هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
951 وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْجُدُ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَقُلْتُ : تَسْجُدُ فِيهَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، رَأَيْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ قَالَ شُعْبَةُ : قُلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : نَعَمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
951 وحدثني محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أبي رافع ، قال : رأيت أبا هريرة يسجد في إذا السماء انشقت فقلت : تسجد فيها ؟ فقال : نعم ، رأيت خليلي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه قال شعبة : قلت النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي رافع قال: رأيت أبا هريرة يسجد في إذا السماء انشقت فقلت تسجد فيها؟ فقال: نعم.
رأيت خليلي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه.
قال شعبة قلت: النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.



المعنى العام

السجود رمز للعبودية والخضوع، رمز للطاعة للخالق جل شأنه، آية على الاعتراف بألوهيته، والاستجابة لأمره، كان الاستنكاف عنه سببًا في طرد إبليس من الجنة، وحرمانه من الرحمة، والغضب عليه ولعنته إلى يوم الدين، وكان أداؤه من المسلم غيظًا للشيطان وإذلالاً له، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلاه.
أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار.
وكان السجود لله والصلاة له دعوة الأنبياء والمرسلين، وكان الركن الوحيد المكرر مرتين في كل ركعة من صلاتنا، وكان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وكان موطن الدعاء وأمل الإجابة، وكان أن طلبه الله من قارئي القرآن ومستمعيه في خمسة عشر موضعًا من القرآن، وكان أن شرع الله السجود عند التلاوة والسماع، ليزداد القارئ والسامع تقربًا إلى بارئهم ومن من المسلمين يدعى إلى التقرب من المنعم وفضله ثم لا يستجيب؟.

لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته سجود التلاوة، فكان يقرأ آية السجدة أمامهم فيسجد ويسجدون معه، بل دعا المشركين إلى السجود حين تلا عليهم سورة النجم فسجدوا مع المسلمين، حتى لم يجد أحدهم مكانًا لوضع جبهته على الأرض من كثرة الزحام، وحتى لم يمتنع أحد من المشركين من السجود إلا شيخًا من كبار كفارهم استكبر أن يضع جبهته على الأرض، فأخذ منها كفًا من حصى وتراب ووضع عليه جبهته، وقال: يكفيني هذا علامة على استجابتي، فلم يقبل الله منه، وظل على ضلاله وشركه حتى مات كافرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك المواظبة على فعل المستحب بيانًا للفرق بينه وبين الواجب، وخشية أن تؤدي المواظبة إلى أن يفرض المستحب فتعجز الأمة عن الوفاء ويكون فيه حرج عليها.
من هنا خفي على بعض الصحابة بعض مواطن السجود، فظن الموطن غير موطن، وعلم الملازمون حكمة أفعاله صلى الله عليه وسلم وغالب أموره، فتمسكوا بها ودعوا إليها، ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه، حيث التزم السجود في سجدات المفصل، وفي الانشقاق والعلق اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

المباحث العربية

(حتى ما يجد بعضنا موضعًا لمكان جبهته) لعل هذه القراءة كانت في حالات الدرس، حينما تكون الحلقة قائمة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم جلوس متضامون للقرب منه صلى الله عليه وسلم.

(ربما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن هشام في مغني اللبيب: رب حرف جر خلافًا للكوفيين في دعوى أسميته، وإذا زيدت ما بعدها فالغالب أن تكفها عن العمل وأن تهيئها للدخول على الجمل الفعلية، وليس معناها التقليل دائمًا خلافًا للأكثرين، ولا التكثير دائمًا خلافًا لجماعة.
اهـ والظاهر أنها هنا للتكثير.

(فيمر بالسجدة) أي بآية السجدة.

(فيسجد بنا) قال النووي: معناه يسجد ونسجد معه، كما في الرواية الأولى.

(حتى ازدحمنا عنده) أي لضيق المكان وكثرة الساجدين.

(أنه قرأ والنجم) أي سورة { { والنجم إذا هوى } }

(فسجد فيها) أي بعد ما قرأ قوله تعالى في آخر السورة: { { فاسجدوا لله واعبدوا } } [النجم: 62] .

(غير أن شيخًا أخذ كفًا من حصا) سماه البخاري في تفسير سورة النجم أمية بن خلف، ووقع في سير ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة، وفيه نظر، لأنه لم يقتل، وقيل: عتبة بن ربيعة، وفي المصنف بسند صحيح عن أبي هريرة قال: سجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في النجم إلا رجلين، أرادا بذلك الشهرة ويمكن أن يجمع بأن عبد الله بن مسعود يحكي عما رأى، وقد رأى أمية بن خلف، ولكثرة الزحام لم ير غيره، ورأى آخرون من ورد ذكرهم.
فلا تنافي.

(فرأيته بعد قتل كافرًا) بعد بضم الدال، أي بعد ذلك في بدر، والرائي عبد الله بن مسعود.

(عن القراءة مع الإمام) أي قراءة المأموم في الجماعة في وقت قراءة الإمام أو بعده، وهل المراد الفاتحة أو السورة؟ سيأتي الحكم في فقه الحديث.

(وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم { { والنجم إذا هوى } } فلم يسجد) أي قرأ السورة حتى آخرها وفيها آية السجدة، والمراد من الزعم الإخبار، والمقصود وأخبر أنه قرأ.
والزعم يطلق على المحقق قليلاً، وعلى المشكوك فيه كثيرًا، ويطلق على الكذب، وينزل في كل موضع على ما يليق به.

(صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة) أي صلاة العشاء، لأنها تكون في العتمة وظلمة الليل.

(ما هذه السجدة) التي سجدت بها في الصلاة؟.

(فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه) بالقاف، أي حتى أموت.

فقه الحديث

في حكم سجود التلاوة يقول الإمام النووي: وقد أجمع العلماء على مشروعية سجود التلاوة، وهو عندنا وعند الجمهور سنة، ليس بواجب، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض، وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أيضًا للسامع الذي لا يسمع [أي للسامع عرضًا الذي لا يتسمع ولا يقصد السماع] لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي.
اهـ.

وحاصل المذاهب في حكم سجود التلاوة وأدلتهم أن مذهب الشافعي ومالك في أحد قوليه، وأحمد وداود أنه سنة، وعند المالكية خلاف في كونه سنة أو فضيلة.

وقد احتج أصحاب هذا المذهب:

(1) بما رواه البخاري عن ربيعة بن عبد الله التيمي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس.
إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر رضي الله عنه.

وفي رواية فمن سجد فقد أصاب السنة والسنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية الترمذي ثم قرأها في الجمعة الثانية، فتهيأ الناس للسجود فقال: إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء فلم يسجد، ولم يسجدوا.

وفي رواية البيهقي ثم قرأ يوم الجمعة الأخرى، فتهيئوا للسجود، فقال عمر: على رسلكم.
إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، وقرأها ولم يسجد ومنعهم.

فقوله ومن لم يسجد فلا إثم عليه دليل على عدم الوجوب، وقوله إلا أن نشاء دليل على أن المرء مخير في السجود، فيكون ليس بواجب.

ثم قالوا: إن عمر قال هذا القول والصحابة حاضرون، ولم ينكر عليه أحد والإجماع السكوتي حجة عند الجمهور.

(2) كما احتجوا بحديث زيد بن ثابت [روايتنا الرابعة] وفيها أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم { { والنجم إذا هوى } } فلم يسجد ولفظ البخاري عن زيد قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها.

(3) وبحديث الأعرابي هل على غيرها؟ قال: لا: إلا أن تطوع متفق عليه.

(4) وبما رواه البخاري معلقًا، وقال: قال سلمان: ما لهذا غدونا، ووصله ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن قال: دخل سلمان الفارسي المسجد وفيه قوم يقومون، فقرءوا سجدة فسجدوا، فقال له صاحبه: يا أبا عبد الله لو أتينا هؤلاء؟ فقال: ما لهذا غدونا.
وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها على التالي والسامع سواء قصد السماع أو لم يقصد، واستدل له صاحب الهداية بما روي السجدة على من سمعها، السجدة على من تلاها ثم قال: على للإيجاب، ورد بأن هذا الحديث لم يثبت.
واستدل أيضًا بالآيات { { فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } } [الانشقاق: 20، 21] { { فاسجدوا لله واعبدوا } } [النجم: 62] .
{ { واسجد واقترب } } [العلق: 19] وقالوا: الذم لا يتعلق إلا بترك واجب، والأمر في الآيتين للوجوب.

والأمر هين في هذا الخلاف، فبعد أن عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في مواضع السجود عرفنا أن السجود مشروع مؤكد وما يطلق عليه الحنفية لفظ الواجب قريب من السنة المؤكدة، والكل مجمع على أنه ليس بفرض، فقد روى البخاري زاد نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء، وما كان الصحابة يفرقون بين الواجب والفرض، والتفرقة هنا اصطلاح للحنفية، فيمكن حمل قولهم بالوجوب على السنة المؤكدة.
والله أعلم.

أما مواضع السجود في القرآن فخمسة عشر موضعًا على خلاف في بعضها سيأتي:

1- بعد آخر آية في سورة الأعراف، بعد قوله تعالى: { { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون } }

2- بعد الآية (15) الخامسة عشرة من سورة الرعد، بعد قوله تعالى: { { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدو والآصال } }

3- بعد الآية (50) الخمسين من سورة النحل، بعد قوله تعالى: { { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } }

4- بعد الآية (109) التاسعة بعد المائة من سورة الإسراء (بني إسرائيل) بعد قوله تعالى: { { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدًا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا).
}
}

5- بعد الآية (58) الثامنة والخمسين من سورة مريم بعد قوله تعالى: { { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا).
}
}

6- بعد الآية (18) الثامنة عشرة من سورة الحج، بعد قوله تعالى: { { ألم ترى أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء } }

7- بعد الآية (77) السابعة والسبعين من سورة الحج أيضًا، بعد قوله تعالى: { { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } } وفيها خلاف سيأتي.

8- بعد الآية (60) الستين من سورة الفرقان، بعد قوله تعالى { { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا } }

9- بعد الآية (26) السادسة والعشرين من سورة النمل، بعد قوله تعالى: { { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } } هذا هو الصواب عند الشافعية، وبه قال مالك.

وقيل بعد الآية الخامسة والعشرين، بعد قوله تعالى: { { ويعلم ما تخفون وما تعلنون } }

10- بعد الآية (15) الخامسة عشرة من سورة السجدة الم تنزيل بعد قوله تعالى: { { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } }

11- بعد الآية (24) الرابعة والعشرين من سورة (ص) بعد قوله تعالى: { { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب } } وفي هذه السجدة خلاف سيأتي.

12- بعد الآية (38) الثامنة والثلاثين من سورة فصلت حم تنزيل بعد قوله تعالى: { { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } } بهذا قطع أكثر الشافعية وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، ومذهب مالك وأكثر الشافعية أن السجدة بعد الآية (37) السابعة والثلاثين، بعد قوله تعالى: { { إن كنتم إياه تعبدون } }

13- وثلاث سجدات في المفصل على خلاف سيأتي:

إحداها: بعد آخر آية من سورة النجم، بعد قوله تعالى: { { أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا } }

14- ثانيتها: بعد الآية (21) الحادية والعشرين من سورة الانشقاق، بعد قوله تعالى: { { فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } }

15- ثالثتها: بعد الآية الأخيرة من سورة العلق اقرأ بعد قوله تعالى: { { كلا لا تطعه واسجد واقترب } }

وقد اتفق العلماء من هذه المواضع على عشرة، واختلفوا في خمسة على النحو التالي:

1- ثانية الحج، المرقمة عندنا برقم (7) بعد قوله تعالى: { { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم... } } أثبتها الشافعية ومالك وأحمد وداود، قال ابن المنذر: قال أبو إسحق [يعني السبيعي التابعي الكبير] أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين قال ابن المنذر: وبإثباتها أقول.
اهـ.
قال النووي في المجموع: والعمدة في السجدة الثانية في الحج حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان، رواه أبو داود والحاكم بإسناد حسن وأما حديث عقبة بن عامر قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: في الحج سجدتان قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما فرواه أبو داود والترمذي وقالا: ليس إسناده بالقوي وفيه ابن لهيعة وهو متفق على ضعف روايته.
اهـ.

وأسقط هذا الموضع من السجدات أبو حنيفة رضي الله عنه، وحكى ابن المنذر هذا الرأي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي.
ولعلهم يحملون السجود المأمور به في الآية على سجود الصلاة لقرنه بالركوع.
والله أعلم.

2- سجدة ص المرقمة عندنا برقم (11) بعد قوله تعالى: { { وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب } } والمنصوص عند الشافعية وبه قطع جمهورهم أن سجدة ص سجدة شكر، وليست سجدة تلاوة، وجمهور العلماء على أنها سجدة تلاوة لحديث عمرو بن العاص السابق، والذي عد في القرآن خمس عشرة سجدة، فقرنها بسجدات التلاوة، فهي منها ويحتج جمهور الشافعية بما رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقرأ ص فلما مر بالسجدة تهيأنا للسجود فلما رآنا قال: إنما هي توبة نبي.
ولكن قد استعددتم للسجود، فنزل وسجد وبما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سجدها نبي الله داود توبة، وسجدناها شكرًا رواه النسائي والبيهقي وضعفه.

وأثبتها سجدة تلاوة أبو حنيفة، وعن مالك روايتان أشهرهما إسقاطها، وعن أحمد روايتان أشهرهما إثباتها.

3- سجدة النجم المرقمة عندنا برقم (13) بعد قوله تعالى: { { فاسجدوا لله واعبدوا } } وقد احتج مالك في المشهور عنه بحديث زيد بن ثابت [روايتنا الرابعة] وفيه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم { { والنجم إذا هوى } } فلم يسجد على أنه لا سجود في النجم، كما احتج بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة على أن لا سجود في المفصل، ومنها النجم.
قال النووي: وهذا مذهب ضعيف.
اهـ

والجمهور على إثبات سجدة النجم، وقالوا في حديث زيد بن ثابت: إنه محمول على بيان جواز ترك السجود، وأنه سنة ليس بواجب.
يؤيد هذا حديث عبد الله بن مسعود [روايتنا الثالثة] وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه قال الحافظ ابن حجر ويحتمل أن يكون المنفي في حديث ابن عباس المواظبة على ذلك، لأن المفصل تكثر قراءته في الصلاة، فترك السجود فيه كثيرًا لئلا تختلط الصلاة على من لم يفقه، وقال ابن القصار: الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة، ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الرواية الثانية، وزعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها، وفيه نظر لما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن عمر أنه قرأ والنجم في الصلاة فسجد فيها، ثم قام فقرأ.
اهـ

4، 5- سجدة { { إذا السماء انشقت } } المرقمة عندنا برقم (14) وسجدة العلق المرقمة برقم (15) وقد أسقطهما الإمام مالك في المشهور عنه، كما أسقط سجدة النجم بدعوى أن سجدات المفصل منسوخة بحديث زيد بن ثابت سابق الذكر، أو بحديث ابن عباس سابق الذكر أيضًا.
قال النووي: وهذا مذهب ضعيف، فقد ثبت حديث أبي هريرة رضي الله عنه [روايتنا الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة] وفيه السجود في إذا السماء انشقت وأقرأ قال: وقد أجمع العلماء على أن إسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان سنة سبع من الهجرة فدل على السجود في المفصل بعد الهجرة، وأما حديث ابن عباس فضعيف الإسناد، لا يصح الاحتجاج به.
اهـ

وقد سبق تأويل حديث زيد بن ثابت للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة.

وتلخص من هذا العرض أن الصحيح من مذهب الشافعية أن سجدات التلاوة في القرآن أربع عشرة، فأسقطوا سجدة ص.

وعند الحنفية هي أربع عشرة.
لكنهم أسقطوا ثانية الحج، وأثبتوا ص.

وعن مالك روايتان.
إحداهما أربع عشرة بإسقاط ص كالشافعية وأشهرهما أنها إحدى عشرة فأسقط كذلك سجدات المفصل الثلاث.

وعن أحمد روايتان.
إحداهما أربع عشرة بإسقاط ص كالشافعية، والثانية خمس عشرة فأثبت ص وثانية الحج والمفصل.

وفي سبب سجود التلاوة وموجبه قال النووي في المجموع: سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع بلا خلاف [عند الشافعية] وسواء كان القارئ في صلاة أم لا، وفي وجه شاذ ضعيف لا يسجد المستمع لقراءة مصل غير إمامه وسواء سجد القارئ أم لم يسجد، هذا هو الصحيح، وقيل: لا يسن له السجود إذا لم يسجد القارئ، ولو استمع إلى قراءة محدث أو كافر أو صبي فالصحيح استحباب السجود، وهذا قول أبي حنيفة، وأما السامع بدون استماع ولا إصغاء ففيه ثلاثة أوجه، الصحيح أنه يستحب له، ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع، والثاني أنه كالمستمع، والثالث لا يسن له السجود.
ثم قال: ويكره للمصلي الإصغاء إلى قراءة غير إمامه، فإن سمع لم يجز له السجود، فإن سجد بطلت صلاته، وإذا سجد الإمام لزم المأمور السجود معه، فإن لم يسجد بطلت صلاته، ولو لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم، فإن خالف وسجد بطلت صلاته، ويستحب أن يسجد بعد سلامه، ولا يتأكد، ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود لا تبطل صلاة المأموم، لأنه تخلف بعذر، ولكن لا يسجد، فلو علم والإمام في السجود لزمه السجود، ولو هوى المأموم ليسجد مع الإمام، فرفع الإمام والمأموم في الهوي رفع معه ولم يسجد بخلاف سجود الصلاة فإنه لا بد أن يأتي به وإن رفع الإمام، لأنه فرض.
ثم قال: ويكره للمأموم قراءة السجدة فلو سجد لقراءة نفسه بطلت صلاته.
اهـ

وقال العيني: قال بعض أصحابنا: لا خلاف في كون التلاوة سببًا، وإنما الاختلاف في سببية السماع، فقال بعضهم: هو سبب، وقال بعضهم ليس السماع بسبب.
اهـ

وفي كيفية وشروط سجود التلاوة قال النووي: قال أصحابنا: حكم سجود التلاوة في الشرط حكم صلاة النفل، فيشترط فيه الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة ودخول وقت السجود، بأن يكون قد قرأ الآية أو سمعها، فلو سجد قبل الانتهاء إلى آخر آية السجدة ولو بحرف واحد لم يجز.
وهذا كله لا خلاف فيه عندنا.
اهـ

قال البخاري: وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء قال الحافظ ابن حجر: لم يوافق ابن عمر على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي.
اهـ

وقال البخاري: قال الزهري: لا تسجد إلا أن تكون طاهرًا فإذا سجدت وأنت في حضر فاستقبل القبلة، وإن كنت راكبًا فلا عليك حيث كان وجهك.

ثم قال النووي: وينبغي أن يسجد عقب قراءة السجدة أو استماعها، فإن أخر وقصر الفصل سجد، وإن طال فاتت.
وهل يقضي؟ قولان.
أظهرهما لا يقضي.

ثم قال: فإن سجد للتلاوة في الصلاة لم يكبر للافتتاح، لأنه متحرم بالصلاة لكن يستحب أن يكبر في الهوي إلى السجود، ولا يرفع يديه، لأن اليد لا ترفع في الهوي إلى السجود، ويكبر عند رفعه رأسه من السجود، كما يفعل في سجدات الصلاة، وهذا التكبير سنة ليس بشرط، وقيل: لا يستحب التكبير للهوي ولا للرفع، وهو ضعيف شاذ، وإذا رفع رأسه من السجود قام ولا يجلس للاستراحة، فإذا قام استحب أن يقرأ شيئًا ثم يركع، فإن انتصب قائمًا، ثم ركع بلا قراءة جاز، ولا خلاف في وجوب الانتصاب قائمًا، فإن قام من السجود إلى وضع الركوع ولم ينتصب لم يجز، لأن الهوي إلى الركوع من القيام واجب.

وإن كان في غير صلاة كبر للإحرام، ويرفع يديه في هذه التكبيرة حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام في الصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي من غير رفع يديه، وتكبيرة الهوي مستحبة، وتكبيرة الإحرام شرط على الصحيح، وقيل: مستحبة، وهل يستحب لمن أراد سجود التلاوة وهو جالس أن يستوي قائمًا فينوي ويكبر؟ الأصح أنه لا يستحب.

ويستحب أن يقول في سجوده ما مدحه القرآن { { سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } } [الإسراء: 108] سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته.
اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذكرًا، وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.

ويراعى في صفات السجود ما يراعى في سجود الصلاة من كشف الجبهة ووضع اليدين والركبتين والقدمين والأنف ومجافاة المرفقين عن الجنبين ورفع أسافله على أعاليه، وتوجيه أصابعه إلى القبلة وغير ذلك.
والطمأنينة ركن والذكر مستحب.
ثم يرفع رأسه مكبرًا.
وهذا التكبير مستحب، وهل السلام شرط لصحة السجود؟ قولان مشهوران.
نص الشافعي على أنه لا يسلم.

ولا يكره للإمام قراءة السجدة، كما لا يكره للمنفرد سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد متى قرأها، وقال مالك: يكره مطلقًا، والرواية الثامنة ترد عليه، وقال ابن حبيب: لا يقرأ الإمام السجدة فيما يسر به، ويقرؤها فيما يجهر به.
وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية قال العيني: قال شيخنا زين الدين: هذا مشكل مع قول الحنفية بوجوب سجود التلاوة، فإن كان يقول: إنه لا يسجد لقراءتها كما حكاه البيهقي عنه.
فهو مشكل، وإن قال: إنه لا يقرأ آية للسجدة - كما حكاه ابن العربي عنه فهو أقرب، إلا أن الحنفية قالوا: إنه يكره أن يقرأ السورة التي فيها السجدة ولا يسجد فيها في صلاة كان أو في غيرها لأنه كالاستنكاف عن السجود، فالاحتياط أن لا يقرأ في الصلاة السرية سورة فيها سجدة، وقال صاحب البحر: وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود في السرية حتى يسلم، لئلا يشوش على المأمومين.

ولا يكره سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، وبه قال أبو حنيفة وأصحاب الرأي ومالك في رواية عنه، وقالت طائفة يكره.

ولا يقوم الركوع مقام السجود في حال الاختيار عند الجمهور، وقال أبو حنيفة يقوم مقامه مستدلاً بقوله تعالى: { { وخر راكعًا وأناب } } [ص: 24] وقد حمله المفسرون والجمهور على السجود، اهـ وهل يشرع السجود لمن كتب آية سجدة، أو وقعت عينه عليها مكتوبة؟ لم أر فيها نصًا، والظاهر أنه يشرع، قياسًا على من سمع دون تسمع، والله أعلم.

ولا فرق في الصلاة بين الفريضة والنافلة من حيث مشروعية سجود التلاوة، وبه قال الشافعي وأحمد.
وظاهر الرواية الأولى يفيد تعذر السجود عند الزحام، فإن حمل على أنه في غير صلاة - كما قيد في الرواية الثانية فواضح وإن شمل الصلاة توقف حكمه على حكم سجود الصلاة عند الزحام، وقد قال ابن بطال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من لا يقدر على السجود على الأرض من الزحام في صلاة الفريضة يسجد على ظهر أخيه، وقال الكوفيون وأحمد: يومئ إيماء، وقال عطاء والزهري: يمسك عن السجود فإذا رفعوا سجد هو، وهو قول مالك وجميع أصحابه، وقال مالك: إن سجد على ظهر أخيه يعيد الصلاة، فعلى قول من أجاز السجود في صلاة الفريضة على ظهر أخيه فسجود التلاوة أولى بذلك، لأن السجود في الصلاة فرض بخلافه.

والذي تستريح إليه النفس أن سجود التلاوة له حكم صلاة النافلة فيؤدي بقدر المستطاع سجودًا على الأرض أو على ظهر أخيه أو إيماء والله أعلم.

والرواية الثالثة تشير إلى أن المسلمين والكافرين سجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورواية البخاري أصرح من روايتنا، ولفظها عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس كما روى البخاري عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفًا من حصى أو تراب، فرفعه إلى وجهه، وقال: يكفيني هذا.
فلقد رأيته بعد قتل كافرًا.

وهذه الحادثة كانت بمكة حين قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين والمشركين سورة النجم، ولعل المشركين أو بعضهم ظنوه يمدح آلهتهم ويذكرها بخير حين قرأ { { أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى } } [النجم: 19، 20] فسجدوا، وظلوا ساجدين حتى سمع المسلمون { { فاسجدوا لله واعبدوا } } فسجدوا.
وقد ملئت كتب التفاسير بروايات فاسدة عن هذه القصة، منها ما رواه البزار في مسنده عن ابن عباس قال: فيما أحسب أشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى { { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } } فجرى على لسانه تلك الغرانيق العلى.
الشفاعة منهم ترتجى قال: فسمع ذلك مشركو مكة، فسروا بذلك، فلما بلغ آخرها سجد وسجد معه المسلمون والمشركون.

فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: { { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته } } [الحج: 52] قال البزار: ولا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره.
اهـ.

وقال المحققون من المحدثين: إن هذه القصة رويت من ثلاث طرق، ولا يحتج بطريق منها.
أما الإسناد الأول عن ابن عباس [وهو الذي ذكرناه آنفًا] فإن الراوي شك فيه كما أخبر بذلك عن نفسه، فإما شك في رفعه فيكون موقوفًا أو في وصله فيكون مرسلاً، وكلاهما ليس بحجة، خصوصًا فيما فيه قدح في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل لو جزم الثقة برفعه ووصله حملناه على الغلط والوهم.

وأما الإسناد الثاني ففيه محمد بن السائب الكلبي وهو ضعيف متفق على ضعفه ونسبته إلى الكذب، وأما الإسناد الثالث - وقد رواه ابن مردويه في تفسيره - فإسناده وسلسلته كلها ضعفاء.
قال القاضي عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المتلقنون من الصحف كل صحيح وسقيم.
اهـ وقال العيني: والأمر كذلك، فإن غالب هؤلاء مثل الطرقية والقصاص وليس عندهم تمييز، يخبطون خبط عشواء، ويمشون في ظلمة ظلماء، وكيف يقال مثل هذا والإجماع منعقد على عصمة النبي، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ولو وقعت هذه لوجدت قريش على المسلمين بها الصولة، ولأقامت عليهم اليهود بها الحجة، كما علم من عادة المنافقين وعناد المشركين.
اهـ.

وقال: وأما قول من قال: إن إبليس لعنه الله هو الذي قال: تلك الغرانيق العلى، الشفاعة منهم ترتجى، فظنوا أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ذلك، فهذا باطل باطل.
وإذا كان لا يستطيع أن يتشبه به في النوم - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الصحيح، وهو قوله من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي، ولا يتمثل بي فإذا كان لا يقدر على التشبه به في المنام من الرائي له، والنائم ليس في محل التكليف والضبط، فكيف يتشبه به في حالة استيقاظ من يسمع قراءته؟ هذا من المحال الذي لا يقبله قلب مؤمن، وأما قول من قال: إن إبليس أجرى ذلك على لسانه صلى الله عليه وسلم؛ وأنه اشتبه عليه ما ألقاه الشيطان بوحي الملك إليه فهذا ممتنع قطعًا في حقه صلى الله عليه وسلم خصوصًا فيما حقه البلاغ، وكيف يشتبه عليه مزج الذم بالمدح فقوله تعالى: { { ألكم الذكر وله الأنثى } } [النجم: 21] ؟ ذم اللات والعزى ومناة.
وادعاء الغرانيق العلى والشفاعة ترتجى مدح لها، فكيف يشتبه هذا المزج على أدنى العقلاء؟.
اهـ وقد تطرق المحدثون إلى بحث جانبي لهذه القصة: فأثاروا: كيف سجد الكفار وسمي فعلهم سجودًا وهم ليسوا أهلاً للطاعة، لأن الطاعة موقوفة على الإيمان؟ ثم كيف وهم غير متطهرين ولا متوضئين وشرط السجود الطهارة؟ وأجيب بأن فعلهم كان صورة سجود، ولم يكن سجودًا شرعيًا.

كما أثاروا أن ظاهر الروايات أن سورة النجم أول سجدة نزلت، حتى أفاد البخاري في رواية أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة، كيف مع أن سورة اقرأ نزلت قبلها؟ وأجيب بأن الذي نزل قبلها صدر سورة اقرأ، وليس آخرها، أو أن النجم أول سورة فيها سجدة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أول سجدة تلاها جهرًا على المشركين.
والله أعلم.

وبالرواية الرابعة استدل أبو حنيفة وغيره ممن يقول: لا قراءة على المأموم في الصلاة، سواء كانت سرية أو جهرية، ومذهب الشافعية أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية، وكذا في الجهرية على أصح القولين، والجواب عن قول زيد بن ثابت هذا من وجهين: أحدهما أنه قد ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقوله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم خلفي فلا تقرءوا إلا القرآن، وغير ذلك من الأحاديث، وهي مقدمة على قول زيد وغيره، والثاني أن قول زيد محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية، فإن المأموم لا يشرع له قراءتها، وهذا التأويل متعين، ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة، ويؤيد هذا أنه يستحب عندنا وعند جماعة للإمام أن يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، وجاء فيه حديث حسن في سنن أبي داود وغيره، وفي تلك السكتة يقرأ المأموم الفاتحة، فلا يحصل قراءته مع قراءة الإمام، بل في سكتته.

ذكره النووي، وتقدم تفصيل المسألة.

والله أعلم

سجود الشكر

وبمناسبة سجود التلاوة ذكر النووي في المجموع حكم سجود الشكر فقال:

سجود الشكر عند الشافعية سنة عند تجدد نعمة ظاهرة، أو اندفاع نقمة ظاهرة، سواء خصته النعمة أو النقمة، أو عمت المسلمين، وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنة أو بنيه.
في كل هذا يستحب أن يسجد شكرًا لله تعالى، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم، لأنها لا تنقطع ويفتقر سجود الشكر إلى شروط الصلاة، وحكمه في الصفات وغيرها حكم سجود التلاوة خارج الصلاة، واتفق الشافعية على تحريم سجود الشكر في الصلاة، ولو تصدق من تجددت له النعمة أو اندفعت عنه النقمة، أو صلى شكرًا لله تعالى مع فعله سجدة الشكر كان حسنًا.

هذا مذهب الشافعية، وبه قال أكثر العلماء، وهو مذهب الليث وأحمد.
وسنده ما رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الشيء يسر به خر ساجدًا شكرًا لله تعالى.

وقال أبو حنيفة: يكره، وعن مالك روايتان، أشهرهما الكراهة، والثانية ليس بسنة، واحتج لمن كرهه بأن النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب، فرفع يديه ودعا، فسقط المطر في الحال، ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل: يا رسول الله، تهدمت البيوت، وتقطعت السبل فادع الله يرفعه عنا، فدعا، فرفع في الحال والحديث في الصحيحين، وموضع الدلالة أنه لم يسجد لتجدد نعمة المطر ولا لدفع نقمته، وقالوا: إن الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلفه لزم الحرج.
قال النووي: والجواب عن ذلك أنه ترك السجود في بعض الأحوال بيانًا للجواز، أو لأنه كان على المنبر وفي السجود حينئذ مشقة، أو اكتفى بسجود الصلاة، والجواب بأحد هذه الأوجه أو غيرها متعين، للجمع بين الأدلة، ففي الصحيحين عن كعب بن مالك في حديث توبته قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أنه قد جاء الفرج.

وروى البيهقي وغيره سجود الشكر من فعل أبي بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم.

والله أعلم