فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة

رقم الحديث 532 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من سأل) كذا في الرياض بصيغة الماضي وفي أصل مصحح من مسلم بصيغة المضارع المجزوم بسكون مقدر للتخلص من التقاء الساكنين ( الناس تكثراً) أي ليكثر ماله مما يجتمع عنده بسبب السؤال ( فإنما يسأل جمراً) قال القاضي: أي يعاقب بالنار، قال: ويحتمل أن يكون على ظاهره فإنالذي يأخذه يصير جمراً يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة ( فليستقل أو فليستكثر) اللام فيه ساكنة للأمر والفاء فيه للتفريع وأو فيه للتخيير: أي فهو مخير إذا عرف مآل ذلك بين الاستكثار والاستقلال فيكثر عذابه أو يقلّ ( رواه مسلم) في الزكاة، ورواه ابن ماجه فيها أيضاً.


رقم الحديث 533 ( وعن سمرة) بضم الميم ( ابن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال آخره موحدة تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب توقير العلماء ( قال: قال رسول الله: إن المسألة) مفعلة من السؤال: أي سؤال الناس من دنياهم ( كد) بفتح الكاف وتشديد الدال المهملة، قال في «النهاية» : هو الإتعاب، يقال: كدّ في عمله يكد: إذا استعجل، ونحوه ما في «المصباح» من أنه الشدة في العمل، وفي «المشارق» : هو الجهد في الطلب وسيأتي في الأصل أنه الخدش ( يكد) بضم الكاف أي يتعب ( بها الرجل) الباء فيه للسببية والرجل مثال فالمرأة مثله في ذلك ( وجهه) قال في «النهاية» : أي ماؤه ورونقه، والحديث في «سنن أبي داود» بلفظ: «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل» إلى آخر الحديث، وقد لمح إلى هذا المعنى من قال: إذا أظمأتك أكف اللئام كفتك القناعة شبعاً وريا فكن رجلاً رجله في الثرى وهامة همته في الثريا قإن إراقاة ماء الحيا ة دون إراقة ماء المحيا ( إلا أن يسأل الرجل سلطاناً) أي يطلب منه ما أوجب الله من زكاة أو خمس أو في بيت المال ونحوه ( أو في أمر لا بد) بضم أوله وتشديد المهملة: لا فراق ( منه) فلا يستطيع تركه فتحل له المسألة فيما دعت إليه الضرورة ( رواه الترمذي) في الزكاة من «جامعه» ( قال: حديث حسن صحيح) ورواه أبو داود كما ذكرناه والنسائي كلاهما من «سننهما» ( والكدّ: الخدش ونحوه) لعله تفسير باللازم.


رقم الحديث 534 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أصابته فاقة) قال في «المصباح» : أي الحاجة ( فأنزلها بالناس) طالباً رفعها عنه بإعانتهم راكناً في ذلك إليهم ( لن تسد) بالبناء للمجهول للعلم بالفاعل ( فاقته) أي بل يؤدي ذلك إلى غضب الله تعالى ودوام فاقته إذ أنزل حاجته إلى عاجز مثله وترك اللجأ إليه سبحانه وهو القادر على قضاء حوائج الخلق كلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء.
قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك: ويحك تأتي من يغلق عنك بابه ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه، فالعبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على ذلك إلا الله سبحانه ( ومن أنزلها) فالهمزة فيه وفيما قبله للتعدية، قال في «المصباح» : نزل نزولاً ويتعدى بالحرف وبالهمزة والتضعيف، يقال: نزلت به وأنزلته ونزلته: أي فمن جعل فاقته نازلة ( با) أي مستعيناً به في رفعها ( فيوشك) أي فهو يوشك بضم التحتية ( اله بزرق عاجل) في رفع لأواه ( وآجل) بالمد: أي لدع بلواه قال تعالى: { وإن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} ( الأنعام: 17) ، وقال تعالى: { واسألوا الله من فضله} ( النساء: 32) وفي الترمذي: «من لم يسأل الله يغضب عليه» ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) قال في «الجامع» : رواه من حديث ابن مسعود أحمد والحاكم في «مستدركه» .
( يوشك بكسر الشين) أي المعجمة وفتح أوله: ( أي يسرع) .


رقم الحديث 535 ( وعن ثوبان) بالمثلثة والموحدة آخره نون بوزن غضبان وهو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من تكفل) بفتح الفوقية وتشديد الفاء: أي ضمن، ورواه النسائي بلفظ: «من ضمن لي واحدة وله الجنة» ( لي ألا يسأل الناس شيئاً) أي مما لاضرورة به إليه ( وأتكفل) برفع اللام جملة حالية لضمير المجرور: أي من يضمن لي عدم السؤال حال كوني ملتزماً ( له) على كرم الله عزّ وجل ( بالجنة فقلت: أنا) عبارة السنن: «فقال: ثوبان: أنا» وزاد ابن ماجه فقال: «لا يسأل الناس شيئاً» ( فكان لا يسأل أحد شيئاً) ظاهره نفي سؤاله لكل شيء، وعند ابن ماجه: «فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه» ( رواه أبو داود) في كتاب الزكاة من سننه ( بإسناد صحيح) ورجاله رجال «الصحيح» .


رقم الحديث 536 ( وعن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ( قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها مهملة ( ابن المخارق) بضم الميم بعدها خاء معجمة ابن عبد الله بن شداد بن ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة العامري الهلالي البصري الصحابي ( رضي الله عنه) قال المصنف: وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، وروي له عن النبي ستة أحاديث.
روى مسلم أحدها وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» : سكن البصرة، خرج عنه مسلم وأبو داود والنسائي ( قال: تحملت) في الإتيان به من باب التفعل إيماء إلى كلفة الأمر والدخول فيه ( حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها) جملة أسأل في محل الحال من فاعل أتيت، وفي يحتمل كونها للظرفية المجازية ويحتمل كونها سببية نحو حديث: «عذبت امرأة في هرة» أي أسأله لسبب الحمالة ( فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة) تعني الزكاة فأل فيه عهدية، والمعهود قوله تعالى: { إنما الصدقات} ( التوبة: 6) ( فنأمر) بالنصب ويجوز على بعد الرفع على الاستئناف ( لك بها) أي بسمألتك ( ثم قال) إرشاداً إلى أنه لا ينبغي السؤال إلا عن حاجة حافة أو لأمر مهم كما هنا ( يا قبيصة إن المسألة) أي السؤال للصدقة المعهودة وهي الزكاة كما في «فتح الإله» ( لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة) أي أن يسأل الإمام وأهل الزكاة في أوقاتها ( حتى) إلى أن ( يصيبها) أي حتىيقضي دينه الذي تحمله لأجلها ( ثم) بعد قضائها ( يمسك) عن المسألة إلا لضرورة أو حاجة أخرى ( ورجل أصابته جائحة) بالجيم والحاء المهملة بينهما ألف فهمزة ( اجتاحت) أي استأصلت ( ماله) كزرعه وثمره ( فحلت له المسألة) أي أن يسأل الناس في سد خلته ( حتى يصيب قواماً من عيش) أي ما يقوم بحوائجه الضرورية.
والحاجية وهو بيان للقوام ( أو) شك في أي اللفظين المترادفين نطق به ( قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة) أي فقر شديد اشتهر بين قومه ( حتى يقول) بالنصب غاية لمقدر: أي وظهرت فلم تخف على قومه إلى أن يقول: ( ثلاثة من ذوي الحجى) بكسر المهملة وبعدها جيم مقصورة: أي العقل الكامل ( من قومه) لأن مثل هذا العدد الذي هو أقل الكثير مع اتصافهم بكمال العقل، وكونه من قومهم العارفين بحاله الظاهرة والباطنة والمطلعين منها على ما لا يطلع عليه أحد غيرهم منها يقبله ويصدقه كل أحد بلام القسم ( لقد أصابت فلاناً فاقة) وما شرحنا عليه يقول باللام هو ما وقفت عليه من نسخ الرياض وهو كذلك، في رواية أبي داود، والذي في «صحيح مسلم» حتى يقوم بالميم بدل اللام، قال المصنف: وهو صحيح والمعنى: أي يقومون بهذا الأمر فيقولون: لقد أصابته الخ وقدره ابن حجر في «فتح الإله» حتى يقوم على رءوس الإشهاد ثلاثة من ذوي الحجي قائلين لقد أصابته الخ، قال: وبما تقرر في معنى يقوم أنه باق على ظاهره وأن «لقد أصابت الخ» مقول قول محذوف حال من فاعل يقوم محذوفة لدلالة مقولها عليها لعدم صلاحية تعلقه بيقوم، على أن حذف القول وإبقاء مقولة سائغ فصيح، وإن الباعث على هذا مزيد التحري لمزيد السؤال والكف عنه حتى يظهر فقره، واضطراره للناس بإخبار العدد الكثير الجامعين مع وصف الكثرة لوصف العقل، وكونهم من أقاربه المحيطين بحاله غالباً يعلم اندفاع قول الصغاني: «يقوم» وقع في كتاب مسلم والصواب يقول كما في رواية أبي داود وقول غيره يقوم بمعنى يقول وهو وإن صح إلا أن المراد المبالغة في الكف عن المسألة حتى يظهر صدقه وهو غالباً إنما يظهر بثلاثة من قومه، فذكر لذلك مبالغة لا لتوقف الحل عليه ( فحلت له المسألة) بسبب تلك القرائن الدالة على صدقه في سؤاله ( حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش) وفي تعبيره بالحاجةفي الثاني والفاقة في الثالث حتى يشهد من ذكر غاية المبالغة في الكف عن المسألة إلا بعد الوصول لحالة الاحتياج الشديد، بل الاضطرار الملحق بأكل الميتة وفي قوله: قواماً أو سداداً أنه بعد أن حلت له المسألة لا يكثر منها، بل يقتصر على ما يقتصر عليه المظطر من سد الرمق لا أن يحتاج إلى سد الرمق به في المستقبل بأن كان ذلك المحل يكثر فيه الناس زمناً ويقلون في آخر فله السؤال في أيام كثرتهم ما يقوم بحاجته أيام قلتهم ( فما سواهن) أي هذه الأقسام الثلاثة ( من المسألة) للزكاة أو وصدقة النفل ( يا قبيصة سحت) أي حرام لا يحل فعله لأنه يسحت البركة أي يذهبها ويهلكها، وأصل السحت: الإهلاك، ثم هو مرفوع هكذا في نسخ الرياض فيما وقفت عليه، قال المصنف في شرح مسلم: فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً هكذا، هو في جميع النسخ سحتاً بالنصب، ورواه غير مسلم وهو واضح، ورواية مسلم في «صحيحه» وفيه إضمار: أي اعتقده سحتاً أو يؤكل سحتاً اهـ.
ومنه يعلم أن إبدال الميم في يقوم باللام والنصب بالرفع إن لم يكن من سبق قلم المصنف سهواً من رواية مسلم إلى رواية غيره فهو من تحريف الكتاب وقوله: ( يأكلها) صفة لسحت والتأنيث باعتبار كونه خبر ما، المراد منها الصدقة ( صاحبها) حال كونها ( سحتاً) أي حراماً خالصاً لا شبهة في أكلها ولا تأويل ( رواه مسلم) في الزكاة في «صحيحه» ، ورواه أبو داود والنسائي في الزكاة من «سننهما» ( الحمالة بفتح الحاء) المهملة وتخفيف الميم واللام بينهما ألف ( أن يقع قتال ونحوه بين فريقين) أو يوجد قتيل بين قريتين أنكره أهل كل منهما وأدى الأمر إلى التقاتل ( فبصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه) دفعاً لتلك المفسدة والتعبير بالتفعل والافتعال لما تقدم في قوله تحملت.
قال ابن حجر في «فتح الإله» : فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه لذلك وإن كان غنياً ( والجائحة الآفة) بالمد ( تصيب مال الإنسان) قال في «فتح الإله» : أصل وضع الجائحة مختص بالآفة السماوية والمراد في الحديث ما يشمل الأرضية أيضاً، لأن المراد فقره وحاجته، وفي «النهاية» : الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة وفتنة منفرة جائحة اهـ.
وفي «المصباح» : الجائحة الآفة اهـ.
وهما مطلقان كما قال المصنف: والذي أشار إليه ابن حجرفي «فتح الإله» هو قول الشافعي: الجائحة ما أذهبت الثمر بأمر سماوي اهـ.
وحينئذ فلعل فيه لأهل اللغة قولين: الإطلاق والتقييد ( والقوام بكسر القاف) واقتصر عليه المصنف في «شرح مسلم» وابن حجر في «فتح الإله» ( وفتحها) وهما مع تخفيف الواو، واللغتان نقلهما في «المصباح» فقال: يقال هذا قوامه بالفتح والكسر وتقلب الواو ياء جوازاً مع الكسرة: أي عماده الذي يقوم به، ومنهم من يقتصر على الكسر.
والقوام بالكسر ما يقيم الإنسان من القوت، والقوام بالفتح: العدل والاعتدال اهـ.
فلعل من اقتصر على الكسر فسره بما يقيم من القوت، ومن ذكر الفتح معه فسره بقوله ( وهو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه) ولا يضر في هذا الجمع كونه قال في «شرح مسلم» : القوام والحداد بكسر أولهما ما يغني من الشيء ويشد به الحاجة، فاقتصر على الكسر إما لأن مراده ما يغني ويسدّ من خصوص القوت، أو اقتصر عليه لأنه الأفصح ( والسداد بكسر السين) المهملة ( ما يسد حاجة المعوز) بضم فسكون فكسر، من أعوز الرجل: افتقر ( ويكفيه) أي من مال ونحوه كما قدمه المصنف في قرينه الذي شك فيه الراوي هل هو أو ذاك، زاد في «شرح مسلم» : وكل شيء سددت به شيئاً فهو سداد بالكسر، ومنه سداد الثغر وسداد القارورة، وقولهم سداد من عوز ( والفاقة) بالفاء والقاف بينهما ألف ( الفقر) أي الحاجة كما في «المصباح» ، يقال: افتاق الرجل: احتاج، وهو من ذو فاقة أي حاجة ( والحجى) بالضبط السابق فيه ( العقل) .


رقم الحديث 537 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس المسكين) أي الكامل المسكنة الممدوحها لا لنفي أصل المسكنة ( الذي ترده اللقمة واللقمتان) زاد مسلم في رواية له: ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان ( والتمرة والتمرتان ولكن) عطف على ما قبله، ولكن لاستدراك ثبوت ما توهم نفيه من سابقه، إذ المعهود في المسكين عند الناس هو الطواف، وقد نفي عنه المسكنة فربما يتوهم نفيه مطلقاً فرفع ذلك بقوله ولكن ( المسكين الذي لا يجد غنىً) بكسر أوله المعجم وبالقصر: ضد الفقر( يغنيه) بضم التحتية: أي يكفيه عن سؤال الغير ( ولا يفطن له) لتصبره وكتم حاله وما هو فيه ( فيتصدق عليه) بالبناء للمجهول منصوب في جواب النفي ( ولا يقوم في الناس فيسأل الناس) أي فهذا هو الكامل المسكنة الممدوحها، وهذا الحديث قد سبق مع شرحه في باب ملاطفة اليتيم والمسكين ( متفق عليه) رواه البخاري في «التفسير» ، ومسلم في الزكاة من «صحيحهما» ، ورواه النسائي في الزكاة وفي «التفسير» من «سننه» كذا في «الأطراف» للمزي.
538

رقم الحديث -58 هي كما في «الصحاح» في «الفتح» : الرضا بالقسم ( والعفاف والاقتصاد) افتعال من القصد وهو ما بين الإسراف والتقتير ( في المعيشة والإنفاق) وإخراج المال الطيب في الطاعة والمباحات: أي التوسط فيها كما قال تعالى: { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} ( الإسراء: 29) ( وذمّ السؤال) حذف معموله ليعم سائر المسؤول من مال وطعام وغيرهما ( من غير ضرورة) إليه قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» أفاد بمفهومه ذم الاشتغال بضده.
( قال الله تعالى) : ( { وما من} ) صلة للتنصيص على العموم ( { دابة في الأرض} ) قال ابن عطية: الدابة ما دبّ من الحيوان، والمراد جميع الحيوان الذي يحتاج إلى رزق ودخل فيه الطير والقائم من حيوان.
وفي حديث أبي عبيدة: فإذا دابة مثل الظرب، يريد من حيوان البحر، وتخصيصه بقوله في الأرض لكونه أقرب لحسهم، والطائر والقائم إنما هو في الأرض وما مات من الحيوان قبل أن يغتذي فقد اغتذى في بطن أمه ( { إلا على الله رزقها} ) إيجاب تفضل لأنه تعالى لا يجب عليه شيء عقلاً.
قال البيضاوي: وأتى به تخفيفاً للوصول، وحملاً على التوكل فيه.
( وقال تعالى) ( { للفقراء} ) أي الصدقات لهم، وهم الأولى والأحق بها وإن جاز صرفها لغيرهم كما يؤخذ من الآية التي قبلها في التلاوة ( { الذين أحصروا في سبيل ا} ) حبسوا أنفسهم في الجهاد.
وقيل معناه: حاسبوا أنفسهم بربقة الإسلام وهذا أحسن لأنهم متفرغون متوكلون لا شغل لهم غالباً سوى الصلاة فكان أثر السجود عليهم أبداً ( { لا يسألون الناس إلحافاً} ) أي إلحاحاً والآية تحتمل نفي السؤال عنهم جملة فيكون من نفي المقيد وهذا ما عليه الجمهور، ويحتمل أن سؤالهم: أي إن سألوا عن مزيد الحاجة لا يلحون: أي لا يظهر لهم سؤال بل هو قليل، وباحتماله فيكون النفي للقيد، وهذا هو الأكثر في النفي المتوجه إلى كلام مقيد كما قاله السفاقسي.
قال الثعالبي: بعيد من ألفاظ الآية فتأمله، وينبغي للفقير أن يتعفف في فقره ويكتفي بعلم ربه.
قال العارف با ابن أبي جمرة: وقال أهل التوفيق من لم يرض باليسير فهو أسير.
ومن كلام عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: استغن عمن شئت تكن نظيره، وتفضل على من شئت تكون أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
قال ابن عطية: في الآية تنبيه على سوء حال من يسأل الناس إلحافاً.
( وقال تعالى) : ( { والذين إذا أنفقوا} ) أي من الطاعات لأنهم محفوظون من غيرها كما قال ابن عطية ( { لم يسرفوا} ) أي لم يفرطوا حتى يضيعوا حقاً ناجزاً أو عيالاً أو نحوه ( { ولم يقتروا} ) أي لم يفرطوا في الشحّ ( { وكان بين ذلك قواماً} ) وسطاً وعدلاً، سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما، والقوام في حق كل بحسب عياله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها، وقواماً خبر ثان أو حال مؤكدة، ويجوز أن يكون الخبر و «بين» : ظرف لغو، وقيل: إنه اسم كان، بني لإضافته لغير متمكن، وضعف بأنه بمعنىالقوام فيكون كالإخبار عن الشيء بنفسه.
( وقال تعالى) : ( { وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} ) أي إلا لأجلها، فإنهم خلقوا بحيث تتأتى منهم العبادة وهدوا إليها، فهذه غاية كمالية لخلقهم، وتعرى البعض عن الوصال إليها لا يمكن كون الغاية غاية، وأما قوله تعالى: { ذرأنا لجهنم} ( الأعراف: 179) فلام العاقبة نحو «لدوا للموت» أو إلا لنأمرهم، أو ليقروا بي طوعاً أو كرهاً، أو المراد منهم المؤمنون ( { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} ) أي يطعموني: أي ليس شأني معهم كشأن السادة مع العبيد، وقيل: أن يرزقوا أنفسهم أو أحداً من خلقي، وأسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله وإطعام العيال علىالله، وفي الحديث القدسي: «استطعمت فلم تطعمني» .
( وأما الأحاديث) الدالة على ما ذكر في «الترجمة» ( فتقدم معظمها) أي أكثرها ( في البابين السابقين) قيل: فإن أحاديثهما القناعة من الصحابة والاقتصاد وترك السؤال والصبر على مضض الفقر ( ومما لم يتقدم) أي بعضه وإلا فاستعيب جميع ما لم يذكر فيهما مما ورد في الباب قد يشق.