هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1808 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ . وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ . يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1808 حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم مرتين . والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك . يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي ، وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, Fasting is a shield (or a screen or a shelter). So, the person observing fasting should avoid sexual relation with his wife and should not behave foolishly and impudently, and if somebody fights with him or abuses him, he should tell him twice, 'I am fasting. The Prophet (ﷺ) added, By Him in Whose Hands my soul is, the smell coming out from the mouth of a fasting person is better in the sight of Allah than the smell of musk. (Allah says about the fasting person), 'He has left his food, drink and desires for My sake. The fast is for Me. So I will reward (the fasting person) for it and the reward of good deeds is multiplied ten times.

D'après Abu Hurayra (radiallahanho), le Messager d'Allah (r ) dit: «Le jeûne ressemble à une cuirasse. Donc, que celui qui jeûne ne commette pas d'acte d'indécence ou d'ignorance; et si quelqu'un d'autre vienne à combattre ce jeûneur ou l'insulter, qu'il lui dise par deux fois: Je jeûne . Par celui qui détient mon âme dans la main, l'haleine du jeûneur est, pour Allah, plus parfumée que le musc. Cet homme, dit Allah, renonce à manger, à boire, à satisfaire ses désirs pour Moi. Le jeûne est pour Moi, et c'est Moi qui récompense [ceux qui l'accomplissent]. Ainsi que la bonne action..., par dix équivalentes. »

":"ہم سے عبداللہ بن مسلمہ قعنبی نے بیان کیا ، ان سے امام مالک نے ، ان سے ابوالزناد نے ، ان سے اعرج نے اور ان سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا روزہ دوزخ سے بچنے کے لیے ایک ڈھال ہے اس لیے ( روزہ دار ) نہ فحش باتیں کرے اور نہ جہالت کی باتیں اور اگر کوئی شخص اس سے لڑے یا اسے گالی دے تو اس کا جواب صرف یہ ہونا چاہئے کہ میں روزہ دار ہوں ، ( یہ الفاظ ) دو مرتبہ ( کہہ دے ) اس ذات کی قسم ! جس کے ہاتھ میں میری جان ہے روزہ دار کے منہ کی بو اللہ کے نزدیک کستوری کی خوشبو سے بھی زیادہ پسندیدہ اور پاکیزہ ہے ، ( اللہ تعالیٰ فرماتا ہے ) بندہ اپنا کھانا پینا اور اپنی شہوت میرے لیے چھوڑ دیتا ہے ، روزہ میرے لیے ہے اور میں ہی اس کا بدلہ دوں گا اور ( دوسری ) نیکیوں کا ثواب بھی اصل نیکی کے دس گنا ہوتا ہے ۔

D'après Abu Hurayra (radiallahanho), le Messager d'Allah (r ) dit: «Le jeûne ressemble à une cuirasse. Donc, que celui qui jeûne ne commette pas d'acte d'indécence ou d'ignorance; et si quelqu'un d'autre vienne à combattre ce jeûneur ou l'insulter, qu'il lui dise par deux fois: Je jeûne . Par celui qui détient mon âme dans la main, l'haleine du jeûneur est, pour Allah, plus parfumée que le musc. Cet homme, dit Allah, renonce à manger, à boire, à satisfaire ses désirs pour Moi. Le jeûne est pour Moi, et c'est Moi qui récompense [ceux qui l'accomplissent]. Ainsi que la bonne action..., par dix équivalentes. »

شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى حَدِيثَيْنِ أَفْرَدَهُمَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَمِنْ أَوَّلِهِ إِلَى

[ قــ :1808 ... غــ :1894] قَوْلِهِ الصِّيَامُ جُنَّةٌ حَدِيثٌ وَمِنْ ثُمَّ إِلَى آخِرِهِ حَدِيثٌ وَجَمَعَهُمَا عَنْهُ هَكَذَا الْقَعْنَبِيُّ وَعَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَوَقَعَ عَنْ غَيْرِ الْقَعْنَبِيِّ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ زِيَادَةٌ فِي آخِرِ الثَّانِي وَهِيَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا زَادُوا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَيَّنَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  الصِّيَامُ جُنَّةٌ زَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الصِّيَامُ جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا زَادَ الدَّارِمِيُّ بِالْغِيبَةِ وَبِذَلِكَ تَرْجَمَ لَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْجُنَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ الْوِقَايَةُ وَالسَّتْرُ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُتَعَلَّقُ هَذَا السَّتْرِ وَأَنَّهُ مِنَ النَّارِ وَبِهَذَا جَزَمَ بن عَبْدِ الْبَرِّ.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ مَعْنَى كَوْنِهِ جُنَّةً أَيْ يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ جُنَّةٌ أَيْ سُتْرَةٌ يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيَنْقُصُ ثَوَابَهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ إِلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ سُتْرَةٌ بِحَسَبِ فَائِدَتِهِ وَهُوَ إِضْعَافُ شَهَوَاتِ النَّفْسِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ إِلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ سُتْرَةٌ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الثَّوَابِ وَتَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ مَعْنَاهُ سُتْرَةٌ مِنَ الْآثَامِ أَوِ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنَ النارفي الْآخِرَةِ وَفِي زِيَادَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغِيبَةَ تَضُرُّ بِالصِّيَامِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنَّ الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَتُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْم وافرط بن حَزْمٍ فَقَالَ يُبْطِلُهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ مِنْ مُتَعَمِّدٍ لَهَا ذَاكِرٍ لِصَوْمِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَالْجُمْهُورُ وَإِنْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا الْفِطْرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَأَشَارَ بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ الصِّيَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَالَ حَسْبُكَ بِكَوْنِ الصِّيَامِ جُنَّةً مِنَ النَّارِ فَضْلًا وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ الله مرني بِأَمْر آخُذْهُ عَنْكَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا عَدْلَ لَهُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَرْفُثْ أَيِ الصَّائِمُ كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا وَفِي الْمُوَطَّأِ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ إِلَخْ وَيَرْفُثُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَيَجُوزُ فِي مَاضِيهِ التَّثْلِيثُ وَالْمُرَادُ بِالرَّفَثِ هُنَا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْفَاءِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْجِمَاعِ وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَجْهَلْ أَيْ لَا يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْجَهْلِ كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يُجَادِلْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الصَّوْمِ يُبَاحُ فِيهِ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ بِالصَّوْمِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنِ امْرُؤٌ بِتَخْفِيفِ النُّونِ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ وَلِأَبِي قُرَّةَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَإِنْ شَتَمَهُ إِنْسَانٌ فَلَا يُكَلِّمْهُ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ من طَرِيق سُهَيْل فَإِن سابه أحد اوماراه أَيْ جَادَلَهُ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَجْلَانَ مَوْلَى الْمُشْمَعِلِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فاجلس وَلأَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق بن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنِ امْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلَا يَشْتُمْهُ وَلَا يسبه وَاتفقَ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا مَرَّتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ظَاهِرُهُ بِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالصَّائِمُ لَا تَصْدُرُ مِنْهُ الْأَفْعَالُ الَّتِي رُتِّبَ عَلَيْهَا الْجَوَابُ خُصُوصًا الْمُقَاتَلَةَ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُفَاعَلَةِ التَّهَيُّؤُ لَهَا أَيْ إِنْ تَهَيَّأَ أَحَدٌ لِمُقَاتَلَتِهِ أَوْ مُشَاتَمَتِهِ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ فَإِنْ أَصَرَّ دَفَعَهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ كَالصَّائِلِ هَذَا فِيمَنْ يَرُومُ مُقَاتَلَتَهُ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَاتَلَهُ شَاتَمَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُطْلَقُ عَلَى اللَّعْنِ وَاللَّعْنُ مِنْ جُمْلَةِ السَّبِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّتْمِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُعَامِلُهُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ هَلْ يُخَاطِبُ بِهَا الَّذِي يُكَلِّمُهُ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ فِي الْأَذْكَارِ.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا لَكَانَ حَسَنًا وَلِهَذَا التَّرَدُّدِ أَتَى الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ بِالِاسْتِفْهَامِ فَقَالَ بَابٌ هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ.

     وَقَالَ  الرُّويَانِيُّ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ فَلْيَقُلْ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلْيَقُلْهُ فِي نَفسه وَادّعى بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي التَّطَوُّعِ.
وَأَمَّا فِي الْفَرْضِ فَيَقُولُهُ بِلِسَانِهِ قَطْعًا.
وَأَمَّا تَكْرِيرُ قَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ فَلْيَتَأَكَّدِ الِانْزِجَارُ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ يَقُولُهُ مَرَّةً بِقَلْبِهِ وَمَرَّةً بِلِسَانِهِ فَيَسْتَفِيدُ بِقَوْلِهِ بِقَلْبِهِ كَفَّ لِسَانِهِ عَنْ خَصْمِهِ وَبِقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ كَفَّ خَصْمِهِ عَنْهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقَوْلَ حَقِيقَةً بِاللِّسَانِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمَجَازَ وَقَولُهُ قَاتَلَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَتْلِ لَعْنٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الشَّتْمِ وَلَا يُمْكِنُ حمل قَاتله وشاتمه على المفاعلة لِأَن الصَّائِم مَأْمُور بِأَن الصَّائِمَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إِذَا جَاءَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُقَاتَلَتِهِ أَوْ مُشَاتَمَتِهِ كَأَنْ يَبْدَأَهُ بِقَتْلٍ أَوْ شَتْمٍ اقْتَضَتِ الْعَادَةُ أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمُفَاعَلَةِ إِرَادَةُ غَيْرِ الصَّائِمِ ذَلِكَ مِنَ الصَّائِمِ وَقَدْ تُطْلَقُ الْمُفَاعَلَةُ عَلَى التَّهَيُّؤِ لَهَا وَلَوْ وَقَعَ الْفِعْلُ مِنْ وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُفَاعَلَةُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ كَمَا يُقَالُ لِوَاحِدٍ عَالَجَ الْأَمْرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ وَأَبْعَدَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ الْمُرَادُ إِذَا بَدَرَتْ مِنَ الصَّائِمِ مُقَابَلَةُ الشَّتْمِ بِشَتْمٍ عَلَى مُقْتَضَى الطَّبْعِ فَلْيَنْزَجِرْ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ وَمِمَّا يُبَعِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فَإِنْ شَتَمَهُ شَتَمَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَصَرَّ دَفَعَهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ كَالصَّائِلِ هَذَا فِيمَنْ يَرُومُ مُقَاتَلَتَهُ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَاتَلَهُ شَاتَمَهُ فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُعَامِلُهُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ تَأْكِيدًا .

     قَوْلُهُ  لَخُلُوفُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا فَاءٌ قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَبَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ الْوَجْهَيْنِ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ فَتْحُ الْخَاءِ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمَصَادِرَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَلِيلَةٌ ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ فَمِ الصَّائِمِ بِسَبَبِ الصِّيَامِ .

     قَوْلُهُ  فَمُ الصَّائِم فِيهِ رد على من قَالَ لاتثبت الْمِيمُ فِي الْفَمِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ لِثُبُوتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ إِذْ ذَاكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ وَمَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى أَوْجُهٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ يُقَرَّبُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إِلَيْكُمْ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حق الْمَلَائِكَة وَإِنَّهُم يستطيبون ريح الخلوف أَكثر مِمَّا تستطيبون رِيحَ الْمِسْكِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عِنْدَكُمْ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا يَأْتِي الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ تَفُوحُ مِسْكًا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوفِ حَكَاهُمَا عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ وَجَمَاعَةٌ الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْمِسْكِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ فِي الْجَمْعِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْأَخِيرَ وَحَاصِلُهُ حَمْلُ مَعْنَى الطِّيبِ عَلَى الْقَبُولِ وَالرِّضَا فَحَصَلْنَا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ لِلطَّاعَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحًا تَفُوحُ قَالَ فَرَائِحَةُ الصِّيَامِ فِيهَا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ كَالْمِسْكِ وَيُؤَيِّدُ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ وَقَدْ ترْجم بن حِبَّانَ بِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَخْرَجَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا فَمُ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ مِنَ الطَّعَامِ وَهِيَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ يَخْلُفُ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِوُجُودِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالطِّيبِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلطِّيبِ فِي الْحَالِ الثَّانِي فَيُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكِنْ يُؤَيِّدُ ظَاهِرَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا مَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَمَضَانَ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي تنَازع فِيهَا بن عبد السَّلَام وبن الصّلاح فَذهب بن عَبْدِ السَّلَامِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ وَاسْتَدَلَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة وَذهب بن الصَّلَاحِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَاسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وثناؤه عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيُّ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ والداودى وبن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ جَزَمُوا كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ.
وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى الْمِسْكِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا فَقَيَّدَهُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي رِوَايَةٍ وَأَطْلَقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ أَصْلَ أَفْضَلِيَّتِهِ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إِنَّ رَبَّهُمْ بهم يَوْمئِذٍ لخبير وَهُوَ خَبِيرٌ بِهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ انْتَهَى وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي كَرَاهَةِ إِزَالَةِ هَذَا الْخُلُوفِ بِالسِّوَاكِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ بَابًا حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ أَنَّ الْخُلُوفَ أَعْظَمُ مِنْ دَمِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ شُبِّهَ رِيحُهُ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَالْخُلُوفُ وُصِفَ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ أَفْضَلَ مِنَ الشَّهَادَةِ لِمَا لَا يَخْفَى وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى أَصْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّ أَصْلَ الْخُلُوفِ طَاهِرٌ وَأَصْلُ الدَّمِ بِخِلَافِهِ فَكَانَ مَا أَصْلُهُ طَاهِرٌ أَطْيَبَ رِيحًا .

     قَوْلُهُ  يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَإِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ إِلَخْ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الطَّبَّاعِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا يذر شَهْوَته الخ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَقَالَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كل عمل بن آدَمَ هُوَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنا أجزى بِهِ وَإِنَّمَا يذر بن آدَمَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ عَمَلِ بن آدَمَ لَهُ الْحَدِيثَ وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ الْحَدِيثَ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا يَذَرُ إِلَخْ التَّنْبِيهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصَّائِمُ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الْخَاصُّ بِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ تَرْكُ الْمَذْكُورَاتِ لِغَرَضٍ آخَرَ كَالتُّخَمَةِ لَا يَحْصُلُ لِلصَّائِمِ الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ لَكِنَّ الْمَدَارَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الدَّاعِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَدُورُ مَعَهُ الْفِعْلُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِضْ فِي خَاطِرِهِ شَهْوَةُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ طُولَ نَهَارِهِ إِلَى أَنْ أَفْطَرَ لَيْسَ هُوَ فِي الْفَضْلِ كَمَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِالشَّهْوَةِ فِي الْحَدِيثِ شَهْوَةُ الْجِمَاعِ لِعَطْفِهَا عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ بِتَقْدِيمِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ فِي التَّوْحِيدِ وَكَذَا جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ يَدَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي وَيَدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قُرَّةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَدَعُ امْرَأَتَهُ وَشَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْحَافِظِ سَمَوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ مِنْ أَجْلِي .

     قَوْلُهُ  الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كَذَا وَقَعَ بِغَيْرِ أَدَاةِ عَطْفٍ وَلَا غَيْرِهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ فَالصِّيَامُ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ لِي أَنَّهُ يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ لِأَجْلِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ كُلُّ عمل بن آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْآتِيَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ مَعَ أَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يُجزئ بِهَا عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقَعُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَلَفْظُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا لِلَّهِ وَهُوَ الَّذِي يُجزئ بِهَا فَنَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ الصّيام لِأَنَّهُ لَيْسَ يظْهر من بن آدَمَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ فِي الْقَلْبِ ويؤيدها هَذَا التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الصِّيَامِ رِيَاءٌ حَدَّثَنِيهِ شَبَابَةُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُ يَعْنِي مُرْسَلًا قَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْحَرَكَاتِ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَن النَّاس هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي انْتَهَى وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ الصِّيَامُ لَا رِيَاءَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْأَعْمَالُ يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ وَالصَّوْمُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ إِلَّا اللَّهُ فَأَضَافَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ تَظْهَرُ بِفِعْلِهَا وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مَا يَظْهَرُ مِنْ شَوْبٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَارْتَضَى هَذَا الْجَوَابَ الْمَازِرِيُّ وَقَرَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ لَمَّا كَانَتْ يُمْكِنُ دُخُولُ الرِّيَاءِ فِيهَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ حَالَ الْمُمْسِكِ شِبَعًا مِثْلُ حَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ.

قُلْتُ مَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا رِيَاءَ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ فَقَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إِنَّمَا يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إِلْحَاقَ شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِالصَّوْمِ فَقَالَ أَن الذّكر بِلَا إِلَه الا اللَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَدْخُلَهُ الرِّيَاءُ لِأَنَّهُ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْفَمِ فَيُمْكِنُ الذَّاكِرُ أَنْ يَقُولَهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَا يَشْعُرُونَ مِنْهُ بِذَلِكَ ثَانِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ أَنِّي أَنْفَرِدُ بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْضُ النَّاسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ كَشَفَتْ مَقَادِيرَ ثَوَابِهَا لِلنَّاسِ وَأَنَّهَا تُضَاعَفُ مِنْ عَشْرَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيَشْهَدُ لِهَذَا السِّيَاقِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَعْنِي رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَيْثُ قَالَ كل عمل بن آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ أَيْ أُجَازِي عَلَيْهِ جَزَاءً كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمِقْدَارِهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ انْتَهَى وَالصَّابِرُونَ الصَّائِمُونَ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ.

قُلْتُ وَسَبَقَ إِلَى هَذَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ فَقَالَ بَلغنِي عَن بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الصَّبْرُ لِأَنَّ الصَّائِمَ يُصَبِّرُ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب انْتَهَى وَيَشْهَدُ رِوَايَةُ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عِنْدَ سَمَوَيْهِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا فِيهِ وَيشْهد لَهُ أَيْضا مَا رَوَاهُ بن وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَدِّهِ زَيْدٍ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن مينار عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا الْأَعْمَالُ عِنْدَ اللَّهِ سَبْعٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَعَمَلٌ لَا يَعْلَمُ ثَوَابَ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ ثَوَابَ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ فَالصِّيَامُ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الْحُسْنِ قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ وَيَأْتِي فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ نَصٌّ فِي إِظْهَارِ التَّضْعِيفِ فَبَعُدَ هَذَا الْجَوَابُ بَلْ بَطَلَ.

قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الَّذِي ذُكِرَ بُطْلَانُهُ بَلِ الْمُرَادُ بِمَا أَوْرَدَهُ أَنَّ صِيَامَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ يُكْتَبُ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ ثَوَابِ ذَلِكَ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا الْعُرْفُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَا أَجْزِي بِهِ لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا قَالَ أَنَا أَتَوَلَّى الْإِعْطَاءَ بِنَفْسِي كَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ وَتَفْخِيمِهِ ثَالِثُهَا مَعْنَى قَوْلِهِ الصَّوْمُ لِي أَيْ إِنَّهُ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ إِلَيَّ وَالْمُقَدَّمُ عِنْدِي وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَفَى بِقَوْلِهِ الصَّوْمُ لِي فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ رَابِعُهَا الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ كَمَا يُقَالُ بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ التَّخْصِيصُ فِي مَوْضِعِ التَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا التَّعْظِيمُ وَالتَّشْرِيفُ خَامِسُهَا أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ فَلَمَّا تَقَرَّبَ الصَّائِمُ إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُنَاسِبَةٌ لِأَحْوَالِهِمْ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الصَّائِمَ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِأَمْرٍ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِي سَادِسُهَا أَنَّ الْمَعْنَى كَذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِمْ سَابِعُهَا أَنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَظٌّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَظِّ مَا يَحْصُلُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِذَلِكَ بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ الْمَعْنَى لَيْسَ لِنَفْسِ الصَّائِمِ فِيهِ حَظٌّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ حَظًّا لِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ لِعِبَادَتِهِ ثَامِنُهَا سَبَبُ الْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ أَنَّ الصِّيَامَ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِمَا يَقَعُ مِنْ عُبَّادِ النُّجُومِ وَأَصْحَابُ الْهَيَاكِلِ وَالِاسْتِخْدَامَاتِ فَإِنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ لَهَا بِالصِّيَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا فَعَّالَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي لَيْسَ بِطَائِلٍ لِأَنَّهُمْ طَائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَمَرَّ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَالْأُخْرَى مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْكَوَاكِبِ وَهُمُ الَّذِينَ أُشِيرَ إِلَيْهِمْ تَاسِعُهَا أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ تُوَفَّى مِنْهَا مَظَالِمُ الْعِبَادِ إِلَّا الصِّيَامَ رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ حَسَّانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِيه عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ كُنْتُ اسْتَحْسَنْتُ هَذَا الْجَوَابَ إِلَى أَنْ فَكَّرْتُ فِي حَدِيثِ الْمُقَاصَّةِ فَوَجَدْتُ فِيهِ ذِكْرَ الصَّوْمِ فِي جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ حَيْثُ قَالَ الْمُفْلِسُ الَّذِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَكَلَ مَالِ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيُؤْخَذُ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الصِّيَامَ مُشْتَرِكٌ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ فِي ذَلِك قلت أَن ثَبت قَول بن عُيَيْنَةَ أَمْكَنَ تَخْصِيصُ الصِّيَامِ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصَّوْمَ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَلَفْظُهُ قَالَ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصَّوْمَ وَرَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ كُلُّ مَا يعمله بن آدَمَ كَفَّارَةٌ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظٍ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ فَحَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنْ قَالَ كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ آدَمَ لِأَنَّ مَعْنَاهَا إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنَ الْمَعَاصِي كَفَّارَةٌ مِنَ الطَّاعَاتِ وَمَعْنَى رِوَايَةِ غُنْدَرٍ كُلُّ عَمَلٍ مِنَ الطَّاعَاتِ كَفَّارَةٌ لِلْمَعَاصِي وَقَدْ بَيَّنَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي ذَلِكَ عَلَى شُعْبَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ بِذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى غُنْدَرٍ وَالِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور يشْهد لما ذهب إِلَيْهِ بن عُيَيْنَةَ لَكِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ السَّنَدِ فَإِنَّهُ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرَّ فِي تَعْقِيبِ الْبُخَارِيِّ لِحَدِيثِ الْبَاب بِبَاب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ وَسَأَذْكُرُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَاشِرُهَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ كَمَا تَكْتُبُ سَائِرَ الْأَعْمَالِ وَاسْتَنَدَ قَائِلُهُ إِلَى حَدِيثٍ واه جدا أوردهُ بن الْعَرَبِيِّ فِي الْمُسَلْسَلَاتِ وَلَفْظُهُ قَالَ اللَّهُ الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أُحِبُّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبَهُ وَلَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهُ وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِمَنْ هَمَّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ بَلَغَهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهُوَ الطَّالِقَانِيُّ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّيَامِ هُنَا صِيَامُ مَنْ سَلِمَ صِيَامُهُ مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا وَنقل بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِصِيَامِ خَوَاصِّ الْخَوَاصِّ فَقَالَ إِنَّ الصَّوْمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ صِيَامُ الْعَوَامِّ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَصِيَامُ خَوَاصِّ الْعَوَامِّ وَهُوَ هَذَا مَعَ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَصِيَامُ الْخَوَاصِّ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَصِيَامُ خَوَاصِّ الْخَوَاصِّ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَلَا فِطْرَ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا مَقَامٌ عَالٍ لَكِنْ فِي حَصْرِ الْمُرَادِ مِنَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا النَّوْعِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَأَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَيَقْرُبُ مِنْهُمَا الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّتِي بَيَّنْتُهَا قَبْلُ لَمَّا أَرَادَ بِالْعَمَلِ الْحَسَنَاتِ وَضَعَ الْحَسَنَةَ فِي الْخَبَرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَقَولُهُ إِلَّا الصِّيَامَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامٍ غَيْرِ مَحْكِيٍّ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَسَنَاتِ يُضَاعَفُ جَزَاؤُهَا مِنْ عَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ فَلَا يُضَاعَفُ إِلَى هَذَا الْقَدْرِ بَلْ ثَوَابُهُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ وَلَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ يَتَوَلَّى اللَّهُ جَزَاءَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَكِلُهُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ مِمَّا يَطَّلِعُ الْعِبَادُ عَلَيْهِ وَالصَّوْمُ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُهُ خَالِصًا وَيُعَامِلُهُ بِهِ طَالِبًا لِرِضَاهُ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي وَالْآخَرُ أَنَّ سَائِرَ الْحَسَنَاتِ رَاجِعَةٌ إِلَى صَرْفِ الْمَالِ أَوِ اسْتِعْمَالٍ لِلْبَدَنِ وَالصَّوْمُ يَتَضَمَّنُ كَسْرَ النَّفْسِ وَتَعْرِيضَ الْبَدَنِ لِلنُّقْصَانِ وَفِيهِ الصَّبْرُ عَلَى مَضَضِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَتَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي قَالَ الطِّيبِيُّ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ يَدَعُ شَهْوَتَهُ إِلَخْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِمُوجِبِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ غَيْرِ مَحْكِيٍّ فَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كُلِّ عَمَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ أَوْرَدَهُ فِي أَثْنَائِهِ بَيَانًا وَفَائِدَتُهُ تَفْخِيمُ شَأْنِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .

     قَوْلُهُ  وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْبَيَانَ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ تَامًّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كل حَسَنَة يعملها بن آدَمَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ فَأَعَادَ قَوْلَهُ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ تَأْكِيدًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ أَن شَاءَ الله تَعَالَى