هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
97 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيسْكُتْ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ ، أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي حُصَيْنٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
97 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن ، أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي حصين ، غير أنه قال : فليحسن إلى جاره
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is reported on the authority of Abu Huraira that the Messenger of Allah (ﷺ) observed:

He who believes in Allah and the Last Day should either utter good words or better keep silence; and he who believes in Allah and the Last Day should treat his neighbour with kindness and he who believes in Allah and the Last Day should show hospitality to his guest.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث أبي حصين.
غير أنه قال فليحسن إلى جاره.



المعنى العام

ثلاث خصال من سمات المؤمن بالله وبالبعث والجزاء، ثلاث خصال هي جماع الخير وأمهات مكارم الأخلاق.

أولى هذه الخلال إكرام الجار، والإحسان إليه، وقد أشار الحديث الشريف الذي رواه مسلم قبل هذا إلى نفي الإيمان عمن يؤذي جاره، وبه حمى الإسلام الجار من جاره، لكنه لم يكتف بهذه الحماية، بل حث في هذا الحديث على إكرامه والإحسان إليه، وكم كررت الشريعة الوصاية بالجار، ومازال جبريل يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن صلى الله عليه وسلم أن الله سيحكم للجار بالميراث من جاره.

ثانية هذه الخلال إكرام الضيف، وكل إنسان عرضة لأن يكون ضيفا في يوم من الأيام ينزل في بلد لا أهل له فيها ولا وطن، ولا وسيلة للعيش فمن له غير أخيه المسلم يضيفه ويكرمه؟ فتتوثق عرى المحبة بين المسلمين.

نعم إكرام الضيف من خلق النبيين، ومن شمائل المقربين، وقد ذكره الله لنبيه إبراهيم عليه السلام، على أنه مكرمة من مكارم الأخلاق، إذ قال { { فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم } } [الذاريات: 26، 27]

وبعد هاتين الخلتين العمليتين بقيت خلة مكملة متممة لمن لم يتيسر له العمل بجوارحه لإكرام جاره وإكرام ضيفه، عليه أن يقول كلمة الخير، فالكلمة الطيبة صدقة، فإن لم تتيسر له كلمة الخير فليحبس لسانه، وليصمت عن الكلام، وليمسك عن الشر، فإن ذلك من الإيمان، ورحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم.

المباحث العربية

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) جمع بين المبتدأ والمعاد، أي من جمع بين طرفي الإيمان.

( فليقل خيرا) خيرا صفة لمصدر محذوف، أي قولا خيرا، أو صفة لمفعول محذوف أي فليقل مقولا خيرا، وسيأتي بيان القول الخير في فقه الحديث.

( أو ليصمت) لام الأمر هنا مكسورة على الأصل، وفي الفعل السابق ساكنة.
قال صاحب مغني اللبيب: اللام الموضوعة للطلب حركتها الكسر، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها.
اهـ.

ويصمت بضم الميم مضارع صمت [بفتحها من باب دخل] صموتا، وحكي بكسر الميم في المضارع من باب ضرب صمتا وفي الرواية الثانية والثالثة أو ليسكت والمعنى واحد.

( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) كرره للإيذان بأن كل واحدة من الثلاث مستقلة بالطلب لا تابعة لأختها، وأن من كان هذا شأنه ينبغي أن يحصل كلا من الثلاث، وأن يحرص على كل منها باهتمام.

( فليكرم جاره) وفي الرواية الثالثة فليحسن إلى جاره والإكرام والإحسان شيء زائد على كف الشر، ومنع الأذى، الوارد في الرواية الثانية، ولفظها فلا يؤذي جاره وهي في أصول صحيح مسلم فلا يؤذي بالياء، على أن لا نافية، والجملة خبر في معنى النهي، وهو -كما قال العلماء- أبلغ من النهي الصريح، لأنه يشعر بأن النهي امتثل، وأصبح المنهي عنه منتفيا يخبر عنه بالنفي وعدم الوقوع.

وروي في غير مسلم فلا يؤذ بحذف الياء، على أن لا ناهية، وكلاهما صحيح وكثير، فقد قرئ بالجزم والرفع في قوله تعالى: { { لا تضار والدة بولدها } } [البقرة: 233] وورد الجزم والرفع في الحديث لا يبيع أحدكم على بيع أخيه.

( فليكرم ضيفه) لفظ ضيف يطلق على الواحد والجمع، وجمع القلة أضياف، وجمع الكثرة ضيوف وضيفان.

فقه الحديث

فائدة الترشيح بقوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر قبل الأوامر الثلاثة- التهييج وإثارة المشاعر لالتزامها والمحافظة عليها، فكأنه يقول: يا من تحليتم بشعار الإيمان بالله واليوم الآخر، ويا من وصلتم إلى هذه الدرجة من الطهر عليكم أن تكملوا أنفسكم باتباع هذه الأوامر، ولا تدنسوا هذا النقاء بنقائضها.

ونظير هذا الأسلوب قوله تعالى: { { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } } [المائدة: 1] .

والحديث يتعرض لأوامر ثلاثة: إكرام الجار، وإكرام الضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير.

1 - أما إكرام الجار: فقد تقدم الزجر عن إيذائه، فالحديث السابق كالتخلية، وهذا الحديث بالنسبة للجار كالتحلية، وقد وصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار، فقال { { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب } } [النساء: 36] .
[أي الجار الذي بينك وبينه قرابة ورحم والجار الجنب أي الأجنبي] وهذا قول الأكثر، وقيل الجار القريب المسلم، والجار الجنب غير المسلم، وقيل: الجار القريب المرأة والجنب الرفيق في السفر.

وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .

واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والمقيم، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها [المسلم العابد الصديق الغريب النافع القريب] ثم أكثرها وهلم جرا، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى فيعطى كل حقه حسب حاله.

والأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحبا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق.

وكان الصحابة يحسنون إلى الجار الكافر، فقد روى البخاري في الأدب المفرد أن عبد الله بن عمرو لما ذبحت له شاة أمر أن يهدى منها لجاره اليهودي.

ويحصل إكرام الجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه وموعظته بالحسنى، والدعاء له.

وغير الصالح إكرامه - زيادة على ما سبق - كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستر زلته، فإن أفاد فبها ونعمت، وإلا هجر بقصد تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف.

وأما الكافر فبوعظه وعرض الإسلام عليه وتبيين محاسنه والترغيب فيه برفق مع إرادة الخير للجميع، والدعاء بالهداية، وترك الإضرار.

2 - وأما إكرام الضيف: فبالبشاشة في وجهه، والترحيب بقدومه، وإنزاله المكان اللائق به المقدور عليه، وتقديم المناسب له من الطعام والشراب.

وقد اختلف العلماء فيما يقدم للضيف، هل يقدم ما حضر، وما اعتاد أكله أهل البيت ولا يزاد؟ أو يتكلف له شيء من البر ويتحف زيادة على عادة البيت؟

والجمهور على أنه يتكلف له في اليوم الأول بالبر والألطاف، ويقدم له ما حضر دون تكلف في اليومين الثاني والثالث، أخذا من الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة قال الخطابي: معناه: أنه إذا نزل به ضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة.

كما اختلفوا في الضيافة: هل هي واجبة أو مكرمة؟ فذهب الليث إلى أنها واجبة يوما وليلة، واستدل بحديث ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم وبحديث عقبة الذي رواه البخاري، قال عقبة: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا، فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف، فظاهر الحديث أن قري الضيف واجب، وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذ منه قهرا.

وذهب الجمهور وعامة الفقهاء إلى أنها من آداب الإسلام، وهي سنة ومكرمة واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم جائزته يوم وليلة والجائزة العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار، كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم فليكرم ضيفه وفليحسن إلى ضيفه إذ هذا الأسلوب لا يستعمل في الواجب، كما أن إكرام الضيف مضموم إلى إكرام الجار والإحسان إليه، وذلك غير واجب.

وأجابوا عن الحديثين اللذين استدل بهما الليث، بأن ذلك كان أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة ثم نسخ، أو أن ذلك في الضيف المضطر.

كما اختلفوا: هل الضيافة على أهل الحضر وأهل البادية جميعا؟ أو هي على أهل البادية خاصة؟ فذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنها عليهما على السواء، وقال مالك: إنما هي على أهل البوادي، لأن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق، ومواضع النزول، وما يشترى من المأكل في الأسواق.
اهـ.

والذي تستريح إليه النفس في مواضع الخلاف الثلاثة أن الأمر يختلف باختلاف حال الضيف، وباختلاف حال المنزول عليه، وباختلاف ظروف الضيافة.

ففي الموضع الأول قد يكون الضيف فقير الحال، والمنزول عليه ميسورها، فيكون فيما يقدم للضيف إتحاف وإكرام له، وإن كان على عادة أهل البيت أو أقل من عادتهم.

وقد يكون العكس فيحسن التكلف، وقد يكون الضيف من الأصدقاء الذين يحبون البساطة، ويكرهون التكلف، ليشعروا برفع الحرج، فيحسن تقديم ما حضر.

لكن طلاقة الوجه وحسن اللقاء وحسن المقام وحسن التوديع مطلوب في جميع الأحوال.

وفي الموضع الثاني: قد يكون الضيف مضطرا فتكون الضيافة واجبة بقدر الضرورة وإلا فهي من مكارم الأخلاق.

وفي الموضع الثالث: قد يكون الضيف النازل على أهل الحضر لا يملك ما يشتري به قوته، ولا ما ينزل به في الفنادق، وقد يكون الضيف النازل على أهل البادية يحمل معه زادا يكفيه، وبيتا يقيمه ويرسيه، في مثل هاتين الصورتين تكون الضيافة مشروعة على أهل الحضر، دون أهل البادية.
فإطلاق الخلاف في المواضع الثلاثة لا يستقيم، وللشرع أهدافه وللتشريع حكمته، والمراد تحقيق حكمة التشريع من التواد والألفة والمواساة.

ولا يفوتنا - وقد بسطنا حق الضيف والواجب له- أن نبين الواجب عليه، فعلى الضيف أن يكون خفيف الظل، خفيف السؤال، لطيف الطلب، محافظا على آداب الضيافة مراعيا حرمة المنزل الذي يضيفه.

فلا يحل له أن يطيل الإقامة حتى يحرج صاحب البيت ويوقعه في الضيق والإثم، فقد جعل صلى الله عليه وسلم ما يقدم للضيف بعد الثلاث في حكم الصدقة، وأطلق عليه لفظ الصدقة تنفيرا، لأن كثيرا من الناس خصوصا الأغنياء يتأففون غالبا من أكل الصدقة.

ولا يتأفف مما يقدم له مهما قل، فالله سبحانه وتعالى يقول: { { ما على المحسنين من سبيل } } [التوبة: 91] وروى أحمد والحاكم عن سلمان قوله: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكلف للضيف وساق قصته مع ضيفه، وفيها أن ضيفه طمع في الإتحاف والزيادة، فرهن سلمان مطهرته واشترى له ما يتحفه به، فلما أكل الضيف، قال: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال له سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة.

وحكى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق سلمان.

3 - وأما النطق بخير أو الصمت فيمكن تقسيم الكلام والصمت من حيث الأحكام الشرعية إلى ستة أنواع:

أ - كلام واجب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان حيث أمكن، وكشهادة الحق، وكالعبادات القولية الواجبة، فهذا لا شك في خيريته، والنطق به واجب، يثاب عليه.

ب - كلام مندوب كالوعظ ونشر العلم والأذكار المستحبة، والكلام الذي يؤدي إلى خير دنيوي مشروع، وهو كذلك خير محقق، والنطق به مستحب يثاب عليه.

جـ - كلام محرم تحريما ظاهرا، كالكذب والغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والسب والفحش، والخوض في الباطل ( كالغزل وذكر محاسن النساء والخمور والمحرمات) .
فهذا لا خير فيه، والإمساك عنه واجب.

د - كلام غير محرم في حد ذاته، لكنه يجر إلى محرم تحقيقا أو غالبا كالتقعر في الكلام، فإنه يجر إلى المقت والبغض، وكالوعد مع نية الخلف، وكمجادلة من يغضب، وكممازحة من لا يحب المزاح، وهذا أيضا لا خير فيه، والإمساك عنه واجب.

هـ - كلام لا خير فيه: مشكوك في أنه يجر إلى ضرر أو مكروه، كالكلام فيما لا يعنيك، والزيادة عن قدر الحاجة فيما يعنيك، وهذا هو المعروف بفضول الكلام، فالإمساك عنه مندوب والصمت عنه مستحب.

و - كلام مباح يستوي طرفاه.

فالنوعان الأولان داخلان في الأمر الأول فليقل خيرا .

والثالث والرابع والخامس داخلة في الأمر الثاني ليصمت .

والأمر على هذا لمطلق الطلب واجبا كان المطلوب أو مستحبا.

وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في النوع السادس ككلام الناس ومسامرتهم فيما لا يضر، هل يدخل في الأمر الثاني؟ أو لا يدخل في الأمرين؟.

جمهور العلماء على أنه يدخل في الأمر الثاني، لأن الأمر الأول موجه للقول الذي تحقق أو ترجح خيره فليقل خيرا وهذه المسامرة مفروض أنه لا خير فيها ولا شر، والأمر بالصمت توجه لما لا خير فيه.

قال النووي في شرحه للحديث: معناه أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه واجبا أو مندوبا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه، مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا، وقد قال الله تعالى: { { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } } [ق: 18] واختلف السلف والعلماء في أنه: هل يكتب جميع ما يلفظ به العبد، وإن كان مباحا لا ثواب فيه ولا عقاب لعموم الآية؟ أم لا يثبت إلا ما فيه جزاء من ثواب أو عقاب؟ .

إلى الثاني ذهب ابن عباس رضي الله عنه وغيره من العلماء، وعلى هذا تكون الآية مخصوصة، أي ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء اهـ .

والذي أميل إليه أن الكلام المباح غير مأمور بتركه، وغير مندوب الإمساك عنه، بشرط أن يكون بمقدار لا يصل إلى النوع الخامس، لأن تسميته مباحا يتنافى مع الأمر بتركه والندب للإمساك عنه، وكلام الإمام النووي يشبه قولنا: مباح مأمور بتركه، أو مباح مندوب تركه، وهو كلام ظاهره الخلط بين الأحكام الشرعية التي تفرق بين المندوب والمباح.

كما أن احتمال جر المباح إلى المحرم أو المكروه كاحتمال جره إلى الواجب أو المندوب، فلا يمنع المباح لهذا الاحتمال.

يؤيدني في هذا الميل ما نقله النووي عن الإمام الشافعي، إذ قال: إذا أراد أن يتكلم فليفكر، فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر له فيه ضرر أو شك فيه أمسك.
اهـ.

وهنا ينبغي أن نلاحظ أننا لسنا في مقام التفضيل بين الصمت وبين الكلام المباح، حتى نقول: إذا كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب.
وإنما الذي حرصت على بيانه هو أن الكلام المباح غير مأمور بتركه، أما أن السكوت خير منه، أو هو خير من السكوت فليست الخيرية بينهما مطلقة، فإن أدى السكوت إلى التفكر في آلاء الله والعظة والتدبر كان خيرا منه، وحينئذ تكون المقارنة بين مندوب إليه وبين مباح.

وإن أدى السكوت إلى حديث النفس الأمارة بالسوء، وإلى التخطيط في الشر كان الكلام المباح خيرا منه، وتكون المقارنة بين مكروه وبين مباح.

وإن لم يؤد السكوت إلى خير ولا إلى شر، ولم يؤد الكلام المباح إلى خير ولا إلى شر.
كانا مباحين غير مأمور بترك أحدهما، وإن كانت السلامة في السكوت أكثر.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث

1 - تعظيم حق الجار.

2 - الحث على إكرام الضيف.

3 - الأمر بقول الخير.

4 - إمساك اللسان عن الشر.

5 - أن إكرام الضيف والجار وحفظ اللسان من صفات المؤمن، وليس معنى ذلك انتفاء الإيمان عمن فقد هذه الصفات، فإن عبارة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أريد بها المبالغة والحث على الالتزام، كما نقول: من كان ابني فليطعني، إذ المقصود منه التهييج على الطاعة بذكر الباعث عليها وهو البنوة.

والباعث هنا على الانصياع للأوامر الثلاثة هو الإيمان بالله وبجزائه، وهو لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما.

والله أعلم