هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
932 وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ - قَالَ عُثْمَانُ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ : زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَثَنَى رِجْلَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ حَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَشْرٍ ، ح ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، كِلَاهُمَا عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ مَنْصُورٌ : فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِإِسْنَادِ هَؤُلَاءِ ، وَقَالَ : فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال عثمان : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : قال عبد الله : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم : زاد أو نقص فلما سلم قيل له : يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت كذا وكذا ، قال : فثنى رجليه ، واستقبل القبلة ، فسجد سجدتين ، ثم سلم ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسجد سجدتين حدثناه أبو كريب ، حدثنا ابن بشر ، ح ، قال : وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا وكيع ، كلاهما عن مسعر ، عن منصور ، بهذا الإسناد وفي رواية ابن بشر فلينظر أحرى ذلك للصواب وفي رواية وكيع فليتحر الصواب وحدثناه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا يحيى بن حسان ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا منصور ، بهذا الإسناد وقال منصور : فلينظر أحرى ذلك للصواب حدثناه إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبيد بن سعيد الأموي ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، بهذا الإسناد ، وقال : فليتحر الصواب حدثناه محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، بهذا الإسناد ، وقال : فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب وحدثناه يحيى بن يحيى ، أخبرنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، بهذا الإسناد ، وقال : فليتحر الذي يرى أنه الصواب وحدثناه ابن أبي عمر ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن منصور ، بإسناد هؤلاء ، وقال : فليتحر الصواب
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Alqama narrated It on the authority of 'Abdullah (b. Mas'ud) who said:

The Messenger of Allah (ﷺ) said the prayer; (the narrator added): He made some act of omission or commission when he pronounced salutation; it was said to him: Messenger of Allah, is there something new about the prayer? He (the Holy Prophet) said: What is it? They said: You said prayer in such and such away. He (the narrator) said: He (the Holy Prophet) turned his feet and faced the Qibla and performed two prostrations and then pronounced salutations, and then turned his face towards us and said: If there is anything new about prayer (new command from the Lord) I informed you of that. But I am a human being and I forget as you for. get, so when I forget, remind me, and when any one of you is in doubt about his prayer. he should aim at what Is correct. and complete his prayer in that respect and then make two prostrations.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال إبراهيم: زاد أو نقص) فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا.
قال فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم.
ثم أقبل علينا بوجهه فقال إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون.
فإذا نسيت فذكروني.
وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب.
فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين.


المعنى العام

سبحان من أودع في كل قلب ما شغله، وسبحان من أرسل رسلاً من البشر مبشرين ومنذرين، يعلمون الناس الكتاب والحكمة، اصطفاهم الله فلم يترفعوا على أممهم، ولم يدعوا لأنفسهم ما ليس لهم، فأعلنوا مرارًا بألسنتهم أنهم بشر.
وشاء الله أن تشهد حياتهم وتصرفاتهم بأنهم بشر، بشر يحبون ويكرهون يصومون ويفطرون، ويقومون وينامون، ويفكرون وينشغلون، وينسون ويذكرون.

ومن مثل صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فيما كلف به؟ ومن حمله مثل حمل محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته.
إنه رسول البشر عامة أبيضهم وأحمرهم، وغيره من إخوانه رسول قومه خاصة، إنه يحارب من هم أهله ووطنه، فيهاجر إلى وطن آخر يغرس فيه شجر الإيمان، ويرسل منه إلى الآفاق أشعة نور الإسلام، استخدم كل وسائل السلم بالحكمة والموعظة الحسنة، واضطر إلى استخدام السيف لحماية نفسه ودعوته وكانت حروبًا ضارية غير متكافئة العدد والعدة، ولكن النصر كان لمحمد وأصحابه من عند الله وبقوة الإيمان، وطئت قدمه صلى الله عليه وسلم أرض وطنه الثاني بدأ يبني أمته من الداخل، ويذب عنها سهام الأعداء من الخارج بنى مسجده مدرسة تعليمية لشريعة الله، وما إن بدأت الغزوات حتى كانت الواحدة تلو الأخرى، وكلما عاد من غزوة وري بغيرها، وما وضع سلاحه حتى لبسه، وقد تهون حروب السيف أمام حروب المنافقين ومكايدهم، حتى وصل بهم الكيد أن تناولوا عرضه صلى الله عليه وسلم في زوجته، حشود من الأفكار يشحن بها قلبه نتيجة لما نيط به من أمور جسام، وكلما عظمت عظمت معها مشاكله، ومشاغله، فهل نعجب إذا نسي صلى الله عليه وسلم في صلاته كم صلى؟ وهل نعجب إذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني؟ إن هما واحدًا من المهام الكثيرة التي حملها صلى الله عليه وسلم لو حمل على أحد أمته لنسي نفسه معظم وقته، ولكنها الرسالة والاصطفاء والإعداد الإلهي مع البشرية والإنسانية.

لقد نسي، وقام صلى الله عليه وسلم في صلاة رباعية بعد ثنتين ولم يجلس للتشهد، فسبح القوم ليذكروه، وما كان له صلى الله عليه وسلم حسب وحي الله له أن يعود إلى الجلوس بعد ما تلبس بالوقوف، وما كان لأصحابه رضي الله عنهم إلا أن يتابعوه بعد ما نبهوه، فمضي في صلاته، فلما أتم الركعات الأربع وجلس وتشهد، وانتظر الناس سلامه، رأوه يسجد سجدتي السهو، فسجدوا معه، فسلم فسلموا مثله.
ثم علمهم حكم الله بالقول بعد أن حكاه لهم بالفعل.

ومرة أخرى بعد أن رفع من السجدة الثانية من ركعة رابعة في صلاة رباعية وجده أصحابه، يقوم لركعة خامسة ولم يجلس للتشهد الأخير كما علمهم فسبحوا، فلم يلتفت إلى تنبيههم، فقاموا مثله، وتابعوه، حتى قضى صلاته وسلم، فسلموا.
وتحول عن القبلة فاستقبلهم.
وكانت الأحكام الشرعية تنزل من الله تباعًا، وظنوا أنه قد يكون الوضع المعلوم قد تغير، فسأل سائلهم: أحدث في الصلاة شيء يا رسول الله؟ قال: لا.
فماذا لاحظتم من تغيير؟ قالوا: صليت خمسًا بدل أربع، فنظر صلى الله عليه وسلم في وجوه المصلين، فإذا هي تعبر عن تصديق السائل، وتذكر صلى الله عليه وسلم ما نسي، وتأكد من صدقهم، فانفتل عنهم، وتحول من استقبالهم إلى استقبال القبلة، وثني رجليه إلى جلسة السجود، فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم أقبل على القوم بوجهه يعلمهم، يقول: لو حدث في الصلاة زيادة أو نقص لأخبرتكم به ولم أفجأكم، وإنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون.
أصبتم بتنبيهي وأحسنتم، فإذا نسيت فذكروني وكأني شككت فبنيت على اليقين، واعتقدت أني صليت ثلاثًا فجئت برابعة في حسباني، وعليكم إذا شككتم، اثنتين صليتم أم ثلاثًا فاجعلوها ثنتين، وإذا شككتم في الثلاث والأربع فاجعلوها ثلاثًا: ثم أتموا صلاتكم، حتى يكون الوهم في الزيادة خيرًا من النقصان، ثم اسجدوا سجدتين، فإن كانت صلاتكم تمامًا كانت السجدتان إذلالاً للشيطان الذي وسوس لكم في صلاتكم، وإن كانت صلاتكم قد زيدت ركعة تجعل الفرد زوجًا مثابًا عليها عند الله إن شاء الله.
ومرة ثالثة سلم من ثنتين في صلاة رباعية، وخرج المتسرعون من المسجد فرحين، يقولون: قصرت الصلاة وأصبح الفرض ثنتين، وجلس المتقون ينظر بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم ينظر إلى بعض في تعجب وترقب، وكان الغضب والانشغال باديًا على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، فهابه القوم وكأن على رءوسهم الطير، ولم يطل صلى الله عليه وسلم الجلوس عقب الصلاة كعادته، ولكنه قام إلى جذع نخل يعترض جهة القبلة، فشبك كفيه، ووضع إحداهما على الجذع، وأسند خده على الأخرى، هيئة مزعجة جدًا، يرتجف لها قلوب المقربين منه صلى الله عليه وسلم، ويهابه تلك الحظة بدرجة كبيرة من يهابه في عامة أحواله، ومن أقرب منه من أبي بكر وعمر؟ لقد أطرقا في وجوم.
وفي القوم رجل عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ملاطفة ومداعبة وأنسًا، حتى كان يدعوه بذي اليدين لطول في يديه عن المعتاد، فجمع شجاعته، وتقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أقصرت الصلاة فصارت ثنتين أم نسيت يا رسول الله؟ قال: لم أنس ولم تقصر.
قال: بل نسيت يا رسول الله مادامت لم تقصر.
فاتجه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قائلاً.
أحقًا ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، وتيقن صلى الله عليه وسلم ما قد نسي، فصلى ركعتين، ثم تشهد، ثم سجد سجدتين، ثم سلم.

المباحث العربية

( إذا قام يصلي) جملة يصلي في محل النصب على الحال من فاعل قام والمراد من القيام بدء المباشرة، وليس المراد منه الوقوف، حيث يحصل ذلك أيضًا لمن صلى قاعدًا.

( فلبس عليه) لبس بتخفيف فتحة الباء، أي خلط عليه صلاته وشككه فيها، وجعل الحقيقة ملتبسة عليه بغير الحقيقة.

( حتى لا يدري كم صلى) ؟ غاية للتلبيس، وجملة الاستفهام [المكونة من مفعول به مقدم وفعل وفاعل] علقت يدري عن العمل في اللفظ، وهي في محل نصب سدت مسد مفعولي يدري.

( فإذا وجد ذلك) التلبيس في صدره.

( إذا نودي بالأذان) في رواية البخاري إذا نودي للصلاة وفي رواية أبي داود إذا نودي بالصلاة وكلها محمولة على معنى واحد.

( أدبر الشيطان له ضراط) الإدبار ضد الإقبال، يقال: دبر وأدبر إذا ولى والألف واللام في الشيطان للعهد، والمراد الشيطان المعهود بالوسوسة والإغراء.
وجملة له ضراط وقعت حالاً، بدون الواو، وفي بعض الروايات وله ضراط بالواو على أصل الجملة الإسمية إذا وقعت حالاً.
والضراط الريح الذي يخرج من الدبر مع الصوت، قال عياض: يمكن حمله على ظاهره لأن الشيطان جسم وله منفذ يصح خروج الريح منه.
والحق أن هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من اعتراه خطب جسيم فاسترخت مفاصله من الخوف والانزعاج حتى لم يعد يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط، وقد شاع قولهم: بال على نفسه من الخوف.
فشبه حال الشيطان بهذه الحال وأثبت للشيطان الضراط على وجه الادعاء، وفي الحقيقة ما حصل ضراط.
وقال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي يحدثه ليملأ به سمعه ليحول دون سماع غيره بالضراط تقبيحًا له، وكان الأصل: أدبر وله صوت كالضراط.

( حتى لا يسمع الأذان) غاية لإدباره، أي أدبر وولى حتى لا يسمع ويحتمل أن تكون غاية لضراطه على قول من يقول بضراط حقيقي، أو غاية للصوت الذي يخرجه على رأي من يقول به.
والتحقيق أن هذه الغاية لأجل إدباره، فقد وقع بيان ذلك في رواية لمسلم جاء فيها حتى يكون مكان الروحاء والروحاء تبعد عن المدينة نحو ستة وثلاثين ميلاً.

( فإذا قضي الأذان أقبل) قضي بالبناء للمجهول، وروي بالبناء للمعلوم، ويكون الفاعل ضميرًا للمؤذن، والقضاء هنا بمعنى الفراغ والانتهاء كما تقول: قضيت حاجتي إذا فرغت منها.

( فإذا ثوب بها أدبر) في رواية البخاري حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر أي حتى إذا أقيم للصلاة أدبر حتى لا يسمع التثويب، والتثويب في الأصل الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه، وأصله أن يلوح الرجل لصاحبه بثوبه عند طلب النجدة، ثم كثر استعماله في كل إعلام يجهر به صوت، ثم استعمل في تكرار الإعلام، وسميت الإقامة تثويبًا لأنها عود إلى ما يشبه الأذان، قال القرطبي، وكل مردد صوتًا فهو مثوب، وقيل، من ثاب إلى كذا إذا عاد إليه، والإقامة عود إلى الأذان.
ولم يقل هنا وله ضراط كما قال في سماع الأذان لأنها تتم بصوت أقل ارتفاعًا منه.
وقيل: لأن الشدة في الأول تلحقه في سبيل الغفلة فيكون أعظم، وقيل: اكتفى بذكره في الأول عن ذكره في الثاني.
والله أعلم.

( يخطر بين المرء ونفسه) بضم الطاء وكسرها، قال القاضي عياض: والكسر هو الوجه، ومعناه يوسوس، من قولهم: خطر الفحل بذنبه إذا حركه يضرب به فخذيه، وأما الضم فمن المرور، أي يدنو منه فيما بينه وبين قلبه فيشغله عما هو فيه، قال الباجي: فيحول بين المرء وما يريد من محاولة إقباله على صلاته، اهـ.
والمراد من النفس القلب، وكذا وقع للبخاري في بدء الخلق، قال العيني: وبهذا التفسير يحصل الجواب عما قيل: كيف يتصور خطوره بين المرء ونفسه، وهما عبارتان عن شيء واحد؟ اهـ.
والأولى أن يكون التعبير تمثيلاً لغاية القرب منه.

( اذكر كذا.
اذكر كذا)
هكذا هو بدون واو العطف في رواية الأكثرين ووقع في رواية بواو العطف.

( لما لم يكن يذكر) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله الصلاة، وفي رواية لما لم يكن يذكر من قبل قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أنه يذكره بما سبق له به علم، ليشغل باله به، وبما لم يسبق له به علم ليوقعه في التفكير فيه، وهذا أعم من أن يكون من أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم، لكن هل يشمل ذلك التفكير في معاني الآيات التي يتلوها؟ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان، اهـ.
وهذا الذي ذكره الحافظ بعيد لأن الشيطان لا يرضيه أن يفكر المصلي في معاني الآيات، ولا يسره أن يتدبر المصلي ما يقرأ، بل القراءة في الصلاة وخارجها تدبر معانيها وإلا كانت جسدًا بلا روح والله أعلم.

( حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى) ؟ يظل بفتح الظاء، أي حتى يصير الرجل لا يدري كم صلى من الركعات؟ ووقع في رواية الأصيلي يضل بالضاد المكسورة، أي ينسى ويذهب وهمه ويسهو، وإن في قوله إن يدري بكسر الهمزة حرف نفي، بمعنى ما يدري، وحكى ابن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح همزة إن وتعقبه جماعة والصحيح الكسر، وإنما يتوجه الفتح على رواية يضل ويكون المعنى حتى يضل الرجل عن درايته عدد الركعات.

( عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) قال النووي: الصواب في هذا أن ينون مالك ويكتب ابن بحينة بالألف، لأن عبد الله هو ابن مالك فإذا قرئ كما ذكرناه انتظم على الصواب، ولو قرئ بإضافة مالك إلى ابن فسد المعنى، واقتضى أن يكون مالك ابنًا لـبحينة وهذا غلط.
اهـ

أي إن عبد الله هو ابن مالك وابن بحينة، فمالك أبوه وبحينة أمه، وهي زوجة مالك، فيكتب ابن بحينة بالألف، لأن ما بعد ابن ليس أبًا لما قبلها.

( الأسدي) بسكون السين، ويقال فيه: الأزدي كما في الرواية السادسة والأزد والأسد بإسكان السين قبيلة واحدة، وهما اسمان مترادفان لها، وهم أزد شنوءة.
ذكره النووي.

( حليف بني عبد المطلب) قال النووي: كذا هو في نسخ صحيح البخاري ومسلم، والذي ذكره ابن سعد وغيره من أهل السير والتواريخ أنه حليف بني المطلب، وكان جده حالف المطلب بن عبد مناف.

( صلى لنا) أي بنا، أو لأجلنا.

( ركعتين من بعض الصلوات) أي الرباعية، وقد فسرت بالظهر في الرواية الخامسة.

( ثم قام فلم يجلس) للتشهد الوسط.

( فقام الناس معه) زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج في رواية عند ابن خزيمة فسبحوا به، فمضى حتى فرغ من صلاته.

( فلما قضى صلاته) أي فرغ منها.

( ونظرنا تسليمه) أي انتظرنا تسليمه، وفي رواية وانتظر الناس تسليمه.....

( وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) أي مقابل ما نسي وجبرًا لما نسي من الجلوس.

( قام في الشفع) أي بعد الشفع، أي بعد ركعتين.

( الذي يريد أن يجلس في صلاته) أي الذي كان يريد ويقصد - قبل بلوغ وقته - أن يجلس بعد صلاة هذا الشفع.
لكنه لما جاء وقته نسي.

( فمضى في صلاته) معطوف على محذوف، أي فسبح الناس ليعود إلى الجلوس المنسي فلم يعد فمضى.

( فليطرح الشك وليبن على ما استيقن) إذا شك هل الركعة التي أداها رابعة أو ثالثة كانت الثلاث يقينية الأداء، والشك في الرابعة، وطرح الشك يكون بطرح المشكوك فيه وهو الرابعة والبناء على ما عليه اليقين وهي الثلاث وليصل ركعة، ثم يسجد سجدتين.

( فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته) يعني أن السجدتين بمنزلة الركعة، لأنهما ركناها، فكأنه بفعلهما قد فعل ركعة سادسة، فصارت الصلاة شفعًا.

( وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان) أي وإن كانت الركعة التي صلاها هي متممة للأربع كانت السجدتان إغاظة للشيطان، وإذلالاً له، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والقصد أن الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض لإفسادها ونقصها، فجعل الله تعالى للمصلي طريقًا إلى جبر صلاته وإرغام الشيطان ورده خاسئًا مبعدًا عن مراده وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود.
قاله النووي.

( قال إبراهيم: زاد أو نقص) هذا الشك من إبراهيم النخعي الراوي عن علقمة الراوي عن عبد الله بن مسعود.
فرواية ابن مسعود لا شك فيها، ولفظها في الرواية الحادية عشرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا ثم رواية علقمة عن عبد الله لا شك فيها، ويعترف إبراهيم بأن الشك من جهته هو في الرواية الثانية عشرة، إذ يقول: والوهم مني، وفي الرابعة عشرة يقصر الشك على نفسه إذ يقول: وايم الله ما جاء ذاك إلا من قبلي أي من جهتي، ولو أنه تدبر في الرواية لطرح الشك، إذ يروى في الرواية الثانية عشرة فقيل: يا رسول الله، أزيد في الصلاة شيء؟ فالنسيان إذن كان بالزيادة صراحة.

( إنما أنا بشر) قصر نفسه صلى الله عليه وسلم على البشرية، فهو من قصر الموصوف على الصفة، فليس قصرًا حقيقيًا، إذ قصر الموصوف على صفة حقيقية لا يكاد يوجد، لأن لكل إنسان صفات متعددة فلا يقصر على واحدة، فلا أقل من أنه حي موجود مميز متحرك، ومثل هذا التعبير يكون قصرًا إضافيًا، أي إنما أنا بشر لا ملك.

( أنسى كما تنسون) وجه الشبه مطلق النسيان لا كميته ولا نوعيته.

( فليتحر الصواب) فلينظر أحرى ذلك للصواب.
فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب.
فليتحر الذي يرى أنه الصواب هذه الروايات توضح معنى التحري، إذ التحري للصواب في اللغة طلب ومحاولة الوصول إلى الصواب، أو إلى ما يقرب من الصواب، والتحري في الأصل هو القصد، ومنه قوله تعالى: { { فأولئك تحروا رشدًا } } [الجن: 14] والشك في اللغة التردد بين وجود الشيء وعدمه - سواء مستوى الطرفين أو الراجح والمرجوح، وفي اصطلاح الأصوليين هو ما استوى طرفاه، وقد أمر الحديث بالتحري، وأمر بطرح الشك والبناء على اليقين والتحري مقدم على البناء على اليقين، فإذا عرض الشك وجب التحري ومحاولة الوصول، فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك والوصول إلى الاستيقان بأنه صلى ثلاثًا أو أربعًا عمل بهذا التحري، ولا يطلب منه أن يبني على الأقل لأن الحديث قد شرط للبناء على الأقل عدم الدراية، إذ قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟ الرواية السابعة، وإن لم يصل به تحريه إلى اليقين وبقي الشك وعدم الدراية بنى على الأقل وطرح الشك.
وهذا طريق جيد للجمع بين الأحاديث.
وسيأتي البحث في فقه الحديث.

( فانفتل) أي تحول بجسمه إلى جهة القبلة، حيث كان مستقبل القوم بعد انتهاء الصلاة.

( توشوش القوم بينهم) قال النووي: ضبطناه بالشين المعجمة، وقال القاضي: روي بالمعجمة وبالمهملة، وكلاهما صحيح، ومعناه تحركوا، ومنه وسواس الحلي، وهو تحركه، ووسوسة الشيطان، قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط، قال الأصمعي: ويقال: رجل وشواش أي خفيف.

( ثم سجد سجدتي السهو) السهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره، قال الحافظ ابن حجر: وفرق بعضهم بين السهو والنسيان، وليس بشيء اهـ قال العيني: بل بينهما فرق دقيق وهو أن السهو أن ينعدم له شعور والنسيان له فيه شعور، اهـ والحق مع الحافظ ابن حجر فإن السجود سمى سجود السهو، والذي حصل من النقص أو الزيادة عبر عن سببه بالنسيان، فكل منهما مستعمل هنا بمعنى الآخر دون تفرقة.

( وهو جالس) جملة حالية متعلقة بقوله فليسجد أي فلينشئ السجود جالسًا.
وإنما شرحنا هذا الشرح لأن حالة السجود غير حالة الجلوس.

( ثم تحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي من مواجهة المصلين إلى استقبال القبلة فهو بمعنى انفتل.

( إحدى صلاتي العشى إما الظهر وإما العصر) قال الأزهري: العشى عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها.
وفي الرواية السادسة عشرة صلاة العصر وفي السابعة عشرة صلى ركعتين من صلاة الظهر وكذا في الرواية الثامنة عشرة صلاة الظهر، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن الاختلاف من الرواة، وأبعد من حمل الاختلاف على تعدد القصة وأنها وقعت مرتين.
بل روى النسائي أن الشك من أبي هريرة، ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى.
قال أبو هريرة: ولكني نسيت، فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها، اهـ

( ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبًا) قال النووي: هكذا هو في كل الأصول فاستند إليها والجذع مذكر، ولكن أنثه على إرادة الخشبة، اهـ.
وفي رواية البخاري ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد أي في جهة القبلة، وفي رواية فقام إلى خشبة معروضة في المسجد أي موضوعة بالعرض، قال الحافظ ابن حجر: ولا تنافي بين هذه الروايات، لأنها تحمل على أن الجذع كان قبل اتخاذ المنبر ممتدًا بالعرض، وكأنه الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يستند إليه قبل اتخاذ المنبر، وبذلك جزم بعض الشراح، اهـ وفي رواية البخاري فوضع يده عليها أي استند إلى الخشبة بواسطة يده صلى الله عليه وسلم، ووقع في بعض الروايات الصحيحة فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خذه الأيمن على ظهر كفه اليسرى ومغضبًا بفتح الضاد، ولم أقف على سر غضبه صلى الله عليه وسلم، لكن هذه العبارة تبين سبب السهو وأنه صلى الله عليه وسلم ما سها في صلاته إلا لأمر جلل.

( وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما) في رواية البخاري فهابا أن يكلماه وفي رواية فهاباه والمعنى أنه غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه، أما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم.

( وخرج سرعان الناس) قال النووي: والسرعان بفتح السين والراء، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون، والسرعان المسرعون إلى الخروج من المسجد، وهم أهل الحاجات غالبًا، ونقل القاضي عياض عن بعضهم إسكان الراء، قال: وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء، ويكون جمع سريع مثل كثيب وكثبان.

( قصرت الصلاة) بضم القاف وكسر الصاد على البناء للمجهول أي الله قصرها، وبفتح ثم ضم، على البناء للفاعل، أي صارت قصيرة.
قال النووي: هذا أكثر وأرجح، والمعنى أن السرعان خرجوا من المسجد يقولون ذلك.

( فقام ذو اليدين) في رواية البخاري ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: وفي رواية وفي القوم رجل في يده طول، يقال له: ذو اليدين قال الحافظ ابن حجر: وهو محمول على الحقيقة، ويحتمل أن يكون كناية عن طولهما بالعمل أو البذل.
قال القرطبي: وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعًا وذهب الأكثرون إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر الخاء وسكون الراء بعدها باء ممدودة آخره قاف، اعتمادًا على روايتنا التاسعة عشرة والرواية العشرين، قال الحافظ ابن حجر: وهذا صنيع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران، وهو الراجح في نظري، اهـ وذو اليدين عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو سلمي، وعبر عنه في الرواية السابعة عشرة بقوله، فأتاه رجل من بني سليم.

ولما وقع الحديث عند الزهري بلفظ فقام ذو الشمالين وذو الشمالين [واسمه عمير بن عمرو بن نضلة وهو خزاعي - قتل ببدر قال: إن القصة وقعت قبل بدر، وتسبب هذا في أن الطحاوي حمل قول أبي هريرة في الرواية الخامسة عشرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المجاز، لأن أبا هريرة لم يكن أسلم أيام بدر وقال: إن المراد به صلى بالمسلمين، ويدفع هذا المجاز ويرد قول الطحاوي صريح روايتنا الثامنة عشرة، ولفظها بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين، ونص على ذلك الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث.
وسيأتي في فقه الحديث طرق الجمع بين حديث أبي هريرة وحديث عمران بن حصين.

( وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم) لفظ أبي داود فقيل لمحمد بن سيرين: سلم في السجود؟ فقال: لم أحفظه من أبي هريرة، ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم فهم قد سألوا ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة الذي وصف سجدتي السهو بهيئاتهما: هل رويت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بعد سجدتي السهو؟ إلخ.

( كل ذلك لم يكن) قال النووي: فيه تأويلان.
أحدهما قاله جماعة من أصحابنا في كتب المذهب أن معناه لم يكن المجموع، فلا ينفي وجود أحدهما.
والثاني - وهو الصواب - معناه لم يكن هذا ولا ذاك في ظني، بل ظني أني أكملت الصلاة أربعًا، ويدل على صحة هذا التأويل، وأنه لا يجوز غيره أنه جاء في رواية البخاري في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم تقصر ولم أنس فنفى الأمرين، اهـ.
ويؤيد ما قاله النووي ما قاله أصحاب المعاني من أن لفظ كل إذا تقدم وعقبها النفي كان نفيًا لكل فرد، لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت.
كأن يقول: لم يكن كل ذلك.
ولهذا أجاب ذو اليدين قد كان بعض ذلك، وفي بعض الروايات قال ذو اليدين بلى قد نسيت.

( سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركعتين) قال النووي: هكذا هو في بعض الأصول المعتمدة من الركعتين وهو الظاهر الموافق لباقي الروايات، وفي بعضها بين الركعتين وهو صحيح أيضًا، ويكون المراد بين الركعتين الثانية والثالثة.
اهـ.

( وخرج غضبان يجر رداءه) يعني لكثرة اشتغاله بشأن الصلاة خرج يجر رداءه ولم يتمهل ليلبسه.

( ثم قام فدخل الحجرة) أي حجرة إحدى أزواجه، فقد كانت بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم محيطة بالمسجد تفتح فيه.

فقه الحديث

يمكن حصر الكلام عن هذه الأحاديث في سبع نقاط:

1- الشيطان ووسوسته وحكم الصلاة مع الانشغال.

2- المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للسهو، والمواضع الأخرى التي تقع للمصلي.

3- مكان السجدتين من الصلاة، قبل السلام أو بعده وتحرير الخلافات المذهبية وأدلتها.

4- حكم السجدتين وأركانهما وهيئاتهما.

5- الجمع بين ما ظاهره التعارض من الروايات.

6- نسيان الأنبياء.

7- ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام والحكم الأخرى.

وهذا هو التفصيل:

1- قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس، وعليه يدل كلام كثير من الشراح، ويحتمل أن المراد جنس الشيطان، وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة، ثم قال: وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل: يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له، وقيل: يهرب نفورًا عن سماع الأذان، ثم يرجع موسوسًا ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره، والجامع بينهما الاستخفاف، وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه، وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرًا، ثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه، وقيل: إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق وإقامة الشريعة، واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي، وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق، فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلاً.
وقال ابن الجوزي: على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة.
اهـ

وكل ما ذكر لا يسلم من الاعتراض، وتلمس الحكمة إنما هو لتقريب فهم الحكم، لا لبيان علته، ويمكن اعتبار هذه الحكم مجتمعة، كما يمكن أن يقال: إن غايته في إضلال المؤذن ضعيفة، أما غايته في إفساد الصلاة أو فقدها روحها وأثرها - وهي التي قال الله تعالى في شأنها { { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } } [العنكبوت: 45] فهي غاية كبرى، فكأنه عند الأذان يهرب استخفافًا واستهتارًا وكأنه يقول للمؤذن.
ناد ما شئت.
وارفع صوتك ما شئت، واجمع من شئت فوربك لأغوينهم أجمعين.
إلا القليل المخلصين، فوربك لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين، فالصلاة ميدان إبليس وليس الأذان.

والخشوع في الصلاة وخشية الله فيها، واتجاه قلب المصلي ووجدانه إلى مناجاة الرب يدفع الأعضاء إلى السكون وعدم الحركة، حتى ولو وجد ما يدعو إلى الحركة من العوامل الجسيمة أو الخارجية، كمعاكسة الذباب أو وخز الحصى، فخشوع الجوارح عنوان خشوع القلب.
ومن هنا كرهت الصلاة بحضرة الطعام ومع مدافعة الأخبثين، كما مر قبل بابين، والخشوع وإن كان مطلوبًا في الصلاة لكنه ليس بواجب، نعم حكى المحب الطبري قولاً منسوبًا إلى القاضي أبي زيد أن الخشوع شرط في صحة الصلاة.
ثم قال: وهو محمول على أن يحصل في الصلاة في الجملة لا في جميعها.

والخواطر التي تعرض في الصلاة لا قبل للإنسان بها، ولا يؤاخذ عليها وإن كان مطالبًا بمدافعتها، قال ابن بطال: بحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته، يريد بذلك وجه الله تعالى، ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر.
اهـ وقال المهلب: التفكير أمر غالب لا يمكن الاحتراز عنه في الصلاة ولا في غيرها، لما جعل الله للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن إن كان في أمر أخروي ديني فهو أخف مما يكون في أمر دنيوي.
اهـ.

وقد روى البخاري عن عمر أنه قال إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة وأحاديث الباب تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل بالخواطر في الصلاة، حتى نسي أصلى ثنتين أم أربعًا؟ ثم لم تطلب أحاديث الباب أن يتخلص المصلي من خواطر الشيطان، وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق، وإنما طلبت جبر هذه الخواطر إذا أحدثت شكا، وذلك بإرغام الشيطان وإحباط سعيه بسجدتي السهو.
نعم كلما قلت سيطرة الخواطر على المصلي كثر ثوابه على صلاته، فقد روى النسائي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف، والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر.

2- والمواضع التي سجد من أجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم سجود السهو والتي نصت عليها أحاديث الباب أربعة:

أحدها: قام من ثنتين ناسيًا التشهد الأوسط وجلوسه، سند ذلك الروايات الرابعة والخامسة والسادسة من أحاديث الباب.

ثانيها: سلم من ثنتين والصلاة رباعية، سند ذلك الروايات الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة من أحاديث الباب.

ثالثها: صلى الرباعية خمسًا، سند ذلك الروايات التاسعة والعاشرة والحادية عشرة من أحاديث الباب.

رابعها: سلم من ثلاث والصلاة رباعية، سند ذلك روايتا عمران بن حصين [التاسعة عشرة والعشرون] إن لم نجمع بينهما وبين روايات أبي هريرة في التسليم من ثنتين.

أما المواضع الأخرى التي يشرع فيها للمصلي سجود السهو فقد قال النووي في المجموع: إن ترك فرضًا ساهيًا، أو شك في تركه وهو في الصلاة لم يعتد مما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه، ثم قال أصحابنا: إذا ترك المصلي سنة وتلبس بغيرها لم يعد إليها، سواء تلبس بفرض أم بسنة أخرى، كمن ترك دعاء الاستفتاح وتلبس بقراءة الفاتحة أو بالاستعاذة، وسواء كان الترك عمدًا أم سهوًا، فإن عاد إلى السنة القولية بعد أن تلبس بقولي لم تبطل صلاته، أما إن عاد إلى التشهد الوسط بعد أن تلبس بالقيام بطلت صلاته إن كان عامدًا عالمًا بالتحريم، فإن كان ناسيًا أو جاهلاً لم تبطل، ويسجد للسهو، ولو ترك بعضًا من الأبعاض ( وهي التشهد الأول والجلوس له والقنوت والقيام له، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله في التشهد الأول، وكذا الآل في التشهد الأخير) جبر بسجود السهو إذا تركه سهوًا، وإن تركه عمدًا فوجهان: أحدهما لا يسجد لأن السجود مشروع للسهو، وبه قال أبو حنيفة، وقيل يسجد.
أما غير الأبعاض من السنن كالتعوذ ودعاء الاستفتاح، ورفع اليدين والتكبيرات والتسبيحات والجهر والإسرار والتورك والافتراش والسورة بعد الفاتحة ووضع اليدين على الركبتين وسائر السنن القولية غير الأبعاض فلا يسجد لها، سواء تركها عمدًا أم سهوًا، لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود لشيء منها والسجود زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف، ويخالف الأبعاض، فإنه قد ورد التوقيف في التشهد الأول وجلوسه، وقسنا عليه باقيها، وحكى جماعة من أصحابنا قولاً قديمًا أنه يسجد لترك كل مسنون ذكرًا كان أو فعلاً، وهو ضعيف.
أما إذا فعل منهيًا عنه مما لا تبطل الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة ووضع اليد على الفم وكف الثوب والشعر ومسح الحصى والتثاؤب وأشباه ذلك فلا يسجد للسهو لعمده ولا لسهوه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة ووضعها وخلع نعليه في الصلاة ولم يسجد لشيء من ذلك.

فإن فعل ساهيًا منهيًا عنه تبطل الصلاة بعمده كالكلام والركوع والسجود الزائدين فهذا يسجد لسهوه إذا لم تبطل به الصلاة، وقال أبو حنيفة: يسجد للجهر والإسرار، وقال مالك: يسجد لترك جميع الهيئات.
والله أعلم.

3- وفي موضع سجود السهو من الصلاة نقول:

إن الرواية الأولى والثانية من روايات الباب فيمن لم يدر كم صلى، وفيهما فليسجد سجدتين وهو جالس ولم يذكر فيهما السلام.

والروايات الرابعة والخامسة والسادسة فيمن قام من ثنتين في صلاة رباعية ( ومثلها الثلاثية) ولم يجلس للتشهد الوسط، وفيها كلها أنه سجد للسهو قبل أن يسلم.

والرواية السابعة فيمن شك فبنى على اليقين، وأتم صلاته، وفيها يسجد سجدتين قبل أن يسلم والرواية الثامنة حتى الرابعة عشرة فيمن صلى الرباعية خمسًا ( أي فيمن زاد ركعة) بعضها سكت عن السلام بعد السجدتين كالتاسعة والحادية عشرة والثانية عشرة والرابعة عشرة، وبعضها صرح بالسلام بعد السجدتين كالثامنة والعاشرة، وبما أن الراوي واحد، والواقعة واحدة فيحمل ما لم يصرح فيه بالسلام على ما صرح فيه به.

أما الرواية الثالثة عشرة، وهي عن الراوي نفسه وعن الواقعة نفسها، وفيها سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام فهي كالتي أغفل فيها ذكر السلام لأنها تحكي عن السلام الذي حدث عقب صلاة الخمس، لا عن السلام بعد سجود السهو، بدليل ذكر الكلام في قوله بعد السلام والكلام فالسلام المذكور فيها لا يدخل في موضوع النزاع.

أما الرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة فهما فيمن سلم من ثنتين في رباعية [ومثلها الثلاثية] وفيهما أنه أكمل الصلاة ثم سلم، ثم سجد للسهو.

أما التاسعة عشرة والعشرون فهما فيمن سلم من ثلاث في رباعية، وفيهما أنه أكمل الصلاة ثم سلم، ثم سجد للسهو، ثم سلم.

وإذا تجاوزنا روايات الإمام مسلم التي استعرضناها في هذا الباب وجدنا الأحاديث الصحيحة في الكتب الأخرى لا تخرج عما ذكرنا، وما روي مخالفًا لذلك لا يقاوم الصحيح كما سيأتي.

وقد كثر خلاف الفقهاء في مشروعية السلام قبل سجود السهو وبعده.

( أ) فذهب داود الظاهري إلى أنه لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للسهو، وبالأوضاع الواردة نفسها، فيقتصر على ما ورد، وغير ذلك إن كان فرضًا أتى به، وإن كان ندبًا فليس عليه شيء.

( ب) وذهب الإمام أحمد والحنابلة إلى أنه يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام، وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد السلام، وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له أبدًا قبل السلام، قال ابن قدامه في المغني: السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام، وما عداهما يسجد له قبل السلام.

( جـ) وذهب الإمام مالك والشافعي في قول له إلى التفرقة بين السهو بالزيادة والسهو بالنقص، فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله.
قال ابن عبد البر: وبهذا القول يصح استعمال الخبرين جميعًا، قال: واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادعاء النسخ، ومن جهة النظر والفكر الفرق بين الزيادة والنقص بين في ذلك، لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر، ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة، وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ.
قال ابن العربي: مالك أسد قيلاً وأهدى سبيلاً.
اهـ، وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرة، وكان الحكم على وفقها كانت علة، فيعم الحكم جميع محالها، فلا تخصص إلا بنص اهـ وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيمًا للشيطان فقط ممنوع، بل جبر أيضًا لما وقع من الخلل، فإنه وإن كان زيادة فهو نقض وقصر في المعنى، وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيمًا للشيطان في حالة الشك وليس في حالة الزيادة كما ذهب إليه المالكية.
وقال الخطابي: لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح، وأيضًا فقصة ذي اليدين وقع فيها السجود بعد السلام وهي عن نقصان، اهـ [يشير إلى روايتنا الخامسة عشرة].

( د) وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري -وحكى قولاً للشافعي: إن سجود السهو كله بعد السلام، واستدلوا بحديث ذي اليدين، روايتنا الخامسة عشرة وفيها فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع، وروايتنا السادسة عشرة، وفيها فأتم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم كما استدلوا بحديث عمران بن حصين، روايتنا التاسعة عشرة، وفيها فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين... وروايتنا المتممة للعشرين، وفيها فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو... كما احتجوا بما رواه الترمذي من حديث الشعبي قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين، فسبح به القوم وسبح بهم، فلما صلى بقية صلاته سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل بهم مثل الذي فعل وبما رواه الطبراني من حديث محمد بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال: صليت خلف أنس بن مالك صلاة، فسها فيها، فسجد بعد السلام، ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع وبأحاديث أخرى في ابن خزيمة وأبي داود وابن ماجه وأحمد وعبد الرزاق والطبراني، وكلها أحاديث لا تقاوم الصحيح.

كما استدلوا بحديث ابن مسعود - روايتنا التاسعة - وفيها أنه صلى الله عليه وسلم سجد بعد ما صلى خمسًا وسلم، وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام، حين سألوه، هل زيد في الصلاة؟ وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام، لتعذره قبله، لعدم علمه بالسهو وإنما تابعه الصحابة -ولم يسجدوا للسهو قبل السلام - لتجويزهم الزيادة في الصلاة، لأنه كان في زمن توقع النسخ.
وقال ابن خزيمة: لا حجة للعراقيين في حديث ابن مسعود، لأنهم خالفوه، فقالوا: إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسة، ثم سلم، وسجد للسهو، وإن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته، ولم ينقل في حديث ابن مسعود إضافة سادسة ولا إعادة، ولا بد من أحدهما عندهم.
اهـ

كما استدلوا بالزيادة الواردة في حديث ابن مسعود.
وهي إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين ورد بأن هذا معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم - روايتنا السابعة، وفيها فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.

( هـ) وذهب الشافعي في الجديد إلى أن سجود السهو كله قبل السلام واستدلوا بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام كالروايات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والعاشرة، وبما جاء في الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سها أحدكم في صلاته فليسجد سجدتين قبل أن يسلم وقال الترمذي.
حسن صحيح.
وما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة المروي في مسلم في الرواية الثانية من زيادة فليسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم ليسلم وما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته...فإذا فرغ فلم يبق إلا التسليم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم ليسلم.

( و) وذهب إسحق بن راهويه إلى أنه يستعمل كل حديث كما ورد، وما لم يرد فيه شيء، فما كان نقصًا سجد له قبل السلام، وما كان زيادة فبعد السلام، قال الحافظ ابن حجر: فحرر إسحق مذهبه من قولي أحمد ومالك، وهو أعدل المذاهب فيما يظهر، اهـ

هذه أهم المذاهب في موضع سجود السهو من الصلاة، ولو ذهبنا نرجح ونختار لطال بنا المقام، وتعرض قولنا للرد، ويكفي أن نرى بعض الشافعية يؤيدون المالكية، فنرى النووي يقول: أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد وغيره، ويقول: بل طريق أحمد أقوى، لأنه قال: يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام.
وقال: ولولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام، ولأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام، اهـ ورأينا الخطابي يرد قول المالكية.
وأخيرًا رجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده.

ولو عرفنا حكم تقديم السجدتين على السلام أو تأخيرهما عنه لهان الأمر ووجدناها معركة في غير ميدان، أو زوبعة في فنجان، فقد نقل الماوردي وغيره الإجماع على جواز هذا أو ذاك، وإنما الخلاف في الأفضل، وكذا قال ابن عبد البر: إنه لا خلاف عن مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شيء عليه، وصرح صاحب الهداية بأن الخلاف عند الحنفية في الأولوية، نعم حكى إمام الحرمين في النهاية خلافًا في الإجزاء على المذهب الشافعي، وحكى القرطبي خلافًا في الإجزاء في مذهب المالكية، وحكى القدوري خلافًا في الإجزاء في مذهب الحنفية، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال: إن الإجماع الذي نقله الماوردي وغيره قبل هذه الآراء في المذاهب المذكورة، اهـ ويمكن أن يقال على هذا: إن المعتمد في المسألة أن الخلاف في الأولى والأفضل، والله أعلم.

4- وسجود السهو مسنون كله عند الشافعية، وعند المالكية هو واجب للنقص دون الزيادة، وعند الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان، فيجب السجود لتركها سهوًا، وبين السنن القولية فلا يجب، وكذا يجب إذا سها بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده، وعند الحنفية واجب كله، وحجتهم قوله في حديث ابن مسعود ثم ليسجد سجدتين والأمر للوجوب وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله صلى الله عليه وسلم محمولة على البيان، وبيان الواجب واجب، لا سيما مع قوله صلوا كما رأيتموني أصلي.

أما كيفيته فقد وصفتها روايتنا الخامسة عشرة، وفيها ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع فهو سجدتان، فلو اقتصر على واحدة ساهيًا لم يلزمه شيء، أو عامدًا بطلت صلاته، لأنه تعمد الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة.
كذا عند الشافعية، وعند الحنفية لا شيء عليه لو اقتصر على سجدة واحدة ساهيًا أو عامدًا، قال العيني: كيف تبطل الصلاة إذا زاد فيها شيئًا من جنسها؟ اهـ.
ونسأله ماذا يرى لو زاد ركعة عامدًا في أي صلاة؟ لو لم نقل بالبطلان لصلى المسلمون الثنائية ثلاثية، والثلاثية رباعية والرباعية خماسية عامدين، وانتهى التشريع الإلهي.

والتكبير في سجدتي السهو مشروع بالإجماع كما هو في سجود الصلاة والجهر به كما في الجهر به في سجود الصلاة، وتكبير الصلوات كله سنة غير تكبيرة الإحرام، فهي ركن، وهو قول الجمهور، وعند أحمد والظاهرية أن تكبير الصلوات كله واجب.

ولا خلاف أن سجود السهو الواقع قبل السلام لا يحتاج إلى تكبيرة إحرام إنما الخلاف في السجود الذي يقع بعد السلام، هل يشترط له تكبيرة الإحرام، أو يكتفى بتكبيرة السجود؟ قال الحافظ ابن حجر: الجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث.
وحكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بالسلام لا بد له من تكبيرة الإحرام.
اهـ والجلوس بين سجدتي السهو مشروع، ولا خلاف فيه.

ومن مجموع الأحاديث في هذا الباب يستفاد أنه لا تشهد بعد سجود السهو وهذا ما عليه الجمهور إذا كان سجود السهو قبل السلام، فلا يعيد التشهد وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده، وعن عطاء يتخير، واختلف فيه عند المالكية.

أما من سجد بعد السلام فعند الحنفية يتشهد، وكذا عند أحمد وإسحق وبعض المالكية.
ومستندهم إحدى الروايات في حديث عمران، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد سجدتين ثم تشهد، ثم سلم لكن الترمذي قال عن هذا الحديث: حسن غريب، وقال الحاكم عنه: صحيح على شرط الشيخين، وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد [روايتنا التاسعة عشرة، والعشرين] وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة في هذه القصة: قلت لابن سيرين: في سجدتي السهو تشهد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة، وفي رواية قال: لم أسمع في التشهد شيئًا، لهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت، لكن قد ورد التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي، وفي إسنادهما ضعف.
قاله الحافظ ابن حجر: أما السلام فلا شك في مشروعيته إذا كان سجود السهو قبل سلام الصلاة، أما إذا وقع سجود السهو بعد سلام الصلاة فالقائلون بمشروعية التشهد يقولون بالسلام غير النخعي، فإنه قال يتشهد ولا يسلم.

والصحيح عند الشافعية أنه يسلم ولا يتشهد، وهكذا في سجود التلاوة كصلاة الجنازة، وقد ثبت السلام بسجدتي السهو إذا فعلتا بعد السلام في حديث ابن مسعود وحديث ذي اليدين.
وعن أنس والشعبي والحسن وعطاء: ليس فيهما تشهد ولا تسليم.

وجمهور من قال بالتسليم قال: يسلم ثنتين عن يمينه وشماله، وفي المحيط: يسلم واحدة عن يمينه كالجنازة، وقيل: يسلم تلقاء وجهه، فهما روايتان عن مالك.

واستدل الشافعية بالروايات الرابعة والخامسة والسادسة على الاكتفاء بسجدتين للسهو في الصلاة، ولو تكرر السهو، من حيث إن الذي فات في هذه القصة الجلوس والتشهد الوسط، وكل منهما لو سها المصلي عنه على انفراده سجد لأجله، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم سجد في هذه الحالة غير سجدتين.
قال الحافظ ابن حجر: وتعقب هذا الاستدلال بأنه مبني على ثبوت مشروعية السجود لترك أي من التشهد الوسط والجلوس له، ولم يستدلوا على مشروعية ذلك بغير هذا الحديث، فيستلزم إثبات الشيء بنفسه.
وفيه ما فيه وقد صرح في بقية الحديث بأن السجود مكان ما نسي من الجلوس.
نعم حديث ذي اليدين دال لذلك.
اهـ

وروى ابن أبي شيبة عن النخعي والشعبي أن لكل سهو سجدتين قال الحافظ ابن حجر: وورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد وإسناده منقطع وروى البيهقي من حديث عائشة سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان.

5- ( أ) وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس يفيد أن ليس عليه إلا سجدتا السهو، وهذا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية السابعة إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى؟ ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان ومع قوله في الرواية الثامنة وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين فإن ظاهر الروايتين أن يبنى على اليقين ويكمل، حتى ولو صلى الرباعية خمسًا.

وقد اختلف العلماء في فهم هذه الأحاديث وفي الأخذ ببعضها أو الجمع بينها، فنقل الطبري عن بعض أهل العلم أن للمصلي أن يأخذ بأيهما شاء، وقال الحسن البصري وطائفة من السلف بظاهر الرواية الثانية، وقالوا: إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان وهو جالس، عملاً بظاهر هذا الحديث، وقالوا: إن حديث أبي سعيد مختلف في وصله وإرساله، فيرجح حديث أبي هريرة.
ورد هذا القول بأن حديث أبي سعيد وصله مسلم وصححه.
والأخذ بالحديثين أولى من الترجيح.
وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: متى شك في صلاته، هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو، عملاً بحديث أبي سعيد - روايتنا السابعة - عند أبي داود إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة [التي زادها] نافلة والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصلاته وكانت السجدتان مرغمتين للشيطان أي مغيظتين له.

قالت الشافعية: فحديث أبي سعيد هذا مفسر لحديث أبي هريرة -روايتنا الثانية - غير معارض له، إذ حديث أبي هريرة يذكر حكم كل ساه - بعد أن يرجع في حكم ما سها عنه إلى سائر الأحاديث الموضحة للحكم - فحكم كل ساه في نهاية أمره أن يسجد سجدتين.

وقال بعضهم: إن حديث أبي هريرة فيما إذا طرأ عليه الشك وقد فرغ قبل أن يسلم.
فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك، ويسجد للسهو، كمن طرأ عليه الشك بعد أن سلم، وحديث أبي سعيد فيمن طرأ عليه الشك قبل ذلك فيبنى على اليقين.
قاله الحافظ ابن حجر: وقال: وعلى هذا فقوله في حديث أبي هريرة وهو جالس يتعلق بقوله لم يدر لا بقوله فليسجد انتهى بتصرف.

وقال الحنفية: إن كان الشك عرض له أول مرة بطلت صلاته وأعاد لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين [في إسناد هذا القول لأبي حنيفة نظر والظاهر أن كثيرًا من الحنفية لم يصرحوا بالبطلان، وطلبوا الإعادة على أنها الأفضل] وإن صار الشك عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه، وإن لم يظن شيئًا عمل بالأقل.

وقد خالف الحنفية الجمهور في قولهم بالعمل على أكبر ظنه، وبه فسروا الأمر بطلب تحري الصواب في الرواية الثامنة وملحقاتها لكن مجموع الروايات في المسألة ضدهم، ففي الترمذي إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثًا ثم ليتم ما بقي من صلاته، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وفيه فإن الزيادة خير من النقصان وقال: صحيح الإسناد، ورواه الترمذي أيضًا، وقال: حسن صحيح.

ولم يعمل جماعة بالحديثين، فقد قال الشعبي والأوزاعي وجماعة من السلف: إذا لم يدر كم صلى لزمه أن يعيد مرة بعد أخرى أبدًا حتى يستيقن، وقال بعضهم: يعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه، وبعضهم فرق بين المبتلى بالشك فيعمل بالتحري، وبين المبتدئ غير المبتلى فيعيد، وهذه أقوال لا يلتفت إليها وإن استندت إلى روايات ضعيفة.

( ب) وظاهر حديث أبي هريرة عن ذي اليدين، في رواياته الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة يتعارض مع حديث عمران بن حصين، في روايته التاسعة عشرة والمتممة للعشرين، إذ في روايات أبي هريرة أن التسليم كان من ركعتين، وفي روايتي عمران أن التسليم كان من ثلاث وفي الرواية الخامسة عشرة، وهي لأبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها، وفي رواية عمران أنه صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة دخل منزله ثم خرج يجر رداءه.

من هذا التعارض جنح ابن خزيمة ومن تبعه إلى القول بتعدد الواقعة، لكن المحققين من المحدثين جنحوا إلى الجمع، فمن جهة الركعتين والثلاث فقد نقل الحافظ ابن حجر عن العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة، واستبعده.
قال: ولكن طريق الجمع يكتفى فيه بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى التعدد، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله.
اهـ

ولا يبعد عندي للجمع بين الحديثين أن نقول: إن عمران ربما كان قد سها في صلاته فلم يدر، فحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم من ثلاث ثم أكملها بواحدة والحقيقة أنه سلم من ثنتين وأكملهما بثنتين.
والله أعلم.

وأما عن استناده صلى الله عليه وسلم إلى الجذع أو دخوله منزله عقب الصلاة فقد قال الحافظ ابن حجر في الجمع بينهما: لعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله.
اهـ

ولا يبعد عندي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد استند إلى الجذع، ثم دخل منزله فأخبر بالنقص فجاء فأتم وسجد، وكل من أبي هريرة وعمران ذكر واقعة لم يتعرض لها الآخر، والقصة واحدة.
والله أعلم.

6- وفي سهو الأنبياء يقول النووي: في قوله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر القرآن والحديث، واتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه، بل يعلمه الله تعالى به، ثم قال الأكثرون: شرطه تنبهه صلى الله عليه وسلم على الفور متصلاً بالحادثة ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته صلى الله عليه وسلم واختاره إمام الحرمين، وجوزت طائفة من العلماء السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال البلاغية والعبادات، كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه صلى الله عليه وسلم في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني ، والصحيح الأول، فإن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة، بل تحصل فيه فائدة، وهو بيان أحكام الناسي، وتقرير الأحكام.

قال القاضي: واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه، فجوزه الجمهور.
ثم قال القاضي رحمه الله تعالى: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع السهو على الأنبياء في خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدًا ولا سهوًا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضاء ولا غضب، وحسبك في ذلك أن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وكلامه وأفعاله مجموعة معتني بها على مر الزمان، يتداولها الموافق والمخالف والمؤمن والمرتاب، فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول، ولا اعتراف بوهم في كلمة، ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة، ونومه عنها، واستدراكه رأيه في تلقيح النخل، وفي نزوله بأدنى مياه بدر، وقوله صلى الله عليه وسلم والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني وغير ذلك، وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: والحديث حجة لمن قال: إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع، أما من منع السهو فأجابوا عن الحديث:

بأن ما حصل منه صلى الله عليه وسلم كان متعمدًا، ليقع التشريع منه بالفعل، لكونه أبلغ من القول، فقوله لم أنس ولم تقصر كلام على ظاهره وحقيقته، ورد بما ورد في الرواية الثامنة من قوله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني فأثبت العلة وقيد الحكم بقوله إنما أنا بشر ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا، دفع ذلك بقوله كما تنسون.

وقالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن يدل على عدم النسيان منه، مما يؤكد أن ما حصل منه في سهو الصلاة كان متعمدًا.
ورد بأن حديث إني لا أنسى لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد.
قاله الحافظ ابن حجر.

وقالوا: إن حديث بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا وكذا ينكر أن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم النسيان، لأنه إذا نهى غيره عن أن ينسب النسيان إلى نفسه كان بالنسبة له أولى.
ورد بأنه لا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء، فإن الفرق بينهما واضح جدًا.
قاله الحافظ ابن حجر.
والحق جواز السهو، والحديث دليل لا يسهل رده.
والله أعلم.

7- ويؤخذ من مجموعة أحاديث الباب فوق ما تقدم

1- استدل بهرب الشيطان عند الأذان على فضل الأذان، حيث إن هذا الفضل لا ينال بغير الأذان، واعتبره أبو عوانة دليلاً على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه.

2- أن الوسوسة في الصلاة لا تبطلها، ولا طاقة للعبد في منعها، وإن أدت إلى نقصان الثواب.

3- استدل بقيامه صلى الله عليه وسلم في الرواية الرابعة، وعدم عودته للتشهد الوسط أن التشهد الوسط ليس واجبًا، لأن سجود السهو لا ينوب عن الواجب، وقد ناب عنه.
فليس بواجب.
وممن قال بوجوبه الليث وإسحق وأحمد في المشهور، وهو قول للشافعي ورواية عند الحنفية.
واحتج بعضهم لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولاً ركعتين، وكان التشهد فيها واجبًا، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب، وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الركعتين الأخيرتين، بل يحتمل أن يكون هما الفرض الأول، والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان: قاله الحافظ ابن حجر.
وجمهور الفقهاء على أن من نسي التشهد الوسط وقام لا يرجع إلى الجلوس إن استتم قائمًا، وقالت طائفة: إذا فارقت إليته الأرض لا يرجع، فإن رجع قيل: بطلت صلاته، وقيل: لا تبطل.

4- استدل بقيام الناس معه صلى الله عليه وسلم تاركين التشهد الوسط على أن متابعة الإمام عند القيام من هذا الجلوس واجبة.

5- استدل أبو حنيفة بقوله في الرواية الرابعة فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه على أن السلام ليس من الصلاة، حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم صحت صلاته، وتعقب بأن السلام لما كان للتحليل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته، ويدل على ذلك رواية ابن ماجه حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم فدل أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه، والزيادة من الحافظ مقبولة.

6- يؤخذ من قوله في الرواية الخامسة وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس أن المؤتم يسجد مع إمامه لسهو الإمام، وقد ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المؤتم يسجد لسهو الإمام ولا يسجد لسهو نفسه.

7- كما يؤخذ منه أن السجود خاص بالسهو، فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بالسجود لا يسجد، وهو قول الجمهور، ورجحه الغزالي وجماعة من الشافعية.

8- يؤخذ من الرواية الثانية أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة ولو لم يتذكر، وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزًا لوقوع السهو منه، بخلاف ما إذا كان متحققًا لخلاف ذلك ومن حجتهم قوله في حديث ابن مسعود فإذا نسيت فذكروني وذهب الشافعية إلى أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره، إمامًا كان أو مأمومًا، ولا يعمل إلا على يقين نفسه، ويجيبون عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو، فبنى عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم أنس.
وفرق بعضهم بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل العلم بخبرهم فيقبل ويقدم على ظن الإمام أنه كمل الصلاة، بخلاف غيرهم.

9- يؤخذ من قوله في الرواية الثامنة إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.

10- ومن قوله فإذا نسيت فذكروني يؤخذ أمر التابع بتذكير المتبوع بما ينساه.

11- قال الحافظ ابن حجر: واستدل به أن من صلى خمسًا ساهيًا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافًا للكوفيين، وقولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل، بل السياق يرشد إلى خلافه، وأن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها، خلافًا لبعض المالكية إذا كثرت، وقيد بعضهم الزيادة بما يزيد على نصف الصلاة.

12- وأن من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام يسجد للسهو، فإن طال الفصل فالأصح عند الشافعية أنه يفوت محله، واحتج له بعضهم من هذا الحديث بتعقيب إعلامهم لذلك بالفاء، وتعقيبه السجود أيضًا بالفاء.

13- وأن الكلام العمد فيما يصلح به الصلاة لا يفسدها، وفيه نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم إلا ناسيًا وأما كلام ذي اليدين والصحابة فجوابه في المأخذ الثامن عشر، وقد مر تفصيل الكلام في هذه المسألة قبل أبواب.

14- وأن من تحول عن القبلة ساهيًا لا إعادة عليه.

15- وفيه إقبال الإمام على الجماعة بعد الصلاة.

16- ومن توشوش القوم يؤخذ ما كان عليه الصحابة من عظيم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

17- ومن قوله فهابا أن يكلماه زيادة التوقير والاحترام والتقدير والهيبة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

18- وأن العمل الكثير والخطوات إذا كانت سهوًا في الصلاة لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهوًا، خلافًا للحنفية، وأما قول بعضهم: إن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة فبعيدة، فقد ثبت شهود أبي هريرة وعمران بن حصين للقصة، وإسلامهما متأخر.
وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون قول زيد بن أرقم ونهينا عن الكلام أي إلا إذا وقع سهوًا، أو عمدًا لمصلحة الصلاة، فلا يعارض قصة ذي اليدين، اهـ قاله النووي: فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم، وهم بعد في الصلاة؟ فجوابه من وجهين: أحدهما أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في الصلاة، لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ والثاني أن هذا كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابًا، وذلك لا يبطل الصلاة عندنا وغند غيرنا، والمسألة مشهورة بذلك، وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح أن الجماعة أومئوا - أي نعم فعلى هذه الرواية لم يتكلموا.
اهـ

19- وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوًا، قال سحنون: إنما يبني من سلم من ركعتين، كما في قصة ذي اليدين، لأن ذلك وقع على غير القياس، فيقتصر فيه على مورد النص، وألزم بقصر ذلك على إحدى صلاتي العشى، فيمنعه مثلاً في الصبح، والذين قالوا: يجوز البناء مطلقًا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل، واختلفوا في قدر الطول، فحده الشافعي في الأم بالعرف، وفي البويطي بقدر ركعة، وعن أبي هريرة قدر الصلاة التي يقع فيها السهو.

20- وفيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام.

21- وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوًا لا يقطع الصلاة.

22- وفي قوله أقصرت الصلاة أم نسيت دليل على ورع الصحابة، إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم.

23- وفيه جواز التعريف باللقب ذي اليدين.

24- وفيه العمل بالاستصحاب، وأن الأصل بقاء الأحكام على ما قررت عليه، لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام، فسأل، مع كون أفعال النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، والأصل عدم السهو، والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا، والسرعان هم الذين بنوا على النسخ فجزموا بأن الصلاة قصرت، وخرجوا يرددون ذلك.

25- وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر، وكان المجلس متحدًا، أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره، قاله الحافظ ابن حجر، وفيه نظر، لأن سبب عدم القطع به كونه عارض اعتقاد المسئول، فأحدث شكا دفع إلى سؤال الصحابة، وليس في ذلك رد خبر الثقة إذا انفرد بحضرة جمع لا يخفى عليهم الحال، بل يقبل ما داموا لم يكذبوه.

26- واستدل به بعضهم على الترجيح بكثرة الرواة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر المسئول عنه، لا ترجيح خبر على خبر.

27- واستدل به الحنفية على أن الهلال لا يقبل بشهادة الآحاد إذا كانت السماء مصحية بل لا بد فيه من عدد الاستفاضة، وتعقب بأن سبب الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف رؤية الهلال.

28- ويؤخذ من الحديث أن المرفوع في حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان إنما هو إثم الخطأ والنسيان وحكمهما، خلافًا لمن قصره على الإثم.

29- استدل بالرواية الأولى، وفيها إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس استدل به على أن سجود السهو في الفرض والتطوع لا يفترق حكمه، وهو مذهب الجمهور، إذ المراد من الصلاة الصلاة الشرعية وهي أعم من الفرض والتطوع.

قال الحافظ ابن حجر: فإن قيل: إن قوله في الرواية الثانية إذا نودي بالأذان أدبر....
فإذا ثوب بها أدبر قرينة على أن المراد الفريضة، وأجيب بأن ذلك لا يمنع من تناول النافلة، لأن الإتيان بها حينئذ مطلوب، لقوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة.

والله أعلم