هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
850 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ ، حَدَّثَهُ : أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا ، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
850 حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، قال : حدثنا أبو الزناد ، أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، مولى ربيعة بن الحارث ، حدثه : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا الله ، فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا ، والنصارى بعد غد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا ، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ .

Narrated Abu Huraira:

I heard Allah's Messenger (ﷺ) (p.b.u.h) saying, We (Muslims) are the last (to come) but (will be) the foremost on the Day of Resurrection though the former nations were given the Holy Scriptures before us. And this was their day (Friday) the celebration of which was made compulsory for them but they differed about it. So Allah gave us the guidance for it (Friday) and all the other people are behind us in this respect: the Jews' (holy day is) tomorrow (i.e. Saturday) and the Christians' (is) the day after tomorrow (i.e. Sunday).

Abu Hurayra rapporte qu'il avait entendu le Messager d'Allah () s'exprimer ainsi: «Le jour de la Résurrection, nous serons les derniers et [en même temps] les premiers, bien que les autres ont reçu les Ecritures avant nous. De plus, ce jourlà (le vendredi) est le jour qui leur avait été rendu obligatoire mais ils avaient divergé à son sujet. Quant à nous, Allah nous a guidés vers ce jour. Donc, en ce qui concerne [le vendredi], les gens viennent après nous: les Juifs, le lendemain, et les Chrétiens, le surlendemain.»

":"ہم سے ابو الیمان نے بیان کیا ، کہا کہ ہمیں شعیب نے خبر دی ، کہا کہ ہم سے ابوالزناد نے بیان کیا ، ان سے ربیعہ بن حارث کے غلام عبدالرحمٰن بن ہرمز اعرج نے بیان کیا کہ انہوں نے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے سنا اور آپ رضی اللہ عنہ نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ، آپ نے فرمایا کہہم دنیا میں تمام امتوں کے بعد ہونے کے باوجود قیامت میں سب سے آگے رہیں گے فرق صرف یہ ہے کہ کتاب انہیں ہم سے پہلے دی گئی تھی ۔ یہی ( جمعہ ) ان کا بھی دن تھا جو تم پر فرض ہوا ہے ۔ لیکن ان کا اس کے بارے میں اختلاف ہوا اور اللہ تعالیٰ نے ہمیں یہ دن بتا دیا اس لیے لوگ اس میں ہمارے تابع ہوں گے ۔ یہود دوسرے دن ہوں گے اور نصاریٰ تیسرے دن ۔

Abu Hurayra rapporte qu'il avait entendu le Messager d'Allah () s'exprimer ainsi: «Le jour de la Résurrection, nous serons les derniers et [en même temps] les premiers, bien que les autres ont reçu les Ecritures avant nous. De plus, ce jourlà (le vendredi) est le jour qui leur avait été rendu obligatoire mais ils avaient divergé à son sujet. Quant à nous, Allah nous a guidés vers ce jour. Donc, en ce qui concerne [le vendredi], les gens viennent après nous: les Juifs, le lendemain, et les Chrétiens, le surlendemain.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [876] .

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ أَيِ الْآخِرُونَ زَمَانًا الْأَوَّلُونَ مَنْزِلَةً وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُودُهَا فِي الدُّنْيَا عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهِيَ سَابِقَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَأَوَّلُ مَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمْ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ هُنَا إِحْرَازُ فَضِيلَةِ الْيَوْمِ السَّابِقِ بِالْفَضْلِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِسَبْتٍ قَبْلَهُ أَوْ أَحَدٍ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مُتَوَالِيَةً إِلَّا وَيَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَابِقًا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ أَيْ إِلَى الْقَبُولِ وَالطَّاعَةِ الَّتِي حُرِمَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى .

     قَوْلُهُ  بَيْدَ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ مِثْلُ غَيْرَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَبِهِ جَزَمَ الْخَلِيلُ والكسائى وَرجحه بن سَيّده وروى بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى بَيْدَ مِنْ أَجْلِ وَكَذَا ذكره بن حِبَّانَ وَالْبَغَوِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَدِ اسْتَبْعَدَهُ عِيَاضٌ وَلَا بُعْدَ فِيهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنا سبقنَا بِالْفَضْلِ إِذْ هُدِينَا لِلْجُمُعَةِ مَعَ تَأَخُّرِنَا فِي الزَّمَانِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهَا مَعَ تَقَدُّمِهِمْ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقع فِي فَوَائِد بن الْمُقْرِئ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ نَحْنُ الْآخِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ السَّابِقُونَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَفِيمُوَطَّأِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هِيَ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ مَعَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى غَيْرِ فَنُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى مَعَ فَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ هِيَ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَالْمَعْنَى نَحْنُ السَّابِقُونَ لِلْفَضْلِ غَيْرَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَوَجْهُ التَّأْكِيدِ فِيهِ مَا أُدْمِجَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى النَّسْخِ لِأَنَّ النَّاسِخَ هُوَ السَّابِقُ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوُجُودِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَوْقِعُ قَوْلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا وَاضِحًا .

     قَوْلُهُ  أُوتُوا الْكِتَابَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ وَالْمُرَادُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالضَّمِيرُ فِي أُوتِينَاهُ لِلْقُرْآنِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّوْرَاةَ لَمَا صَحَّ الْإِخْبَارُ لِأَنَّا إِنَّمَا أُوتِينَا الْقُرْآنَ وَسَقَطَ مِنَ الْأَصْلِ .

     قَوْلُهُ  وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْهُ وَكَذَا لمُسلم من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَسَيَأْتِي تَامًّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ بِفَرْضِهِ فَرْضُ تَعْظِيمِهِ وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِهَذَا لِكَوْنِهِ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا الحَدِيث قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ فَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا يَدُلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمٌ مِنَ الْجُمُعَةِ وُكِّلَ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ لِيُقِيمُوا فِيهِ شَرِيعَتَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْأَيَّامِ هُوَ وَلَمْ يَهْتَدُوا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى هَذَا وَرَشَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ لَقِيلَ فَخَالَفُوا بَدَلَ فَاخْتَلَفُوا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا فَاخْتَلَفُوا هَلْ يَلْزَمُ تَعَيُّنُهُ أَمْ يَسُوغُ إِبْدَالُهُ بِيَوْم آخر فاجتهدوا فِي ذَلِك فاخطؤا انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ أَرَادوا الْجُمُعَة فاخطؤا وَأَخَذُوا السَّبْتَ مَكَانَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطَ بْنِ نَصْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُمْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهِ فَأَبَوْا وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْيَهُودِ الْجُمُعَةَ فَأَبَوْا وَقَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ يَوْمَ السَّبْتِ شَيْئًا فَاجْعَلْهُ لَنَا فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَجِيبٍ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَيْفَ لَا وَهُمُ الْقَائِلُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا .

     قَوْلُهُ  فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِأَنْ نَصَّ لَنَا عَلَيْهِ وَأَنْ يُرَادَ الْهِدَايَةُ إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ جَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ إِنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى كَذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي وَنَشْكُرهُ فَجَعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة الْآيَةُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ الْحَدِيثَ فمرسل بن سِيرِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الصَّحَابَةَ اخْتَارُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَهُ بِالْوَحْي وَهُوَبِمَكَّةَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِقَامَتِهَا ثُمَّ فَقَدْ ورد فِيهِ حَدِيث عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَلِذَلِكَ جَمَعَ بِهِمْ أَوَّلَ مَا قدم الْمَدِينَة كَمَا حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ حَصَلَتِ الْهِدَايَةُ لِلْجُمُعَةِ بِجِهَتَيِ الْبَيَانِ وَالتَّوْفِيقِ وَقِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي اخْتِيَارِهِمُ الْجُمُعَةَ وُقُوعُ خَلْقِ آدَمَ فِيهِ وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ فِيهِ الْمَوْجُودَاتِ وَأَوْجَدَ فِيهِ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى ذَلِكَ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْد بن خُزَيْمَة فَهُوَ لنا ولليهود يَوْم السبت وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَنَا بِهِدَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُمْ بِاعْتِبَارِ اخْتِيَارِهِمْ وَخَطَئِهِمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ غَدًا هُنَا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ الْيَهُودُ يُعَظِّمُونَ غَدًا وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ غَدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ لَا يَكُونُ خَبرا عَن الجثة انْتهى.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَعَانِي كَقَوْلِكَ غَدًا لِلتَّأَهُّبِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلرَّحِيلِ فَيُقَدَّرُ هُنَا مُضَافَانِ يَكُونُ ظَرْفَا الزَّمَانِ خَبَرَيْنِ عَنْهُمَا أَيْ تَعْيِيدُ الْيَهُودِ غَدًا وَتَعْيِيدُ النَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ اه وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِقَوْلِهِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا فَضَلُّوا وَهُدِينَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ كُتِبَ عَلَيْنَا وَفِيهِ أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِضْلَالَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ سَلَامَةَ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْخَطَأِ مَخْصُوصٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ اسْتِنْبَاطَ مَعْنًى مِنَ الْأَصْلِ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ جَائِزٌ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ أَوَّلُ الْأُسْبُوعِ شَرْعًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْأُسْبُوعِ كُلِّهِ جُمُعَةً وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأُسْبُوعَ سَبْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلْيَهُودِ فَتَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِمَزِيدِ فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَة زَادهَا الله تَعَالَى( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ لِمَا وَقع فِيهِ من الْخلاف وَاقْتصر علىالفضل لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبُ فِيهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَتَّفِقُ الْأَدِلَّةُ عَلَى ثُبُوتِهِ .

     قَوْلُهُ  وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ اعْترض أَبُو عبد الْملك فِيمَا حَكَاهُ بن التِّينِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ الثَّانِي مِنَ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ تَرْجَمَ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ أَوِ النِّسَاءِ جُمُعَةٌ وَأَوْرَدَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ وُجُوبِ شُهُودٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأجَاب بن التِّينِ بِأَنَّهُ أَرَادَ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ أَمَّا الصِّبْيَانُ فَبِالْحَدِيثِ الثَّالِثِ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الصِّبْيَانِ قَالَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهَا عَنِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْفُرُوضَ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَكْثَرِ بِالْحَيْضِ لَا بِالِاحْتِلَامِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهِنَّ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ كَالِاحْتِلَامِ وَلَيْسَ الِاحْتِلَامُ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَحْتَلِمُ الْإِنْسَانُ أَصْلًا وَيَبْلُغُ بِالْإِنْزَالِ أَوِ السِّنِّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْتَلِمِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ لِلرَّوَاحِ إِلَيْهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يُطْلَبُ رَوَاحُهُ فَيُطْلَبُ غُسْلُهُ وَاسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهَامُ فِي التَّرْجَمَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى وُقُوعِ الِاحْتِمَالِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فِي عُمُومِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [876] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ: الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».
وبالسند السابق إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدّثنا أبو الزناد) بكسر الزاي، عبد الله بن ذكوان ( أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث، حدّثه أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) : ( نحن الآخرون) زمانًا في الدنيا ( السابقون) أهل الكتاب وغيرهم منزلة وكرامة ( يوم القيامة) في الحشر والحساب والقضاء لهم قبل الخلائق، وفي دخول الجنة.
ورواه مسلم بلفظ: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والسابقون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق".
( بيد أنهم) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الدال المهملة، بمعنى غير الاستثنائية، أي: نحن السابقون للفضل، غير أن اليهود والنصارى، ( أوتوا الكتاب) التوراة والإنجيل ( من قبلنا) .
زاد في رواية أبي زرعة الدمشقي، عن أبي اليمان، شيخ المؤلّف، فيما رواه الطبراني في مسند الشاميين عنه: "وأوتيناه.
أي: القرآن، من بعدهم".
وذكره المؤلّف من وجه آخر عن أبي هريرة تامًّا بعد أبواب.
( ثم هذا) أي: يوم الجمعة ( يومهم الذي فرض عليهم) وعلينا تعظيمه بعينه، أو الاجتماع فيه.
وروى ابن أبي حاتم عن السدي: "أن الله فرض على اليهود الجمعة، فقالوا: يا موسى، إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا فاجعله لنا؛ فجعل عليهم".
وفي بعض الآثار مما نقله أبو عبد الله الأبي: أن موسى عليه الصلاة والسلام عيّن لهم يوم الجمعة، وأخبرهم بفضيلته، فناظروه بأن السبت أفضل، فأوحى الله تعالى إليه: دعهم وما اختاروا".
والظاهر أنه عينّه لهم، لأن السياق دلّ على ذمّهم في العدول عنه.
فيجب أن يكون قد عيّنه لهم.
لأنه لو لم يعيّنه لهم ووكّل التعيين إلى اجتهادهم، لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه.
فإذا أدّى الاجتهاد إلى أنه السبت أو الأحد، لزم المجتهد ما أدى الاجتهاد إليه، ولا يأثم ويشهد له قوله: "هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه".
فإنه ظاهر.
أو نص في التعيين وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، وكيف لا، وهم القائلون: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93، والنساء: 46] .
ولأبي ذر وابن عساكر، عن الحموي: هذا يومهم الذي فرض الله عليهم ( فاختلفوا فيه) هل يلزم بعينه، أم يسوغ لهم إبداله بغيره من الأيام، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا ( فهدانا الله له) بأن نص لنا عليه ولم يكلنا إلى اجتهادنا لاحتمال أن يكون، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، علمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها بها.
وفيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني:ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، أو: هدانا الله له بالاجتهاد.
كما يدل عليه مرسل ابن سيرين عند عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولفظه: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقبل أن ينزل الجمعة، قالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا فيه إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم.
الحديث.
وله شاهد بإسناد حسن عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث كعب بن مالك.
قال: كان أول مَن صلّى بنا الجمعة قبل مقدم رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة أسعد بن زرارة.
( فالناس لنا فيه تبع) ولأبي ذر: فالناس لنا تبع ( اليهود) أي: تعييد اليهود ( غدًا) يوم السبت ( و) تعييد ( النصارى بعد غد) يوم الأحد كذا قدّره ابن مالك ليسلم من الأخبار بظرف الزمان عن الجنة.
ووجه اختيار اليهود يوم السبت لزعمهم أنه يوم فرغ الله فيه من خلق الخلق، قالوا: فنحن نستريح فيه من العمل، ونشتغل بالعبادة والشكر.
والنصارى: الأحد، لأنه أول يوم بدأ فيه بخلق الخلق، فاستحق التعظيم.
وقد هدانا الله تعالى للجمعة لأنه خلق فيه آدم عليه الصلاة والسلام، والإنسان إنما خلق للعبادة.
وهو اليوم الذي فرضه الله تعالى عليهم، فلم يهدهم له، وادّخره لنا.
واستدلّ به النووي رحمه الله تعالى على فرضية الجمعة لقوله: فرض عليهم، فهدانا الله له.
فإن التقدير فرض عليهم وعلينا، فضلوا وهدينا.
ويؤيده رواية مسلم عن سفيان عن أبي الزناد: كتب علينا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي.
2 - باب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَوْ عَلَى النِّسَاءِ؟ ( باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء) ؟

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [876] نا أبو اليمان: أنا شعيب: نا أبو الزناد، أن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج مولى ربيعة بن الحارث حدثه، أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غدٍ) ) .
قوله: ( ( نحن الآخرون) ) –يعني: في الزمان؛ فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم.
وقوله: ( ( السابقون) ) –يعني: في الفضل والكرامة على الله؛ قالَ الله تعالى: ... { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:11] .
وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل) ) .
وفي رواية أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا الحديث -: ( ( نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيأمة، المقضى لهم قبل الخلائق) ) .
خرَّجه مسلم.
امة وخرَّجه من حديث حذيفة –بمثله.
وخرّج من حديث أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في هذا الحديث زيادةٌ: ( ( ونحن أول من يدخل الجنة) ) .
وهذا كله –أيضاً - من سبقهم؛ فإنهم أول من يحاسب يوم القيأمة، ومن يجوز على الصراط، ومن يدخل الجنة.
وقوله: ( ( بيد) ) ، هو اسمٌ ملازم للإضافة إلى ( ( أن) ) وصلتها، ومعناه - هاهنا -: غير، ولا يستثنى به في الاتصال، بل في الانقطاع.
والمعنى: لكن أهل الكتاب أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا نحن الكتاب من بعدهم، فلهم السبق في الزمان بهذا الاعتبار في الدنيا، لا في الفضل، ولا في الآخرة.
ونقل الربيع، عن الشافعي: أنه قال: ( ( بيد أنهم) ) : من أجل أنهم –فجعله تعليلاً.
وقوله: ( ( ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه) ) .
( ( ثم) ) –هاهنا - لترتيب الاخبار، ويحتمل أنه لترتيب المخبر به، والمراد: أنهم أوتوا الكتاب، ثم فرض عليهم هذا اليوم –والاشارة إلى يوم الجمعة -، فاختلفوافيه، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق باذنه، فالناس لنا فيه تبعٌ.
وهذا - أيضاً - مما حازت به الأمة السبق مع تأخر زمانهم، فإن اليهود والنصارى لما فرض عليهم تعظيم الجمعة، والعبادة فيه لله، واتخاذه عيداً للاجتماع فيه لذكر الله فيه، ضلوا عنه، فاختارت اليهود السبت؛ لأنه يوم فرغ فيهِ الخلق، واختارت النصارى الأحد؛ لأنه يوم بدئ فيه الخلق، فهدانا الله للجمعة، فصار عيدنا أسبق من عيدهم، وصاروا لنا في عيدنا تبعاً، فمنهم من عيده الغد من يوم الجمعة، ومنهم من عيده بعد غدٍ.
وإنما ضلت الطائفتان قبلنا لتقديمهم رأيهم على ما جاءت به رسلهم وانبياؤهم، واهتدت هذه الأمة باتباعهم ما جاءهم به رسلهم عن ربهم، من غير تغيير له ولا تبديلٍ.
وفي الحديث: دليلٌ على أن الجمعة فرض من الله واجب علينا، كما كان على من قبلنا، فإن الله فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة، واتخاذه عيداً ومجمعاً لذكر الله وعبادته، فبدلوه بغيره من الايام، وهدانا الله لهُ، فدل ذَلِكَ على أنه مفروض علينا تعظيمه، واتخاذه عيداً؛ لذكر الله والاجتماع فيه لعبادته، وهذا من أدل دليلٍ على أن شهود الجمعة فرض على هذه الأمة.
* * * 2 -باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء؟ فيه ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: 877 -

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع)
إِلَى هُنَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَسِيَاقُ بَقِيَّةِ الْآيَةِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  فَاسْعَوْا فَامْضُوا هَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلْمُرَادِ بِالسَّعْيِ هُنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجَرْيُ وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ فَامْضُوا وَهُوَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجُمُعَةِ سَبَقَهُ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ قَالَ فَالتَّنْزِيلُ ثُمَّ السُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى إِيجَابِهَا قَالَ وَعُلِمَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ الْأَمْرُ بِالسَّعْيِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إِذْ لَا يَجِبُ السَّعْيُ إِلَّا إِلَى وَاجِبٍ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ فَرْضِيَّتِهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فَرْضِيَّتَهَا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَهُوَ غَرِيبٌ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَشْرُوعِيَّةُ النِّدَاءِ لَهَا إِذِ الْأَذَانُ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرَائِضِ وَكَذَا النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنِ الْمُبَاحِ يَعْنِي نَهْيَ تَحْرِيمٍ إِلَّا إِذَا أَفْضَى إِلَى تَرْكِ وَاجِبٍ وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ التَّوْبِيخُ عَلَى قَطْعِهَا قَالَ.

.
وَأَمَّا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ لِلْإِلْزَامِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ كَالتَّقْدِيرِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى ذِكْرِ الصَّرْفِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَنِ اخْتِيَارِهِ وَتَعْيِينِهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمْ بِالتَّنْصِيصِ أَمْ بِالِاجْتِهَادِ وَفِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ فَرْضِيَّتَهَا عَلَى الْأَعْيَانِ لَا عَلَى الْكِفَايَةِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ إِطْلَاقِ الْفَرْضِيَّةِ وَمِنَ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ

[ قــ :850 ... غــ :876] .

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ أَيِ الْآخِرُونَ زَمَانًا الْأَوَّلُونَ مَنْزِلَةً وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُودُهَا فِي الدُّنْيَا عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهِيَ سَابِقَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَأَوَّلُ مَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمْ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ هُنَا إِحْرَازُ فَضِيلَةِ الْيَوْمِ السَّابِقِ بِالْفَضْلِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِسَبْتٍ قَبْلَهُ أَوْ أَحَدٍ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مُتَوَالِيَةً إِلَّا وَيَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَابِقًا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ أَيْ إِلَى الْقَبُولِ وَالطَّاعَةِ الَّتِي حُرِمَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى .

     قَوْلُهُ  بَيْدَ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ مِثْلُ غَيْرَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَبِهِ جَزَمَ الْخَلِيلُ والكسائى وَرجحه بن سَيّده وروى بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى بَيْدَ مِنْ أَجْلِ وَكَذَا ذكره بن حِبَّانَ وَالْبَغَوِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَدِ اسْتَبْعَدَهُ عِيَاضٌ وَلَا بُعْدَ فِيهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنا سبقنَا بِالْفَضْلِ إِذْ هُدِينَا لِلْجُمُعَةِ مَعَ تَأَخُّرِنَا فِي الزَّمَانِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهَا مَعَ تَقَدُّمِهِمْ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقع فِي فَوَائِد بن الْمُقْرِئ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ نَحْنُ الْآخِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ السَّابِقُونَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَفِي مُوَطَّأِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هِيَ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ مَعَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى غَيْرِ فَنُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى مَعَ فَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ هِيَ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَالْمَعْنَى نَحْنُ السَّابِقُونَ لِلْفَضْلِ غَيْرَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَوَجْهُ التَّأْكِيدِ فِيهِ مَا أُدْمِجَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى النَّسْخِ لِأَنَّ النَّاسِخَ هُوَ السَّابِقُ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوُجُودِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَوْقِعُ قَوْلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا وَاضِحًا .

     قَوْلُهُ  أُوتُوا الْكِتَابَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ وَالْمُرَادُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالضَّمِيرُ فِي أُوتِينَاهُ لِلْقُرْآنِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّوْرَاةَ لَمَا صَحَّ الْإِخْبَارُ لِأَنَّا إِنَّمَا أُوتِينَا الْقُرْآنَ وَسَقَطَ مِنَ الْأَصْلِ .

     قَوْلُهُ  وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْهُ وَكَذَا لمُسلم من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَسَيَأْتِي تَامًّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ بِفَرْضِهِ فَرْضُ تَعْظِيمِهِ وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِهَذَا لِكَوْنِهِ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا الحَدِيث قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ فَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا يَدُلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمٌ مِنَ الْجُمُعَةِ وُكِّلَ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ لِيُقِيمُوا فِيهِ شَرِيعَتَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْأَيَّامِ هُوَ وَلَمْ يَهْتَدُوا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى هَذَا وَرَشَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ لَقِيلَ فَخَالَفُوا بَدَلَ فَاخْتَلَفُوا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا فَاخْتَلَفُوا هَلْ يَلْزَمُ تَعَيُّنُهُ أَمْ يَسُوغُ إِبْدَالُهُ بِيَوْم آخر فاجتهدوا فِي ذَلِك فاخطؤا انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ أَرَادوا الْجُمُعَة فاخطؤا وَأَخَذُوا السَّبْتَ مَكَانَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطَ بْنِ نَصْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُمْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهِ فَأَبَوْا وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْيَهُودِ الْجُمُعَةَ فَأَبَوْا وَقَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ يَوْمَ السَّبْتِ شَيْئًا فَاجْعَلْهُ لَنَا فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَجِيبٍ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَيْفَ لَا وَهُمُ الْقَائِلُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا .

     قَوْلُهُ  فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِأَنْ نَصَّ لَنَا عَلَيْهِ وَأَنْ يُرَادَ الْهِدَايَةُ إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ جَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ إِنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى كَذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي وَنَشْكُرهُ فَجَعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة الْآيَةُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ الْحَدِيثَ فمرسل بن سِيرِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الصَّحَابَةَ اخْتَارُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَهُ بِالْوَحْي وَهُوَ بِمَكَّةَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِقَامَتِهَا ثُمَّ فَقَدْ ورد فِيهِ حَدِيث عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَلِذَلِكَ جَمَعَ بِهِمْ أَوَّلَ مَا قدم الْمَدِينَة كَمَا حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ حَصَلَتِ الْهِدَايَةُ لِلْجُمُعَةِ بِجِهَتَيِ الْبَيَانِ وَالتَّوْفِيقِ وَقِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي اخْتِيَارِهِمُ الْجُمُعَةَ وُقُوعُ خَلْقِ آدَمَ فِيهِ وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ فِيهِ الْمَوْجُودَاتِ وَأَوْجَدَ فِيهِ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى ذَلِكَ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْد بن خُزَيْمَة فَهُوَ لنا ولليهود يَوْم السبت وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَنَا بِهِدَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُمْ بِاعْتِبَارِ اخْتِيَارِهِمْ وَخَطَئِهِمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ غَدًا هُنَا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ الْيَهُودُ يُعَظِّمُونَ غَدًا وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ غَدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ لَا يَكُونُ خَبرا عَن الجثة انْتهى.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَعَانِي كَقَوْلِكَ غَدًا لِلتَّأَهُّبِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلرَّحِيلِ فَيُقَدَّرُ هُنَا مُضَافَانِ يَكُونُ ظَرْفَا الزَّمَانِ خَبَرَيْنِ عَنْهُمَا أَيْ تَعْيِيدُ الْيَهُودِ غَدًا وَتَعْيِيدُ النَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ اه وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِقَوْلِهِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا فَضَلُّوا وَهُدِينَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ كُتِبَ عَلَيْنَا وَفِيهِ أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِضْلَالَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ سَلَامَةَ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْخَطَأِ مَخْصُوصٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ اسْتِنْبَاطَ مَعْنًى مِنَ الْأَصْلِ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ جَائِزٌ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ أَوَّلُ الْأُسْبُوعِ شَرْعًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْأُسْبُوعِ كُلِّهِ جُمُعَةً وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأُسْبُوعَ سَبْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلْيَهُودِ فَتَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِمَزِيدِ فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَة زَادهَا الله تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
فرض الجمعة
لقول الله عز وجل: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] الآية.

صلاة الجمعة فريضة من فرائض الأعيان على الرجال دون النساء، بشرائط أخر، هذا قول جمهور العلماء، ومنهم من حكاه إجماعاً كابن المنذر.

وشذ من زعم أنها فرض كفايةٍ الشافعية، وحكاه بعضهم قولاً للشافعي، وأنكر ذلك عامة أصحابه، حتى قال طائفة منهم: لا تحل حكايته عنه.
وحكاية الخطابي لذلك عن أكثر العلماء وهم منه، ولعله أشتبه عليه الجمعة
بالعيد.

وحكي عن بعض المتقدمين: أن الجمعة سنةٌ.

وقد روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، أن الجمعة سنة.

وحملها ابن عبد البر على أهل القرى المختلف في وجوب الجمعة عليهم خاصة، دون أهل الأمصار.

ونقل حنبلٌ، عن أحمد، أنه قال: الصلاة –يعني: صلاة الحمعة –فريضةٌ، والسعي إليها تطوعٌ، سنةٌ مؤكدةٌ.

وهذا إنما هو توقف عن اطلاق الفرض على اتيان الجمعة، وأما الصلاة نفسها، فقد صرح بأنها فريضةٌ، وهذا يدل على أن ما هو وسيلة إلى الفريضة ولا تتم الإ به لا يطلق عليه اسم الفريضة؛ لأنه وإن كان مأموراً به فليس مقصوداً لنفسه، بل لغيره.

وتأول القاضي أبو يعلى كلام أحمد بما لا يصح.

وقد دل على فرضيتها: قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ}
[الجمعة:9] .

والمراد بالسعي: شدة الاهتمام بإتيانها والمبادرة إليها.
فهو من سعي القلوب، لا من سعي الأبدان، كذا قال الحسن وغيره، وسيأتي بسط ذلك فيما بعد –إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وفي ( ( صحيح مسلم) ) عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة، إنهما سمعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول على أعواد منبره: ( ( لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين) ) .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي الجعد الضمري –وكانت له صحبة -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( من ترك الجمعة تهاوناً ثلاث مرات طبع على قلبه) ) .

وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

وخرَّجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) .

وروي معناه من وجوهٍ كثيرةٍ: وفي ( ( صحيح مسلمٍ) ) عن ابن مسعودٍ، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هم أن يحرق على من يتخلف عن الجمعة بيوتهم، وقد سبق ذكره.

وخرج أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
( ( الجمعة حقٌ واجبٌ في جماعةٍ، إلا أربعة: عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌ، أو
مريضٌ)
)
.

قال أبو داود: طارق بن شهابٍ راى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يسمع منه شيئاً.
قال البيهقي: وقد وصله بعضهم عن طارق، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس وصله بمحفوظٍ.
وخرج النسائي من حديث حفصة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( رواح الجمعة واجبٌ على كل محتلم) ) .

وخرج ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبهم، فقال في خطبيه: ( ( إن الله فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا الى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام عادل أو جائرٌ، استخفافاً بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حج له، ولا صوم له، ولا بركة حتى يتوب، فمن تاب تاب الله
عليه)
)
.

وفي إسناده ضعفٌ واضطرابٌ واختلافٌ، قد أشرنا إلى بعضه فيما تقدم في ( ( أبواب الإمامة) ) وفيه: دليلٌ على أن الجمعة إنما فرضت بالمدينة؛ لأن جابراً إنما صحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهد خطبته بالمدينة، وهذا قول جمهور العلماء.

ويدل عليه –أيضاً -: أن سورة الجمعة مدنيةٌ، وأنه لم يثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي الجمعة بمكة قبل هجرته.

ونص الإمام أحمد على أن أول جمعةٍ جمعت في الإسلام هي التي جمعت بالمدينة مع مصعب بن عميرٍ.

وكذا قال عطاء والأوزاعي وغيرهما.
وزعم طائفةٌ من الفقهاء: أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة، وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصليها بمكة قبل أن يهاجر.

واستدل لذلك: بما خرَّجه النسائي في ( ( كتاب الجمعة) ) من حديث المعافى بن عمران، عن إبراهيم بن طهان، عن محمد ابن زياد، عن أبي هريرة قال: إن أول جمعةٍ جمعت –بعد جمعة جمعت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة –بجواثاء بالبحرين –قرية لعبد القيس.

وقد خرَّجه البخاري –كما سيأتي في موضعه – من طريق أبي عامر العقدي، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة، عن ابن عباسٍ، أن أول جمعة جمعت –بعدجمعة في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين.

وكذا رواه وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، ولفظه: إن أول جمعة جمعت في الإسلام –بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة –لجمعة جمعت بجواثاء – قرية من قرى البحرين.

خرَّجه أبو داود.

وكذا رواه ابن المبارك وغيره، عن إبراهيم بن طهمان.

فتبين بذلك: أن المعافى وهم في إسناد الحديث ومتنه، والصواب: رواية
الجماعة، عن إبراهيم بن طهمان.

ومعنى الحديث، أن أول مسجدٍ جمع فيه –بعد مسجد المدينة -: مسجد جواثاء، وليس معناه: أن الجمعة التي جمعت بجواثاء كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمعت بالمدينة، كما قد يفهم من بعض ألفاظ الروايات؛ فإن عبد القيس إنما وفد على
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح، كما ذكره ابن سعد، عن عروة بن الزبير وغيره.

وليس المراد به –أيضاً - أن أول جمعة في الإسلام في مسجد المدينة، فإن أول جمعة جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات، قبل أن يقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وقبل أن يبني مسجده.

يدل على ذلك: حديث كعب بن مالكٍ، أنه كان كلما سمع أذان الجمعة استغفر لأسعد بن زرارة، فسأله ابنه عن ذلك، فقال: كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة في نقيع الخضمات، في هزم النبيت، من حرة بني بياضة، قيل له: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلاً.

خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه –مطولاً.

وروى أبو إسحاق الفزاري في ( ( كتاب السير) ) له، عن الأوزاعي، عمن
حدثه، قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصعب بن عمير القرشي إلى المدينة، قبل أن يهاجر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( ( أجمع من بها من المسلمين، ثم انظر اليوم الذي تجمر فيه اليهود لسبتها، فإذا مال النهار عن شطره فقم فيهم، ثم تزلفوا إلى الله بركعتين) ) .

قال: وقال الزهري: فجمع بهم مصعب بن عمير في دار من دور الأنصار، فجمع بهم وهم بضعة عشر.

قال الأوزاعي: وهو أول من جمع بالناس.
وقد خرّج الدارقطني –أظنه في ( ( أفراده) ) –من رواية أحمد بن محمد بن غالب الباهلي: نا محمد بن عبد الله أبو زيد المدني: ثنا المغيرة بن عبد الرحمن: ثنا مالكٌ، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ، قال: أذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجمع بمكة ولا يبين لهم، وكتب إلى مصعب بن عمير: ( ( أما بعد، فانظر اليوم الذي تجمر فيه اليهود لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين) ) .

قال: فهو أول من جمع مصعب بن عمير، حتى قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، فجمع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك.

وهذا إسنادٌ موضوعٌ، والباهلي هو: غلام خليلٍ، كذاب مشهور بالكذب، وإنما هذا أصله من مراسيل الزهري، وفي هذا السياق ألفاظٌ منكرةٌ.

وخرج البيهقي من رواية يونس، عن الزهري، قال: بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجمع بالمسلمين مصعب بن عميرٍ.

وروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) عن معمر، عن الزهري، قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصعب بن عمير إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن، فاستأذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجمع بهم، فاذن له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس يومئذٍ بأميرٍ، ولكنه انطلق يعلم أهل امدينة.

وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: من أول من جمع؟ قال: رجلٌ من بني عبد الدار –زعموا -، قلت: أفبأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فمه.

وخرَّجه الأثرم من رواية ابن عيينة، عن ابن جريج، وعنده: قال: نعم، فمه.
قال ابن عيينة: سمعت من يقول: هو مصعب بن عميرٍ.

وكذلك نص الإمام أحمد في - رواية أبي طالب – على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو امر مصعب بن عمير أن يجمع بهم بالمدينة.

ونص أحمد –أيضاً - على أن أول جمعة جمعت في الإسلام هي الجمعة التي جمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير.

وقد تقدم مثله عن عطاء والأوزاعي.

فتبين بهذا: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بإقامة الجمعة بالمدينة، ولم يقمها بمكة، وهذا يدل على أنه كان قد فرضت عليه الجمعة بمكة.

وممن قال: إن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة: أبو حامد الاسفراييني من الشافعية، والقاضي أبو يعلى في ( ( خلافه الكبير) ) من أصحابنا، وابن عقيل في ( ( عمد الادلة) ) ، وكذلك ذكره طائفة من المالكية، منهم: السهيلي وغيره.

وأما كونه لم يفعله بمكة، فيحمل أنه إنما امر بها أن يقيمها في دار الهجرة، لا في دار الحرب، وكانت مكة إذ ذاك دار حربٍ، ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم، وكانوا خائفين على أنفسهم، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة، والجمعة تسقط بأعذارٍ كثيرةٍ منها الخوف على النفس والمال.

وقد أشار بعض المتأخرين من الشافعية إلى معنى آخر في الامتناع من إقامتها بمكة، وهو: أن الجمعة إنما يقصد بإقامتها اظهار شعار الإسلام، وهذا إنما يتمكن منه في دار الإسلام.

ولهذا لا تقام الجمعة في السجن، وإن كان فيه أربعون، ولا يعلم في ذلك خلافٌ بين العلماء، وممن قاله: الحسن، وابن سيرين، والنخعي، والثوري، ومالك، وأحمد، وإسحاق وغيرهم.

وعلى قياس هذا: لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكانٍ واحدٍ؛ فإنهم لا يصلون فيه جمعةً، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى؛ لا سيما وأبو حنيفة وأصحابه يرون أن الإقامة في دار الحرب – وإن طالت – حكمها حكم السفر، فتقصر فيها الصلاة أبداً، ولو اقام المسلم باختياره، فكيف إذا كان أسيراً مقهوراً؟
وهذا على قول من يرى إشتراط إذن الإمام لإقامة الجمعة، أظهر، فأما على قول من لا يشترط إذن الإمام، فقد قال الإمام أحمد في الأمراء إذا أخروا الصلاة يوم الجمعة: فيصليها لوقتها ويصليها مع الإمام، فحمله القاضي أبو يعلى في ( ( خلافه) ) على أنهم يصلونها جمعة لوقتها.

وهذا بعيدٌ جداً، وإنما مراده: أنهم يصلون الظهر لوقتها، ثم يشهدون الجمعة مع الأمراء.

وكذلك كان السلف الصالح يفعلون عند تأخير بني أمية للجمعة عن وقتها، ومنهم من كان يومئ بالصلاة وهو جالسٌ في المسجد قبل خروج الوقت، ولم يكن أحد منهم يصلي الجمعة لوقتها، وفي ذلك مفاسد كثيرة تسقط الجمعة بخشية بعضها.

وفي ( ( تهذيب المدونة) ) للمالكية: وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر جمع الناس لأنفسهم أن قدروا، وإلا صلوا ظهراً، وتنفلوا بصلاتهم معهم.

قال: ومن لا تجب عليه الجمعة مثل المرضى والمسافرين وأهل السجن فجآئز أن يجمعوا.

وأراد بالتجميع هنا: صلاة الظهر جماعةً، لا صلاة الجمعة؛ فإنه قال قبله: وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم فلا يجمعوا.

والفرق بين صلاة الظهر جماعةً يوم الجمعة، ممن تجب عليه وممن لا تجب عليه: أن من تجب عليه يتهم في تركها، بخلاف من لا تجب عليه فإن عذره ظاهرٌ.

وقد روي عن ابن سيرين، أن تجميع الانصار بالمدينة إنما كان عن رأيهم، من غير أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالكلية، وأن ذلك كان قبل فرض الجمعة.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في ( ( مسائله) ) : ثنا أبي: ثنا اسماعيل –هو: ابن عليه -: ثنا ايوب، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن الانصار قبل قدوم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله علينا
به، فقالوا: يوم السبت، ثم قالوا: لا نجامع اليهود في يومهم، قالوا: يوم الأحد، قالوا: لا نجامع النصارى في يومهم.

قالوا: فيوم العروبة: قال: وكانوا يسمون يوم الجمعة: يوم العروبة، فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة، فذبحت لهم شاةٌ، فكفتهم.

وروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) عم معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سموها الجمعة، فقالت الأنصار: لليهود يومٌ يجتمعون فيه كل ستة أيامٍ، وللنصارى –أيضاً - مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه، ونذكر الله عز وجل، ونصلي ونشكره –أو كما فقالوا -، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوا يوم
العروبة، وكانوا يسمون يوم الجمعة: يوم العروبة، فاجتمعوا إلى اسعد بن زرارة، فصلى بهم وذكرهم، فسموه: يوم الجمعة حين اجتمعوا اليه، فذبح أسعد بن زراره لهم شاة، فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة ليلتهم، فأنزل الله بعد ذلك: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] .

فوقع في كلام الإمام أحمد: أن هذه هي الجمعة التي جمعها مصعب بن عميرٍ، وهي التي ذكرها كعب بن مالكٍ في حديثه، أنهم كانوا أربعين رجلاً.

وفي هذا نظرٌ.

ويحتمل أن يكون هذا الاجتماع من الأنصار كان باجتهادهم قبل قدوم مصعبٍ إليهم، ثم لما قدم مصعب عليهم جمع بهم بأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان الإسلام حينئذ قد ظهر وفشا، وكان يمكن إقامة شعار الإسلام في المدينة، وأما اجتماع الأنصار قبل ذلك، فكأن في بيت اسعد بن زرارة قبل ظهور الإسلام بالمدينة وفشوه، وكان باجتهاد منهم، لا بأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


قال البخاري –رحمه الله -:
[ قــ :850 ... غــ :876 ]
- نا أبو اليمان: أنا شعيب: نا أبو الزناد، أن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج مولى ربيعة بن الحارث حدثه، أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غدٍ) ) .

قوله: ( ( نحن الآخرون) ) –يعني: في الزمان؛ فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم.

وقوله: ( ( السابقون) ) –يعني: في الفضل والكرامة على الله؛ قالَ الله تعالى: ... { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:11] .

وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل) ) .
وفي رواية أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا الحديث -: ( ( نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيأمة، المقضى لهم قبل الخلائق) ) .

خرَّجه مسلم.
امة
وخرَّجه من حديث حذيفة –بمثله.

وخرّج من حديث أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في هذا الحديث زيادةٌ: ( ( ونحن أول من يدخل الجنة) ) .

وهذا كله –أيضاً - من سبقهم؛ فإنهم أول من يحاسب يوم القيأمة، ومن يجوز على الصراط، ومن يدخل الجنة.

وقوله: ( ( بيد) ) ، هو اسمٌ ملازم للإضافة إلى ( ( أن) ) وصلتها، ومعناه - هاهنا -: غير، ولا يستثنى به في الاتصال، بل في الانقطاع.

والمعنى: لكن أهل الكتاب أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا نحن الكتاب من
بعدهم، فلهم السبق في الزمان بهذا الاعتبار في الدنيا، لا في الفضل، ولا في الآخرة.

ونقل الربيع، عن الشافعي: أنه قال: ( ( بيد أنهم) ) : من أجل أنهم –فجعله تعليلاً.

وقوله: ( ( ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه) ) .

( ( ثم) ) –هاهنا - لترتيب الاخبار، ويحتمل أنه لترتيب المخبر به، والمراد: أنهم أوتوا الكتاب، ثم فرض عليهم هذا اليوم –والاشارة إلى يوم الجمعة -، فاختلفوا فيه، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق باذنه، فالناس لنا فيه تبعٌ.

وهذا - أيضاً - مما حازت به الأمة السبق مع تأخر زمانهم، فإن اليهود والنصارى لما فرض عليهم تعظيم الجمعة، والعبادة فيه لله، واتخاذه عيداً للاجتماع فيه لذكر الله فيه، ضلوا عنه، فاختارت اليهود السبت؛ لأنه يوم فرغ فيهِ الخلق، واختارت النصارى الأحد؛ لأنه يوم بدئ فيه الخلق، فهدانا الله للجمعة، فصار عيدنا أسبق من عيدهم، وصاروا لنا في عيدنا تبعاً، فمنهم من عيده الغد من يوم الجمعة، ومنهم من عيده بعد
غدٍ.

وإنما ضلت الطائفتان قبلنا لتقديمهم رأيهم على ما جاءت به رسلهم وانبياؤهم، واهتدت هذه الأمة باتباعهم ما جاءهم به رسلهم عن ربهم، من غير تغيير له ولا تبديلٍ.

وفي الحديث: دليلٌ على أن الجمعة فرض من الله واجب علينا، كما كان على من قبلنا، فإن الله فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة، واتخاذه عيداً ومجمعاً لذكر الله
وعبادته، فبدلوه بغيره من الايام، وهدانا الله لهُ، فدل ذَلِكَ على أنه مفروض علينا تعظيمه، واتخاذه عيداً؛ لذكر الله والاجتماع فيه لعبادته، وهذا من أدل دليلٍ على أن شهود الجمعة فرض على هذه الأمة.

* * *

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب الجمعة
بضم الميم إتباعًا لضمة الجيم، كعسر في عسر، اسم من الاجتماع أضيف إليه اليوم والصلاة، ثم كثر الاستعمال حتى حذف منه الصلاة.
وجوز إسكانها على الأصل للمفعول كهزأة، وهي لغة تميم؛ وقرأ بها المطوعي عن الأعمش، وفتحها بمعنى فاعل، أي: اليوم الجامع، فهو كهمزة، ولم يقرأ بها، واستشكل كونه أنّث، وهو صفة اليوم.
وأجيب: بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة، كما في رجل علاّمة، أو هو صفة للساعة وحكي الكسر أيضًا.
( بسم الله الرحمن الرحم) .
كذا ثبتت البسملة هنا في رواية الأكثرين، وقدمت في رواية، وسقطت لكريمة ولأبي ذر،عن الحموي.

باب فَرْضِ الْجُمُعَةِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الجمعة: 9] .

( باب فرض الجمعة) .

( لقول الله تعالى: { إذا نُودي للصلاة} ) أذن لها عند قعود الإمام على المنبر ( من يوم الجمعة) بيان وتفسير لإذا، وقيل بمعنى في ( { فاسعوا إلى ذكر الله} ) موعظة الإمام أو الخطبة أو الصلاة، أو هما معًا، والأمر بالسعي لها يدل على وجوبها إذ لا يدل السعي إلا على واجب، أو هو مأخوذ من مشروعية النداء لها، إذ الأذان من خواص الفرائض، واستدلال المصنف بهذه الآية على الفرضية،

كالشافعي رضي الله عنه في الأم، ( { وذروا الببع} ) المعاملة، فإنها حرام حينئذ، وتحريم المباح لا يكون إلاّ لواجب ( { ذلكم} ) أي: السعي إلى ذكر الله ( { خير لكم} ) [الجمعة: 9] .
من المعاملة، فإن نفع الآخرة خير وأبقى ( { إن كنتم تعلمون} ) إن كنتم من أهل العلم.

ولفظ رواية ابن عساكر: فاسعوا إلى قوله: تعلمون، وزاد أبو ذر عن الحموي تفسير: فاسعوا، قال: فامضوا.
وبها قرأ عمر، رضي الله عنه، كما سيأتي في التفسير، إن شاء الله تعالى.

وعن الحسن: ليس المراد السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنيّة والخشوع.

وعن الشافعي رحمه الله: السعي، في هذا الموضع: العمل، ومذهب الشافعية والمالكية والحنابلة وزفر: أن الجمعة فرض الوقت، والظهر بدل عنها.
وبه قال محمد في رواية عنه، وفي القديم للشافعي.

وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف الفرض الظهر.
وقال محمد في رواية: الفرض أحدهما.


[ قــ :850 ... غــ : 876 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ: الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».

وبالسند السابق إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدّثنا أبو الزناد) بكسر الزاي، عبد الله بن ذكوان ( أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث، حدّثه أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( نحن الآخرون) زمانًا في الدنيا ( السابقون) أهل الكتاب وغيرهم منزلة وكرامة ( يوم القيامة) في الحشر والحساب والقضاء لهم قبل الخلائق، وفي دخول الجنة.

ورواه مسلم بلفظ: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والسابقون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق".

( بيد أنهم) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الدال المهملة، بمعنى غير الاستثنائية، أي: نحن السابقون للفضل، غير أن اليهود والنصارى، ( أوتوا الكتاب) التوراة والإنجيل ( من قبلنا) .

زاد في رواية أبي زرعة الدمشقي، عن أبي اليمان، شيخ المؤلّف، فيما رواه الطبراني في مسند الشاميين عنه: "وأوتيناه.
أي: القرآن، من بعدهم".
وذكره المؤلّف من وجه آخر عن أبي هريرة تامًّا

بعد أبواب.
( ثم هذا) أي: يوم الجمعة ( يومهم الذي فرض عليهم) وعلينا تعظيمه بعينه، أو الاجتماع فيه.

وروى ابن أبي حاتم عن السدي: "أن الله فرض على اليهود الجمعة، فقالوا: يا موسى، إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا فاجعله لنا؛ فجعل عليهم".

وفي بعض الآثار مما نقله أبو عبد الله الأبي: أن موسى عليه الصلاة والسلام عيّن لهم يوم الجمعة، وأخبرهم بفضيلته، فناظروه بأن السبت أفضل، فأوحى الله تعالى إليه: دعهم وما اختاروا".

والظاهر أنه عينّه لهم، لأن السياق دلّ على ذمّهم في العدول عنه.
فيجب أن يكون قد عيّنه لهم.
لأنه لو لم يعيّنه لهم ووكّل التعيين إلى اجتهادهم، لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه.

فإذا أدّى الاجتهاد إلى أنه السبت أو الأحد، لزم المجتهد ما أدى الاجتهاد إليه، ولا يأثم ويشهد له قوله: "هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه".
فإنه ظاهر.
أو نص في التعيين وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، وكيف لا، وهم القائلون: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93، والنساء: 46] .

ولأبي ذر وابن عساكر، عن الحموي: هذا يومهم الذي فرض الله عليهم ( فاختلفوا فيه) هل يلزم بعينه، أم يسوغ لهم إبداله بغيره من الأيام، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا ( فهدانا الله له) بأن نص لنا عليه ولم يكلنا إلى اجتهادنا لاحتمال أن يكون، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، علمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها بها.

وفيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني: ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، أو: هدانا الله له بالاجتهاد.

كما يدل عليه مرسل ابن سيرين عند عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولفظه: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقبل أن ينزل الجمعة، قالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا فيه إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم.
الحديث.

وله شاهد بإسناد حسن عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث كعب بن مالك.
قال: كان أول مَن صلّى بنا الجمعة قبل مقدم رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة أسعد بن زرارة.

( فالناس لنا فيه تبع) ولأبي ذر: فالناس لنا تبع ( اليهود) أي: تعييد اليهود ( غدًا) يوم السبت ( و) تعييد ( النصارى بعد غد) يوم الأحد كذا قدّره ابن مالك ليسلم من الأخبار بظرف الزمان عن الجنة.

ووجه اختيار اليهود يوم السبت لزعمهم أنه يوم فرغ الله فيه من خلق الخلق، قالوا: فنحن نستريح فيه من العمل، ونشتغل بالعبادة والشكر.


والنصارى: الأحد، لأنه أول يوم بدأ فيه بخلق الخلق، فاستحق التعظيم.

وقد هدانا الله تعالى للجمعة لأنه خلق فيه آدم عليه الصلاة والسلام، والإنسان إنما خلق للعبادة.
وهو اليوم الذي فرضه الله تعالى عليهم، فلم يهدهم له، وادّخره لنا.

واستدلّ به النووي رحمه الله تعالى على فرضية الجمعة لقوله: فرض عليهم، فهدانا الله له.
فإن التقدير فرض عليهم وعلينا، فضلوا وهدينا.

ويؤيده رواية مسلم عن سفيان عن أبي الزناد: كتب علينا.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (كِتَابُ الجُمُعَةِ)
هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْجُمُعَة، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى: أَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب، والأبواب تجمع الْفُصُول، وَهَذِه التَّرْجَمَة ثبتَتْ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَكِن مِنْهُم من قدمهَا على الْبَسْمَلَة، وَالْأَصْل تَقْدِيم الْبَسْمَلَة، وَلَيْسَت هَذِه التَّرْجَمَة مَوْجُودَة فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ، وَهِي، بِضَم الْمِيم على الْمَشْهُور، وَحكى الواحدي إسكان الْمِيم وَفتحهَا، وقرىء بهَا فِي الشواذ، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ..
     وَقَالَ  الزّجاج: قرىء بِكَسْرِهَا أَيْضا.

     وَقَالَ  الْفراء: خففها الْأَعْمَش وثقلها عَاصِم وَأهل الْحجاز،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: من ثقل اتبع الضمة الضمة، وَمن خفف فعلى الأَصْل، والقراء قرءوها بالتثقيل.
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: من قَالَ بالتسكين قَالَ فِي جمعه جمع، وَمن قَالَ بالتثقيل قَالَ فِي جمعه جمعات.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَسْمِيَة هَذَا الْيَوْم بِالْجمعَةِ، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: إِنَّمَا سمي يَوْم الْجُمُعَة لِأَن الله تَعَالَى جمع فِيهِ خلق آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وروى ابْن خُزَيْمَة عَن سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا: (يَا سلمَان مَا تَدْرِي يَوْم الْجُمُعَة؟ قلت: الله أعلم وَرَسُوله أعلم.
قَالَ: بِهِ جمع أَبوك أَو أبوكم) وَفِي (الأمالي) لثعلب: إِنَّمَا سمي يَوْم الْجُمُعَة لِأَن قُريْشًا كَانَت تَجْتَمِع إِلَى قصي فِي دَار الندوة.
وَقيل: لِأَن كَعْب بن لؤَي كَانَ يجمع فِيهِ قومه فيذكرهم وَيَأْمُرهُمْ بتعظيم الْحرم، ويخبرهم بِأَنَّهُ سيبعث مِنْهُ نَبِي.
وروى ذَلِك الزبير فِي (كتاب النّسَب) عَن أبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن مَقْطُوعًا.
وَفِي كتاب (الدَّاودِيّ) : سمي يَوْم الْجُمُعَة يَوْم الْقِيَامَة لِأَن الْقِيَامَة تقوم فِيهِ النَّاس..
     وَقَالَ  ابْن حزم: وَهُوَ اسْم إسلامي.
وَلم يكن فِي الْجَاهِلِيَّة، إِنَّمَا كَانَت تسمى فِي الْجَاهِلِيَّة: الْعرُوبَة، فسميت فِي الْإِسْلَام: الْجُمُعَة، لِأَنَّهُ يجْتَمع فِيهِ للصَّلَاة، إسما مأخوذا من الْجمع، وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين قَالَ: جمع أهل الْمَدِينَة قبل أَن يقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَقبل أَن تنزل الْجُمُعَة، وهم الَّذين سَموهَا: الْجُمُعَة.
وَذَلِكَ أَن الْأَنْصَار قَالُوا: للْيَهُود يَوْم يَجْتَمعُونَ فِيهِ كل سَبْعَة أَيَّام، وَكَذَا لِلنَّصَارَى، فَهَلُمَّ فلنجهل يَوْمًا نَجْتَمِع فِيهِ، وَنَذْكُر الله وَنُصَلِّي ونشكره، فَاجْعَلُوهُ يَوْم الْعرُوبَة، وَكَانُوا يسمون يَوْم الْجُمُعَة: يَوْم الْعرُوبَة، فَاجْتمعُوا إِلَى أسعد فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ وَذكرهمْ فسموا: الْجُمُعَة، حِين اجْتَمعُوا إِلَيْهِ، وَذبح لَهُم أسعد شَاة فتغدوا وتعشوا من شَاة، وَذَلِكَ لقلتهم، فَأنْزل الله فِي ذَلِك بعد: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة) (الْجُمُعَة: 9) .
الْآيَة.
انْتهى..
     وَقَالَ  الزّجاج وَالْفراء وَأَبُو عبيد وَأَبُو عَمْرو: كَانَت الْعَرَب العاربة تَقول ليَوْم السبت: شبار، وليوم الْأَحَد: أول، وليوم الِاثْنَيْنِ: أَهْون، وليوم الثُّلَاثَاء: جَبَّار، وللأربعاء: دبار، وللخميس: مونس، وليوم الْجُمُعَة: الْعرُوبَة، وَأول من نقل الْعرُوبَة إِلَى يَوْم الْجُمُعَة: كَعْب بن لؤَي، ثمَّ لفظ الْجُمُعَة بِسُكُون الْمِيم، بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي: الْيَوْم الْمَجْمُوع فِيهِ، وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنى الْفَاعِل، أَي: الْيَوْم الْجَامِع للنَّاس.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ أنَّث الْجُمُعَة وَهُوَ صفة الْيَوْم؟ قلت: لَيست التَّاء للتأنيث، بل للْمُبَالَغَة كَمَا يُقَال: رجل عَلامَة، أَو: هِيَ صفة للساعة.

بابُُ فَرْضِ الجُمُعَةِ
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فرض الْجُمُعَة، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله.

لِقَوْلِ الله تعالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ الله وذَرُوا البَيْعَ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
قد قُلْنَا إِنَّه اسْتدلَّ على فَرضِيَّة صَلَاة الْجُمُعَة بقوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: 9) .
الْآيَة، وَوَقع ذكر الْآيَة عِنْد الْأَكْثَرين إِلَى قَوْله: {وذروا البيع} (الْجُمُعَة: 9) .
وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي ذَر، سَاق جَمِيع الْآيَة.
قَوْله: ( {إِذا نُودي للصَّلَاة} ) (الْجُمُعَة: 9) .
أَرَادَ بِهَذَا النداء الْأَذَان عِنْد قعُود الإِمَام على الْمِنْبَر للخطبة، يدل على ذَلِك مَا روى الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد: (كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤذن وَاحِد لم يكن لَهُ مُؤذن غَيره، وَكَانَ إِذا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر أذن على الْمَسْجِد، فَإِذا نزل أَقَامَ الصَّلَاة، ثمَّ كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَذَلِك وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَذَلِك حَتَّى إِذا كَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكثر النَّاس وَتَبَاعَدَتْ الْمنَازل زَاد أذانا، فَأمر بِالتَّأْذِينِ الأول على دَار لَهُ بِالسوقِ، يُقَال لَهُ: الزَّوْرَاء، فَكَانَ يُؤذن لَهُ عَلَيْهَا، فَإِذا جلس عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْمِنْبَر أذن مؤذنه الأول، فَإِذا نزل أَقَامَ الصَّلَاة فَلم يعب ذَلِك عَلَيْهِ) .
قَوْله: (من يَوْم) ، بَيَان: لإذا، وَتَفْسِير لَهُ.
وَقيل: من يَوْم الْجُمُعَة أَي: فِي يَوْم الْجُمُعَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {أروني مَاذَا خلقُوا من الأَرْض} (فاطر: 240 والأحقاف: 40) .
أَي: فِي الأَرْض قَوْله: ( {إِلَى ذكر الله} ) أَي: إِلَى الصَّلَاة، وَعَن سعيد بن الْمسيب: فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله إِلَى موعظة الإِمَام، وَقيل إِلَى ذكر الله، إِلَى الْخطْبَة وَالصَّلَاة.
قَوْله: (وذروا البيع) أَي: اتْرُكُوا البيع وَالشِّرَاء، لِأَن البيع يتَنَاوَل الْمَعْنيين جَمِيعًا، وَإِنَّمَا يحرم البيع عِنْد الْأَذَان الثَّانِي،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: عِنْد خُرُوج الإِمَام..
     وَقَالَ  الضَّحَّاك: إِذا زَالَت الشَّمْس حرم البيع وَالشِّرَاء، وَقيل: أَرَادَ الْأَمر بترك مَا يذهل عَن ذكر الله من شواغل الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا خص البيع من بَينهَا لِأَن يَوْم الْجُمُعَة يَوْم يهْبط النَّاس فِيهِ من قراهم وبواديهم وينصبون إِلَى الْمصر من كل أَوب، وَوقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الْأَسْوَاق بهم إِذا انْفَتح النَّهَار وَتَعَالَى الضُّحَى، ودنا وَقت الظهيرة، وَحِينَئِذٍ تحر التِّجَارَة ويتكاثر البيع وَالشِّرَاء، فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْوَقْت مَظَنَّة الذهول بِالْبيعِ عَن ذكر الله، والمضي إِلَى الْمَسْجِد، قيل لَهُم: بَادرُوا تِجَارَة الْآخِرَة، واتركوا تِجَارَة الدُّنْيَا، واسعوا إِلَى ذكر الله الَّذِي لَا شَيْء أَنْفَع مِنْهُ وأربح، وذروا البيع الَّذِي نَفعه يسير وَربحه مُتَقَارب.
قَوْله: (ذَلِكُم) الْكَاف فِيهِ حرف الْخطاب، كالتاء فِي: أَنْت، وَذَلِكَ للدلالة على أَحْوَال المخاطبين وعددهم، فَإِذا أَشرت إِلَى وَاحِد مُذَكّر وخاطبت مثله قلت: ذَلِك، وَإِذا خاطبت اثْنَيْنِ قلت: ذلكما، وَإِذا خاطبت جمعا قلت: ذَلِكُم، وَإِذا خاطبت إِنَاثًا قلت: ذلكن.
قَوْله: (فَاسْعَوْا فامضوا) ، هَذِه فِي رِوَايَة أبي ذَر الْحَمَوِيّ وَحده، وَهُوَ تَفْسِير مِنْهُ للمراد بالسعي هُنَا، بِخِلَاف قَوْله فِي الحَدِيث الآخر: (فَلَا تأتوها تسعون) ، فَإِن المُرَاد بِهِ الجري وَفِي تَفْسِير النَّسَفِيّ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} (الْجُمُعَة: 9) .
فامضوا إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا لَهُ، وَعَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: سَمِعت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
يقْرَأ: فامضوا إِلَى ذكر الله، وَعنهُ: مَا سَمِعت عمر يقْرؤهَا قطّ إِلَّا: فامضوا إِلَى ذكر الله.
وروى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم: كَانَ عبد الله يقْرؤهَا: فامضوا إِلَى ذكر الله، وَيَقُول: لَو قرأتها: فَاسْعَوْا لسعيت حَتَّى يسْقط رِدَائي، وَهِي قِرَاءَة أبي الْعَالِيَة، وَعَن الْحسن: لَيْسَ السَّعْي على الْأَقْدَام وَلَقَد نهوا أَن يَأْتُوا الْمَسْجِد إلاّ وَعَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار، وَلَكِن بالقلوب وَالنِّيَّة والخشوع.
وَعَن قَتَادَة: أَنه كَانَ يَقُول فِي هَذِه الْآيَة: {فَاسْعَوْا} : أَن: تسْعَى بقلبك وعملك، وَهِي الْمَشْي إِلَيْهَا..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: السَّعْي فِي هَذَا الْموضع هُوَ الْعَمَل، فَإِن الله يَقُول: {إِن سعيكم لشتى} (اللَّيْل: 4) ..
     وَقَالَ  تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إلاّ مَا سعى} (النَّجْم: 39) ..
     وَقَالَ  تَعَالَى) {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا} .
(الْبَقَرَة: 205) [/ ح.

ثمَّ فَرضِيَّة الْجُمُعَة: باكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَنَوع من الْمَعْنى: أما الْكتاب: فالآية الْمَذْكُورَة، وَالْمرَاد من الذّكر فِيهَا الْخطْبَة بِاتِّفَاق الْمُفَسّرين، وَالْأَمر للْوُجُوب، فَإِذا فرض السَّعْي إِلَى الْخطْبَة الَّتِي هِيَ شَرط جَوَاز الصَّلَاة فَإلَى أصل الصَّلَاة كَانَ أوجب، ثمَّ أكد الْوُجُوب بقوله: (وذروا البيع) فَحرم البيع بعد النداء، وَتَحْرِيم الْمُبَاح لَا يكون إلاّ من أجل وَاجِب.
.
وَأما السّنة: فَحَدِيث جَابر وَأبي سعيد قَالَا: (خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.
) .
الحَدِيث، وَفِيه: (وَاعْلَمُوا أَن الله فرض عَلَيْكُم صَلَاة الْجُمُعَة.
.
) الحَدِيث.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الْجُمُعَة على من سمع النداء) ، وَعَن حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (رواح الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم) ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط مُسلم، قَالَه النَّوَوِيّ.
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة قد أَجمعت من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِلَى يَوْمنَا هَذَا على فرضيتها من غير إِنْكَار، لَكِن اخْتلفُوا فِي أصل الْفَرْض فِي هَذَا الْوَقْت، فَقَالَ الشَّافِعِي: فِي الْجَدِيد، وَزفر وَمَالك وَأحمد وَمُحَمّد فِي رِوَايَة: فرض الْوَقْت الْجُمُعَة، وَالظّهْر بدل عَنْهَا..
     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف الشَّافِعِي، فِي الْقَدِيم: الْفَرْض هُوَ الظّهْر، وَإِنَّمَا أَمر غير الْمَعْذُور بإسقاطه بأَدَاء الْجُمُعَة..
     وَقَالَ  مُحَمَّد، فِي رِوَايَة: فَرْضه أَحدهمَا غير عين، وَالتَّعْيِين إِلَيْهِ.
وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي حر مُقيم أدّى الظّهْر فِي أول وقته يجوز مُطلقًا، حَتَّى لَو خرج بعد أَدَاء الظّهْر إِلَيْهَا أَو لم يخرج لم يبطل فَرْضه، لَكِن عِنْد أبي حنيفَة يبطل بِمُجَرَّد السَّعْي مُطلقًا، وَعِنْدَهُمَا: لَا يبطل إلاّ إِذا أدْرك، وَعند الشَّافِعِي وَمن مَعَه: لَا يجوز ظَهره، سَوَاء أدْرك الْجُمُعَة أَو لَا، خرج إِلَيْهَا أَولا.
وَأما الْمَعْنى فلأنا أمرنَا بترك الظّهْر لإِقَامَة الْجُمُعَة، وَالظّهْر فَرِيضَة وَلَا يجوز ترك الْفَرْض إلاّ لفرض هُوَ آكِد مِنْهُ، وَأولى، فَدلَّ على أَن الْجُمُعَة آكِد من الظّهْر فِي الْفَرْضِيَّة، فَصَارَت الْجُمُعَة فرض عين..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ أَكثر الْفُقَهَاء على أَنَّهَا من فروض الْكِفَايَة.
قَالَ: هَذَا غلط، وَحكى أَبُو الطّيب عَن بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: غلط من قَالَ إِنَّهَا فرض كِفَايَة.
قلت: ابْن كج يَقُول: إِنَّهَا فرض كِفَايَة، وَهُوَ غلط ذكره فِي (الْحِلْية) و (شرح الْوَجِيز) وَفِي (الدِّرَايَة) : صَلَاة الْجُمُعَة فَرِيضَة محكمَة جاحدها كَافِر بِالْإِجْمَاع.


[ قــ :850 ... غــ :876 ]
- (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد أَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج مولى ربيعَة بن الْحَارِث حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا ثمَّ هَذَا يومهم الَّذِي فرض الله عَلَيْهِم فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فهدانا الله لَهُ فَالنَّاس لنا فِيهِ تبع الْيَهُود غَدا وَالنَّصَارَى بعد غَد) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " هَذَا يومهم الَّذِي فرض الله عَلَيْهِم " إِلَى آخِره.
(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
الثَّانِي شُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة.
الثَّالِث أَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وبالنون عبد الله بن ذكْوَان.
الرَّابِع الْأَعْرَج.
الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة.
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع والتحديث أَيْضا بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين حمصيين وهما أَبُو الْيَمَان وَشُعَيْب ومدنيين وهما أَبُو الزِّنَاد والأعرج وَأخرجه مُسلم عَن عَمْرو النَّاقِد وَابْن أبي عمر فرقهما وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن (ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عِنْد مُسلم " نَحن الْآخرُونَ وَنحن السَّابِقُونَ " وَمَعْنَاهُ نَحن الْآخرُونَ زَمَانا وَالسَّابِقُونَ يَعْنِي الْأَولونَ منزلَة وَيُقَال مَعْنَاهُ نَحن الْآخرُونَ لأجل إيتَاء الْكتاب لَهُم قبلنَا وَنحن السَّابِقُونَ لهداية الله تَعَالَى لنا لذَلِك وَيُقَال نَحن الْآخرُونَ الَّذين جَاءُوا آخر الْأُمَم وَالسَّابِقُونَ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْموقف وَالسَّابِقُونَ فِي دُخُول الْجنَّة ويوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم عَن حُذَيْفَة قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أضلّ الله عَن الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا فَكَانَ للْيَهُود يَوْم السبت وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد فجَاء الله بِنَا فهدانا الله تَعَالَى ليَوْم الْجُمُعَة فَجعل الْجُمُعَة والسبت والأحد كَذَلِك هم تبع لنا يَوْم الْقِيَامَة نَحن الْآخرُونَ من أهل الدُّنْيَا والأولون يَوْم الْقِيَامَة المقضى لَهُم قبل الْخَلَائق " وَقيل المُرَاد بِالسَّبقِ إِحْرَاز فَضِيلَة الْيَوْم السَّابِق بِالْفَضْلِ وَهُوَ الْجُمُعَة وَقيل المُرَاد بِالسَّبقِ السَّبق إِلَى الْقبُول وَالطَّاعَة الَّتِي حرمهَا أهل الْكتاب فَقَالُوا سمعنَا وعصينا قَوْله " بيد " بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ مثل غير وزنا وَمعنى وإعرابا وَيُقَال ميد بِالْمِيم وَهُوَ اسْم ملازم للإضافة إِلَى أَن وصلتها وَله مَعْنيانِ أَحدهمَا غير إِلَّا أَنه لَا يَقع مَرْفُوعا وَلَا مجرورا بل مَنْصُوبًا وَلَا يَقع صفة وَلَا اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا وَإِنَّمَا يسْتَثْنى بِهِ فِي الِانْقِطَاع خَاصَّة.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام وَمِنْه الحَدِيث " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب قبلنَا " وَفِي مُسْند الشَّافِعِي بأيد أَنهم وَفِي مجمع الغرائب بعض الْمُحدثين يرويهِ بأيدانا أوتينا أَي بِقُوَّة إِنَّا أعطينا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ غلط لَيْسَ لَهُ معنى يعرف وَزعم الدَّاودِيّ أَنَّهَا بِمَعْنى على أَو مَعَ قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِن كَانَت بِمَعْنى غير فينصب على الِاسْتِثْنَاء وَإِذا كَانَت بِمَعْنى مَعَ فينصب على الظّرْف وروى ابْن أبي حَاتِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَن الرّبيع عَنهُ أَن معنى بيد من أجل وَكَذَا ذكره ابْن حبَان وَالْبَغوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي.

     وَقَالَ  عِيَاض هُوَ بعيد.

     وَقَالَ  بَعضهم وَلَا بعد فِيهِ بل مَعْنَاهُ إِنَّا سبقنَا بِالْفَضْلِ إِذْ هدينَا للْجُمُعَة مَعَ تأخرنا فِي الزَّمَان بِسَبَب أَنهم ضلوا عَنْهَا مَعَ تقدمهم انْتهى (قلت) استبعاد عِيَاض موجه وَنفى هَذَا الْقَائِل الْبعد بعيد لفساد الْمَعْنى لِأَن بيد إِذا كَانَ بِمَعْنى من أجل يكون الْمَعْنى نَحن السَّابِقُونَ لأجل أَنهم أَتَوا الْكتاب وَهَذَا ظَاهر الْفساد على مَا لَا يخفى ثمَّ أكد هَذَا الْقَائِل كَلَامه بقوله وَيشْهد لَهُ مَا وَقع فِي فَوَائِد ابْن الْمقري فِي طرق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " نَحن الْآخرُونَ فِي الدُّنْيَا وَنحن أول من يدْخل الْجنَّة لأَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا " (قلت) هَذَا لَا يصلح أَن يكون شَاهدا لما ادَّعَاهُ لِأَن قَوْله لأَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا تَعْلِيل لقَوْله نَحن الْآخرُونَ فِي الدُّنْيَا قَوْله " أُوتُوا الْكتاب " أَي أَعْطوهُ وَالْمرَاد من الْكتب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَتكون الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد.

     وَقَالَ  بَعضهم اللَّام للْجِنْس وَهُوَ غير صَحِيح قَوْله " ثمَّ هَذَا " إِشَارَة إِلَى يَوْم الْجُمُعَة قَوْله " الَّذِي فرض الله عَلَيْهِم " هُوَ هَكَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين الَّذِي فرض عَلَيْهِم.

     وَقَالَ  ابْن بطال لَيْسَ المُرَاد أَن يَوْم الْجُمُعَة فرض عَلَيْهِم بِعَيْنِه فَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز لأحد أَن يتْرك مَا فرض الله عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤمن وَإِنَّمَا يدل وَالله أعلم أَنه فرض عَلَيْهِم يَوْم الْجُمُعَة ووكل إِلَى اختيارهم ليقيموا فِيهِ شريعتهم فَاخْتَلَفُوا فِي أَي الْأَيَّام هُوَ وَلم يهتدوا ليَوْم الْجُمُعَة وجنح القَاضِي عِيَاض إِلَى هَذَا ورشحه بقوله لَو كَانَ فرض عَلَيْهِم بِعَيْنِه لقيل فخالفوا بدل فَاخْتَلَفُوا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ يُمكن أَن يَكُونُوا أمروا بِهِ صَرِيحًا فَاخْتَلَفُوا هَل يلْزم تَعْيِينه أم يسوغ إِبْدَاله بِيَوْم آخر فاجتهدوا فِي ذَلِك فأخطأوا.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} قَالَ أَرَادوا الْجُمُعَة فأخطأوا وَأخذُوا السبت مَكَانَهُ (قلت) كَيفَ يشْهد لَهُ هَذَا وهم أخذُوا السبت لِأَنَّهُ جعل عَلَيْهِم وَإِن كَانَ أَخذهم بعد اخْتلَافهمْ فِيهِ فخطئوهم فِي إرادتهم الْجُمُعَة وَمَعَ هَذَا استقروا على السبت الَّذِي جعل عَلَيْهِم وَقيل يحْتَمل أَن يكون فرض عَلَيْهِم يَوْم الْجُمُعَة بِعَيْنِه فَأَبَوا وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أَسْبَاط بن نصر عَن السّديّ التَّصْرِيح بذلك وَلَفظه " إِن الله فرض على الْيَهُود الْجُمُعَة فَأَبَوا وَقَالُوا يَا مُوسَى إِن الله لم يخلق يَوْم السبت شَيْئا فاجعله لنا فَجعله عَلَيْهِم " وَلم يكن هَذَا بِبَعِيد مِنْهُم لأَنهم هم الْقَائِلُونَ سمعنَا وعصينا قَوْله " فهدانا الله لَهُ " يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الله قد نَص لنا عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَن تكون الْهِدَايَة إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْجُمُعَة فَإِن فِيهِ أَن أهل الْمَدِينَة قد جمعُوا قبل أَن يقدمهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فَإِن قلت) هَذَا مُرْسل (قلت) وَله شَاهد بِإِسْنَاد حسن أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة من حَدِيث كَعْب بن مَالك قَالَ " كَانَ أول من صلى بِنَا الْجُمُعَة قبل مقدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة أسعد بن زُرَارَة " قَوْله " تبع " بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَالْبَاء الْمُوَحدَة جمع تَابع كالخدم جمع خَادِم قَوْله " الْيَهُود غَدا " فِيهِ حذف تَقْدِيره يعظم الْيَهُود غَدا أَو الْيَهُود يعظمون غَدا فعلى الأول ارْتِفَاع الْيَهُود بالفاعلية وعَلى الثَّانِي بِالِابْتِدَاءِ وَلَا بُد من هَذَا التَّقْدِير لِأَن ظرف الزَّمَان لَا يكون خَبرا عَن الجثة فَحِينَئِذٍ انتصاب غَدا على الظَّرْفِيَّة وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله " وَالنَّصَارَى بعد غَد " وَالْمرَاد من قَوْله " غَدا السبت " وَمن قَوْله " بعد غَد " الْأَحَد وَإِنَّمَا اخْتَار الْيَهُود السبت لأَنهم زَعَمُوا أَنه يَوْم قد فرغ الله مِنْهُ عَن خلق الْخلق فَقَالُوا نَحن نستريح فِيهِ عَن الْعَمَل ونشتغل فِيهِ بِالْعبَادَة وَالشُّكْر لله تَعَالَى وَاخْتَارَ النَّصَارَى يَوْم الْأَحَد لأَنهم قَالُوا أول يَوْم بَدَأَ الله فِيهِ بِخلق الخليقة فَهُوَ أولى بالتعظيم فهدانا الله لليوم الَّذِي فَرْضه وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِي دَلِيل على فَرضِيَّة الْجُمُعَة وَهُوَ قَوْله " فرض الله عَلَيْهِم فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فهدانا الله لَهُ " لِأَن التَّقْدِير فرض الله عَلَيْهِم وعلينا فضلوا وهدينا وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي الزِّنَاد بِلَفْظ " كتب علينا " وَفِيه أَن الْهِدَايَة والإضلال من الله تَعَالَى كَمَا هُوَ قَول أهل السّنة وَفِيه أَن سَلامَة الْإِجْمَاع من الْخَطَأ مَخْصُوص بِهَذِهِ الْأمة وَفِيه دَلِيل قوي على زِيَادَة فضل هَذِه الْأمة على الْأُمَم السالفة وَفِيه سُقُوط الْقيَاس مَعَ وجود النَّص وَذَلِكَ أَن كلا مِنْهُمَا قَالَ بِالْقِيَاسِ مَعَ وجود النَّص على قَول التَّعْيِين فضلا وَفِيه التَّفْوِيض وَترك الِاخْتِيَار لِأَنَّهُمَا اختارا فضلا وَنحن علقنا الِاخْتِيَار على من هُوَ بِيَدِهِ فهدى وَكفى -