هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2781 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ ، قَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا ، وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ، طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2781 حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن رافع ، واللفظ لابن رافع ، قال إسحاق : أخبرنا ، وقال ابن رافع : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر ، طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ibn 'Abbas (Allah be pleased with them) reported that the (pronouncement) of three divorces during the lifetime of Allah's Messenger (ﷺ) and that of Abu Bakr and two years of the caliphate of Umar (Allah be pleased with him) (was treated) as one. But Umar b. Khattab (Allah be pleased with him) said:

Verily the people have begun to hasten in the matter in which they are required to observe respite. So if we had imposed this upon them, and he imposed it upon them.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة.
فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.



المعنى العام

كان الطلاق في الجاهلية لا يخضع لعدد معين، بل ولا يخضع لذم أو تنفير، فجاء الإسلام فأقر مبدأه، فقد يكون ضرورة، أو تدعو إليه حالات الشقاق بين الزوجين، أباحه الإسلام لكن نفر منه، فقال صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال إلى الله الطلاق.

ولما كانت طبيعة البشر الغضب والرضا اقتضت الحكمة الإلهية، والرحمة بالأزواج أن يراجعوا طلقة وطلقتين أما الثالثة إذا وقعت لم تحل الزوجة حتى تنكح زوجًا غيره، فقال تعالى { { الطلاق مرتان } } وبعدهما { { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } } [البقرة: 229] .

ولم يحدد القرآن الكريم، ولا السنة النبوية فاصلاً زمنيًا بين الطلقات، فكان اختلاف العلماء.
هل لو جمع الثلاث في لفظ واحد، أو في دقيقة واحدة تحسب ثلاثًا أو تحسب واحدة، فذهب الجمهور إلى الحزم والتقليل من أبغض الحلال، والتحذير من التلاعب بألفاظ الطلاق، فحكم بأنها تحسب ثلاثًا.

وذهب قلة من العلماء إلى أنها تحسب واحدة ما دامت في لفظ واحد.
وكان على رأس الحزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووافقه الصحابة، وأجمعوا على ما ذهب إليه.

ولما كان الطلاق يصدر من الرجل بألفاظ صريحة لا تقبل التأويل لم يشترط فيها النية، ويصدر من الرجال بألفاظ غير صريحة، تحتمل الطلاق وغيره اشترط فيها النية.

ومن الألفاظ غير الصريحة لفظ حرمت زوجتي أو زوجتي فلانة علي حرام هذه اللفظة ونحوها تتبع النية، فإن نوى بها طلاقًا وقع الطلاق، وإن نوى بها ظهارًا وقع الظهار، وإن نوى بها يمينًا لزمه كفارة يمين، وإن لم ينو بها شيئًا كانت لغوًا.
على خلاف بين العلماء.

أما تحريم الحلال من غير الزوجة، كقوله: هذا الطعام علي حرام، أو كلامك علي حرام.
أو بيتك علي حرام، أو أموالك علي حرام، أو ما شابه ذلك من تحريم ما أحل الله فلا يلزم منه شيء، إلا إذا حلف على ذلك، فعليه كفارة يمين إن فعل ما حرمه على نفسه.

هذا فضل من الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن من كان قبلهم كانوا إذا حرموا شيئًا حرم عليهم، كما وقع ليعقوب إسرائيل عليه السلام، فقد روي أنه كان به عرق النساء، فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيء، فشفاه الله، وألزمه تحريم ما حرم، وأخبرنا بذلك، فقال جل شأنه { { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } } [آل عمران: 93] .

فكان من نعم الله على هذه الأمة أن خفف ذلك عليهم، فلم يحرم عليهم ما حرموا على أنفسهم، ونهاهم أن يحرموا على أنفسهم شيئًا مما أحل لهم، فقال تعالى { { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } } [المائدة: 87] .

ولما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه العسل، لتحايل عليه وقع من بعض زوجاته، وحرم على نفسه وطء جاريته إرضاء لبعض زوجاته عاتبه ربه بقوله { { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم } } [التحريم: 1، 2] .

فسبحان أحكم الحاكمين، شرع ما فيه مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وخفف على الأمة الإسلامية ووضع عنها إصرها والأغلال التي كانت عليها.
فتبارك الله أحسن الخالقين.
والحمد لله رب العالمين.

المباحث العربية

( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه وفي حياته.

( طلاق الثلاث واحدة) طلاق الثلاث بدل من الطلاق والبدل على نية تكرار العامل، أي كان طلاق الثلاث واحدة.
فواحدة خبر، والمعنى: كان الطلاق الثلاث في دفعة واحدة يحسب واحدة.

( إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة) أناة بفتح الهمزة، آخره تاء مربوطة، على وزن قناة الحلم والوقار والتثبت والرفق والانتظار وعدم العجلة، يقال: أني الرجل من باب سمع أينا، وتأني تأنيًا.
والمعنى إن الناس استعجلوا الطلاق الثلاث، وأكثروا منه في دفعة واحدة، وكانوا من قبل لا يتعجلونه، ولا يطلقون الثلاث إلا نادرًا.

( فلو أمضيناه عليهم) لو للتمني، فلا تحتاج إلى جواب، أي ليتنا نمضيه وننفذه عليهم، ونلزمهم به ثلاثًا - كما نطقوه، لا واحدة.
ويصح أن تكون شرطية، وجواب الشرط محذوف، أي لكان خيرًا.

( أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة) الثلاث صفة لموصوف محذوف، أي التطليقات الثلاث.
والاستفهام حقيقي، ولذلك أجاب.

( وثلاثًا من إمارة عمر) ؟ ثلاثًا منصوب على الظرفية، أي وكانت الثلاث تجعل واحدة في ثلاث سنوات من خلافة عمر، وفي الرواية الأولى وسنتين من خلافة عمر فيحتمل أن الواقع كان سنتين ونصفًا مثلاً، فألغي الكسر تارة، وجبر الكسر تارة أخرى.

( هات من هناتك) أي من أخبارك وأمورك المستغربة، وفي كتب اللغة: الهناة الداهية والشدائد والأمور العظام، والكلمات والأراجيز.

( تتايع الناس في الطلاق) قال النووي: هو بياء مثناة من تحت بين الألف والعين، هذه رواية الجمهور، وضبطه بعضهم بالباء الموحدة، وهما بمعنى، ومعناه أكثروا منه، وأسرعوا إليه، لكن بالياء المثناة إنما يستعمل في الشر، وبالباء الموحدة يستعمل في الخير والشر، فالياء المثناة هنا أجود.

( فأجازه عليهم) ثلاثًا، أي أمضاه ونفذه عليهم ثلاثًا.

( كان يقول في الحرام: يمين يكفرها) في الحرام متعلق بيقول، أي يقول فيمن قال لامرأته أنت علي حرام، يقول: هي يمين يكفرها قائلها.
فيمين خبر لمبتدأ محذوف، وفي الرواية الخامسة إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها.

( قال ابن عباس: { { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } ) يشير بذلك إلى قوله تعالى { { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } } بعد قوله { { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } } [التحريم: 1] أي جعل الله لنبيه تحريم ما أحل يمينًا عليه كفارته.

( فتواطيت أنا وحفصة) من التواطؤ، وهو التوافق، قال النووي: فتواطيت بالياء، هكذا هو في النسخ، وأصله فتواطأت بالهمز، اهـ، أي خففت الهمز، وفي البخاري فتواصيت بالصاد، من التواصي.

( أن أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل) أيتنا بفتح الهمزة، وتشديد الياء المفتوحة، وفتح التاء، وهي كلمة أي دخلت عليها تاء التأنيث وأضيفت إلى نون المتكلمين، وما في ما دخل عليها زائدة.

( أجد منك ريح مغافير.
أكلت مغافير؟)
الكلام في أكلت على الاستفهام، والمغافير بالغين والفاء، بعدها ياء في جميع نسخ البخاري، وفي بعض نسخ مسلم في بعض المواضع من الحديث بحذفها، قال القاضي عياض: والصواب إثباتها، لأنها عوض عن الواو التي في المفرد، اهـ والمغفور صمغ حلو، له رائحة كريهة، ينضحه شجر، يقال له: العرفط، بضم العين والفاء، بينهما راء ساكنة، آخره طاء، قال القاضي عياض: وزعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة، وهو خلاف ما يقتضيه الحديث، وخلاف ما قاله أهل اللغة.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: ولعل المهلب قال: خبيثة.
فصحفت، أو استند إلى ما نقل عن الخليل، ونسبه ابن بطال إلى العين، من أن العرفط شجر العضاة، والعضاة كل شجر له شوك، وإذا استيك به كانت له رائحة حسنة، تشبه رائحة طيب النبيذ.
اهـ وعلى هذا فيكون ريح عيدان العرفط طيبًا، وريح الصمغ الذي يسيل منه غير طيبة، ولا منافاة في ذلك، ولا تصحيف.
قال القرطبي في المفهم: إن رائحة ورق العرفط طيبة، فإذا رعته الإبل خبثت رائحته.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا طريق آخر في الجمع حسن جدًا.

( فدخل على إحداهما) قال الحافظ: أظنها حفصة.

( قال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش) بل للإضراب الإبطالي.
أي لم آكل مغافير، بل شربت عسلاً.
وفي الرواية السابعة فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل فهاتان روايتان في الصحيح في قصة العسل، هل الشرب كان في بيت زينب بنت جحش، والقائلتان حفصة وسودة مع عائشة؟ أو كان في بيت حفصة؟ والقائلتان عائشة وصفية.
أخرجهما ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.
قال السيوطي: وسنده صحيح عن ابن عباس.

قال النووي: قال القاضي عياض: ذكر مسلم أن التي شرب عندها العسل زينب، وأن المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة، وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة، وذكر مسلم أيضًا أن حفصة هي التي شرب عندها العسل، وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتي تظاهرن عليه.
قال: والأول أصح.
قال النسائي: إسناد حديث حجاج - روايتنا السادسة - صحيح جيد غاية.
وقال الأصيلي: حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى، وأكمل فائدة، يريد قوله تعالى { { وإن تظاهرا عليه } } فهما ثنتان، لا ثلاث، وأنهما عائشة وحفصة كما قال فيه، وكما اعترف به عمر رضي الله عنه، وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى.

ثم قال القاضي عياض بعد هذا: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب.

( ولن أعود له) زاد في رواية وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدًا.

( فنزل { { لم تحرم ما أحل الله لك... } } ) هكذا ظهر أن سبب نزول الآية قضية شرب العسل، وقد أخرج النسائي والحاكم وصححه، ابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حرامًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية { { يا أيها النبي لم تحرم } } ويوافق ما أخرج البزار والطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: نزلت { { يا أيها النبي لم تحرم } } إلخ في سريته.

قال الحافظ ابن حجر: والمشهور أن السبب مارية وأنه عليه السلام وطئها في بيت حفصة في يومها، فوجدت وعاتبته، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضين أن أحرمها، فلا أقربها: قالت: بلى.
تحرمها، وفي رواية أن ذلك كان في بيت حفصة في يوم عائشة، وفي الكشاف: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك حفصة، فقال لها: اكتمي علي، وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي، فأخبرت عائشة وكانتا متصادقتين.

قال النووي: الصحيح أن الآية في قصة العسل، لا في قصة مارية، المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح.

( يحب الحلواء والعسل) كذا وقعت في أكثر الروايات الحلواء بالمد، وفي بعضها الحلوى بالقصر، وهي مغايرة للعسل، ولو صنعت منه، فليس من قبيل عطف الخاص على العام، وإنما الذي يشمل العسل وغيره كلمة حلو ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وذكر النووي خلافه، وأن المراد بالحلواء هنا كل شيء حلو، فهو من ذكر الخاص بعد العام.

( كان إذا صلى العصر دار على نسائه) في رواية عند ابن مردويه عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه، وجلس الناس حوله، حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه، امرأة.
امرأة، يسلم عليهن، ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها.

قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلام ودعاء محض، والذي في آخره معه جلوس واستئناس ومحادثة، ولكن المحفوظ ذكر العصر، ورواية ابن مردويه شاذة.
وفي رواية أجاز إلى نسائه أي مشي وقطع المسافة إليهن، واحدة واحدة.

( فيدنو منهن) أي يدنو من كل واحدة منهن، والمقصود من الدنو أنه يقبل ويباشر من غير جماع، كما صرح به في بعض الروايات الصحيحة.

( فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس) أي أقام عندها أكثر مما كان يقيم عندها، أو أكثر مما كان يقيم عند غيرها.

( فسألت عن ذلك) في رواية البخاري قالت عائشة: فغرت، فسألت... وقد بينت كيفية السؤال في حديث لابن عباس، ولفظه فأنكرت عائشة احتباسه عند حفصة، فقالت لجويرية حبشية عندها، يقال لها: خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها - أي بحجة ما - فانظري ما يصنع؟.

( فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل) العكة بضم العين، وقد تفتح، زق صغير بكسر الزاي، أي وعاء صغير من جلد مقصوص الشعر، يوضع ويخزن فيه السمن غالبًا، والمراد من العسل هنا عسل النحل.

( فسقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منه شربة) ورد أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ منه بإصبعه، فالمراد من الشربة ما يشرب.

( أما واللَّه لنحتالن له) يقال: احتال عليه طلب منه الشيء بالحيلة، والحيلة وسيلة بارعة تحيل الشيء عن ظاهره، ابتغاء الوصول إلى المقصود، واللام في له للتعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، أي لمنعه من الاحتباس عند حفصة، وأما بتخفيف الميم، حرف استفتاح للتأكيد، مثل ألا.

( فذكرت ذلك لسودة) أي ذكرت الرغبة في الاحتيال ومحاولة منعه من الاحتباس.

( إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له: أكلت مغافير؟) في رواية فذكرت ذلك لسودة، وقلت لها: إنه إذا دخل عليك سيدنو منك... وفي رواية إذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها، فإذا قال: ما شأنك؟ فقولي: ريح المغافير.

( وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح) أي الكريه، ومعنى يشتد عليه أي يكره ويبغض وجود الريح الكريه.

( جرست نحله العرفط) جرست بفتح الجيم والراء، أي رعت نحل هذا العسل شجر العرفط الذي صمغه المغافير.

( تقول سودة...) أي لعائشة بعد أن نفذت الحيلة.

( فرقا منك) أي خوفًا منك، وحرصًا على تحقيق وتنفيذ أمرك.

( فلما دخل على حفصة) أي في اليوم الثاني بعد أن سمع ما قالته عائشة وسودة وصفية.

( سبحان اللَّه) تقال في مناسبات كثيرة، وهي هنا للتحسر.

( واللَّه لقد حرمناه) بفتح الراء مخففة، أي منعناه من العسل، يقال: حرمته وأحرمته، والأول أفصح.

( قلت لها: اسكتي) أي لا تثيري هذا الموضوع، خشية أن يفشو ذلك، فيظهر ما دبر من كيد واحتيال.

فقه الحديث

تتلخص نقاط الحديث الأساسية في ثلاث:

الأولى: الطلاق الثلاث دفعة واحدة، وهل يحسب طلقة؟ أو ثلاثًا؟ وتوجيه الأحاديث الواردة في ذلك.

الثانية: فيمن يقول لامرأته: أنت علي حرام.
وهل يكون طلاقًا؟ أو لا؟ وإذا كان طلاقًا هل يكون باتًا كالثلاث أو لا؟ وهل تحريم أي حلال يجعله حرامًا؟ أو هو يمين يكفر؟ أو ماذا؟

الثالثة: سبب نزول قوله تعالى { { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك....
}
}
والآيات والأحكام التي تؤخذ من الحديث.

وهذا هو التفصيل:

النقطة الأولى: قال النووي - بعد أن ذكر الروايات الخمس الأولى: هذا الحديث معدود من الأحاديث المشكلة.
اهـ.
والإشكال الذي أشار إليه أن جمهور العلماء ينفون بشدة أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمضى الثلاث واحدة، والحديث في ظاهره يثبت ذلك.

وبظاهره أخذ طاووس وبعض أهل الظاهر، فقالوا: من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا لا يقع بذلك إلا واحدة، وبهذا القول قال الحجاج بن أرطاة ومحمد بن إسحاق في رواية عنهما.
واحتج هؤلاء بظاهر حديث ابن عباس هذا فعملوا بما كان عليه الأمر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم - حسب فهمهم - وطرحوا ما أمضاه عمر رضي الله عنه.

كما احتجوا بحديث ركانة عند أبي داود، وأخرجه أحمد، وأبو يعلى وصححه عن طريق محمد بن إسحاق، ولفظه عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما تلك واحدة، فارتجعها إن شئت.
فارتجعها.

كما احتجوا برواية من روايات حديث ابن عمر في طلاقه امرأته وهي حائض - وقد تقدم في الباب السابق - وفيها أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها، فلو لم يحسبها واحدة ما أمره برجعتها.

وقالوا: إن من قال: أحلف بالله ثلاثًا، لا يعد حلفه إلا يمينًا واحدًا.
فكذلك في الطلاق.

المذهب الثاني في هذه المسألة أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا لا يقع بذلك شيء، وبه قال بعض الشيعة وبعض أهل الظاهر، قالوا: لأنه منهي عنه، واستدلوا على النهي عنه بحديث عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا؟ فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ الحديث.
أخرجه النسائي، ورجاله ثقات.

كما استدلوا بما أخرجه سعيد بن منصور عن أنس رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره وسنده صحيح.
وأطلقوا هذا القول في كل طلاق منهي عنه، كالطلاق في زمن الحيض.

قال الحافظ ابن حجر: وهو شذوذ.

المذهب الثالث في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، فهو محرم، كالطلاق في زمن الحيض، لكن إن قالها وقعت طلقة واحدة.
وبهذا قال بعض أهل الظاهر، واستدلوا للنهي عنه بما سبق.

ومذهب الجمهور صوره النووي: قال: من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا.
فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث.

واحتجوا بقول الله تعالى { { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا } } [الطلاق: 1] قالوا: معناه أن المطلق قد يحدث له ندم، فلا يمكنه تداركه، لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع ثلاثًا، وتقع واحدة رجعية فلا يندم.

كما استدلوا بأحاديث الباب، من حيث إنها تفيد الإجماع في عهد عمر على إمضاء الثلاث ثلاثًا، وحاولوا جهدهم أن يوجهوا صدر هذه الأحاديث، ويمنعوا أنها كانت تحسب واحدة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال النووي: قال المازري: وقد زعم من لا خبرة له بالحقائق أن ذلك كان، ثم نسخ.
قال: وهذا غلط فاحش، لأن عمر رضي الله عنه لا ينسخ، ولو نسخ - وحاشاه - لبادرت الصحابة إلى إنكاره.
وإن أراد هذا القائل أنه نسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك غير ممتنع، ولكن يخرج عن ظاهر الحديث، لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم في خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر.

فإن قيل: قد يجمع الصحابة على النسخ، فيقبل ذلك منهم؟ قلنا: إنما يقبل ذلك لأنه يستدل بإجماعهم على وجود ناسخ، وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله، لأنه إجماع على الخطأ، وهم معصومون من ذلك.
[أي وهم بذلك يشرعون شرعًا جديدًا مخالفًا لشرع الله ورسوله] .

فإن قيل: فلعل الناسخ إنما ظهر لهم في زمن عمر؟ قلنا: هذا غلط أيضًا، لأنه يكون قد حصل الإجماع على الخطأ في زمن أبي بكر، والمحققون من الأصوليين لا يشترطون انقراض العصر في صحة الإجماع.
اهـ.

ويعقب الحافظ ابن حجر على قول المازري، فيقول: إن الذي ادعى نسخ الحكم لم يقل: إن عمر هو الذي نسخ، وإنما قال - عن ابن عباس الذي أفتى بلزوم الثلاث، مع أنه الراوي أنها كانت الثلاث واحدة - قال: - والقائل هو الشافعي، فيما نقله عنه البيهقي.
قال: يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئًا نسخ ذلك، قال البيهقي: ويقويه ما أخرجه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثًا، فنسخ ذلك أي اطلع ابن عباس على ناسخ للحكم، ولذلك أفتى بخلافه، ومعنى ظهور النسخ في زمن عمر انتشاره، لكنه كان ظاهرًا عند البعض غير منتشر، فمعنى أنه كان يفعل في زمن أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ.

والنتيجة أن الطلاق الثلاث كان ثلاثًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو في آخر عهده، على ما يراه الجمهور وأجابوا عن حديث ابن عباس بأجوبة منها:

1- أن حديث ابن عباس معلول، لأنه عند أبي داود بلفظ أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة؟ فهو مردود بروايتيه، أو تعتمد رواية أبي داود، وأنه في المطلقة قبل الدخول، فهي تبين بالطلقة الأولى، وتلغي الثانية والثالثة، لوقوعها بعد البينونة.

2- أن حديث ابن عباس شاذ مردود.
وهذه طريقة البيهقي، إذ ساق الروايات عن ابن عباس بلزوم الثلاثة، ثم نقل عن ابن المنذر أنه لا يظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، يفتي بخلافه، فتعين المصير إلى الترجيح، والأخذ بقول الأكثر أولى من الأخذ بقول الواحد إذا خالفهم.

3- قال ابن العربي: حديث ابن عباس مختلف في صحته.

4- دعوى النسخ، وقد سبق الكلام عنها قريبًا.

5- دعوى الاضطراب.
قال القرطبي في المفهم: وقع فيه مع الاختلاف على ابن عباس الاضطراب في لفظه، وظاهر سياقه يقتضي النقل عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك، والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم وينتشر، فكيف ينفرد به واحد عن واحد؟ قال: فهذا الوجه يقتضي التوقف عن العمل بظاهره، إن لم يقتض القطع ببطلانه.

6- دعوى أنه ورد في صورة خاصة.
قال ابن سريج وغيره: يشبه أن يكون ورد في تكرير اللفظ، كأن يقول: أنت طالق.
أنت طالق.
أنت طالق.
وكانوا أولاً على سلامة صدورهم يقبل منهم أنهم أرادوا التأكيد، فلما كثر الناس في زمن عمر، وكثر فيهم الخداع ونحوه مما يمنع قبول من ادعى التأكيد حمل عمر اللفظ على ظاهر التكرار، فأمضاه عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الجواب ارتضاه القرطبي، وقواه بقول عمر: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة وكذا قال النووي: إن هذا أصح الأجوبة.

7- ذهب بعضهم إلى تأويل قوله واحدة فقال: إن معنى قوله كان الثلاث واحدة أن الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يطلقون واحدة، فلما كان زمن عمر كانوا يطلقون ثلاثًا، ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في عهد عمر ثلاثًا كان لا يوقع كذلك قبله، بل كان يوقع قبل ذلك واحدة، أي كانوا لا ينطقون بالثلاث، ولا يستعملون الثلاث أصلاً، أو كانوا يستعملونها نادرًا، وأما في عصر عمر فكثر استعمالهم لها.
ومعنى قوله فأمضاه عليهم وأجازه أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله.
ورجح هذا التأويل ابن العربي، ونسبه إلى أبي زرعة الرازي، أورده البيهقي بإسناده الصحيح إلى أبي زرعة أنه قال: معنى هذا الحديث عندي أن ما تطلقون أنتم ثلاثًا كانوا يطلقونه واحدة، قال النووي: وعلى هذا فيكون الخبر وقع عن اختلاف عادة الناس خاصة، لا عن تغير الحكم في الواحدة.

8- دعوى وقف حديث ابن عباس، إذ ليس في السياق أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فيقره، والحجة إنما هي في تقريره.
وإذا كان المحدثون قد قالوا: إن قول الصحابي: كنا نفعل كذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم له حكم المرفوع على الراجح.
فإن هذا ينبغي أن يكون مرجوحًا إذا عورض بمثل هذه المعارضة، وإذا كانت هناك قرائن تبعده، ومن القرائن حديث ركانة في روايته القوية أنه طلق امرأته البتة .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله ما أردت إلا واحدة - أي احلف بالله ما أردت إلا واحدة - قال: الله ما أردت إلا واحدة فهذا دليل على أنه لو أراد الثلاث لوقع الثلاث.

وهذا الذي تستريح إليه النفس في حديث ابن عباس.
والله أعلم.

قال النووي: وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانة طلق ثلاثًا، فجعلها واحدة، فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين، وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها البتة، ولفظ البتة محتمل للواحدة وللثلاث، ولعل صاحب هذه الرواية الضعيفة اعتقد أن لفظ البتة يقتضي الثلاث، فرواه بالمعنى الذي فهمه، وغلط في ذلك.

وأما حديث ابن عمر فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدة.
اهـ.

وأما قولهم: من قال: أحلف بالله ثلاثًا لا يعد حلفه إلا يمينًا واحدًا، فكذلك الطلاق.
فقد رده الحافظ ابن حجر باختلاف الصيغتين، فإن المطلق ينشئ طلاق امرأته، وقد جعل أمد طلاقها ثلاثًا، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا فكأنه قال: أنت طالق جميع الطلاق، وأما الحلف فلا أمد لعدد أيمانه فافترقا.

أما بعد.
فيعجبني قول الحافظ ابن حجر: وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة، سواء بسواء، أعني قول جابر: إنها كانت تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر.
قال: ثم نهانا عمر عنها، فانتهينا.

فالراجح في الموضعين تحريم المتعة، وإيقاع الثلاث، للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدًا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ، وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك، حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق.
والله أعلم.

النقطة الثانية: قال النووي: اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته: أنت علي حرام.
فمذهب الشافعي أنه إن نوى طلاقها كان طلاقًا، وإن نوى ظهارًا كان، وإن نوى تحريم عينها بغير طلاق ولا ظهار لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين، ولا يكون يمينًا، وإن لم ينو شيئًا ففيه قولان للشافعي، أصحهما يلزمه كفارة يمين، والثاني أنه لغو، لا شيء فيه، ولا يترتب عليه شيء من الأحكام.

هذا مذهبنا، وحكى القاضي عياض في المسألة أربعة عشر مذهبًا.

أحدها: المشهور من مذهب مالك أنه يقع به ثلاث طلقات، سواء كانت مدخولاً بها أم لا، لكن لو نوى أقل من الثلاث قبل في غير المدخول بها خاصة.
قال: وبهذا المذهب قال أيضًا علي بن أبي طالب وزيد والحسن والحكم.

والثاني: أنه يقع ثلاث طلقات، ولا تقبل نيته في المدخول بها ولا غيرها.
قاله ابن أبي ليلى وابن الماجشون المالكي.

والثالث: يقع به على المدخول بها ثلاث، وعلى غيرها واحدة، قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم المالكيان.

الرابع: أنه يقع به طلقة واحدة بائنة.
سواء المدخول بها وغيرها، وهو رواية عن مالك.

الخامس: أنها طلقة رجعية.
قاله عبد العزيز بن أبي مسلمة المالكي.

السادس: أنه يقع ما نوى، ولا يكون أقل من طلقة واحدة.
قاله الزهري.

السابع: أنه إن نوى واحدة أو عددًا أو يمينًا فهو كما نوى، وإلا فلغو.
قاله سفيان الثوري.

الثامن: مثل السابع.
إلا إنه إن لم ينو شيئًا لزمه كفارة يمين.
قاله الأوزاعي وأبو ثور.

التاسع: مذهب الشافعي، وسبق إيضاحه، وبه قال أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

العاشر: إن نوى الطلاق وقعت طلقة بائنة، وإن نوى ثلاثًا وقع الثلاث، وإن نوى اثنتين وقعت واحدة، وإن لم ينو شيئًا فيمين، وإن نوى الكذب فلغو.
قاله أبو حنيفة وأصحابه.

والحادي عشر: مثل العاشر، إلا أنه إذا نوى اثنين وقعت.
قاله زفر.

والثاني عشر: أنه تجب به كفارة الظهار، قاله إسحق بن راهويه.

والثالث عشر: هي يمين فيها كفارة اليمين، قاله ابن عباس وبعض التابعين.

والرابع عشر: أنه كتحريم الماء والطعام، فلا يجب فيه شيء أصلاً، ولا يقع به شيء، بل هو لغو.
قاله مسروق والشعبي وأبو سلمة وإصبغ المالكي.

قال القرطبي: قال بعض علمائنا: سبب الاختلاف أنه لما لم يرد في القرآن صريحًا، ولا في السنة نص ظاهر يعتمد عليه في حكم هذه المسألة تجاذبها العلماء، فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال: لا يلزمه شيء، ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى { { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } } [التحريم: 2] بعد قوله تعالى { { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } } ومن قال: تجب الكفارة، وليست بيمين بناه على أن معنى اليمين التحريم، فوقعت الكفارة على المعنى، ومن قال: تقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة، وأقل ما تحرم به المرأة طلقة تحرم الوطء ما لم يرتجعها، ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها، ما لم يجدد العقد، ومن قال: ثلاث حمل اللفظ على منتهى وجوهه، ومن قال: ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق، فانحصر الأمر عنده في الظهار.
اهـ.

هذا كله إذا قال لزوجته الحرة.
أما إذا قاله للأمة فمذهب الشافعي أنه إن نوى عتقها عتقت، وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين، ولا يكون يمينًا، وإن لم ينو شيئًا وجب كفارة يمين على الصحيح من المذهب.
وقال مالك: هذا في الأمة لغو، لا يترتب عليه شيء، قال القاضي: وعامة العلماء عليه كفارة يمين بنفس التحريم، وقال أبو حنيفة: يحرم عليه ما حرمه من أمة وطعام وغيره، ولا شيء عليه حتى يتناوله، فيلزمه حينئذ كفارة يمين، وأم الولد كالأمة فيما ذكرناه.

ثم قال النووي: ومذهب مالك والشافعي والجمهور أنه إن قال: هذا الطعام حرام علي، أو هذا الماء، أو هذا الثوب، أو دخول البيت، أو كلام زيد، وسائر ما يحرمه غير الزوجة والأمة، يكون هذا لغوًا، لا شيء فيه، ولا يحرم عليه ذلك الشيء، فإذا تناوله فلا شيء عليه.

وقال البخاري: ليس الذي يقول لامرأته: أنت علي حرام كالذي يحرم الطعام، لأنه لا يقال للطعام الحل: حرام، ويقال للمطلقة حرام.
اهـ.

وقد ذهب أحمد إلى التسوية بين تحريم الطعام ونحوه وبين قوله لزوجته، فعليه في الجميع كفارة يمين.

النقطة الثالثة: ظاهر قول ابن عباس في الرواية الرابعة والخامسة { { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } بعد قوله إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها أن ابن عباس يرى أن سبب نزول أول سورة التحريم، تحريم مارية.

وظاهر الرواية السادسة أن سبب نزول أول سورة التحريم شرب العسل عند زينب بنت جحش، ففي آخره ولن أعود وفي رواية للبخاري ولن أعود له وقد حلفت.

وعند سعيد بن منصور.
بإسناد صحيح إلى مسروق رضي الله عنه: حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته، وقال: هي علي حرام، فنزلت كفارة ليمينه، وأمر أن لا يحرم ما أحل الله.

وأخرج الضياء في المختارة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة: لا تخبري أحدًا أن أم إبراهيم علي حرام.
قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله { { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } }

وأخرج الطبراني في عشرة النساء وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية بيت حفصة [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسكن مارية جاريته بيتًا في عوالي المدينة، ونكحها بملك اليمين، فولدت له إبراهيم، ولم يكن يقسم لها مع نسائه، لأنها جارية، لا حق لها في القسم، وجاءت من عوالي المدينة لحاجة، وكان بيت حفصة خاليًا في هذا الوقت، فدخل بمارية فيه] فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله، في بيتي؟ تفعل هذا معي دون نسائك؟ الحديث.

وللطبراني عن ابن عباس قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته يطأ مارية، فعاتبته... الحديث.

وروى النسائي عن أنس هذه القصة مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى { { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } } الآية.

قال الحافظ ابن حجر: هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معًا.
اهـ وسواء أكان هذا هو السبب أو ذاك فإن النتيجة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه شيئًا أحله الله له، وتحريم الحلال على وجهين.

الأول: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه، وهو كاعتقاد ثبوت حكم التحليل في الحرام، وهو محظور، يوجب الكفر، فلا يمكن صدوره من المعصوم أصلاً، وقد زل الزمخشري، فزعم أن ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من تحريم الحلال المحظور، لكنه غفر له صلى الله عليه وسلم، وقد شن عليه العلماء غارة كبرى من التشنيع.

الثاني: الامتناع من الحلال مطلقًا من غير حلف، أو مؤكدًا بالحلف، مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف، وحلال محض، ولو كان ترك المباح والامتناع منه غير مباح لاستحالت حقيقة الحلال، فإن أصل الحلال أن يفعل أو يترك.
وما وقع منه صلى الله عليه وسلم كان من هذا النوع، وإنما عاتبه الله عليه رفقًا به، وتنويهًا بقدره، وإجلالاً لمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعي مرضاة أزواجه على حساب نفسه، وبما يشق عليه.
وفي وقوع الحلف منه على ذلك خلاف.

ومعنى { { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } } أي قد شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقدته الأيمان بالكفارة.
{ { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا } } هو.
شربت عسلاً عند زينب ولن أعود له.
وقد حلفت.
لا تخبري بذلك أحدًا.
أو هو: قد حرمت مارية على نفسي، واكتمي علي.
{ { فلما نبأت به } } أي فلما أخبرت عائشة حفصة بالحديث، أو فلما أخبرت حفصة عائشة بالحديث، وكانتا متصادقتين { { وأظهره الله عليه } } وأطلعه على إفشاء السر { { عرف بعضه وأعرض عن بعض } } أعلم مفشية السر أنه علم بعض ما أفشى، وأخفى أنه علم كل ما أفشى.
تكرمًا منه صلى الله عليه وسلم وتخفيفًا من خجلها { { فلما نبأها به } } أي بما أراد مما عرف { { قالت من أنبأك هذا } } تظن أن أختها فضحتها وكشفت سرها.
{ { قال نبأني العليم الخبير } } قيل: إن السر كان مكونًا من جزأين.
تحريم العسل أو مارية، والإخبار بأن أبا بكر وعمر سيليان الأمر بعده، فعاتب عن الأول، وأعرض عن الثاني مخافة أن يفشو { { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } } أي فقد أديتما ما وجب عليكما، والخطاب لعائشة وحفصة على الصحيح { { وإن تظاهرا عليه } } أي وإن تتعاونا عليه بما يسوؤه { { فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } }

ويؤخذ من الحديث

1- ما جبل عليه النساء من الغيرة، وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال، فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان.
كذا قال الحافظ ابن حجر.
وفيه نظر، لأن القصة لم تعذر، بل عاتبت، بل عاقبت، لأن قدرهن عظيم.
قال الكرماني: هذا من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء، وهو صغيرة، معفو عنها، مكفرة.

2- استنبط منه البخاري كراهية احتيال المرأة مع الزوج والضرائر.

3- أن الاحتيال غالبًا فيه تعريض بالكذب.
قال ابن المنير: إنما ساغ لهن أن يقلن: أكلت مغافير؟ لأنهن أوردنه على طريق الاستفهام، بدليل جوابه بقوله لا وأردن بذلك التعريض، لا صريح الكذب، فهذا وجه الاحتيال التي قالت عائشة لنحتالن له ولو كان كذبًا محضًا لم يسم حيلة، إذ لا شبهة لصاحبه.
اهـ وهذا كلام جيد يفسر كونهن ارتكبن مكروهًا، ولم يرتكبن محرمًا.

4- وفيه الأخذ بالحزم في الأمور، وترك ما يشتبه الأمر فيه من المباح، خشية الوقوع في المحذور.
قاله الحافظ ابن حجر.

5- وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها، وتطيعها فيما تأمرها به، حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج، الذي هو أرفع الناس قدرًا.

6- وفيه إشارة إلى ورع سودة، لما ظهر منها من التندم على ما فعلت، لأنها وافقت أولاً على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل، ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد ذلك، لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة، لكن أنكرت بعد ذلك أن يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه، وهو شرب العسل، مع ما تقدم من اعتراف عائشة الآمرة لها بذلك في صدر الحديث، فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك، ولم تجسر على التصريح بالإنكار، ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها: اسكتي، بل أطاعتها وسكتت، لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها، وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن، فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها، وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تحتمل ذلك.
فهذا معنى خوفها منها.
كذا قال الحافظ ابن حجر، وهو كلام حسن في تلمس الاعتذار عن سودة رضي الله عنها لكن لا يدل على ورعها، وورعها ثابت بغير هذا، وإن دل قولها لقد حرمناه على شيء فإنما يدل على إشفاقها عليه صلى الله عليه وسلم وندمها لا يعتبر ورعًا، بل يرجى به أن يمحو الصغيرة، ولعله أدى مهمته، فهي لم تدخل في المتظاهرتين المعاتبتين بالقرآن الكريم.

7- وفيه أن عماد القسم الليل.
وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع، لكن بشرط ألا تقع المجامعة إلا مع التي هي صاحبة النوبة.

8- وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره، لقولها فيدنو منهن والمقصود التقبيل ونحوه.

9- وفيه جواز أكل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك لا ينافي الزهد والمراقبة.

10- وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وصبره وحلمه وجميل معاشرته لأزواجه.

وللحديث علاقة بالحديث الآتي.