of them bowed. Then he prostrated and they also prostrated. Then he stood for the second rak`a and those who had prayed the first rak`a left and guarded their brothers. The second party joined him and performed bowing and prostration with him. All the people were in prayer but they were guarding one another during the prayer.

Ibn 'Abbâs (r) dit: «Le Prophète () se leva pour la prière et les combattants firent de même; il prononça le tekbîr et eux firent de même; il fit un rukû' et une partie des combattants le fit aussi; il se prosterna et cette dernière partie se prosterna aussi. Il se leva ensuite pour la deuxième rak'a et ceux qui avaient fait le sujûd se retirèrent pour monter la garde autour de leurs frères. L'autre partie de combattants arriva alors et fît avec le Prophète le rukû' et les sujûd. Donc, tout le monde était en prière, mais les uns montaient la garde autour des autres.»

":"ہم سے حیوہ بن شریح نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے محمد بن حرب نے زبیدی سے بیان کیا ، ان سے زہری نے ، ان سے عبیداللہ بن عبداللہ بن عتبہ بن مسعود نے ، ان سے عبداللہ بن عباس رضی اللہ عنہما نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کھڑے ہوئے اور دوسرے لوگ بھی آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی اقتداء میں کھڑے ہوئے ۔ حضور صلی اللہ علیہ وسلم نے تکبیر کہی تو لوگوں نے بھی تکبیر کہی ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے رکوع کیا تو لوگوں نے آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ رکوع اور سجدہ کر لیا تھا وہ کھڑے کھڑے اپنے بھائیوں کی نگرانی کرتے رہے ۔ اور دوسرا گروہ آیا ۔ ( جو اب تک حفاظت کے لیے دشمن کے مقابلہ میں کھڑا رہا بعد میں ) اس نے بھی رکوع اور سجدے کئے ۔ سب لوگ نماز میں تھے لیکن لوگ ایک دوسرے کی حفاظت کر رہے تھے ۔

Ibn 'Abbâs (r) dit: «Le Prophète () se leva pour la prière et les combattants firent de même; il prononça le tekbîr et eux firent de même; il fit un rukû' et une partie des combattants le fit aussi; il se prosterna et cette dernière partie se prosterna aussi. Il se leva ensuite pour la deuxième rak'a et ceux qui avaient fait le sujûd se retirèrent pour monter la garde autour de leurs frères. L'autre partie de combattants arriva alors et fît avec le Prophète le rukû' et les sujûd. Donc, tout le monde était en prière, mais les uns montaient la garde autour des autres.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [944] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّبَيْدِيِّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنْهُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.

     وَقَالَ  لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِلَّا النُّعْمَانُ وَلَا عَنْهُ إِلَّا وهيب يَعْنِي بن خَالِدٍ اه وَرِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ تَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَأَخَّرَ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا فِي رِوَايَتِهِمَا أَيْضًا فَرَكَعُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فِي صَلَاةٍ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يُكَبِّرُونَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ هَلْ أَكْمَلُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَمْ لَا وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَن شَيْخِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَزَادَ فِي آخِرِهِ وَلَمْ يَقْضُوا وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَبِالِاقْتِصَارِ فِي الْخَوْفِ عَلَى رَكْعَة وَاحِد يَقُولُ إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا.

     وَقَالَ  بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍمِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَسَيَأْتِي عَنْ بَعْضِهِمْ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ أَسْهَلُ مِنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ قَصْرُ الْخَوْفِ قَصْرُ هَيْئَةٍ لَا قَصْرُ عَدَدٍ وَتَأَوَّلُوا رِوَايَةَ مُجَاهِدٍ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الثَّانِيَةِ وَقَالُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَمْ يَقْضُوا أَيْ لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَمْن وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ تَعَرُّضٌ لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا قَصْرٌ وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَالثَّانِيَةِ وَاحِدَةً أَوِ الْعَكْسُ ( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ) أَيْ عِنْدَ إِمْكَانِ فَتْحِهَا وَغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلِقَاءُ الْعَدُوِّ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ خَصَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لِاجْتِمَاعِ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّ الْخَوْفَ يَقْتَضِي مَشْرُوعِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ بِحُصُولِ الظَّفَرِ يَقْتَضِي اغْتِفَارَ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ اسْتِكْمَالِ مَصْلَحَةِ الْفَتْحِ فَلِهَذَا خَالَفَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهَا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيُّ إِلَخْ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ أَيْ تَمَكَّنَ وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ إِنْ كَانَ بِهَا الْفَتْحُ بِمُوَحَّدَةٍ وَهَاءِ الضَّمِيرِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ قِيلَ فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الْإِيمَاءِ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَ حُصُولِ الْعَقْلِ إِلَّا أَنْ تَقَعَ دَهْشَةٌ فَيَعْزُبُ اسْتِحْضَارُهُ ذَلِكَ وَتعقب قَالَ بن رَشِيدٍ مَنْ بَاشَرَ الْحَرْبَ وَاشْتِغَالَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ إِذَا اشْتَغَلَتْ عَرَفَ كَيْفَ يَتَعَذَّرُ الْإِيمَاءُ وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوُضُوءِ أَوِ التَّيَمُّمِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْقِتَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ كَانَ يَرَى اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطًا فِي الْإِيمَاءِ فَيُتَصَوَّرُ الْعَجْزُ عَنِ الْإِيمَاءِ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يُجْزِيهِمُ التَّكْبِيرُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَىخلاف من قَالَ يُجزئ كالثورى وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الْبُخْتُرِيِّ فِي آخَرِينَ قَالُوا إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقُولُوا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَتِلْكَ صَلَاتُهُمْ بِلَا إِعَادَةٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ إِذَا كَانَ عِنْدَ الطِّرَادِ وَالْمُسَابَقَةِ يُجْزِئُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الرَّجُلِ تَكْبِيرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ أَجْزَأَتْهُ أَيْنَ كَانَ وَجْهُهُ.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يُجْزِئُ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ يُومِئُ بِهَا إِيمَاءً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةً مِنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَعْلِيقِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ بِلَفْظِ إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْأَرْضِ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَرَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا بِالْأَرْضِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ بن رَشِيدٌ أَنَّ سِيَاقَ الْبُخَارِيِّ لِكَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ مُشَوَّشٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَاءَ مَشْرُوطًا بِتَعَذُّرِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْخِيرَ مَشْرُوطًا بِتَعَذُّرِ الْإِيمَاءِ وَجَعَلَ غَايَةَ التَّأْخِيرِ انْكِشَافَ الْقِتَالِ ثُمَّ قَالَ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَجَعَلَ الْأَمْنَ قَسِيمَ الِانْكِشَافِ يَحْصُلُ الْأَمْنُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَسِيمَهُ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الِانْكِشَافَ قَدْ يَحْصُلُ وَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ لِخَوْفِ الْمُعَاوَدَةِ كَمَا أَنَّ الْأَمْنَ يَحْصُلُ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَاتِّصَالِ الْمَدَدِ بِغَيْرِ انْكِشَافٍ فَعَلَى هَذَا فَالْأَمْنُ قَسِيمُ الِانْكِشَافِ أَيُّهُمَا حَصَلَ اقْتَضَى صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَمَعْنَاهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ فَوَاحِدَةً وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا أَخَّرُوا أَيْ حَتَّى يَحْصُلَ الْأَمْنُ التَّامُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَنَسٌ وَصله بن سعد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ وَذَكَرَهُ خَلِيفَةُ فِي تَارِيخِهِ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ وَلَفظ عمر سُئِلَ قَتَادَةَ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ فَتَحُوا تُسْتَرَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى مُقَدِّمَةِ النَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَمِيرُهُمْ .

     قَوْلُهُ  تُسْتَرُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَيْضًا بَلَدٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادِ الْأَهْوَازِ وَذَكَرَ خَلِيفَةُ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى كَيْفِيَّتِهِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  اشْتِعَالُ الْقِتَالِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ عَنِ النُّزُولِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْإِيمَاءِ أَيْضًا فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَجَزَمَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إِلَى الْوُضُوءِ سَبِيلًا مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ .

     قَوْلُهُ  مَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ أَيْ بَدَلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فِي رِوَايَةِ خَلِيفَةَ الدُّنْيَا كُلُّهَا وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا أَنَّ مُرَادَهُ الِاغْتِبَاطُ بِمَا وَقَعَ فَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذَا هِيَ الْمَقْضِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتْ وَوَجْهُ اغْتِبَاطِهِ كَوْنُهُمْ لَمْ يَشْتَغِلُوا عَنِ الْعِبَادَة إِلَّا بِعبَادة أهم مِنْهَا عِنْدهم ثُمَّ تَدَارَكُوا مَا فَاتَهُمْ مِنْهَا فَقَضَوْهُ وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَوْ طَلَعْتَ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ وَقِيلَ مُرَادُ أَنَسٍ الْأَسَفُ عَلَى التَّفْوِيتِ الَّذِي وَقَعَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْفَائِتَةِ وَمَعْنَاهُ لَوْ كَانَتْ فِيوَقْتِهَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيَّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ إِيثَارُ أَنَسٍ الصَّلَاةَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يُشْعِرُ بِمُخَالَفَتِهِ لِأَبِي مُوسَى فِي اجْتِهَادِهِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ أَنَسًا كَانَ يَرَى أَنْ يُصَلِّيَ لِلْوَقْتِ وَإِنْ فَاتَ الْفَتْحُ وَقَولُهُ هَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُوَافَقَةَ فِي اللَّفْظِ وَإِلَّا فَقِصَّةُ أَنَسٍ فِي الْمَفْرُوضَةِ وَالْحَدِيثُ فِي النَّافِلَةِ وَيَخْدِشُ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ مُخَالَفَةِ اجْتِهَادِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَلَّى أَنَسٌ وَحْدَهُ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ لَكِنَّهُ وَافَقَ أَبَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ فَكَيْفَ يُعَدُّ مُخَالِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [944] حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ.
ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا".
وبالسند قال: ( حدّثنا حيوة بن شريح) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو في الأوّل، وضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم حاء مهملة في الآخر، الحمصي الحضرمي، وهو حيوة الأصغر، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء ثم موحدة، الخولاني الحمصي الأبرش ( عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد، الشامي الحمصي، وللإسماعيلي: حدّثنا الزبيدي ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بسكون المثناة الفوقية وضم عين الأوّل، والثالث: ابن مسعود المدني، أحد الفقهاء السبعة ( عن ابن عباس، رضي الله عنهما) ، أنه ( قال: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقام) بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فقام ( الناس معه) طائفتين، طائفة خلفه وأخرى خلفها ( فكبر وكبروا) كلهم ( معه، وركع وركع ناس منهم) صادق بالطائفة التي تليه عليه الصلاة والسلام، وبالأخرى، وزاد الكشميهني: معه ( ثم سجد) عليه الصلاة والسلام ( وسجدوا) أي: الذين ركعوا ( معه) والطائفة الأخرى قائمة تحرس ( ثم قام) عليه الصلاة والسلام ( للثانية) أي: للركعة الثانية، ولابن عساكر: ثم قام الثانية ( فقام الذين سجدوا) معه، عليه الصلاة والسلام، ( وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى) الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه في الركعة الأولى، وتأخرت الطائفة الأخرى إلى مقام الأخرى يحرسونهم ( فركعوا وسجدوا معه) عليه الصلاة والسلام، وهذا فيما إذا كانوا في جهة القبلة، ولا حائل يمنع رؤيتهم، وفي القوم كثرة بحيث يحرس بعضهم بعضًا كما قال: ( والناس كلهم فى صلاة) ولأبي الوقت: في الصلاة، بالتعريف ( ولكن يحرس بعضهم بعضًا) هذا موضع الترجمة.
وظاهر هذا السياق صادق بأن تسجد الطائفة الأولى معه في الركعة الأولى، والثانية في الثانية، وعكسه بأن تسجد الثانية معه في الأولى، والأولى في الثانية، مع تحول كل منهما إلى مكان الأخرى كما مرّ، فتكون صفتين.
والذي في مسلم، وأبي داود: هو الصفة الأولى مع التحوّل أيضًا، ولفظ رواية أبي داود، عن أبي عياش الزرقيّ، قال: صلينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر بعسفان، فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمشركون أمامه، واصطفوا صفًّا خلفه، وخلف الصف صف آخر، فركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا ثم سجد الصف الذي يليه وقام الآخر يحرسونهم، فلما قضى بهم السجدتين وقاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدّم الآخرون إلى مقام الأوّلين، ثم ركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا، ثم سجد فسجد الصف الذي يليه.
وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد الآخرون وجلسوا جميعًا، فسلم بهم.
ولمسلم نحوه.
وهذا السياق مغاير لحديث الباب، فإن فيه: أن الصفين ركعوا معه، عليه الصلاة والسلام، وسجدت معه الأولى وقامت الأخرى من الركوع تحرس، ثم سجدت الحارسة بعد فراغ أولئك.
وفي حديث الباب أنه ركع طائفة منهم وسجدوا معه، ثم جاءت الطائفة الأخرى كذلك، ولم يقع في رواية الزهري هذه: هل أكملوا الركعة الثانية أم لا.
نعم، زاد النسائي في رواية له، من طريق أبي بكر بن أبي الجهم، عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فزاد في آخره: ولم يقضوا.
وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة.
ولمسلم، وأبي داود، والنسائي، من طريق مجاهد عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم، في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
لكن الجمهور على أن قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأوّلوا رواية مجاهد هذه على أن المراد ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية.
ورواة حديث الباب ثلاثة حمصيون، واثنان مدنيان.
وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة.
4 - باب الصَّلاَةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ لاَ يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ.
وَقَالَ أَنَسٌ: حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ -وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ- فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلاَّ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا.
وَقَالَ أَنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ( باب الصلاة عند مناهضة الحصون) أي إمكان فتحها وغلبة الظن على القدرة عليها ( و) الصلاة عند ( لقاء العدوّ) .
( وقال) عبد الرحمن ( الأوزاعي) ، فيما ذكره الوليد بن مسلم في كتاب السير: ( إذ كان تهيأ الفتح) بمثناة فوقية فهاء فمثناة تحتية مشدّدة فهمزة مفتوحات، أي: اتفق وتمكن.
وللقابسي، فيما حكاه في الفتح وغيره: إن كان بها الفتح، بموحدة.
وهاء: بضمير، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهو تصحيف، ( و) الحال أنهم ( لم يقدروا على) إتمام ( الصلاة) أركانًا وأفعالاً ( صلوا إيماءً) أي مومئين ( كل امرئ) شخص يصلّي ( لنفسه) بالإيماء منفردًا، ( فإن لم يقدروا على الإيماء) بسبب اشتغال الجوارح، لأن الحرب إذا بلغ الغاية في الشدة تعذر الإيماء على القاتل لاشتغال قلبه وجوارحه عند القتال ( أخروا الصلاة خى ينكشف القتال، أو يأمنوا، فيصلوا ركعتين) .
استشكل كونه جعل الإيماء مشروطًا بتعذر القدرة، والتأخير مشروطًا بتعذر الإيماء، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ثم قال: أو يأمنوا فيصلوا ركعتين ...
فجعل الأمن قسيم الانكشاف، وبالانكشاف يحصل الأمن، فكيف يكون قسيمه؟.
وأجيب: بأن الانكشاف قد يحصل، ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة، كما أن الأمن قد يحصل بزيادة القوّة واتصال المدد بغير انكشاف، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين.
( فإن لم يقدروا) على صلاة ركعتين، بالفعل أو بالإيماء ( صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا) أي على صلاة وسجدتين ( لا يجزيهم) ، ولغير الأربعة: وسجدتين لا يجزيهم، ولأبي ذر: فلا يجزيهم ( التكبير) خلافًا لمن قال: إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة يجزيهم التكبير عن الصلاة بلا إعادة.
( ويؤخرونها) أي: الصلاة، ولغير أبي ذر: يؤخروها ( حتى يأمنوا) أي: حتى يحصل لهم الأمن التام.
واحتج الأوزاعي، كما قال ابنبطال على ذلك، بكونه عليه الصلاة والسلام أخّرها في الخندق حتى صلاها كاملة، لما كان فيه من شغل الحرب.
فكذا الحال التي هي أشد.
وأجيب: بأن صلاة الخوف، إنما شرعت بعد الخندق.
( وبه) أي: وبقول الأوزاعي ( قال مكحول) الدمشقي التابعي، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من طريق الأوزاعي بلفظ: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخّروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض.
( وقال أنس) ولأبي ذر، وقال أنس بن مالك، مما وصله ابن سعد وعمر بن شبة من طريق قتادة: ( حضرت عند مناهضة) ولابن عساكر: حضرت مناهضة ( حصن تستر) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والثانية مفتوحة، بينهما سين مهملة ساكنة آخره راء، مدينة مشهورة من كور الأهواز، فتحت سنة عشرين في خلافة عمر ( عند إضاءة الفجر -واشتد اشتعال القتال-) بالعين المهملة، وتشبيه القتال بالنار: استعارة بالكناية، ( فلم يقدروا على الصلاة) لعجزهم عن النزول، أو عن الإيماء، فيوافق السابق عن الأوزاعي، أو أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلاً من شدّة القتال، وبه جزم الأصيلي، ( فلم نصلّ إلا بعد ارتفاع النهار) في رواية عمر بن شبة: حتى انتصف النهار ( فصليناها، ونحن مع أبي موسى) الأشعري ( ففتح لنا) الحصن.
( وقال) وللأصيلي: فقال، ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر: قال ( أنس) هو ابن مالك: ( وما يسرّني بتلك الصلاة) أي بدل تلك الصلاة ومقابلها، فالباء للبدلية، كقوله: فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا.
وللكشميهني: من تلك الصلاة ( الدنيا وما فيها) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [944] حدثنا حيوة بن شريح: نا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قالَ: قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوامعه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا اخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضا.
وخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، عن محمد بن حرب بهذا الإسناد، وزاد فيه الفاظا بعد قوله: ((ثم قام إلى الركعة فتاخر الذين سجدوا معه وحرسوا أخوانهم)) .
ورواه النعمان بن راشد، عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد فيه زيادات كثيرة، ولفظه: ((قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقمنا خلفه صفين، فكبر وركع وركعنا جميعا، الصفان كلاهما، ثم رفع رأسه، ثم خر ساجدا، وسجد الصف الذي يليه وثبت الآخرون قيامايحرسون أخوانهم، فلما فرغ من سجوده وقام خر الصف المؤخر سجودا، فسجد سجدتين، ثم قاموا فتأخر الصف المقدم الذي بين يديه، وتقدم الصف المؤخر، فركع وركعوا جميعا، وسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذي يليه، وثبت الآخرون قياما يحرسون أخوانهم، فلما قعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خر الصف المؤخر سجودا، ثم سلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرجه الدارقطني، ومن طريقه البيهقي.
وفي هذه الرواية: أن الصفين ركعوا معه، ورواية الزبيدي تدل على أن بعضهم ركع معه، وبعضهم لم يركع.
ورواه أبو بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بذي قرد، فصف الناس خلفه صفين، صف خلفه، موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا.
خرجه النسائي من طريق سفيان، عنه.
وخرجه الإمام أحمد، ولفظه: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف بذي قرد - أرض من أرض بني سليم -، فصف الناس خلفه صفين، صفا موازي العدو، وصفا خلفه، فصلى بالذي يليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى.
وفي رواية أخرى لهُ: ثم سلم، فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين، ولكل طائفة ركعة وهذه الزيادة مدرجة من قول سفيان؛ كذلك هوَ في رواية البيهقي.
وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحيهما)) .
وقال البخاري في ((المغازي)) : ((وقال ابن عباس: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخوف بذي قرد)) – ولم يزد على ذَلِكَ.
وقال الشافعي: هو حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله.
قالَ: وإنما تركناه لاجتماع الأحاديث على خلافه، ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده.
انتهى.
وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري، فالقول قول الزهري، ولعل مسلما ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده.
قال - في رواية علي بن سعيد في صلاةالخوف -: قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلاّ أنه كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلها صحاح.
وقال – في رواية حرب -: كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح الإسناد، وكل ما فعلت منه فهو جائز.
وقد حمل بعضهم معنى رواية أبي بكر أبي الجهم على معنى رواية الزهري، وقال: إنما المراد أن الصفين صلوا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية، وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه، كما في رواية النعمان بن راشد، عن الزهري.
وأما قوله: ((فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان وللقوم ركعة)) ، فهو من قول سفيان، كما هو مصرح به في رواية البيهقي، وذلك ظن ظنه، قد خالفه غيره فيهِ.
ويشهد لهذا التأويل: أنه قد روي عن ابن عباس التصريح بهذا المعنى من وجه.
خرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالَ: ما كانت صلاة الخوف إلا كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء إلاّ أنها كانت عقبا، قامت طائفة منهم وهم جميعا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسجدت معه طائفة، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم قام الرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقاموا معه جميعاً، ثم ركع وركعوا معه جميعاً، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قياما أول مرة، فلما جلس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانواقياما لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتسليم.
وخرج الإمام أحمد من رواية النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قالَ: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? في غزاة فلقي المشركين بعسفان فأنزل الله { وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية، فلما صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر وكانوا في القبلة صلى المسلمون خلفه صفين فكبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا معه - فذكر صلاة الخوف - وفيه: تأخر الصف الذين يلونه في الركعة الثانية وتقدم الآخرين - وقال في آخر الحديث: فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردناهم.
وقال: صحيح على شرط البخاري.
وليس كما قال؛ والنضر أبو عمر، ضعيف جدا.
وخرجه البزار - أيضا.
وقد تقدم حديث أبي عياش الزرقي في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعسفان بهذا المعنى.
وروي - أيضا - من حديث جابر، من رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، قالَ: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاةالخوف، وصفنا صفين، صف خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السجود، وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلمنا جميعا.
قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء [بأمرائهم] .
خرجه مسلم.
وخرجه - أيضا - من رواية أبي الزبير، عن جابر، قالَ: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوما من جهينة، فقاتلونا قتالا شديدا - ثم ذكره بمعناه.
وروي - أيضا - من حديث حذيفة.
خرجه الإمام أحمد من رواية أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السلولي، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ فقالَ حذيفة: أنا، فأخر أصحابك يقومون طائفتين، طائفة خلفك وطائفة بازاء العدو، فتكبر فيكبرون جميعا، ثُمَّ تركع فيركعون جميعا، ثُمَّ ترفعفيرفعون جميعا، ثُمَّ تسجد ويسجد معك الطائفة التي تليك، والطائف التي بازاء العدو قيام بازاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود [يسجدون] ، ثُمَّ يتأخر هؤلاء ويتقدم الآخرون، فقاموا مقامهم، فتركع ويركعون جميعا، ثُمَّ ترفع ويرفعون جميعا، ثُمَّ تسجد فتسجد الطائفة التي تليك، والطائفة الأخرى قائمة بازاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود سجدوا، ثُمَّ سلمت ويسلم بعضهم على بعض، وتأمر أصحابك أن هاجهم هيج من العدو، فقد حل لهم القتال والكلام.
وسليم بن عبد، ذكره ابن حبان في ((ثقاته)) .
وقد روي حديث حذيفة بالفاظ محتملة، وهذه الرواية مفسرة لما أجمل في تلك.
كما روى الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم، قالَ: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام، فقال: إيكم صلى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ فقالَ حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، وانفضوا.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.
وخرجه النسائي، ولفظه: فقام حذيفة، فصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
وفي رواية: قال له حذيفة: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف بطائفة ركعة، صف خلفه، وأخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، فصلى بهم ركعة.
وروى أبو روق، عن مخمل بن دماث، قال: غزونا مع سعيد بن الحارث، فقال: من شهد منكم صلاة الخوف مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالَ حذيفة: أنا، صلى بإحدى الطائفتين ركعة؛ والأخرى مستقبلة العدو، ثُمَّ ذهبت هذه الطائفة فقامت مقام أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة، فصار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة.
وقد خرجه الإمام أحمد وغيره - أيضا.
فهذا الإختلاف في حديث حذيفة يشبه الاختلاف في حديث ابن عباس، وبعضه محتمل، وبعضه مفسر، فيرد المحتمل إلى المفسر المبين، كما قلنا في حديث ابن عباس.
والله –سبحانه وتعالى - أعلم.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة الصلاة على وجه الحرس، على مافي حديث أبي عياش الزرقي وما وافقه من رواية جابر وابن عباس وحذيفة، وقد أمر بها حذيفة كما سبق.
وروى حطان بن عبد الله، أن أبا موسى صلاها في بعض حروبه، واستحبها طائفة منهم إذا كان العدو في جهة القبلة، منهم: سفيان وإسحاق وأبويوسف.
وروي عن أبي حنيفة: أنه لا يجوز الصلاة بها، ولا يجوز إلا على حديث ابن مسعود وما وافقه، كما سبق.
والصلاة بهذه الصفة والعدو في جهة القبلة إذا لم يخش لهم كمين حسن؛ فإن أكثر ما فيها تأخر كل صف عن متابعة الإمام في السجدتين وقضاؤهما في الحال قبل سلامه، وتكون الحراسة في السجود خاصة، وهذا قول الشافعي وأصحابه.
وللشافعية وجه آخر: أنهم يحرسون في الركوع مع السجود، وقد سبق في رواية البخاري لحديث ابن عباس ما يدل عليهِ.
وأعلم؛ أن البخاري لم يخرج في ((أبواب صلاة الخوف)) مما ورد عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أنواع صلاة الخوف سوى حديث ابن عمر، وابن عباس، وخرج في ((المغازي)) حديث جابر وسهل بن أبي حثمة، وذكر حديث أبي هريرة – تعليقاً.
فأما حديث جابر، فقال: ((وقال أبان: نا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذات الرقاع –فذكر الحديث إلى أن قال -: وأقيمت الصَّلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع ركعات وللقوم ركعتين)) .
هكذا ذكره تعليقاً.
وخرجه مسلم مسنداً من حديث أبان، ولفظه: قالَ: فنودي بالصلاة –وذكره.
في الحديث: دليل على أن صلاة الخوف ينادي لها بالإذان والإقامة كصلاة الأمن، ولا أعلم في هذا خلافاً، إلا ما حكاه أصحاب سفيان الثوري في كتبهم، عنه، أنه قالَ: ليس في صلاة الخوف إذان ولا إقامة في حضر ولا سفر.
وخرج الدارقطني من حديث الحسن، عن جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحاصر بني محارب بنخل، ثم نودي في الناس: أن الصلاة جامعة – وذكر معنى حديث أبي سلمة، وصرح فيه بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم بين كل ركعتين.
وقد خرجه النسائي - مختصراً - من رواية حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن جابر - بذكر السلام - أيضا، وليس فيه: ذكرالصلاة جامعة.
ورواه قتادة –أيضا - عن سليمان اليشكري، عن جابر –بذكر السلام بين كل ركعتين، وفيه: أن يومئذٍ أنزل الله في إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح، وفي الحديث أن ذلك كان بنخلٍ.
والحسن، لم يسمع من جابر، وقتادة، لم يسمع من سليمان اليشكري.
وقد رواه أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه صلى في خوف ثقيف ركعتين، ثم سلم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في((صحيحه)) .
وعند أبي داود: وبذلك كان يفتي الحسن.
وصلاة الخوف على هذه الصفة: أن يصلي الإمام أربع ركعات ويصلي كل طائفة خلفه ركعتين، لها صورتان: إحداهما: أن يسلم الإمام من كل ركعتين، فهو جائز عن الشافعي وأصحابه.
واختلفوا: هل هي أفضل من صلاة ذات الرقاع - التي يأتي ذكرها؟ على وجهين لهم.
وكذلك اختار الجوزجاني هذه الصلاة على غيرها من أنواع صلوات الخوف؛ لما فيها من تكميل الجماعة لكل طائفة.
واختلف أصحابنا في ذلك: فمنهم من أجازها في صلاة الخوف دون غيرها، وهو منصوص أحمد، وهو قول الحسن البصري - أيضا - واختاره طائفة من أصحابنا.
ومن أصحابنا من قال: هي مُخرجة على الاختلاف عن أحمد في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، كما سبق ذكره.
ومنع منها أصحاب أبي حنيفة؛ لذلك.
والصورة الثانية: أن لايسلم الإمام، ويكون ذلك في سفر، فينبنيعلى أنه: هل يصح أن يقتدي القاصر بالمتم في السفر؟ والأكثرون على أنه إذا اقتدى المسافر بمن يتم الصلاة فأدرك معه ركعة فصاعداً، فإنه يلزمه الإتمام.
فإن أدرك معه دون ركعة، فهل يلزمه الإتمام؟ قالَ الزهري وقتادة والنخعي ومالك: لا يلزمه، وهو رواية أحمد.
والمشهور، عنه: أنه يلزمه الإتمام بكل حال، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور.
وقالت طائفة: لا يلزمه الإتمام، وله القصر بكل حال وهو قول الشعبي وطاوس وإسحاق.
فعلى قول هؤلاء: لاتردد في جواز أن يصلي الإمام أربع ركعات في السفر، وتصلي معه كل طائفة ركعتين.
وعلى قول الأولين: فهل يجوز ذلك في صلاة الخوف خاصة؟ فيه لأصحابنا وجهان.
ومن منع ذلك قال: ليس في حديث جابر تصريح بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسلم بين كل ركعتين بل قد ورد ذلك صريحاً في روايات متعددة، فتحمل الروايات المحتملة على الروايات المفسرة المبينة.
ثم قال البخاري: ((وقال أبو الزبير، عن جابر: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل،فصلى الخوف)) .
وقال –أيضا -: ((وقال معاذ: ثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل - فذكر صلاة الخوف)) .
وقد خرجه النسائي من رواية سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قالَ: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا جميعاً، ثم ركع فركعوا جميعاً، ثم سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما قاموا سجد الآخرون مكانهم الذي كانوا فيهِ، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع فركعوا جميعاً، ثم رفع فرفعوا جميعاً، ثم سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذين يلونه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وجلسوا سجد الآخرون مكانهم، ثم سلم.
قال جابر: كما يفعل أُمراؤكم.
وخرجه مسلم - بمعناه - من رواية زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، وليس عنده: ((بنخلٍ)) .
وذكر البخاري – أيضاً - تعليقاً، عن جابر من طريقين آخرين، فقال: ((وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد بن نافع، عن أبي موسى، أن جابراً حدثهم: صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم يوم محارب وثعلبة.
وقال ابن إسحاق: سمعت وهب بن كيسان: سمعت جابراً: خرجالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتي الخوف)) .
انتهى.
وأبو موسى، ليس هو الأشعري، بل تابعي، ذكره أبو داود، وذكر في حديثه: أنه كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل طائفة ركعة.
وقد رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة بهذا الإسناد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة، بكل طائفة ركعة وسجدتين.
وذكر أبو مسعود الدمشقي وغيره: أن أبا موسى هذا هو علي بن رباح اللخمي، وقيل: إنه أبو موسى الغافقي، واسمه: مالك بن عبادة، وله صحبةٌ.
قال صاحب ((التهذيب)) : والقول الأول أولى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما حديث سهل بن أبي حثمة: فقال البخاري: ((ثنا قتيبة، عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، ووجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة، فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين.
حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
حدثنا محمد بن عبيد الله: ثنا ابن أبي حازم، عن يحيى: سمع القاسم: أخبرني صالح بن خوات، عن سهل، حدثه - قوله)) .
حاصل الاختلاف في إسناد هذا الحديث الذي خرجه البخاري هاهنا: أن يزيد بن رومان رواه عن صالح بن خوات، عمن شهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم ذات الرقاع، ولم يسمه.
ورواه القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، واختلف عليه في رفعه ووقفه: فرواه يحيى بن سعيد الانصاري، عن القاسم، فوقفه على سهل.
وقد خرجه البخاري هاهنا من طريق يحيىالقطان وابن أبي حازم، عن يحيى الأنصاري.
كذلك رواه شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الإمام أحمد: رفعه عبد الرحمن، ويحيى لم يرفعه.
ثم قالَ: حسبك بعبد الرحمن، هو ثقة ثقة ثقة.
قيل له: فرواه عن عبد الرحمن غير شعبة؟ قالَ: ما علمت.
ثم قال: قد رواه يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهذا يشد ذاك.
يريد: أنه يقوي رفعه.
ونقل الترمذي في ((العلل)) عن البخاري، أنه قال: حديث سهل بن أبي حثمة هوحديث حسن، وهومرفوع، رفعه شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم.
انتهى.
ولكن رواه حرب الكرماني، عن إسحاق بن راهويه، عن الثقفي، عن يحيى الأنصاري، وقال في حديثه: ((من السنة)) .
وهذا –أيضا - رفعٌ له.
وهو غريب عن الأنصاري.
ورواه عبد الله العمري، عن أخيه عبيد الله، عن القاسم بن محمد،عن صالح بن خوات، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخطأَ في قوله: ((عن أبيه)) ، إنما هو: ((عن سهل)) : قاله أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان.
وقالا –أيضا - رواه أبو أويس، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه - أيضا -، وأخطأ –أيضاً - في قوله: ((عن أبيه)) .
وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره: أن الذي قال صالح بن خوات في رواية يزيد بن رومان، عنه: ((حدثني من شهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) ، هو سهل بن أبي حثمة، كما قاله القاسم، عن صالح.
قال أبو حاتم: وسهل بن أبي حثمة بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها إلا بدراً.
قالَ عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت رجلاً من ولده، سأله أبي عن ذلك، فأخبره به.
ولكن ذكر أكثر أهل السير كالواقدي والطبري وغيرهما: أن سهل بن أبي حثمة توفي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثمان سنين.
قال الواقديوالطبري: وقد حفظ عنه، وقيل: إن الذي كان دليل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أحد وشهد معه المشاهد هو أبو حثمة والد سهل.
والله سبحانه أعلم.
وقد ذكر الإمام أحمد وأبو داود أن رواية يحيى بن سعيد، عن القاسم تخالف رواية يزيد بن رومان في السلام؛ فإن في رواية يزيد بن رومان: أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? سلم بالطائفة الثانية، وفي رواية يحيى بن سعيد: أنهم قضوا الركعة بعد سلامه.
وقد خرجه أبو داود من رواية مالك، عن يحيى بن سعيد كذلك، وفي حديثه: فركع بهم وسجد بهم ويسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون.
وقد روى يحيى القطان الحديث، عن يحيى الأنصاري، ورواه عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، وقال: لا أحفظ حديثه، ولكنه مثل حديث يحيى.
كذا خرجه الترمذي وابن ماجه.
وكذلك في رواية البخاري: أنيحيى القطان رواه عن شعبة مثل حديث يحيى بن سعيد.
ولكن بينهما فرق في السلام: فقد رواه معاذ بن معاذ، عن شعبة، عن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وقال فيه: وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم.
كذلك خرجه مسلم من طريقه.
ورجح ابن عبد البر رواية يحيى القطان، عن شعبة، على رواية معاذ بن معاذ، عنه، وقال في القطان: هو أثبت الناس في شعبة.
وخالفه البيهقي، ورجح رواية معاذ بن معاذ؛ لان يحيى القطان لم يحفظ حديث شعبة.
وقال: رواه –أيضا - روح بن عبادة، عن شعبة، كما رواه عنه معاذ.
قالَ: وكذلك رواه الثوري، عن يحيى الأنصاري بخلاف رواية مالك، عنه.
قالَ: وهذا أولى أن يكون محفوظاً؛ لموافقته رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، ورواية مالك.
عن يزيد بن رومان.
قلت: فقد رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم، وقال: أما عبد الرحمن فرفعه، وساق الحديث، وفي آخره: ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم.
وهذا يوافق رواية معاذ،وغندر مقدم في أصحاب شعبة.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى استحباب صلاة الخوف على ما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذات الرقاع في هذا الحديث.
قال القاسم بن محمد: ما سمعت في صلاة الخوف أحب إلي منه.
وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والثوري - في رواية - وحكاه إسحاق عن أهل المدينة وأهل الحجاز، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، وحكاه الترمذي، عن إسحاق.
وصرح إسحاق في رواية ابن منصور على أنه يجوز العمل به، ولا يختاره على غيره من الوجوه.
إلاّ أنهم اختلفوا: هل تقضي الطائفة الركعة الثانية قبل سلام الإمام، أو بعده؟ فعند الشافعي وأحمد وداود: تقضي قبل سلام الإمام، ثُمَّ يسلم بهم وهو رواية عن مالك، ثُمَّ رجع عنها، وقال: إنما يقضون بعد سلام الإمام، وهو قول أبي ثور وأبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، ذكره في كتابه ((الشافي)) .
ونص أحمد على أن هذه الصلاة تصلى وأن كان العدوفي جهة القبلة.
وقال القاضي أبو يعلى: إنما تصلى إذا كان العدو في غير جهة القبلة، وكذلك حمل بعض أصحاب سفيان قوله على ذلك.
قال بعض أصحابنا: نص أحمد محمول على ما إذا لم يمكن صلاة عسفان لاستتار العدو، وقول القاضي محمول على ما إذا أمكن أن يصلوا صلاة عسفان لظهور العدو.
وكذا قال أصحاب الشافعي، لكنهم جعلوا ذلك شرطا لاستحباب صلاة ذات الرقاع، لا لجوازها.
قال البخاري: ((وقال أبو هريرة: صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة نجد صلاة الخوف)) وهذا الحديث خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية حيوة وابن لهيعة - إلا أن النسائي كنى عنه برجل آخر – كلاهما، عن أبي الاسود، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث، عن مروان بن الحكم، أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ قالَ أبوهريرة: نعم.
قالَ مروان: متى؟ قالَ أبو هريرة: عام غزوة نجد، قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى صلاة العصر، فقامت طائفة معه، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى الكعبة، فكبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا جميعا: الذين معه والذين مقابلو العدو، ثُمَّ ركع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة واحدة، وركعت الطائفة الذين معه، ثُمَّ سجد فسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثُمَّ قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوه، واقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم كما هوَ، ثُمَّ قاموا فركع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثُمَّ أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعد، ومن كان معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلموا جميعا، فكان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة.
واللفظ لأبي داود.
ولفظ النسائي: فكان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان.
فتحمل - حينئذ - رواية أبي داود على أنه كان لكل واحد من الطائفتينركعة مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والركعة الأخرى هو صلاها لنفسه، وعلى مثل ذلك تحمل كثير من أحاديث صلاة الركعة في الخوف.
ورواية ابن إسحاق، عن أبي الاسود، عن عروة أنه سمع أبا هريرة ومروان بن الحكم يسأله - فذكر الحديث بمعناه.
خرجه ابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحيهما)) .
ورواية من روى عن عروة، عن مروان، عن أبي هريرة أشبه بالصواب -: قاله الدارقطني.
ونقل الترمذي في ((علله)) عن البخاري، أنه قال: حديث عروة، عن أبي هريرة، حسن.
وقد روي هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن أبي هريرة.
خرجه الأثرم.
وليس في حديثه: أن الطائفتين كبَرت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول صلاته.
وروي عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن عروة، عن عائشة.
خرجه أبو داود.
ولفظ حديثه: قالت: كبَر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسا، ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقري حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائف [الأخرى فقاموا] فكبروا، ثُمَّ ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجدوا معه، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم سجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قامت الطائفتان جميعا فصلوا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعا، ثم عاد فسجد الثانية فسجدوا معه سريعا كأسرع الإسراع جاهدا، لا يألون إسراعا، ثم سلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلموا، فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد شاركه الناس في الصلاة كلها.
فقد اضطرب ابن إسحاق في لفظ الحديث وإسناده.
وقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه - مرسلا -، بنحو حديث أبي عياش الزرقي.
ذكره أبو داود - تعليقا.
وقد أجاز الإمام أحمد وإسحاق وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وابن جرير وجماعة من الشافعية صلاة الخوف على كل وجه صح عنالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن رجحوا بعض الوجوه على بعض.
وأما صلاة الخوف ركعة، فيأتي الكلام عليه فيما بعد - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
وظاهر كلام البخاري: أنه يجوز.
وقد نقل الترمذي عنه في ((العلل)) ، أنه قال: كل الروايات في صلاة الخوف عندي صحيح، وكل يستعمل، وإنما هو على قدر الخوف، إلا حديث مجاهد، عن أبي عياش، فإني أراه مرسلا.
وهذا يدل على أنه يستعمل كل وجه من وجوه صلاة الخوف على قدر ما تقتضيه حال الخوف، ويكون ذلك الوجه أصلح له.
وروي نحو ذلك عن سليمان بن داود الهاشمي، وحكي عن إسحاق - أيضا -، وقاله بعض أصحابنا.
4 - باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو وقال الأوزاعي: إن كان تهيأ الفتح، ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء، كل امرىء لنفسه، فإن لم يقدروا على الايماء أخروا [الصلاة] حتى ينكشف القتال أو يأمنوا، فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير.
ويؤخرونها حتى يامنوا.
وبه قال مكحول.
إنما يقول مكحول بتأخير الصلاة للمطلوب دون الطالب.
قال الفزاري، عن يزيد بن السمط، عن مكحول، قال: إذا حضر القتال فلزم بعضهم بعضا، لم يطيقوا أن يصلوا، أخروا الصلاة حتى يصلوا علىالأرض، وقال: صلاة الطالب: أن ينزل فيصلي، فيؤثر صلاته على ما سواها، وصلاة الهارب: أن يصلي حيث كان ركعة.
قال أبو إسحاق، وقال الأوزاعي: الصلاة حيث وجهوا على كلحال، لأن الحديث جاء أن البصر لا يرفع ما دام الطلب، وصلاة الخوف: أن يصلي القوم كما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن كان خوف أكثر من ذلك صلوا فرادى، مستقبلي القبلة، يركعون ويسجدون، فإن كان خوف أكثر من ذلك أخروا الصلاة حتى يقدروا، فيقضوها.
قالَ: وقال الأوزاعي: إن ثلموا في الحصن ثلمة، وحضرت الصلاة فإن قدروا أن يصلوا جلوسا أو يومئون إيماءً أو يتعاقبون فعلوا وإلاّ أخروا الصلاة إن خافوا إن صلّوا أن يغلبوا عليهِ، وقد طمعوا في فتحه، صلوا حيث كانت وجوههم، ويتمموا أن خافوا.
وقد تضمن ما حكاه البخاري عن الأوزاعي مسائل.
منها: أن الطالب يصلي صلاة شدة الخوف راكبا وماشيا كالمطلوب، وهو رواية عن أحمد.
وقال إسحاق - فيما نقله عن حرب -: يصلي بالأرض ويومىء إيماءً.
وفي صلاة الطالب ماشيا بالإيماء حديث، خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن أنيس، وهو مما تفرد به ابن إسحاق.
وذهب الجمهور إلى أن الطالب لا يصلي إلاّ بالأرض صلاة الأمن، إلاّ أن يخاف، منهم: الحسن ومكحول ومالك والثوري والشافعي وأحمد - في رواية عنه - وقد سبق ذكر ذَلِكَ.
ومنها: أن صلاة شدة الخوف لا تكون جماعة، بل فرادى، وقد سبق أن الجمهور على خلاف ذَلِكَ.
ومنها: أنهم إذا لم يقدروا على الإيماء في حال شدة الخوف أخروا الصلاة حتى يأمنوا.
وممن قال بتأخير الصلاة مكحول كما سبق عنه، وهو قال أبي حنيفة وأصحابه.
وحكى ابن عبد البر، عن ابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأصحابه أنه لا يصلي أحد في الخوف إلاّ إلى القبلة، ولا يصلي في حال المسايفة، بل يؤخر الصلاة.
وعن أحمد رواية: أنه يخير بين الصلاة بالإيماء وبين التأخير.
قال أبو داود: سألت أبا عبد الله عن الصلاة صبيحة المغار، فيؤخرون الصلاةحتى تطلع الشمس، أو يصلون على دوابهم؟ قَالَ: كلٌ أرجوا.
واستدل أصحابنا لهذه الرواية بصلاة العصر فِي بني قريظة وفي الطريق، وأنه لم يعنف واحد منهما، وسيأتي ذكره والكلام على معناه قريبا – إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
وجمهور أهل العلم على أنه لا يجوز تأخير الصلاة في حال القتال، وتصلى على حسب حاله، فإنه لا يأمن هجوم الموت في تلك الحال.
فكيف يجوز لأحد أن يؤخر فرضاً عن وقته، مع أنه يخاف على نفسه مداركة الموت له في الحال، وهذا في تأخير الصلاة عن وقتها التي لا يجوز تأخيرها للجمع.
فأما صلاة يجوز تأخيرها للجمع فيجوز تأخيرها للخوف، ولو كان في الحضر عند أصحابنا وغيرهم من العلماء.
وقول ابن عباس: جمع رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة من غير خوف، يدل بمفهومه على جواز الجمع للخوف؛ فإن الخوف عذر ظاهر، فالجمع له أولى من الجمع للمطر والمرض ونحوهما.
فأما قصر الصلاة في حال الخوف في الحضر، فالجمهور على منعه.
وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد بجوازه، مخرجة عن رواية حنبل عنه، بجواز الفطر في رمضان لقتال العدو.
وروي عن عثمان بن عفإن، أنه قالَ: لايقصر الصلاة إلاّ من كانشاخصاً أو بحضرة العدو.
وظاهره: أنه يجوز القصر بحضرة العدو في غير السفر - أيضاً - وبذلك فسره أبو عبيدة في ((غريبه)) .
وذكر ابن المنذر عن عمران بن حصين مثل قول عثمان –أيضاً.
وقد يفسر بأنه لايجوز القصر إلاّ في حال السفر أو الإقامة في دار الحرب لقتال العدو، وهذا قول كثير من العلماء، ويأتي بيانه في ((كتاب قصر الصَّلاة)) إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
وسيذكر البخاري في هذا الباب ما يستدل به على جواز التأخير في حال شدة الخوف.
ومنها: أنهم إذا عجزوا عن صلاة ركعتين جاز لهم أن يصلوا ركعة واحدة تامةً.
وهذا قول كثير من العلماء، منهم: ابنُ عباس.
ففي ((صحيح مسلم)) ، عنه، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر ركعتين، وفي الحضر أربعاً، وفي الخوف ركعة.
وقد روي نحو ذلك عن جابر وابن عمر، وقد سبق ذكر قولهما.
ورواه الحسن، عن حطان الرقاشي، عن أبي موسى - أيضاً - أنه فعله.
وهو مروي - أيضاً - عن الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والضحاك والحكم وقتادة وحماد، وقول إسحاق ومحمد بن نصر المروزي.
حتى قاله في صلاة الصبح، مع أن ابن حزم وغيره حكوا الإجماع على أن الفجر والمغرب لاينقص عن ركعتين وثلاث، في خوف ولا أمن، في حضر ولا سفرٍ.
ولم يفرق هؤلاء بين حضر ولاسفر، وهذا يدل على أنهم رأوا قصر الصَّلاة في الحضر للخوف أشد القصر وأبلغه، وهو عود الصلوات كلها إلى ركعةٍ واحدةٍ.
وحكي رواية عن أحمد، وهوظاهر كلامه في رواية جماعة، ورجحه بعض المتأخرين من أصحابنا، والمشهورعنه: المنع.
وقد نقل جماعة عنه، أنه قال: لايعجبني ذلك.
وهو قول [....] أصحابنا.
والمنع منه قول النخعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي.
وتقدم من حديث ابن عباس، أن كل طائفة من الناس صلوا خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة ركعة وأنهم لم يقضوا.
ومن حديث حذيفة - أيضاً - ومافي ذلك من التأويل.
وروى يزيد الفقير، عن جابر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه، وصف خلفه، صلى بالذي خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء، فصلى لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة وسجدتين، ثم سلم، فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? ركعتان، ولهم ركعة.
خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحهما)) .
وفي رواية النسائي: ثم إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم فسلم الذين خلفه، وسلم أولئك.
وذكر أبو داود في ((سننه)) : أن بعضهم قال في حديث يزيد الفقير: أنهم قضوا ركعة أخرى.
وروى عبد الله بن شقيق: نا أبوهريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: أن لهؤلاء صلاةً هي أحب إليهم من آباهم وأبنائهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم ميلةً واحدة، وأن جبريل أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمره أن يقيم أصحابه شطرين، فيصلي بهم،وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا ... حذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الأخرون ويصلون معه ركعة، ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم، فيكون لهم ركعة ركعة، ولرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان.
خرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في ((صحيحه)) .
وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.
ونقل الترمذي في ((العلل)) عن البخاري، أنه قال: هوحديثٌ حسنٌ.
وقد حمله بعضهم على أن كل واحدة من الطائفتين كانت لهم ركعة مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأما الأخرى فإنها صلتها مفردة.
وخرجه النسائي عنده: يكون لهم مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان.
وخرج ابن حبان في ((صحيحه)) هذا المعنى من حديث زيد بن ثابت، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأصله في ((سنن النسائي)) .
وقد أجاب بعضهم بأن الروايات إذا اختلفت، وكان في بعضها عدم القضاء، وفي بعضها القضاء، فالحكم للإثبات؛ لأن المثبت قد حفظ ما خفي على الباقي وهذا صحيح أن لو كانت الروايات كلها حكاية عن واقعة واحدة، فأما مع التعدد فيمكن أن القضاء وجد في واقعة ولم يوجد في الأخرى.
وقد زعم مجاهد: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل صلاة الخوف إلاّ مرتين، مرة بذات الرقاع، ومرة بعسفان.
واختلاف الروايات في صفة صلاة الخوف يدل على أن ذلك وقع أكثر من مرتين.
واستدل بعض من رأى أن صلاة الخوف ركعة بأن ظاهر القرآن يدل عليهِ؛ فإن الله تعالى ذكر أن الطائفة الأولى تصلي معه حتَّى يسجد، فتكون من وراء الناس، وأن الطائفة الثانية التي لم تصل تأتي وتصلي معه، فظاهره: أن الطائفة الأولى تجتزئ بما صلت معه من تلك الركعة، وأن الثانية تكتفي بما أدركت معه، ولم يذكر قضاء على واحدة من الطائفتين.
ومنها: أنهم إذا عجزوا عن الصلاة بأركانها في حال الخوف، فقال الأوزاعي: لا يجزئهم التكبير بمجرده.
وإلى هذا ذهب الأكثرون، وهو: أنه لا يجزئ في حال شدة الخوف الاقتصار على التكبير، وهوقول أبيحنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
ونقل ابن منصور، عن أحمد وإسحاق، قإلاّ: لابد من القراءة، ولا يجزئهم التكبير.
ونقل جماعة عن أحمد، أنه قال: لابد في صلاة الخوف من القراءة والتشهد والسلام.
وذهب آخرون إلى أنهم يجزئهم التكبير.
روي عن جابر وابن عمر: تجزئهم تكبيرةٌ واحدة، وعن مجاهد والسدي.
وكذا قال عبد الوهاب بن بخت، وزاد: وإن لم يقدر على التكبير، فلا يتركها في نفسه.
يعني: النية.
وروي عن عبد الله بن الزبير، أنه ارتث يوم الجمل قبل غروب الشمس، فقيل له: الصلاة.
فقال: لا استطيع أن أصلي، ولكني أكبر.
وعن الضحاك: إن لم يستطع أن يومئ كبر تكبيرة أو تكبيرتن.
وقال الثوري: إن لم يستطع أن يقرأ يجزئه التكبير في كل خفض ورفع، وإن لم يستطع أن يتوضأ تيمم بغبار سرجه.
وكذلك مذهب الثوري في المريض المدنف: إذا لم يستطع أن يصلي على جنبه، فإنه يكبر لكل ركعة تكبيرة، مستقبل القبلة، وتجزئه.
ونقل حرب، عن إسحاق، قال: إن لم يقدروا على ركعة فسجدة واحدة، فإن لم يقدروا فتكبيرةٌ واحدة، واستدل بقولِهِ: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] .
فإذا قدر على الإتيان بشيء من الصلاة، وعجز عن الباقي لزمه أن يأتي به في وقته ويجزئه، ولا يجوز له تأخيره عن الوقت.
وذكر ابن جرير بإسناده، أن هرم بن حيان كان معه أصحابه يقاتلون العدو مستقبلي المشرق، فحضرت الصلاة، فقالوا: الصلاة الصلاة، فسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة، وهم مستقبلوا المشرق.
ويستدل للجمهور بأن ما دون الركعة ليس بصلاة، فلا يكون مأموراً به من عجز عن الصلاة، وأقل ما ورد في صلاة الخوف أنها ركعة، فما دون الركعة ليس بصلاة، ولا يؤمر به في خوف ولا غيره، ولا يسقط به فرض الصلاة.
ثم قال البخاري - رحمه الله -: وقال أنس بن مالك: حضرت مناهضة حصن تستر عند صلاة الفجر - واشتد اشتعال القتال -، فلم يقدروا على الصلاة، فلم نُصل إلاّ بعد ارتفاع النهار، فصليناها ونحن مع أبي موسى، ففتح لنا.
قال أنس: ومايسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها.
هذه الواقعة كانت في زمن عمر –رضي الله عنه - سنة عشرين.
قال خليفة بن خياط في ((تاريخه)) : نا ابن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، قالَ: لم نصل يومئذ صلاة الغداة حتى انتصف النهار، فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها.
قال خليفة: وذلك سنة عشرين.
ثم قال البخاري:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْخَوْفِ)
قَالَ بن بَطَّالٍ مَحَلُّ هَذِهِ الصُّورَةِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَلَا يَفْتَرِقُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِخِلَاف الصُّورَة الْمَاضِيَة فِي حَدِيث بن عُمَرَ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْقُرْآنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قولُهُ تَعَالَى وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ بِبَيَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[ قــ :916 ... غــ :944] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّبَيْدِيِّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنْهُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.

     وَقَالَ  لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِلَّا النُّعْمَانُ وَلَا عَنْهُ إِلَّا وهيب يَعْنِي بن خَالِدٍ اه وَرِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ تَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَأَخَّرَ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا فِي رِوَايَتِهِمَا أَيْضًا فَرَكَعُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فِي صَلَاةٍ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يُكَبِّرُونَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ هَلْ أَكْمَلُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَمْ لَا وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَن شَيْخِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَزَادَ فِي آخِرِهِ وَلَمْ يَقْضُوا وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَبِالِاقْتِصَارِ فِي الْخَوْفِ عَلَى رَكْعَة وَاحِد يَقُولُ إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا.

     وَقَالَ  بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَسَيَأْتِي عَنْ بَعْضِهِمْ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ أَسْهَلُ مِنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ قَصْرُ الْخَوْفِ قَصْرُ هَيْئَةٍ لَا قَصْرُ عَدَدٍ وَتَأَوَّلُوا رِوَايَةَ مُجَاهِدٍ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الثَّانِيَةِ وَقَالُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَمْ يَقْضُوا أَيْ لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَمْن وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ تَعَرُّضٌ لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا قَصْرٌ وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَالثَّانِيَةِ وَاحِدَةً أَوِ الْعَكْسُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف
[ قــ :916 ... غــ :944 ]
- حدثنا حيوة بن شريح: نا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قالَ: قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوامعه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا اخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضا.

وخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، عن محمد بن حرب بهذا الإسناد، وزاد فيه الفاظا بعد قوله: ((ثم قام إلى الركعة فتاخر الذين سجدوا معه وحرسوا أخوانهم)) .

ورواه النعمان بن راشد، عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد فيه زيادات كثيرة، ولفظه: ((قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقمنا خلفه صفين، فكبر وركع وركعنا جميعا، الصفان كلاهما، ثم رفع رأسه، ثم خر ساجدا، وسجد الصف الذي يليه وثبت الآخرون قياما يحرسون أخوانهم، فلما فرغ من سجوده وقام خر الصف المؤخر سجودا، فسجد سجدتين، ثم قاموا فتأخر الصف المقدم الذي بين يديه، وتقدم الصف المؤخر، فركع وركعوا جميعا، وسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذي يليه، وثبت الآخرون قياما يحرسون أخوانهم، فلما قعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خر الصف المؤخر سجودا، ثم سلم النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه الدارقطني، ومن طريقه البيهقي.

وفي هذه الرواية: أن الصفين ركعوا معه، ورواية الزبيدي تدل على أن بعضهم ركع معه، وبعضهم لم يركع.

ورواه أبو بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بذي قرد، فصف الناس خلفه صفين، صف خلفه، موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا.

خرجه النسائي من طريق سفيان، عنه.

وخرجه الإمام أحمد، ولفظه: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف بذي قرد - أرض من أرض بني سليم -، فصف الناس خلفه صفين، صفا موازي العدو، وصفا
خلفه، فصلى بالذي يليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى.
وفي رواية أخرى لهُ: ثم سلم، فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين، ولكل طائفة ركعة وهذه الزيادة مدرجة من قول سفيان؛ كذلك هوَ في رواية البيهقي.

وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحيهما)) .

وقال البخاري في ((المغازي)) : ((وقال ابن عباس: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخوف بذي قرد)) – ولم يزد على ذَلِكَ.

وقال الشافعي: هو حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله.
قالَ: وإنما تركناه لاجتماع الأحاديث على خلافه، ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده.
انتهى.

وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري، فالقول قول الزهري، ولعل مسلما ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده.

قال - في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف -: قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلاّ أنه كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلها صحاح.

وقال – في رواية حرب -: كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح الإسناد، وكل ما فعلت منه فهو جائز.

وقد حمل بعضهم معنى رواية أبي بكر أبي الجهم على معنى رواية الزهري، وقال: إنما المراد أن الصفين صلوا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية، وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه، كما في رواية النعمان بن راشد، عن الزهري.

وأما قوله: ((فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان وللقوم ركعة)) ، فهو من قول سفيان، كما هو مصرح به في رواية البيهقي، وذلك ظن ظنه، قد خالفه غيره فيهِ.

ويشهد لهذا التأويل: أنه قد روي عن ابن عباس التصريح بهذا المعنى من وجه.

خرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالَ: ما كانت صلاة الخوف إلا كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء إلاّ أنها كانت عقبا، قامت طائفة منهم وهم جميعا مع
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسجدت معه طائفة، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم قام الرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقاموا معه جميعاً، ثم ركع وركعوا معه جميعاً، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قياما أول مرة، فلما جلس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتسليم.

وخرج الإمام أحمد من رواية النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قالَ: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? في غزاة فلقي المشركين بعسفان فأنزل الله { وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية، فلما صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر وكانوا في القبلة صلى المسلمون خلفه صفين فكبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا معه - فذكر صلاة الخوف - وفيه: تأخر الصف الذين يلونه في الركعة الثانية وتقدم الآخرين - وقال في آخر الحديث: فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردناهم.

وقال: صحيح على شرط البخاري.

وليس كما قال؛ والنضر أبو عمر، ضعيف جدا.

وخرجه البزار - أيضا.

وقد تقدم حديث أبي عياش الزرقي في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعسفان بهذا المعنى.

وروي - أيضا - من حديث جابر، من رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن
عطاء، عن جابر، قالَ: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف، وصفنا صفين، صف خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السجود، وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلمنا جميعا.

قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء [بأمرائهم] .

خرجه مسلم.

وخرجه - أيضا - من رواية أبي الزبير، عن جابر، قالَ: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوما من جهينة، فقاتلونا قتالا شديدا - ثم ذكره بمعناه.

وروي - أيضا - من حديث حذيفة.

خرجه الإمام أحمد من رواية أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السلولي، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ فقالَ حذيفة: أنا، فأخر أصحابك يقومون طائفتين، طائفة خلفك وطائفة بازاء العدو، فتكبر فيكبرون جميعا، ثُمَّ تركع فيركعون جميعا، ثُمَّ ترفع فيرفعون جميعا، ثُمَّ تسجد ويسجد معك الطائفة التي تليك، والطائف التي بازاء العدو قيام بازاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود [يسجدون] ، ثُمَّ يتأخر هؤلاء ويتقدم الآخرون، فقاموا مقامهم، فتركع ويركعون جميعا، ثُمَّ ترفع ويرفعون جميعا، ثُمَّ تسجد فتسجد الطائفة التي تليك، والطائفة الأخرى قائمة بازاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود سجدوا، ثُمَّ سلمت ويسلم بعضهم على بعض، وتأمر أصحابك أن هاجهم هيج من العدو، فقد حل لهم القتال والكلام.

وسليم بن عبد، ذكره ابن حبان في ((ثقاته)) .

وقد روي حديث حذيفة بالفاظ محتملة، وهذه الرواية مفسرة لما أجمل في تلك.

كما روى الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم، قالَ: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام، فقال: إيكم صلى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ فقالَ حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، وانفضوا.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.

وخرجه النسائي، ولفظه: فقام حذيفة، فصف الناس خلفه صفين، صفا
خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
وفي رواية: قال له حذيفة: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف بطائفة ركعة، صف خلفه، وأخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، فصلى بهم ركعة.

وروى أبو روق، عن مخمل بن دماث، قال: غزونا مع سعيد بن الحارث، فقال: من شهد منكم صلاة الخوف مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالَ حذيفة: أنا، صلى بإحدى الطائفتين ركعة؛ والأخرى مستقبلة العدو، ثُمَّ ذهبت هذه الطائفة فقامت مقام
أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة، فصار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة.
وقد خرجه الإمام أحمد وغيره - أيضا.

فهذا الإختلاف في حديث حذيفة يشبه الاختلاف في حديث ابن عباس، وبعضه محتمل، وبعضه مفسر، فيرد المحتمل إلى المفسر المبين، كما قلنا في حديث ابن عباس.
والله –سبحانه وتعالى - أعلم.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة الصلاة على وجه
الحرس، على ما في حديث أبي عياش الزرقي وما وافقه من رواية جابر وابن عباس وحذيفة، وقد أمر بها حذيفة كما سبق.

وروى حطان بن عبد الله، أن أبا موسى صلاها في بعض حروبه، واستحبها طائفة منهم إذا كان العدو في جهة القبلة، منهم: سفيان وإسحاق وأبويوسف.

وروي عن أبي حنيفة: أنه لا يجوز الصلاة بها، ولا يجوز إلا على حديث ابن مسعود وما وافقه، كما سبق.

والصلاة بهذه الصفة والعدو في جهة القبلة إذا لم يخش لهم كمين حسن؛ فإن أكثر ما فيها تأخر كل صف عن متابعة الإمام في السجدتين وقضاؤهما في الحال قبل سلامه، وتكون الحراسة في السجود خاصة، وهذا قول الشافعي وأصحابه.

وللشافعية وجه آخر: أنهم يحرسون في الركوع مع السجود، وقد سبق في رواية البخاري لحديث ابن عباس ما يدل عليهِ.

وأعلم؛ أن البخاري لم يخرج في ((أبواب صلاة الخوف)) مما ورد عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أنواع صلاة الخوف سوى حديث ابن عمر، وابن عباس، وخرج في ((المغازي)) حديث جابر وسهل بن أبي حثمة، وذكر حديث أبي هريرة – تعليقاً.
فأما حديث جابر، فقال: ((وقال أبان: نا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذات الرقاع –فذكر الحديث إلى أن قال -: وأقيمت الصَّلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع ركعات وللقوم ركعتين)) .

هكذا ذكره تعليقاً.
وخرجه مسلم مسنداً من حديث أبان، ولفظه: قالَ: فنودي بالصلاة –وذكره.

في الحديث: دليل على أن صلاة الخوف ينادي لها بالإذان والإقامة كصلاة
الأمن، ولا أعلم في هذا خلافاً، إلا ما حكاه أصحاب سفيان الثوري في كتبهم، عنه، أنه قالَ: ليس في صلاة الخوف إذان ولا إقامة في حضر ولا سفر.

وخرج الدارقطني من حديث الحسن، عن جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحاصر بني محارب بنخل، ثم نودي في الناس: أن الصلاة جامعة – وذكر معنى حديث أبي سلمة، وصرح فيه بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم بين كل ركعتين.

وقد خرجه النسائي - مختصراً - من رواية حماد بن سلمة، عن قتادة، عن
الحسن، عن جابر - بذكر السلام - أيضا، وليس فيه: ذكر الصلاة جامعة.

ورواه قتادة –أيضا - عن سليمان اليشكري، عن جابر –بذكر السلام بين كل ركعتين، وفيه: أن يومئذٍ أنزل الله في إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح، وفي الحديث أن ذلك كان بنخلٍ.

والحسن، لم يسمع من جابر، وقتادة، لم يسمع من سليمان اليشكري.

وقد رواه أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه صلى في خوف ثقيف ركعتين، ثم سلم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في ((صحيحه)) .

وعند أبي داود: وبذلك كان يفتي الحسن.

وصلاة الخوف على هذه الصفة: أن يصلي الإمام أربع ركعات ويصلي كل طائفة خلفه ركعتين، لها صورتان:
إحداهما: أن يسلم الإمام من كل ركعتين، فهو جائز عن الشافعي وأصحابه.

واختلفوا: هل هي أفضل من صلاة ذات الرقاع - التي يأتي ذكرها؟ على وجهين لهم.

وكذلك اختار الجوزجاني هذه الصلاة على غيرها من أنواع صلوات الخوف؛ لما فيها من تكميل الجماعة لكل طائفة.

واختلف أصحابنا في ذلك:
فمنهم من أجازها في صلاة الخوف دون غيرها، وهو منصوص أحمد، وهو قول الحسن البصري - أيضا - واختاره طائفة من أصحابنا.

ومن أصحابنا من قال: هي مُخرجة على الاختلاف عن أحمد في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، كما سبق ذكره.

ومنع منها أصحاب أبي حنيفة؛ لذلك.

والصورة الثانية: أن لايسلم الإمام، ويكون ذلك في سفر، فينبني على أنه: هل يصح أن يقتدي القاصر بالمتم في السفر؟
والأكثرون على أنه إذا اقتدى المسافر بمن يتم الصلاة فأدرك معه ركعة فصاعداً، فإنه يلزمه الإتمام.

فإن أدرك معه دون ركعة، فهل يلزمه الإتمام؟
قالَ الزهري وقتادة والنخعي ومالك: لا يلزمه، وهو رواية أحمد.
والمشهور، عنه: أنه يلزمه الإتمام بكل حال، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور.

وقالت طائفة: لا يلزمه الإتمام، وله القصر بكل حال وهو قول الشعبي وطاوس وإسحاق.

فعلى قول هؤلاء: لاتردد في جواز أن يصلي الإمام أربع ركعات في السفر، وتصلي معه كل طائفة ركعتين.

وعلى قول الأولين: فهل يجوز ذلك في صلاة الخوف خاصة؟ فيه لأصحابنا وجهان.

ومن منع ذلك قال: ليس في حديث جابر تصريح بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسلم بين كل ركعتين بل قد ورد ذلك صريحاً في روايات متعددة، فتحمل الروايات المحتملة على الروايات المفسرة المبينة.

ثم قال البخاري: ((وقال أبو الزبير، عن جابر: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل، فصلى الخوف)) .
وقال –أيضا -: ((وقال معاذ: ثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل - فذكر صلاة الخوف)) .

وقد خرجه النسائي من رواية سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قالَ: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنخل، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا جميعاً، ثم ركع فركعوا جميعاً، ثم سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما قاموا سجد الآخرون مكانهم الذي كانوا فيهِ، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع فركعوا جميعاً، ثم رفع فرفعوا جميعاً، ثم سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصف الذين يلونه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وجلسوا سجد الآخرون مكانهم، ثم سلم.

قال جابر: كما يفعل أُمراؤكم.

وخرجه مسلم - بمعناه - من رواية زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، وليس عنده: ((بنخلٍ)) .

وذكر البخاري – أيضاً - تعليقاً، عن جابر من طريقين آخرين، فقال: ((وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد بن نافع، عن أبي موسى، أن جابراً حدثهم: صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم يوم محارب وثعلبة.

وقال ابن إسحاق: سمعت وهب بن كيسان: سمعت جابراً: خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتي الخوف)) .
انتهى.

وأبو موسى، ليس هو الأشعري، بل تابعي، ذكره أبو داود، وذكر في حديثه: أنه كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل طائفة ركعة.

وقد رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة بهذا الإسناد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة، بكل طائفة ركعة وسجدتين.

وذكر أبو مسعود الدمشقي وغيره: أن أبا موسى هذا هو علي بن رباح
اللخمي، وقيل: إنه أبو موسى الغافقي، واسمه: مالك بن عبادة، وله صحبةٌ.

قال صاحب ((التهذيب)) : والقول الأول أولى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما حديث سهل بن أبي حثمة: فقال البخاري: ((ثنا قتيبة، عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، ووجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة، فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين.

حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

حدثنا محمد بن عبيد الله: ثنا ابن أبي حازم، عن يحيى: سمع القاسم: أخبرني صالح بن خوات، عن سهل، حدثه - قوله)) .

حاصل الاختلاف في إسناد هذا الحديث الذي خرجه البخاري هاهنا: أن يزيد بن رومان رواه عن صالح بن خوات، عمن شهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم ذات الرقاع، ولم
يسمه.

ورواه القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، واختلف عليه في رفعه ووقفه:
فرواه يحيى بن سعيد الانصاري، عن القاسم، فوقفه على سهل.

وقد خرجه البخاري هاهنا من طريق يحيى القطان وابن أبي حازم، عن يحيى الأنصاري.

كذلك رواه شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قال الإمام أحمد: رفعه عبد الرحمن، ويحيى لم يرفعه.
ثم قالَ: حسبك
بعبد الرحمن، هو ثقة ثقة ثقة.
قيل له: فرواه عن عبد الرحمن غير شعبة؟ قالَ: ما علمت.

ثم قال: قد رواه يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهذا يشد ذاك.

يريد: أنه يقوي رفعه.

ونقل الترمذي في ((العلل)) عن البخاري، أنه قال: حديث سهل بن أبي حثمة هوحديث حسن، وهومرفوع، رفعه شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم.
انتهى.

ولكن رواه حرب الكرماني، عن إسحاق بن راهويه، عن الثقفي، عن يحيى الأنصاري، وقال في حديثه: ((من السنة)) .

وهذا –أيضا - رفعٌ له.

وهو غريب عن الأنصاري.

ورواه عبد الله العمري، عن أخيه عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأخطأَ في قوله: ((عن أبيه)) ، إنما هو: ((عن سهل)) : قاله أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان.

وقالا –أيضا - رواه أبو أويس، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه - أيضا -، وأخطأ –أيضاً - في قوله: ((عن أبيه)) .

وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره: أن الذي قال صالح بن خوات في رواية يزيد بن رومان، عنه: ((حدثني من شهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) ، هو سهل بن أبي حثمة، كما قاله القاسم، عن صالح.

قال أبو حاتم: وسهل بن أبي حثمة بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها إلا بدراً.

قالَ عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت رجلاً من ولده، سأله أبي عن ذلك، فأخبره به.

ولكن ذكر أكثر أهل السير كالواقدي والطبري وغيرهما: أن سهل بن أبي حثمة توفي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثمان سنين.

قال الواقدي والطبري: وقد حفظ عنه، وقيل: إن الذي كان دليل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أحد وشهد معه المشاهد هو أبو حثمة والد سهل.
والله سبحانه أعلم.

وقد ذكر الإمام أحمد وأبو داود أن رواية يحيى بن سعيد، عن القاسم تخالف رواية يزيد بن رومان في السلام؛ فإن في رواية يزيد بن رومان: أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? سلم بالطائفة الثانية، وفي رواية يحيى بن سعيد: أنهم قضوا الركعة بعد سلامه.

وقد خرجه أبو داود من رواية مالك، عن يحيى بن سعيد كذلك، وفي حديثه: فركع بهم وسجد بهم ويسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون.

وقد روى يحيى القطان الحديث، عن يحيى الأنصاري، ورواه عن شعبة عن
عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، وقال: لا أحفظ حديثه، ولكنه مثل حديث يحيى.

كذا خرجه الترمذي وابن ماجه.

وكذلك في رواية البخاري: أن يحيى القطان رواه عن شعبة مثل حديث يحيى بن سعيد.

ولكن بينهما فرق في السلام:
فقد رواه معاذ بن معاذ، عن شعبة، عن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وقال فيه: وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم.

كذلك خرجه مسلم من طريقه.

ورجح ابن عبد البر رواية يحيى القطان، عن شعبة، على رواية معاذ بن معاذ، عنه، وقال في القطان: هو أثبت الناس في شعبة.
وخالفه البيهقي، ورجح رواية معاذ بن معاذ؛ لان يحيى القطان لم يحفظ حديث شعبة.

وقال: رواه –أيضا - روح بن عبادة، عن شعبة، كما رواه عنه معاذ.
قالَ: وكذلك رواه الثوري، عن يحيى الأنصاري بخلاف رواية مالك، عنه.
قالَ: وهذا أولى أن يكون محفوظاً؛ لموافقته رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، ورواية مالك.
عن يزيد بن رومان.

قلت: فقد رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم، وقال: أما عبد الرحمن فرفعه، وساق الحديث، وفي آخره: ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم.

وهذا يوافق رواية معاذ، وغندر مقدم في أصحاب شعبة.

وقد ذهب كثير من العلماء إلى استحباب صلاة الخوف على ما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذات الرقاع في هذا الحديث.

قال القاسم بن محمد: ما سمعت في صلاة الخوف أحب إلي منه.

وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والثوري - في رواية - وحكاه إسحاق عن أهل المدينة وأهل الحجاز، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، وحكاه الترمذي، عن إسحاق.

وصرح إسحاق في رواية ابن منصور على أنه يجوز العمل به، ولا يختاره على غيره من الوجوه.
إلاّ أنهم اختلفوا: هل تقضي الطائفة الركعة الثانية قبل سلام الإمام، أو بعده؟
فعند الشافعي وأحمد وداود: تقضي قبل سلام الإمام، ثُمَّ يسلم بهم وهو رواية عن مالك، ثُمَّ رجع عنها، وقال: إنما يقضون بعد سلام الإمام، وهو قول أبي ثور وأبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، ذكره في كتابه ((الشافي)) .

ونص أحمد على أن هذه الصلاة تصلى وأن كان العدو في جهة القبلة.
وقال القاضي أبو يعلى: إنما تصلى إذا كان العدو في غير جهة القبلة، وكذلك حمل بعض أصحاب سفيان قوله على ذلك.

قال بعض أصحابنا: نص أحمد محمول على ما إذا لم يمكن صلاة عسفان لاستتار العدو، وقول القاضي محمول على ما إذا أمكن أن يصلوا صلاة عسفان لظهور العدو.

وكذا قال أصحاب الشافعي، لكنهم جعلوا ذلك شرطا لاستحباب صلاة ذات الرقاع، لا لجوازها.

قال البخاري:
((وقال أبو هريرة: صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة نجد صلاة الخوف)) وهذا الحديث خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية حيوة وابن لهيعة - إلا أن النسائي كنى عنه برجل آخر – كلاهما، عن أبي الاسود، أنه سمع عروة بن الزبير
يحدث، عن مروان بن الحكم، أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ قالَ أبو هريرة: نعم.
قالَ مروان: متى؟ قالَ أبو هريرة: عام غزوة
نجد، قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى صلاة العصر، فقامت طائفة معه، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى الكعبة، فكبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبروا جميعا: الذين معه والذين مقابلو العدو، ثُمَّ ركع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة واحدة، وركعت الطائفة الذين معه، ثُمَّ سجد فسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثُمَّ قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوه، واقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم كما هوَ، ثُمَّ قاموا فركع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثُمَّ أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعد، ومن كان معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلموا جميعا، فكان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة.

واللفظ لأبي داود.

ولفظ النسائي: فكان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان.
فتحمل - حينئذ - رواية أبي داود على أنه كان لكل واحد من الطائفتين ركعة مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والركعة الأخرى هو صلاها لنفسه، وعلى مثل ذلك تحمل كثير من أحاديث صلاة الركعة في الخوف.

ورواية ابن إسحاق، عن أبي الاسود، عن عروة أنه سمع أبا هريرة ومروان بن الحكم يسأله - فذكر الحديث بمعناه.

خرجه ابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحيهما)) .

ورواية من روى عن عروة، عن مروان، عن أبي هريرة أشبه بالصواب -: قاله الدارقطني.

ونقل الترمذي في ((علله)) عن البخاري، أنه قال: حديث عروة، عن أبي
هريرة، حسن.

وقد روي هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن أبي هريرة.

خرجه الأثرم.

وليس في حديثه: أن الطائفتين كبَرت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول صلاته.
وروي عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن عروة، عن عائشة.

خرجه أبو داود.

ولفظ حديثه: قالت: كبَر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسا، ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقري حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائف [الأخرى فقاموا] فكبروا، ثُمَّ ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجدوا معه، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم سجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قامت الطائفتان جميعا فصلوا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعا، ثم عاد فسجد الثانية فسجدوا معه سريعا كأسرع الإسراع جاهدا، لا يألون إسراعا، ثم سلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلموا، فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد شاركه الناس في الصلاة كلها.

فقد اضطرب ابن إسحاق في لفظ الحديث وإسناده.

وقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه - مرسلا -، بنحو حديث أبي عياش الزرقي.

ذكره أبو داود - تعليقا.

وقد أجاز الإمام أحمد وإسحاق وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وابن جرير وجماعة من الشافعية صلاة الخوف على كل وجه صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن رجحوا بعض الوجوه على بعض.

وأما صلاة الخوف ركعة، فيأتي الكلام عليه فيما بعد - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.

وظاهر كلام البخاري: أنه يجوز.

وقد نقل الترمذي عنه في ((العلل)) ، أنه قال: كل الروايات في صلاة الخوف عندي صحيح، وكل يستعمل، وإنما هو على قدر الخوف، إلا حديث مجاهد، عن أبي عياش، فإني أراه مرسلا.

وهذا يدل على أنه يستعمل كل وجه من وجوه صلاة الخوف على قدر ما تقتضيه حال الخوف، ويكون ذلك الوجه أصلح له.

وروي نحو ذلك عن سليمان بن داود الهاشمي، وحكي عن إسحاق - أيضا -، وقاله بعض أصحابنا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ
هذا ( باب) بالتنوين ( يحرس) المصلون ( بعضهم بعضًا في صلاة الخوف) .


[ قــ :916 ... غــ : 944 ]
- حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ.
ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا".

وبالسند قال: ( حدّثنا حيوة بن شريح) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو في الأوّل، وضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم حاء مهملة في الآخر، الحمصي الحضرمي، وهو حيوة الأصغر، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء ثم موحدة، الخولاني الحمصي الأبرش ( عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد، الشامي الحمصي، وللإسماعيلي: حدّثنا الزبيدي ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بسكون المثناة الفوقية وضم عين الأوّل، والثالث: ابن مسعود المدني، أحد الفقهاء السبعة ( عن ابن عباس، رضي الله عنهما) ، أنه ( قال: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقام) بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فقام ( الناس معه) طائفتين، طائفة خلفه وأخرى خلفها ( فكبر وكبروا) كلهم ( معه، وركع وركع ناس منهم) صادق بالطائفة التي تليه عليه الصلاة والسلام، وبالأخرى، وزاد الكشميهني: معه ( ثم سجد) عليه الصلاة والسلام ( وسجدوا) أي: الذين ركعوا ( معه) والطائفة الأخرى قائمة تحرس ( ثم قام) عليه الصلاة والسلام ( للثانية) أي: للركعة الثانية، ولابن عساكر: ثم قام الثانية ( فقام الذين سجدوا) معه، عليه الصلاة والسلام، ( وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى) الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه في الركعة الأولى، وتأخرت الطائفة الأخرى إلى مقام الأخرى يحرسونهم ( فركعوا وسجدوا معه) عليه الصلاة والسلام، وهذا فيما إذا كانوا في جهة القبلة، ولا حائل يمنع رؤيتهم، وفي القوم كثرة بحيث يحرس بعضهم بعضًا كما قال: ( والناس كلهم فى صلاة) ولأبي الوقت: في الصلاة، بالتعريف ( ولكن يحرس بعضهم بعضًا) هذا موضع الترجمة.
وظاهر هذا السياق صادق بأن تسجد الطائفة الأولى معه في الركعة الأولى، والثانية في الثانية، وعكسه بأن تسجد الثانية معه في الأولى، والأولى في الثانية، مع تحول كل منهما إلى مكان الأخرى كما مرّ، فتكون صفتين.

والذي في مسلم، وأبي داود: هو الصفة الأولى مع التحوّل أيضًا، ولفظ رواية أبي داود، عن أبي عياش الزرقيّ، قال: صلينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر بعسفان، فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمشركون أمامه، واصطفوا صفًّا خلفه، وخلف الصف صف آخر، فركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا ثم سجد الصف الذي يليه وقام الآخر يحرسونهم، فلما قضى بهم السجدتين وقاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدّم الآخرون إلى مقام الأوّلين، ثم ركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا، ثم سجد فسجد الصف الذي يليه.
وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد الآخرون وجلسوا جميعًا، فسلم بهم.
ولمسلم نحوه.

وهذا السياق مغاير لحديث الباب، فإن فيه: أن الصفين ركعوا معه، عليه الصلاة والسلام، وسجدت معه الأولى وقامت الأخرى من الركوع تحرس، ثم سجدت الحارسة بعد فراغ أولئك.

وفي حديث الباب أنه ركع طائفة منهم وسجدوا معه، ثم جاءت الطائفة الأخرى كذلك، ولم يقع في رواية الزهري هذه: هل أكملوا الركعة الثانية أم لا.

نعم، زاد النسائي في رواية له، من طريق أبي بكر بن أبي الجهم، عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فزاد في آخره: ولم يقضوا.
وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة.

ولمسلم، وأبي داود، والنسائي، من طريق مجاهد عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم، في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
لكن الجمهور على أن قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأوّلوا رواية مجاهد هذه على أن المراد ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية.

ورواة حديث الباب ثلاثة حمصيون، واثنان مدنيان.
وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة.